08‏/05‏/2016

حقيقة تجمع البريكس واماله


البرةفسور خليل حسين
حقيقة تجمع البريكس واماله 
الخليج 24-4-2016  

عندما تفجرت الأزمة المالية في الولايات المتحدة في عام 2008، ثمة من أعاد تركيزه على مجموعة البريكس كمجموعة اقتصادية وسياسية ناشئة، وأعاد طرح نموذجها كبديل عن النموذج الأمريكي في التنمية، وما يستتبعه من آثار مالية واقتصادية، وبالتالي سياسية على المستوى الدولي. في ظاهر الأمر وحتى تلك الفترة كان الأمر يبدو منطقياً وواقعياً، بالنظر إلى بعض الأرقام المالية والاقتصادية التي لا تعبر بالضرورة عن جوهر الأزمة المالية آنذاك، ولا تدقق أيضاً في خبايا وخفايا هذه الأرقام، وبالتالي ثمة شكوك قوية تطرح نفسها، حول مستقبل هذا التجمع ومدى قدرته على المنافسة المالية والاقتصادية، وبالتالي إسهامه في تعديل موازين القوى الدولية، وصولاً إلى إمكانية اعتباره قطباً متعدداً، بمواجهة الولايات المتحدة الأمريكية.
في الواقع نسجت أساطير مالية واقتصادية وأرقام فلكية هائلة، كان أساسها الاقتصاد الصيني الذي شهد معدلات نمو عالية إلى جانب بعض الدول الأخرى في هذه المجموعة، كان مرد ذلك الحاجة الكبيرة لعمليات التصنيع وإعادة البناء النوعي، ما أدى إلى عمليات استيراد كبيرة من مجموعة البريكس، علاوة على سياسات التمويل المتسامحة التي اتبعتها الصين، ما أدى إلى انفلاش مالي واسع برز بشكل واضح في السوق الأمريكي وبخاصة العام منه. كما أن معدلات النمو المرتفعة والتي بدت مبالغاً فيها، لم تترافق مع التحول الإنتاجي المفترض، بل اقترنت بالطلب المحلي، الذي نما نتيجة قفزات عابرة في أسعار السلع، والمستويات غير المستدامة من الاقتراض العام والخاص في آن معاً.
وبحسب دراسات صندوق النقد الدولي والمؤسسات المالية الدولية الأخرى، تتطلب التنمية الناجحة، أنْ يكون معدل الاستثمار بين 30 و35 في المئة من إجمالي الناتج المحلي، وضمن هذه المجموعة، حققتْ الهند معدلاً مقبولا من الاستثمار، كما أن الصين تمكنت من تجاوز هذا المعدل فبلغ 35 في المئة من إجمالي الناتج المحلي في عام 2000 وواصل ارتفاعه إلى 48 في المئة في عام 2009 و47 بالمئة في عام 2012. وفي المقابل، تراوحت معدلات الاستثمار في كل من روسيا، البرازيل وجنوب إفريقيا 18 و21 بالمئة، وبالتالي أدى انخفاض معدلات الاستثمار في هذه الدول، إلى آثار سيئة على الاقتصاديات الناشئة، وبالتالي عدم القدرة على تطوير الاقتصاد.
ومن اللافت أيضا، أن تلك الدول تمكنت من تحقيق نجاحات لافتة في الادخار، إلا أنها لم تتمكن بشكل كاف من الاستثمار وتطوير الأعمال. ومع ارتفاع أسعار الفائدة من غير المؤكد أن تتمكن من رفع نسب الاستثمار في العقد القادم، فضلاً عن الديون الهائلة المُتراكِمَة على الشركات المملوكة للدول وخاصة الشركات الصينية.
لقد حاولت مؤخراً كل من روسيا والصين إحياء مشروع أوراسيا كبيئة إقليمية تنموية، عبر الاتحاد الاقتصادي الأوراسي الذي تبناه الرئيس الصيني في عام 2013، والذي تأمل منه روسيا إعادة إحياء حلم السطوة السوفييتية عبر اتحاد اقتصادي. بالمقابل، تطالب البرازيل بسياسة أكثر استراتيجية تجاه الاقتصاديات المتقدمة، حيث ترى مصالحها الواقعية، أما الهند، فيبدو التوجس والخوف بادياً على مواقفها من الاقتصاد الصيني، فيما ترى جنوب إفريقيا، أن الفوائد المفترضة من التجمع متواضعة مقارنة بالفرص الإقليمية المتاحة لها.
في المحصلة، تبرز هذه الوقائع والأرقام، أزمة بنيوية في اقتصادات هذا التجمع، وأن صعوده غير المبرر عملياً، يُظهر جانباً كبيراً من أزمته الفعلية، المترافقة مع أزمة النظام العالمي في الأساس، ما أعطى هذا التجمع صورة وردية لدوره المحتمل أو المأمول في النظام العالمي، وهو أمر مبالغ فيه في ظل هذا الواقع المالي والاقتصادي. إن تغير أو تغيير موازين القوى الدولية، يتطلب أولاً وأخيراً اقتصادات قوية ومتماسكة، الأمر الذي حاولت كل دول هذه المجموعة الدخول من بابه، وبخاصة الصين، لكن للأسف، إن الأحلام شيء والواقع شيء آخر ؛ فأين تتجه هذه المجموعة؟ أمر مرهون بمدى قدرتها على إعادة هيكلة اقتصاداتها، إذا كانت تود أن تلعب دوراً ما في سياسات النظام الدولي الحالي، أو التي تحاول رسمه مستقبلاً. - See more at: http://www.alkhaleej.ae/studiesandopinions/page/7ba51ba2-08ce-4d33-9b61-2d20b1f7b649#sthash.pSS1Xya1.dpuf