08‏/05‏/2016

البروفسور خليل حسين
اتفاقية شنغن تهز الاتحاد الاوروبي
الخليج 23 -2-2016   
 
 
عندما وقعت خمس دول أوروبية من بينها فرنسا وألمانيا في العام 1985 اتفاقية شينغن، كانت تعبيراً عن حلم الولايات المتحدة الأوروبية الذي دار في خلد كل من باريس وبرلين آنذاك، وهما الأكثر حماسة لهذه الوحدة، وتكرست فصولها وقوانينها في مجموعة اتفاقيات ملحقة، ليصل عدد المنضمين إليها مؤخرا 26 دولة ضمن الاتحاد وأربعة خارجه.
لم تشكل هذه المعاهدة التي تمثل عنواناً رئيسياً لتسهيل العبور عبر الحدود بين الدول، أية مشكلة ذات شأن، إلا أن مجريات ووقائع اللجوء غير الشرعي إلى أوروبا في السنوات الماضية، أعاد النظر لدى العديد من الموقعين عليها، وصولاً إلى التصريح العلني بعد التلميح، أن الاتفاقية لم تعد كافية في الحدود الدنيا لتأمين أهدافها، في ظل عدم قدرة الدول المستقبلة للاجئين على استيعابهم وفقا للأصول القانونية والإجراءات التي تحميها الاتفاقيات الدولية. ثمة تحديات كبيرة وكثيرة تواجه اجتماع بروكسل ومقرراته، سيما وأن التبرم وصل حدوداً لافتة من عدم صحة تطبيق الاتفاقية من قبل بعض الدول، وبخاصة دول الجنوب الأوروبي، التي باتت ممراً ميسراً لعبور مئات الآلاف من اللاجئين من الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وبخاصة اليونان على سبيل المثال لا الحصر، إضافة إلى إيطاليا مثلاً التي أعطت العام الماضي عشرين ألف تأشيرة لتونسيين، علاوة على العبور الميسر من قبل بعض الدول إلى ألمانيا والنمسا والدول الاسكندنافية وغيرها من الدول المستقبلة عنوة.
وعلى قاعدة التقصير في حماية الحدود، أخذ البعض يسوق لفرض قيود على حرية الحركة من اليونان إلى أوروبا.، وبالتالي، إن غياب التضامن بين الدول الأوروبية، يعتبر من بين أسباب فشل الخطة الأوروبية في مواجهة الهجرة غير الشرعية، فعلى «الاتحاد الأوروبي معالجة جذور الأزمة لا نتائجها فقط. فإلغاء الاتفاقية أو تعليقها، سيكلف الاتحاد الأوروبي خسائر تصل قيمتها الى50 مليار يورو سنوياً. فثمة 60 مليون شاحنة محملة بالبضائع تعبر الحدود الداخلية الأوروبية يومياً، وأكثر من مليون و700 ألف شخص يعبرون الحدود الأوروبية الداخلية لمزاولة أعمالهم في دول لا يقيمون فيها.
وتستند الدول المتضررة من موجة اللاجئين، إلى الفقرة الثانية من المادة الثانية من اتفاقية شينغن التي تنص على «إذا تطلب الأمر حماية النظام العام أو الأمن القومي، يجوز للدولة العضو في اتفاقية شينغن، بعد التشاور مع الأطراف المتعاقدة الأخرى اتخاذ قرارها، ولفترة محدودة، باستعادة السيطرة على الحدود الداخلية مع الدول الأوروبية الأخرى، إن إعادة السيطرة على الحدود تبقى استثناءً على القاعدة». كما ترتبط اتفاقية شينغن بشكل أساسي بمعاهدة دبلن التي تنظم تدفق طالبي اللجوء بين الدول الأعضاء. وتواجه هذه المعاهدة أيضاً، عدة إشكاليات انطلاقاً من نظام حصص توزيع اللاجئين.
وانطلاقاً من ذلك ضاقت العديد من الدول الأوروبية ذرعاً بأزمة اللاجئين، وعبر خطوات انفرادية حاولت كل دولة التصرف وفقا لمصالحها، وبخاصة فيما أسمته الأمن القومي، حيث عمدت ألمانيا العام الماضي إلى تشديد العبور إلى أراضيها، كما فعلت الأمر نفسه فرنسا، بعد موجة التفجيرات التي ضربتها.
إن التعديل الأخير الذي أدخل على اتفاقية شينغن سمح للمفوضية الأوروبية بمهمة التأكد من قيام الدول الأعضاء بمراقبة الحدود الخارجية طبقا للقوانين المعتمدة. ويشار هنا إلى، أن التعديل الأخير لاتفاقية شينغن، لا يغير الكثير فيما يخص إعادة فرض إجراءات مراقبة حركة المسافرين على الحدود الخارجية للاتحاد الأوروبي.، فلو اقترحت المفوضية الأوروبية، الذراع التنفيذية للاتحاد الأوروبي، فرض مراقبة على حركة المسافرين، فإن الاقتراح يحتاج أولاً إلى موافقة مجلس الوزراء الذي يضم رؤساء الدول والحكومات، وهم الذين يقرون في نهاية المطاف اعتماد مراقبة الحدود أم لا.
ثمة سؤال كبير يواجه الاتحاد الأوروبي حاليا، مفاده هل أن الدول الأوروبية باتت على مرمى حجر للابتعاد عن فكرة الاتحاد، سيما وأن بعض الأصوات الوازنة كبريطانيا، باتت تفكر بصوت عالٍ، وتعلن جهراً نيتها إعادة النظر بموضوع الاتحاد، فهل سيكون تعليق العمل باتفاقية شينغن مقدمة لهز الاتحاد، أم أن سياقات تنفيذية أخرى، ستعيد رسم الاتفاقية وبالتالي وسائل تعضيد الاتحاد؟ - See more at: http://www.alkhaleej.ae/studiesandopinions/page/eef0bc18-4bfe-43bd-ae9c-75ef65104092#sthash.OwbZ9ayF.dpuf