08‏/05‏/2016

ماذا بعد توقيع الاتفاقية الاطارية للمناخ

البروفسور خليل حسين
ماذا بعد توقيع الاتفاقية الاطارية للمناخ
الخليج 28-4-2016   

تبدو الأرض في يومها العالمي، وكأنها تسبح في أتون غازات تبدو هي الأرفع في تاريخها، حيث سجل هذا العام مستويات قياسية، وهو أمر يستدعي دق النفير لمواجهة جادة، لأزمة لا تقل خطراً عن قضايا تواجهها الدول حاليا.
ويبدو أن توقيع 170 دولة على اتفاقية باريس، التي تم التصديق عليها في مقر الأمم المتحدة، مؤشر على تعامل المجتمع الدولي بهذا الملف، إذ باتت المشكلة أكبر بكثير من إمكانية مواجهتها بطرق تقليدية، وبات الوضع يتطلب أفعالاً لا أقوالاً، وبالتالي إن العبرة تكمن في الإجراءات التنفيذية لا بمجرد الالتزام بتوصيات من هنا أو هناك.
من حيث المبدأ، ستسهم اتفاقية باريس لتغير المناخ في الحفاظ على التنمية المستدامة، وتعمل على تحقيق هدف التنمية المستدامة، وقد اعتمدت أهداف التنمية المستدامة مؤخراً من قبل جميع الدول الأعضاء في الأمم المتحدة بهدف مكافحة الفقر وعدم المساواة والقضاء على المشكلات البيئية، فضلاً عن العمل من أجل نشر السلام والرخاء.
كما تعتبر اتفاقية باريس سابقة في نوعها، والتي هدفت لحث جميع الدول للحد من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون. كما تشمل الاتفاقية جزءاً إجبارياً وآخر إرادياً، إذ إن بعض نصوص الاتفاقية ملزم قانوناً، مثل تحديد وتقديم هدف لخفض الانبعاثات، ومراجعته بشكل دوري. ورغم ذلك، فالأهداف التي حددتها الدول هي غير ملزمة.
وقد سعت الاتفاقية إلى أمرين أساسيين، الحفاظ على ارتفاع درجة حرارة الأرض بأقل من درجتين مئويتين، وبذل المزيد من الجهود من أجل ألا يتعدى الارتفاع درجة ونصف فوق مستويات ما قبل الثورة الصناعية. ويختص الثاني بالتمويل، إذ أقر مبلغ 100 مليار دولار سنوياً للبلدان النامية في حلول عام 2020، إضافة إلى الالتزام بالمزيد من عمليات التمويل مستقبلا، ما يعني نظرياً، أن الدول النامية لن تسهم بأي مبالغ نقدية، وإنما الدول المتقدمة هي من ستتحمل التمويل.
وتشكل الاتفاقية إشارات واضحة بوجوب التزام الدول بتخفيض مستوى ثاني أكسيد الكربون، وبالتالي إن التحوّل نحو الطاقات البديلة بات أمراً ضرورياً، بمعنى آخر، ترسل الاتفاقية إشارات واضحة إلى أسواق الطاقة الدولية، بوجوب التحوّل النوعي، من الاستثمار في الفحم والنفط والغاز كمصادر للطاقة الأولية، إلى الاستثمار في مصادر الطاقة منخفضة الكربون، مثل طاقة الرياح والطاقة الشمسية.
إن أغلبية القطاعات الإنتاجية كالصناعة والزراعة والسياحة تعتمد بصورة شبه كاملة على الوقود الأحفوري، ما يولد نسبة كبيرة من انبعاثات الغازات الدفيئة، وبالتالي، فإن أي إجراءات ستتخذ في هذا الصدد في الدول التي تتبنى قوانين لخفض الانبعاثات بهدف الالتزام بالاتفاقية، قد تؤثر سلباً في طلب الوقود الأحفوري، الأمر الذي سيؤدي إلى تضرر اقتصادات الدول النفطية. وبالتالي تعتبر الاتفاقية تحدياً جدياً لهذه الدول، بخاصة أن النفط سيستمر لفترة أطول مما هو متوقع، فطبقاً لوكالة الطاقة الدولية، يمثل النفط والغاز نحو 53%من إجمالي إمدادات الطاقة الأولية.
ثمة تحديات قانونية ومالية كثيرة تواجه تنفيذ الاتفاقية، خاصة وأن محاولات كثيرة مماثلة جرت في السابق، ولم تكن النتائج مشجعة أو مقبولة، فمنذ مؤتمر ريو دي جانيرو في عام 1972 وحتى تاريخ التوقيع على اتفاقية باريس في 22 إبريل/نيسان الحالي، ثمة العديد من المصاعب التي واجهت العديد من المقررات، من بينها التصديق عليها من قبل برلمانات الدول وبالتالي بقاء المقررات دون آليات تنفيذية ملزمة للحكومات، إضافة إلى الجوانب التمويلية التي كانت سبباً دائماً لإعاقة التطبيق، سيما وأن الدول المتقدمة رصدت مبالغ لتقديمها لصالح الدول النامية، كما وأن الدول المتقدمة تعتبر المصدر الأكبر لتلويث البيئة والاحتباس الحراري، كالولايات المتحدة والصين وروسيا والهند. فهل سيكون مصير اتفاقية باريس الإطارية بداية حل أزمة عالمية تبدو كارثية على المجتمع البشري، أم ستكون مثل غيرها من الاتفاقيات؟ الأمر مرهون بجدية الدول الغنية بالتمويل وبصدق النيات. - See more at: http://www.alkhaleej.ae/studiesandopinions/page/fdab9f03-41b3-41ed-b9a5-b0d5348c7beb#sthash.Qz5fkmji.dpuf