08‏/05‏/2016

العلاقات العلاقات اللبنانية الايرانية في ظل الواقع اللبنانياللبنانية الايرانية في ظل الواقع اللبناني

اسم الطالب ديب هاشم
دكتوراه في العلوم السياسية
العنوان : العلاقات اللبنانية الايرانية في ظل الواقع اللبناني
 
    ناقش الطالب ديب هاشم اطروحته امام اللجنة المكون من الدكاترة خليل حسين رئيسا ومشرفا والرئيس عدنان السيد حسين وطوني عطالله وطارق المجذوب وايلي وبعد المناقشة والمداولة منحت اللجنة الطالب درجة الدكتور اللبنانية في العلوم السياسية بتقدير جيد جدا.
     ثمة تحول عميق حدث في تر كيا منذ تولي حزب العدالة والتنمية الحكم فيها، وهذا التحول ذو أهمية بالغة، وقد ترتبت عليه حتى الآن وستترتب مستقبلاً تداعيات على مستوى المحيط الإقليمي لتركيا، وعلى مستوى المجتمع الدولي بشكل عام، لا سيما ما يتصل بعلاقة الشرق بالغرب والعكس، نظراً لما لتركيا من دورٍ يصعب إنكاره على هذا الصعيد .

     ولعل إيران من أهم الدول المعنية بما يجري في تركيا، فهي جارة لها لناحية الشرق وحدودهما المشتركة تصل إلى 499 كلم، وتتقاطع اهتمامات سياستهما الخارجية في العديد من القضايا، من بينها على سبيل المثال القضية الكردية والمسألة العراقية ، والصراع العربي الإسرائيلي . ولقد أدى التحول التركي – في بداياته - إلى نوع من التقارب بين الدولتين، تزامن مع مشاكسات تركية صدعت بعض ثوابت تحالفاتها القديمة مع الغرب، وهزت بقوة علاقتها مع إسرائيل، وإن كانت لم تصل بها إلى حد القطيعة، وقد تجلى تقارب تركيا مع إيران في العديد من المجالات الاقتصادية، كما في محطات متعددة أهمها الرعاية التركية البرازيلية المشتركة للاتفاق المتعلق بتبادل اليورانيوم الإيراني الضعيف التخصيب بوقود نووي عالي التخصيب في تركيا كحل لمشكلة البرنامج النووي الإيراني، وموضوع تعاون إيران في المناورات الجوية الصينية التركية بعد أن تم استبعاد إسرائيل كلياً عن المشاركة في مناورات نسر الأناضول، إلا أن هذا التقارب سرعان ما انقلب حذراً ورسائل متبادلة عالية النبرة أحياناً، دون أن تصل إلى حد الصدام، على خلفية الأحداث التي جرت وتجري في سوريا، وموقف كلتا الدولتين منها، ثم على خلفية بعض القضايا التي استجدت والتي تعتبر مثيرة للحساسيات بينهما والتي كان أبرزها نشر الدرع الصاروخية لحلف الأطلسي على الأراضي التركية.

     إن الناظر لتاريخ العلاقة بين تركيا وإيران، لا بد أن يتوقف عند بعض السمات التي طبعت كلاً من البلدين، والتي لم يكن بالإمكان إلا أن تترك بصماتها على العلاقة بينهما، فإيران الصفوية تاريخياً وتركيا العثمانية، وإيران الدولة الدينية، وتركيا العلمانية، وإيران الشيعية وتركيا السنية، وإيران المعادية للغرب وتركيا الأطلسية، وإيران التي تطمح إلى لمّ شمل الدول الناطقة بالفارسية، وتركيا التي يراودها حلم تركيا الكبرى عبر تكتيل الدول الناطقة باللغة التركية .. ثم إيران وتركيا اللتان لطالما سعتا لاقتسام النفوذ في منطقة الشرق الأوسط في ظل الفراغ الذي خلفه غياب العرب المطبق.

     لقد بات من المفيد إمعان النظر في التحولات التركية، وتحليلها وفقاً للتطورات والمعطيات المستجدة، لكي يصار إلى تلمس آثارها، كمدخل لتكوين صورة عن العلاقات الإيرانية التركية الآنية والمستقبلية وانعكاس تطور هذه العلاقات على الوضع السياسي الإقليمي وتحديداً على مسار ومرتكزات قضايا العرب الأساسية .

     في ظل التحولات التركية الداخلية، وانعكاس هذه التحولات على سياسة أنقرة الخارجية، وفي ظل الحراك الذي تشهده المنطقة لاسيما ما يتصل بالوضع السوري، ثمة مجموعة من الأسئلة تثار، تطرح عدداً من الإشكاليات  حول علاقة تركيا بإيران، أبرزها الآتي :

     إلى أين يمكن أن تمضي تركيا في علاقاتها مع إيران؟ وهل يمكن أن نشهد عودةً للتنافر الحاد بما يؤدي للصدام بين هاتين الدولتين ؟

     هل يمكن أن يعود جو التقارب والتفاهم ليحكم سير العلاقة بين الدولتين وهل يمكن أن يؤثر ذلك في وضع تركيا كدولة أطلسية ؟

     هل يمكن أن تسمح تركيا باستعمال أراضيها لأي عدوانٍ محتمل على إيران ؟

     ما أثر المعطيات المستجدة في العلاقة بين الدولتين على قضايا المنطقة ، وهل إن تحسن العلاقات التركية الإيرانية – فيما لو حصل - يمكن أن يكون على حساب العرب وقضاياهم؟ أم سيكون عوناً لهم في تلك القضايا، لا سيما قضية فلسطين ؟.

     ماذا سيكون تأثير التحولات في العلاقة التركية الإيرانية على العالم العربي والإسلامي، فيما يتعلق بأطروحات الاستقطاب السني – الشيعي ، مع ما تمثله إيران على مستوى الوجود الشيعي في العالم، وما تمثله تركيا على مستوى الوجود السني؟ وهل يمكن أن تكون الإطلالة التركية على قضايا المنطقة على حساب العربية السعودية وما تمثله على مستوى العالم العربي والإسلامي السني؟

     ماذا سيكون تأثير تطور العلاقات بين طهران وأنقرة على المسألة الكردية في كلا البلدين ؟

     هل سنشهد تناغماً بين الدورين التركي والإيراني فيما يتعلق بنفوذ كلتا الدولتين ومصالحهما على الساحة العراقية ؟ أم أن الدور التركي سيشكل رافعة للسياسة الأمريكية الرامية لإضعاف النفوذ الإيراني على هذه الساحة؟

     أي أثر يمكن أن تتركه الأزمة السورية على مستقبل العلاقة بين طهران وأنقرة، واستتباعاً على قضايا المنطقة، في ظل وجهتي النظر المتباينتين لكل منهما، حيال التعاطي مع تلك الأزمة؟

     إن الإجابة عن مجموعة الأسئلة المطروحة آنفاً من شأنها أن تشكل مدخلاً لفهم أفضل للوضع الإقليمي – وارتباطاً فهم التعاطي الدولي مع هذا الوضع - في منطقة هي من أكثر المناطق تعقيداً وتشابكاً في العالم، على مستوى القضايا ذات الصلة بالمنظومة الجيوبوليتيكية التي تمثلها، ومع ما تنتظمه تلك القضايا من تنوعات تثير إشكالياتٍ عرقية وإتنية وقومية وطائفية وتاريخية وحضارية .

     ومع عدم توفر دراسة متخصصة ومعمقة تركز على العلاقات التركية الإيرانية في ظل التحولات التركية الأخيرة، كما تتصدى لتفنيد وتحليل كل الإشكاليات المطروحة أعلاه ، فقد سعيت في هذه الرسالة لتوفير دراسة عن هذا الموضوع، تسهم في ردم هذه الثغرة ،  بقدر ما تسلط الضوء على معطيات حساسة وهامة، تمس بشكل مباشر بعضاً من أهم قضايانا المصيرية، ليس أقلها قضية الصراع العربي – الإسرائيلي . وقد شكلت نظرية أحمد داود أوغلو " العمق الاستراتيجي " إحدى نقاط الارتكاز التي قامت عليها هذه الدراسة، نظراً لكونها تمثل المفتاح الإيديولوجي لبرنامج حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا حالياً، والذي يقود دفة البلاد باتجاه المزيد من الاندماج بقضايا المحيط، بعد أن سار قدماً في إحكام قبضته على مقاليد الأمور إثر الضربات المتتالية التي وجهها لنفوذ السلطة العسكرية .

     ولقد قمت بتقسيم الرسالة إلى ثلاثة فصول، حيث تم تخصيص الفصل الأول للحديث عن أسس ومرتكزات العلاقات التركية الإيرانية وذلك ضمن مبحثين يعرض الأول منهما لأهم الخلفيات الفاعلة في هذا الإطار، من عوامل تاريخية وإيديولوجية ومذهبية وسياسات خارجية ، أما المبحث الثاني فيتناول أهم القضايا الساخنة ذات التأثير في تلك العلاقات ( كتلك المرتبطة بالمسألة الكردية والمسألة العراقية والقضية الفلسطينية وغيرها..) .

     أما الفصل الثاني فقد أدرجت فيه – ضمن مبحثين أيضاً - أبرز معالم التحول التركي في ظل سلطة حزب العدالة والتنمية وأثره في العلاقة مع طهران، اعتماداً على المرتكزات الاستراتيجية لسياسة حزب العدالة والتنمية الداخلية، وصولاً لتلمس معالم التحول التركي في العلاقة مع الخارج عموماً، ومع طهران خصوصاً من النواحي السياسية والاقتصادية مع عدم إغفال البعد الإسلامي لحركة أنقرة في سياستها الخارجية.

     أما الفصل الثالث ، فقد تم فيه عرض الآفاق المستقبلية للعلاقات التركية الإيرانية وانعكاسها في قضايا العرب والجوار، فجرى التطرق ضمن المبحث الأول منه لأبرز معوقات وحوافز استمرار العلاقات الودية بين البلدين ثم إلى السياسة التركية الساعية للتوفيق بين التزاماتها الأطلسية والتزامات العلاقة مع طهران مع تناول أثر تلك العلاقة في الطموح التركي إلى الانضمام للاتحاد الأوروبي مروراً باستعراض الاحتمالات الممكنة لمصير العلاقة بين الدولتين بعد حزب العدالة والتنمية. وقد خُصص المبحث الثاني من هذا الفصل لعرض تحليلي يتناول النظرة العربية حيال أي تقارب إيراني تركي محتمل من منطلق المحاذير والإيجابيات المرتقبة وفي ضوء ميزان القضايا العربيـة من فلسطين إلى جزر هرمز وصولاً إلى لواء الاسكندرون، مع محاولة للإجابة عن السؤال المطروح حول ما إذا كان يمكن للحضور الإقليمي التركي الإيراني أن يشكل بديلاً عن الغياب العربي.

     وقد اشتملت خاتمة البحث على خلاصة موجزة قائمة على ما تم إدراجه من معطيــــــــــــــــــــــــــــــات في  الفصول المذكورة ومن نتائج تم التوصّل إليها.

    أما فيما يتعلق بالمنهجية المتبعة، فقد جرى الاعتماد في الفصل الأول بشكلٍ أساسي على المنهج التاريخي السياسي لدراسة تطور العلاقات بين الدولتين من الناحية التاريخية، إضافة إلى المنهج الوصفي بغية تشريح طبيعة تلك العلاقات في ضوء المراحل التي مرت بها .

     أما في الفصل الثاني ، فكان المنهج الوصفي التحليلي هو السائد حيث اعتمدت على تجميع الحقائق والمعلومات مع محاولة قراءتها بدقة لإيجاد الروابط والمرتكزات الأساسية التي تجمع فيما بينها تمهيداً لاستخلاص النتائج المفيدة للبحث.

     أما في الفصل الثالث، فقد لجأت لمنهجية جمعت بين القراءة التاريخية والأسلوب الوصفي التحليلي، فضلا عن التحليل الاستقرائي لكي أصل لفهم واكتشاف محركات الأحداث، وربط بعضها بالبعض الآخر بشكل علمي ومنطقي، توصلاً إلى رسم خط بياني يتنبأ – قدر الإمكان – بالصورة المقبلة لما ستكون عليه المعالم المستقبلية للعلاقات الإيرانية التركية وآثارها في قضايا المنطقة الإقليمية المحيطة بالدولتين، لا سيما ما يختص منها بقضايا العرب والمسلمين.

     وقد جهدت للتنويع في المصادر المعتمدة ما أمكن، من كتب وصحف ومجلات ودوريات ودراسات ومقابلات تلفزيونية عربية وأجنبية، لكي أخلــص إلى نتائج أقرب ما تكون إلى الحقيقة الموضوعية.

     ولعل أهم ما صادفته من صعوبات هو كون التفاعلات المرتبطة بالموضوع المطروح لا زالت تدور على مسرح الواقع ، وتتسارع التحولات بشأنه متقلبة من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار، إضافةً إلى كثرة العوامل والمؤثرات الداخلية والإقليمية والدولية التي تتحكم برسم مسار السياسة التركية تجاه المحيط المجاور لأنقرة وتجاه علاقتها بالغرب كما بالعالمين العربي والإسلامي وصولاً إلى علاقتها بطهران ، مع ما تشكله إيران من ثقل لا يمكن القفز فوقه أو تغييبه عن المشهد القائم ، أو عن أي خارطةٍ سياسيةٍ يمكن أن ترسم للمنطقة .

     على أنني – وأنا آتي على ذكر صعوبات البحث ومشقته – لا يسعني إلا أن أتقدم بخالص شكري الجزيل لأستاذي الجليل الدكتور خليل حسين على ما تجشمه من عناء في مراجعة هذه الرسالة وتقويم عثراتها، وعلى ما محضني إياه من اهتمام وما منحني من وقته الثمين، وهو – كما أعلم – في أمس الحاجة إليه ، كما أشكر أستاذي الجليل الدكتور محمد منذر ، وأستاذي الموقر الدكتور علي ترحيني على جهدهما المبذول في القراءة والفحص والتدقيق وكل ما أبدياه وما هما في وارد إبدائه من ملاحظات، مدركاً ومقراً أن الكمال للخالق وحده، ومتمثلاً قول العماد الأصفهاني :    " .. إني رأيت أنه لا يكتب إنسان كتاباً في يومه إلا قال في غده: لو غُيّر هذا لكان أحسن. ولو زيد كذا لكان يُستحسن. ولو قُدم هذا لكان أفضل. ولو تُرك هذا لكان أجمل. ولعمري إن هذا من أعظم العبر. وهو دليل استيلاء النقص على جملة البشر.".