08‏/05‏/2016

البروفسور خليل حسين
ارقام عربية مرعبة
الخليج 13-3-2016  

ثمة دلالات رمزية لواقع مزر تعيشه المجتمعات العربية ونظمها، انطلاقاً من موجات الهجرة غير المسبوقة منها واليها. ورغم أن حالات الهجرة الشرعية أو غير الشرعية، ليست أمراً جديداً على المجتمعات النامية ومنها العربية، إلا أن العوامل المستجدة، تجعل من هذا الأمر، موضوعاً ملحاً للمعالجة، إذ باتت الأمة العربية أمة مهاجرة، والشباب فيها تزداد نسبة هجرته أكثر بثلاثين مرة من أي حالات هجرة مسجلة في العالم، وهو أمر خطير، لما له من تداعيات اجتماعية واقتصادية، تمس بنية المجتمع العربي وكيانه ووجوده في أطر مجتمعية منظمة، ذات خصائص محددة.
فالمنطقة العربية بموقعها ومواردها، شكلت عبر التاريخ حالات جذب وطرد للهجرة، إلا أن شعوبها الآن، باتت تترك أوطانها ليس بفعل ممارسات الأنظمة الدكتاتورية أو سعيا عن فرص عمل، وإنما بفعل الحروب المندلعة والموت المجاني، والتي تشمل معظم المجتمعات العربية من العراق والسودان مروراً بليبيا وسوريا واليمن بالإضافة إلى التوتر الأمني والمواجهات في دول عربية وإفريقية عدة.
وبحسب تقرير الهجرة الدولي للعام 2015، ثمة أكثر من خمسين مليون لاجئ عبر العالم، وتعتبر المنطقة العربية الرقم الأصعب في المعادلة وعبر الاتجاهين، منها وإليها. فالهجرة إلى المنطقة العربية تعرّضت لنكسات هائلة، والمثل الليبي، هو الأوضح في هذا المجال، إذ تهجر نحو 750 ألف مهاجر من ليبيا مع مواطنيها الذين غادروها بسبب النزاعات القائمة. وفي سوريا ليست الحال بأفضل، إذ تخطى عدد اللاجئين منها الأربعة ملايين مواطن سوري، استقبل لبنان النسبة الأكبر من بينهم، ما يقارب مليوناً ومئة ألف مسجل رسمياً، بالإضافة إلى نحو أربعمئة ألف لا يمتلكون مستندات قانونية، وهو النزوح الأكبر بعد تهجير خمسة ملايين فلسطيني اغتصبت «إسرائيل» أرضهم. إضافة إلى هؤلاء ثمة نحو سبعة ملايين نازح داخل سوريا.
كما تسبب الغزو الأمريكي للعراق في العام 2003 بلجوء أعداد كبيرة من العراقيين إلى دول مجاورة، إذ وصل 2.5 مليون لاجئ، معظمهم إلى الأردن، وسوريا، ولبنان. ويضمّ القرن الإفريقي 965732 لاجئاً صومالياً مسجلاً، موزعين بين كينيا وإثيوبيا واليمن. يضاف إليهم 1107000 من النازحين داخلياً نتيجة النزاعات المستمرة منذ العام 2011، وموجات الجفاف والمجاعة. وترك النزاع في السودان حوالي 625870 لاجئاً إلى البلدان المجاورة حتى أواخر العام 2014، وحوالي 3100000 نازح في الداخل حتى بداية العام 2015. وفي السنوات الماضية، أدت النزاعات في إفريقيا الوسطى إلى موجات لجوء وهجرة قسرية عبر شمال إفريقيا، لا سيما السودان وليبيا ومصر. وسجل مقتل أكثر من 22400 مهاجر أثناء محاولتهم الانتقال بالقوارب عبر البحر الأبيض المتوسط إلى أوروبا.
في المقابل، تضم المنطقة العربية أعداداً كبيرة من المهاجرين. ففي العام 2013، بلغ عدد المهاجرين في الدول العربية 30308131 مهاجراً دولياً، أي أكثر من ضعف العدد الذي سجلته المنطقة في العام 1990، وهو 14848583، وتبلغ نسبة هؤلاء 8.24 في المئة من مجموع عدد السكان المنطقة العربية مقابل 6.5 في المئة في العام 1990، ويتوزع المهاجرون في مختلف أنحاء المنطقة، ويتركز معظمهم في بلدان مجلس التعاون الخليجي وبلدان المشرق العربي.
ويبدو أن ظاهرة الهجرات القسرية للسكان في المنطقة العربية، لن تتوقف ما لم تنتفِ أسباب ذلك، ما سيفاقم المشكلة ويزيدها تعقيداً، لذا ينبغي السعي للتوصل إلى حل سياسي يضع حداً للنزاعات التي تعصف بالمنطقة والتي تشكل أبرز أسباب الهجرة. كما ينبغي مراعاة خطط التنمية لمواهة احتياجات المهاجرين والنازحين والمجتمعات المضيفة على حد سواء.
ثمة أهمية فارقة لتمكين اللاجئين، والنازحين داخلياً، وغيرهم من المهاجرين من الاعتماد على الذات، بهدف تخفيف الأعباء الاقتصادية عن كاهل المجتمعات المضيفة. إلا أن هذه الإجراءات ينبغي أن تترافق مع تدابير لمعالجة البطالة في المجتمعات المحلية وهي في الأساس عالية المعدلات، وبخاصة بين الشباب والنساء، وهي أكثر الفئات تضرراً. كما هناك تحديات من نوع آخر متعلقة، بمسألة الاستدامة البيئية وعدم استهلاك الموارد الطبيعية بطريقة مخالفة للنظم البيئية، ما يؤدي إلى تدميرها. ولتجنب الآثار السلبية في المجتمعات المضيفة، لا بد من بذل جهود موازية لبناء علاقات طيبة بين المهاجرين قسراً والمجتمعات المحلية المضيفة لتجنب أسباب التوتر وهي في العادة كثيرة ومتنوعة، وغالباً ما تتسبب بأعمال عنف إضافية.
إن أسوأ ما تصل إليه الأمم والشعوب، أن تصبح مجتمعات قلقة، تبحث عن خلاصها بالهجرة، عندها سيكون الأمر أكثر تعقيداً، إذا ما تضافرت عوامل أخرى، كالتي تتعرض لها المجتمعات العربية حالياً، وهي بالمناسبة مخاطر بمستويات عالية تهدد بنية المجتمع العربي وأسسه وعوامل تطوره. - See more at: http://www.alkhaleej.ae/studiesandopinions/page/0beaee22-6c1c-41c7-ac7d-a0036341df47#sthash.16r3pxRg.dpuf