01‏/02‏/2011

ماذا بعد مفاوضات اسطنبول؟

ماذا بعد مفاوضات اسطنبول؟
د.خليل حسين
أستاذ القانون الدولي في الجامعة اللبنانية
نشرت في صحيفة الخليج الاماراتية 1-2-2011

بطبيعة الحال لم تكن جولة مفاوضات اسطنبول بين إيران ومجموعة الست، لتصل إلى خروق في جدار المواقف المتصلبة بين الطرفين.فالكعكة الصفراء بالنسبة لطهران كانت خارج إطار جدول المفاوضات قبل انطلاقها بتصريحات إيرانية واضحة معتبرة ان هذه القضية بالذات مكانها الوكالة الدولية للطاقة الذرية في جنيف وليس في اسطنبول،على قاعدة ان هذه الخطوة من التخصيب بالتحديد، هي مشمولة بالحقوق القانونية المفترضة للدول الموقعة على بروتوكول الوكالة،كما ان كامل هذه الدورة من الوجهة التقنية هي برعاية الوكالة وتحت نظرها الدائم،وبالتالي أرادت طهران قبل المفاوضات ان ترفض تقديم أي تنازل ولو بالشكل على حساب حقوقها دون مقابل يذكر من الطرف الآخر.
وبصرف النظر عن طبيعة هذا الحق الإيراني من عدمه،فان الموقف الغربي بشكل عام وبالتحديد الأمريكي،انطلق من سلة العروض التي قدمتها مجموعة الثلاثة الولايات المتحدة ،روسيا وفرنسا العام 2009، القاضي بتسليم طهران 1200 كلغ من اليورانيوم ضعيف التخصيب إلى روسيا مقابل مدَّها باليورانيوم المطلوب لتشغيل مفاعل طبي. بمعنى ان واشنطن تعلم سلفا ان هذا المقترح لن يكون كافيا في مفاوضات اسطنبول لإعادة جدولة المفاوضات العديمة الثقة بين الطرفين أصلا،علاوة على ذلك ان واشنطن تدرك سلفا برفضها أيضا للمقترح الإيراني في أيار 2010 والقاضي بإيداع هذه الكمية في أنقرة مقابل الحصول على ما تريده لتشغيل مفاعل البحث الطبي،أمرا سيؤدي بالتأكيد إلى حائط مسدود وسيؤدي بالتالي إلى جر جميع الأطراف إلى إعادة شراء الوقت من جديد، الأمر الذي سيشكل بيئة رابحة لطهران وهو الهدف الذي تبحث عنه في هذه المرحلة أيضا.
جانب آخر من آلية المفاوضات وموضوعاتها متعلق أيضا بالمسار الإيراني لإدارة المفاوضات حيث تمَّ التركيز أيضا على جانب مهم عمليا لكن لا يمكن الوصول من خلاله إلى نتائج محددة،وهو مناقشة نزع الأسلحة غير التقليدية في الشرق الأوسط وبالتحديد الإسرائيلية،الأمر الذي لم ولن يلقى آذانا أمريكية أو غربية صاغية، وبالتالي خطوة إضافية باتجاه تقطيع الوقت.
إذن، كلا الطرفين الإيراني والغربي انطلقا بجولة مفاوضات يعرفان سلفا سقفها ونتائجها وتداعياتها،وكل على طريقته أدرك سلفا كيف يمكن تخطيها؛لكن السؤال الذي يطرح نفسه ماذا بعد هذه الجولة،هل أغلقت الأبواب أم ان ثمة معطيات موجودة ستعيد الطرفان إلى طاولة المفاوضات مجددا؟ واقع الأمر ،رغم القلق الغربي والإسرائيلي المتنامي وبشكل سريع من طبيعة البرنامج وأهدافه، ثمة سياق أمريكي واضح باتجاه اخذ المزيد من الوقت لحسم خياراتها ،بخاصة ان مجموعة من العوامل المتصلة بالوضع الأمريكي في أفغانستان والعراق وأيضا في لبنان وغيرها من ملفات منطقة الشرق الأوسط ،تجعلها تنحو باتجاه العودة إلى سياسات إدارة الأزمات واحتوائها، بهدف الوصول إلى نقاط تكون قادرة فيها على الحسم لمصلحتها، ولمصلحة حلفائها في الدرجة الثانية.
في المقابل هل ان ظروف المنطقة حاليا ومستقبلها تنحو باتجاه الوضع القابل للاستثمار أميركيا، من الواضح من مجمل الملفات التي تتخبط فيها الإدارة الأمريكية حاليا ومن المتوقع مستقبلا، تجعلها عاجزة عن صناعة الظروف القابلة للبناء عليها واستثمارها،وبالتالي ان المراهنة على الوقت وشرائه لن يكون مفيدا من الوجهة الأمريكية وأيضا لحلفائها في المنطقة،بل ربما ان السير في هذا الاتجاه ستستفيد منه "إسرائيل" تحديدا لتوجيه ضربة عسكرية لمجمل البرنامج الإيراني رغم أجواء التطمين الغربي و"الإسرائيلي" أيضا بأن البرنامج النووي أعيد سنوات إلى الوراء بفضل فيروس "ستانسكت".
في مطلق الأحوال،ثمة إشارات أمريكية وغربية واضحة أطلقت بعيد انتهاء المفاوضات ،مفادها ان خطوط التواصل الغربية مفتوحة أمام طهران للعودة إلى طاولة المفاوضات، ما يشكل إشارة قوية أيضا ان لا حسم بين الطرفين في الوقت المنظور،بل أن سلسلة قادمة من الشد والجذب قادمة على المنطقة من خلال ملفاتها المفتوحة على كل الاحتمالات لترجمتها في اطر تفاوضية جديدة.
عقد ونصف من الزمن والعقوبات الاقتصادية الغربية مفروضة على طهران، بدءا من قانون داماتو الأمريكي وانتهاءً بسلسلة القرارات الدولية، جميعها لم تثني إيران عن برنامجها، فهل سيحتاج الطرفان إلى قرن ونصف من المفاوضات القادمة لتقتنع الولايات المتحدة ان من حق الدول ان تمضي نحو التقدم التكنولوجي بما يفيد شعوبها، وان من حق هذه الدول مطالبة واشنطن بالكف عن التعامل بازدواجية فاضحة عندما يتعلق الأمر "بإسرائيل"، بالتأكيد أنها أسئلة مشروعة ينبغي التعامل معها بجدية في وقت لا زالت فيه أميركا متمسّكة بالحوَّل السياسي تجاه القضايا والملفات المتشابهة.