08‏/05‏/2016

الفساد وعهد الثورات العربية

البروفسور خليل حسين
الفساد وعهد الثورات العربية
الخليج 7-5-2016  

للفساد حكايات تطول وتطول في مختلف الأنظمة السياسية، لكن ما يتميز به في بعض الدول العربية التي شملتها دراسة منظمة الشفافية الدولية، تظهر صورا أخرى، أكثر غرابة في طريقة التعاطي مع حل مثل تلك المعضلات السياسية الاجتماعية، التي باتت جزءاً من سلوك تم التعود عليه ولو عنوة، ووصلت الأمور إلى أن يكون الفساد سمة عامة في المؤسسات الخاصة والعامة.
الأغرب في ذلك، أن النتائج التي توصلت إليها الدراسة، تسلط الضوء على مسألتين مهمتين، الأولى، أن الفساد زاد بوتيرة متسارعة في الدول التي شهدت انتفاضات بهدف التغيير والتخلص من رواسب الفساد ومسببيه، والثانية انزلاق بعض الدول إلى حرب أهلية وترشيح دول ومجتمعات أخرى إلى المصير نفسه، ذلك يعني في كلتا الحالتين، أن الحراك في غير مكان عربي لم يؤد دوره المفترض للتغيير، بل جاءت النتائج معاكسة تماماً، وهنا تطرح أسئلة كثيرة عن أسباب ذلك، من بينها، هل أن هذه القوى غير مهيأة للتغيير أقله في العوامل الذاتية، أم أن ظروفاً موضوعية خارجية، أسهمت في هذا الفشل وشجعت على توسيع نطاق الفساد؟
في الواقع اللبناني مثلاً الذي تصدر القائمة من بين تسع دول شملتها الدراسة، تبدو الوقائع ونتائجها مريبة ومقلقة، فمثلاً كيف يمكن المضي في إجراء انتخابات بلدية، في وقت مضى على الفراغ الرئاسي سنتين، وفي الوقت ذاته تم تأجيل الانتخابات البرلمانية منذ عام 2009، فالسؤال البديهي الذي يطرحه اللبنانيون مثلاً، لماذا الفراغ الرئاسي وتأجيل النيابي وإجراء البلدي، رغم أن هذه الأخيرة تتطلب شروطا ومقاييس أدق بكثير من غيرها، حيث في الانتخابات البلدية مثلا، يتداخل فيها العنصر العائلي بالحزبي، كما الطائفي بالمناطقي، فيما الانتخابات التشريعية، وإن كانت هذه المؤثرات والعوامل موجودة، إلا أن حدتها وكلفتها هي أقل بكثير.
وفي لغة الأرقام، ثمة 61%، من المستفتين، عبروا بوضوح عن شعورهم بالإحباط تجاه ازدياد الفساد خلال السنوات الماضية، وتصل نسبة الذين يعتقدون أن الفساد ازداد إلى 92% في لبنان و75% في الأردن، مقابل 28% في مصر و26% في الجزائر. وأقرَّ 77% من المستطلعين في اليمن و50% في مصر، أنهم دفعوا رشوة لقاء خدمة عامة، مقابل 9% في تونس و4% في الأردن.
ثمة دلالات واضحة لتلك الأرقام، وبخاصة لجهة لبنان واليمن، حيث توصل التقرير إلى نتائج متلازمة لما يمكن أن يصل إليه لبنان مستقبلاً، بناءً على ما وصل إليه اليمن، أي الدخول في أتون حرب أهلية سبق أن مر بها، لكن هذه المرة ربما تكون أكثر قسوة وأضخم لجهة التداعيات والنتائج التي تبدو كارثية.
لقد توصَّل التقرير أيضاً إلى أن «عدم الرضا على قادة فاسدين وأنظمة فاسدة شكَّل محركاً أساسياً لرغبة المنطقة في التغيير، وخصوصاً خلال تظاهرات الربيع العربي. وبعد خمس سنوات، تشير الدراسة إلى أن الحكومات لم تبذل سوى القليل لتطبيق القوانين ضد الفساد». وفي الواقع أن النتائج التي أبرزت هي منطقية وواقعية، ومن الطبيعي في مثل تلك الحالات،أن تنزلق هذه المجتمعات إلى الحروب الأهلية، إذا وجدت الفئة الفاسدة مصلحة لها في ذلك، لاسيما أن مثل تلك الحروب الأهلية تبقيها في السلطة لمدد أطول.
ثمة من يحاول أن يصوّر ظاهرة الفساد نمطا وسلوكا مجتمعيا معمما في بعض المجتمعات، وعلى الرغم من وجود بعض المسوغات لتلك الطروح، إلا أن الأمر ليس بالضرورة أن يكون ظاهرة اجتماعية متفشية، أو يكون وباءً يستحيل التخلص منه. صحيح أن الفساد ظاهرة يمكن أن تتفشى هنا أو هناك، إلا أن أصل الموضوع، أن البشر بطبيعتهم تواقون إلى تجنب لصق الفساد بهم، وبالتالي ثمة مسببات ربما في أغلبيتها خارجة عن إرادتهم، هي من تجر هذه الظاهرة إلى حيث هم في السلطة أو القرار، إن كان في القطاع الخاص أو العام.
وبصرف النظر عن هذا التوصيف أو التبرير لمسببات ظاهرة الفساد، ثمة أمور غريبة تظهر هنا وهناك، من بينها أن الفساد استشرى حتى في القوى التي دعت إلى التغيير، بل باتت في كثير من الأحيان واجهة مطلبية للوصول إلى السلطة، ومن بعدها ممارسة الفساد وحتى الإفساد كما فعل غيرها. وهنا الطامة الكبرى، حيث يتم العمل والفعل على قاعدة... وداوني بالتي كانت هي الداء.

- See more at: http://www.alkhaleej.ae/studiesandopinions/page/43ae1660-8529-4e74-8f72-a8411754fd4a#sthash.kOEMcphi.dpuf