26‏/05‏/2016

الدستور السوري يلتحق بالعراقي


الدستور السوري يلتحق بالعراقي
د.خليل حسي
أستاذ القانون الدولي والدبلوماسي في الجامعة اللبنانية

       في العام 2005 وفي ظل الاحتلال الأميركي للعراق ، اصدر الحاكم العسكري دستورا غيّر بموجبه معالم النظام، إيديولوجيا وسياسيا،وصولا إلى نظام فدرالي. واليوم وفي ظل حالات شد وجذب دولي وإقليمي، وسط تعثر وقف إطلاق النار وتخفيف وتيرة مؤتمر جنيف،عملت روسيا وبقوة استنادا إلى القرار الدولي 2254 وبتفاهم أميركي، على التوصل إلى مشروع دستور سوري،  فيه الكثير من نزع الايدولوجيا عن نظام الحكم، وتكوين نظام سياسي لا مركزي سياسي، يتجه نحو الفدرلة، عبر إعادة فك وتركيب السلطات الدستورية
     فوفقا للمادة الأولى من مشروع الدستور، باتت تسمية الدولة "الجمهورية السورية"، بعد شطب "العربية". فيما أسقطت المادة الثالثة دين الرئيس ومصدر التشريع أي الإسلام. إلى جانب ذلك، باتت اللغة الكردية لغة رسمية بالمساواة مع اللغة العربية. وفي الجانب اللامركزية السياسية، أنشأت "جمعية المناطق" ، بصلاحية واسعة على حساب مركزية السلطة، على أن يبيّن القانون "وضعية الحكم الذاتي الثقافي الكردي" ، وعلى ان تتولى "جمعية المناطق" السلطة التشريعية إلى جانب "جمعية الشعب" ، كتسمية بديلة عن "مجلس الشعب"، والتي تعقد اجتماعاتها باستقلال عن «مجلس الشعب»، ويجوز لها عقد جلسات عامة للانتخاب والاستماع إلى رئيس الوزراء أو رئيس الجمهورية ، ولها الحق في وضع نظامها الداخلي. وينظم الدستور المقترح ، علاقة المجلسين عبر مواد محدّدة، وفي إحداها تجبر الرئيس التوقيع على أي قانون سبق ورفضه خلال سبعة أيام ، في حال وافقت عليه الجمعيتين المناطق والشعب بأغلبية الثلثين. كما أعطيت لجمعية الشعب حق تعيين المحكمة الدستورية ذلك على حساب الرئيس، كما تمَّ إلغاء نظام الكوتا لجهة تخصيص نصف أعضاء مجلس الشعب وفقا للدستور الحالي، أي من العمال والفلاحين.
       ووفقا لمشروع الدستور الروسي، ينتخب الرئيس لمدة سبع سنوات ولولاية واحدة، لا تجدد إلا بعد مرور ولاية أخرى،  وتشير مادة جديدة أخرى، إلى أنّ الرئيس يتولى "مهمة الوساطة بين سلطات الدولة وبين الدولة والمجتمع"، ولم يشر المشروع على أي سلطات تشريعية للرئيس. ويحقّ للرئيس إعلان التعبئة العامة على أن تطرح على جمعية المناطق للموافقة على إعلانها،كما يحق له إعلان حالة الطوارئ "بالموافقة المسبقة لجمعية المناطق". كما تتولى جمعية المناطق مهمات رئيس الجمهورية في حال الشغور الرئاسي ، أو عجز الرئيس عن تأدية مهماته، بعد إثبات عجز رئيس مجلس الوزراء أيضاً عن ذلك.
        كما أعطي لمجلس الوزراء صلاحيات واسعة على حساب الرئيس مقارنة بالدستور الحالي، فهي تحدد السياسات العامة، على أن تكون مسؤولة سياسيا أمام "جمعية المناطق" ، كما يُعيّن نوابا لرئيس مجلس الوزراء وفقا للأطياف القومية والطائفية في سوريا، ويحق للحكومة، في صلاحيات إضافية عن الدستور الحالي، "عقد معاهدات واتفاقيات تعطي الشركات الأجنبية حقوق الامتياز"، كما يحق لثلث أعضاء "جمعية المناطق" حجب الثقة عن الحكومة مثل «جمعية الشعب». كما لم يذكر المشروع ، أي إشارة لما ذكر في دستور 2012 بأنّ "رئيس مجلس الوزراء ونوابه والوزراء مسؤولون أمام رئيس الجمهورية"، وأنّ للأخير "الحق في إحالة هؤلاء إلى المحاكمة". وتجرى انتخابات "جمعية المناطق خلال فترة لا تزيد على سنة منذ تبني الدستور" ،  الجديد، الذي يعد نافذاً بعد إجراء استفتاء عليه.
    وفيما يتجه النظام الاقتصادي نحو نظام السوق، عبر عدم التدخل كما كان معتمدا لجهة إتباع نظام الاقتصاد الموجه، يشير المشروع إلى أنّ القوات المسلحة " تحت الرقابة من قبل المجتمع ولا تتدخل في مجال المصالح السياسية ولا تؤدي دوراً في عملية انتقال السلطة" ، وفيما لم تعد الخدمة العسكرية إلزامية ،ثمة إشارات واضحة إلى التعدّدية السياسية لدى الإشارة إلى الجمعيات الاجتماعية المتساوية أمام القانون. كما لحظ المشروع الروسي تعديل القسم الدستوري، ليُسقط مثلاً القسم بلفظ الجلالة، أو أي إشارة  إلى القومية العربية أو الاشتراكية.
       إذن ثمة تعديلات دستورية جوهرية أتت على طبيعة نظام الحكم، وهي تتوافق مع نزوع الواقع العربي الحالي نحو الفدرلة، كما جرى سابقا في العراق واليمن. ربما ثمة ضرورة لإعادة تكوين السلطة في بعض الدول العربية، ومرد ذلك فشل بعض الأنظمة في التعاطي مع بعض الأقليات المتواجدة فيها، لكن ذلك لا يعني بالضرورة أن تُعاقب شعوب ومجتمعات هذه الأنظمة على جرائم لم ترتكبها، كم يحصل اليوم.