09‏/05‏/2016


تقرير حول أطروحة الطالب منتصر الرفاعي

تأثير الصعود الصيني في مستقبل الهيمنة الأميركية على القارة الأسيوية

لنيل درجة الدكتوراه في العلوم السياسية

 

     تكمن أهمية الدراسة في تناولها لموضوع بالغ الأهمية، وهو المتغيرات الحاصلة في خارطة العلاقات السياسية الدولية، وما ترتّب عليها من تداعيات، إذ أن دولاً كثيرة ومن جملتها الصين، وبسبب الكثير من العوامل، سواءً أكانت داخلية أم خارجية، يمكن أن تعد من أبرز الدول الصاعدة إن لم تكن الأكبر على الإطلاق، كما تكمن الأهمية العلمية لهذه الدراسة أساسا، في تناولها لحقل مهم من حقول الدراسات الإستراتيجية المعاصرة، وبخاصة ما يتعلق بالنقاش الأكاديمي والسياسي حول موضوع الهيمنة في إطار التفكير الإستراتيجي الأمريكي، لجهة المكانة والأهمية التي تمثله الهيمنة في أولويات وأهداف ذلك التفكير، وتتبع مسارات تطوره وتكيّفه مع المتغيرات الدولية في سياق الهيمنة؛ والكيفية المتبعة في التعبير عن التفكير الإستراتيجي الأمريكي عن تلك الغاية وسبل تحقيقها، ومن ثم أساليب ووسائل ديمومتها لأطول مدة ممكنة.

   وبحسب رأي الطالب تكمن الأهمية أيضا، في كون هذه الدراسة أتت في وقت تواجه فيه الهيمنة الأمريكية تحدّيات وعقبات متتالية، في ظل واقع يشتمل على إخفاقات وتراجعات كثيرة، بعد سلسلة من الحروب والتدخلات العسكرية في مناطق حيوية من العالم، حتى بدأ التساؤل يظهر بجدية وقوة، حول مدى حقيقة كون الولايات المتحدة الأمريكية قوة مهيمنة، ومن ثم مدى حقيقة وجود رؤية إستراتجية متناسقة وشاملة للهيمنة في ضوء التبدّل والتنّوع في الإستراتيجيات الأمريكية المتبعة من إدارة إلى أخرى، كما تكمن أهمية هذه الدراسة في تكوين رؤية مستقبلية للهيمنة الأمريكية، بناءً على معدلات النمو الصينية العالية جداً، فضلاً عن نفوذها السياسي والاقتصادي والعسكري المتعاظم حول العالم، والمخاوف الدولية من ظهور قوى كبرى جديدة على المسرح العالمي، تؤدي إلى إثارة عدم الاستقرار العالمي، إذ أن الدروس المستقاة من التاريخ تربط بصورة صحيحة بين كل إضافة جديدة إلى صفوف القوى الكبرى، وظهور الفوضى في النظام الدولي منذ الحرب البيلوبونزية قبل ألفي عام، وصولاً الى صعود ألمانيا في القرن الماضي. 

    فضلاً عن ذلك، فإن أهمية هذه الدراسة تتأتى من خلال تناولها للجدل الأكاديمي القائم حول صعود الصين، ووقوفها على حجم القوة الصينية النامية التي هزت أركان النظام الدولي، وقراءة توجهها المستقبلي على الصعيدين الإقليمي والدولي.

 

    تنطلق إشكالية الدراسة وتتمحور حول الدور الصيني في النظامين الإقليمي والدولي، لجهة عاملي الاستمرار والتغيّر، فالصين دولة استقطبت أنظار العالم بسرعة نموها وازدهار صناعتها وغزوها للفضاء وتطور ترسانتها العسكرية، فضلاً عن ودورها السياسي الجديد من خلال دبلوماسية الحضور السياسي في التدخل، لتقديم الحلول حول مشاكل النظام الدولي بشكل عام والنظام الإقليمي بشكل خاص، فبعد أن كانت بريطانيا واليابان في القرون الماضية، والولايات المتحدة الأمريكية في بداية القرن العشرين تجوب أساطيلهم في المحيط الهندي وتهيمن على سياسات دول آسيا، أصبح هناك عملاق جديد يجب استشارته أو على أقل تقدير عدم تجاهله، خصوصا بعد تفكك الاتحاد السوفيتي، كما تنطلق الإشكالية من محاولة معالجة الجدل الكبير الذي يدور حول توقعات التحاق الصين بركب الولايات المتحدة الأمريكية، وزعزعة هيمنتها وتحدّيها في نطاق القارة الآسيوية بشكل خاص والعالم بشكل عام.

 

      منذ مطلع القرن الحادي والعشرين، بدأت الصين تأخذ طريقها جدّياً نحو تبوء مكانة عالمية متميّزة، لذلك تزايدت الشكوك وتعاظمت الريبة حول نتائج وتداعيات تلك المكانة، فمن أهم المشكلات التي أصبحت تثيرها قضية الصعود الصيني هي مسألة الهيمنة الأمريكية، وقد صار هذا الاحتمال هاجساً قوياً يقضُّ مضاجع الساسة في الولايات المتحدة الأمريكية بشكل عام، والعالم الغربي والآسيوي بشكل خاص، لذا لم يكن غريبًا، أن يندفع قسم كبير من الباحثين والأكاديميين في هذه الأجزاء من العالم، لا سيما هذه الدراسة، لتقصي ومراقبة السلوكيات الصينية الخارجية في محاولة لاستنتاج توجهاتها في هذا الشأن، كما تهدف هذه الدراسة إلى تقييم قدرات الصين المتنامية ونواياها المستقبلية، وعرض الجدل حول تأثير هذا الصعود في القارة الآسيوية والنظام الدولي، وتهدف الدراسة أيضا إلى تسليط الضوء على مسار العلاقات الصينية الآسيوية والدولية وتطورها وتعاظم دورها في مجال الاستثمارات الاقتصادية، والسياسية والعسكرية، كما تهدف الدراسة إلى استشراف مستقبل الهيمنة الأمريكية في النظام الدولي.

 

   تنطلق الدراسة من فرضية مؤداها، أن مستقبل النظام الدولي هو رهينة امتلاك القوى الدولية الصاعدة، كل مقومات القوة مجتمعة، إذ أن الارتقاء بمقوِّم على حساب آخر، لن يكون له تأثير فاعل في هرمية النظام الدولي، كما تسعى هذه الدراسة إلى إثبات فرضية مؤداها أن انتهاج الصين لسياسات الإصلاح والانفتاح الاقتصاديين- إدراكا منها لأهمية العامل الاقتصادي في تكوين قوة الدولة- أدّى إلى أن تحقق الصين معدلات نمو متسارعة كان لها بالغ الأثر في تحفيز النمو الإقليمي والعالمي، مما جعل الصين تحتل مراتب متقدمة في سلم الاقتصاد العالمي، وللبرهنة على فرضية هذه الدراسة نطرح تساؤلات أساسية من بينها: 

1-   ما المقصود بالهيمنة وما هي مراحلها ووسائلها؟

2-  أين تكمن قوة الصين كدولة صاعدة؟

3-  ما هي المبادئ التي تستند عليها الصين في المجالات المختلفة لصعودها؟

4-  ما هو الثابت والمستقر في النظام السياسي الصيني؟

5-  ما هي أبرز المقومات التي تجعل من الصين دولة صاعدة؟

6-  ما هو الدور المنشود للصين في القارة الأسيوية مستقبلاً؟

7-  ما هي الآفاق المستقبلية للهيمنة الأمريكية وتداعياتها على النظام الدولي؟

      اعتمدت هذه الدراسة على عدد من المناهج العلمية، منها المنهج التحليلي الذي يُعد من أكثر المناهج العلمية ملاءمة لهذه الدراسة، باعتباره يقوم بالغوص في آثار الصعود الصيني وآلية عمل النظامين السياسي والاقتصادي الصيني، وتوضيح مقوماته، ذلك بالتطرق إلى القواعد والأسس التي قام عليها ذلك الاقتصاد، وتحقيقه تلك الطفرات في النمو الاقتصادي وبالمكانة الدولية للصين. كما استندت الدراسة على المنهج الوصفي في بعض مواقع الأطروحة،  ذلك في معرض وصف مظاهر الهيمنة الأميركية ووسائلها. كما اعتمدت الدراسة أيضا المنهج التاريخي لتوضيح المراحل التاريخية لتطور الهيمنة الأمريكية على النظام الدولي، فضلاً عن تسليط الضوء على الإطار التاريخي للصين، كما اعتمدت الدراسة على المنهج المقارن من خلال الوقوف على المتغيرات الحاصلة في مقومات القوة الصينية خلال العقدين السابقين، فضلا عن الوقوف على مسألة تآكل الفجوة بين القوة الصينية ونظيرتها الأمريكية، كما لجأ الطالب إلى الاستشراف الاحتمالي وهو منهج صريح لبيان الآفاق المستقبلية للهيمنة الأمريكية في ظل القوى الدولية الصاعدة، وبخاصة الصين على النظامين الإقليمي الآسيوي والدولي.

    استناداً إلى منطلقات ومدركات الفرضية والإشكالية التي تمَّ صياغتها ، قصم الطالب هيكل الدراسة على بابين، وتضمن كل باب فصلين، وسبقهما مقدمة وفصل تمهيدي. وانتهت الدراسة بخاتمة تضمنت الاستنتاجات التي تم التوصل إليها، إضافة إلى المقترحات، علاوة على لائحة المراجع وفهرست الأطروحة.

    جاء الفصل التمهيدي ليوضح مفهوم الهيمنة الأمريكية، من خلال مبحثين رئيسيين، اختص الأول بدراسة مراحل الهيمنة الأمريكية، إبان الحرب العالمية الأولى والثانية والتي عرفت بالهيمنة (التقليدية)، وفي مرحلتي انهيار الاتحاد السوفيتي، وما بعد أحداث الحادي عشر من أيلول/ سبتمبر العام 2001، التي عرفت أيضا بالهيمنة (في مرحلة ما بعد الحرب الباردة)، واختص المبحث الثاني بدراسة أهم الوسائل التي مكنت الولايات المتحدة الأمريكية من الهيمنة على النظام الدولي.

     أما الباب الأول ، تناول المكانة الدولية للصين من خلال فصلين، ركز الفصل الأول على الإطار التاريخي والجغرافي للصين ومراحل وأسباب صعودها في سلم الهرم الدولي، من خلال مبحثين، تناول الأول العهدين الإمبراطوري والجمهوري، فضلا عن موقع ومساحة وتضاريس الصين، أما الثاني فتناول الإصلاح والانفتاح في عهد الرئيسين الصينيين السابقين (ماو تسي تونغ، ودنغ شياو بينغ).

     وعرض الفصل الثاني من الباب الأول من هذه الدراسة، مقومات قوة الصين الشاملة، وقد أمتاز هذا الفصل بالتفصيل في إعطاء الأرقام والنسب التي أصبحت عليها قوة الصين الاقتصادية والسياسية الذاتية منها والمكتسبة، فضلاً عن المقومات العسكرية التقليدية والنووية والتكنولوجية والثقافية، التي أصبحت مصدراً أكثر أهمية في التماسك الوطني والإبداع وعاملاً من عوامل القوة.

     فيما اشتمل الباب الثاني على فصلين رئيسيين ، سلط الضوء فيهما على تعاظم الدور الصيني ومستقبل الهيمنة الأمريكية، وغاص الفصل الأول في تعاظم الدور الصيني في البيئتين الإقليمية والدولية، وأحاط المبحث الأول بتعاظم الدور الصيني في البيئة الإقليمية على مجمل التطورات الحاصلة في العلاقات الصينية الإقليمية، والمتمثلة بدول شمال وشمال شرق آسيا وجنوب وجنوب شرق آسيا، بينما تضمن المبحث الثاني البيئة الدولية، وذهب إلى توضيح تطور العلاقات الصينية الشرق أوسطية، والعلاقات الصينية - الأمريكية والعلاقات الصينية - الأفريقية والأوروبية واللاتينية.

     وعالج الفصل الأخير، محاولة استشراف مستقبل الهيمنة الأمريكية، إذ تناول مجمل الأسانيد الفكرية والموضوعية للفريقين المؤيد والمعارض لانحسار الهيمنة الأمريكية أو استمرارها، فذهب المبحث الأول إلى استشراف الهيمنة الأمريكية في المستقبل، وفي تدعيم الأسانيد المادية والموضوعية الداخلية والخارجية التي تذهب جميعها إلى الإقرار بحتمية تراجع الهيمنة الأمريكية إن عاجلاً أم أجلاً، بينما ذهب المبحث الثاني، لإبطال حجج وأسانيد مشهد التراجع الأمريكي، مستندين إلى جملة من الإجراءات والإصلاحات التي طرأت على إستراتيجية الأمن القومي في الآونة الأخيرة، لا سيما في ظل إدارة الرئيس الأمريكي (بارك أوباما)، والمتمثلة في تجديد الفكر الاستراتيجي الأمريكي، وتفعيل إستراتيجية القوة الذكية، فضلا عن احتواء وتطويق القوى الدولية الصاعدة، وبخاصة الصين.

    وخلصت الدراسة إلى خاتمة، اشتملت على جملة من الاستنتاجات والمقترحات التي توصّلت إليها هذه الدراسة.

          يسجل للأطروحة التالي:

أولا: في الشكل:

1.     جاء التقسيم الثنائي للأطروحة موفقا ومتلائما مع طبيعة الموضوع ووسائل البحث المفترضة.

2.    ثمة توازن بين البابين والفصول والمباحث والمطالب.

3.    خلت الأطروحة من الأغلاط المطبعية واللغوية.

4.    التوثيق والهوامش جيدة جدا، وطرق الإسناد إلى المعلومات واضحة.

5.    اللافت في الأطروحة المراجع والمصادر الحديثة التي تضمنت لوائح حتى العام 2016.

ثانيا:  في المضمون:

1.    جاء اختيار الموضوع موفقا في مرحلة تمر فيها الولايات المتحدة الأميركية بأزمة خفوت السيطرة على النظام العالمي، وهذا ما تم التعبير عنه بشكل واضح في معظم مراحل الأطروحة وأقسامها.

2.    كما أتى عنوان الأطروحة والعناوين الأساسية والفرعية متطابقة مع المضمون ومتفقة في الإطار العام لسياق الأطروحة.

3.    المنهجية والفرضيات التي تمت صياغتهما، كانتا واضحتين، وأدتا الدور المفترض لانجاز كتابة الأطروحة.

4.    الاستنتاجات والمقترحات التي تم التوصل إليها كانت واضحة وتعبّر عن استيعاب الطالبة لدقائق الأمور في الأطروحة.

5.    استعمل الطالب مروحة واسعة من المراجع العربية والأجنبية المهمة والحديثة ذات الصلة بموضوع الأطروحة.

6.    استند الطالب إلى جداول إحصائية جيدة ومعبرة عما توصلت إليه الطالب من استنتاجات ومقترحات.،

7.     الأبرز في الأطروحة محاولته تقديم جديد في الأطروحة

      ناقش الطالب منتصر الرفاعي، أطروحته المعنونة:" تأثير الصعود الصيني في مستقبل الهيمنة الاميركية على القارة الأسيوية" بتاريخ 21-1-2016 أمام اللجنة المكونة من الدكاترة ، خليل حسين وعمر حوري وكميل حبيب وجورج عرموني وسناء حمودي ، وجهت للإطروحة العديد من الأسئلة، أجاب الطالب عنها بموضوعية وبسياق أكاديمي وعلمي مميز. وبعد المناقشة والمداولة منحت اللجنة الطالب درجة الدكتوراه في العلوم السياسية بتقدير ممتاز.

بيروت: 21-1- 2016                                                   أ.د.خليل حسين