15‏/09‏/2013

دبلوماسية روسيا الكيميائية في الأزمة السورية

دبلوماسية روسيا الكيميائية في الأزمة السورية     
نشرت في صحيفة الخليج الاماراتية بتاريخ 14/9/2013
خليل حسين
من المعلوم أن الأسلحة الكيميائية والبيولوجية تُدرج ضمن إطار الأسلحة غير التقليدية وفي مقدمتها الأسلحة النووية . وإذا كانت هذه الأخيرة قد حظيت بكم إعلامي هائل نظراً لخطورتها، إلا أن السلاح الكيميائي والبيولوجي لم يأخذا نفس الاهتمام رغم أسبقيته وقدمه في تاريخ الحروب حتى القديمة منها . وحالياً ثمة اتفاقات ومعاهدات ومنظمات تعنى بالعمل على عدم انتشار الأسلحة غير التقليدية ومنها منظمة حظر انتشار الأسلحة الكيميائية التي توصلت إلى اتفاقية دولية بهذا الشأن في الأول من إبريل/ نيسان 1993 ودخلت حيز النفاذ في العام 1997 . ويشار هنا إلى أن سوريا لم تنضم إلى الاتفاقية ولم توقع عليها إلا أنها بدأت بإجراءات الانضمام مؤخراً .
في المبدأ ليس الانضمام إلى أي منظمة عالمية يعتبر ملزماً للدول، إلا أن ما يصدر عنها من اتفاقات ذات طابع عرفي، على الدول الانصياع لها والتقيد بالتزاماتها . وتأتي منظمة حظر انتشار الأسلحة الكيميائية كغيرها من المنظمات الدولية ذات الطابع غير الملزم إلا وفقاً لآليات محددة يمكن اتخاذها عبر الأمم المتحدة وبالتحديد مجلس الأمن وفقاً لصلاحياته ضمن الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة .

لقد أتى المقترح الروسي في لحظة حاسمة وتلقفتها جميع الأطراف المعنية بها، لكن العبرة في المتابعة والآليات الممكنة لتنفيذها . ففي المبدأ يعتبر جميع الاطراف في جزئية الأزمة السورية الحالية في مأزق، والواضح أن معظم الفواعل فيها يفتشون عن حل ما بهدف تفادي الخسائر الكبرى . لكن هل يمكن الولوج في اطار مقترح يبدو هلامياً وغير واضح المعالم
لقد هدفت دبلوماسية روسيا الكيميائية المفاوضة على طريقة حافة الهاوية، وهي تجربة تحاول موسكو استنساخها عن أزمة الصواريخ الكوبية ،1961 حين وصلت الأمور بين موسكو آنذاك وواشنطن إلى الاقتراب من إشعال حرب نووية، وتم تراجع الفريقين عبر سحب الصواريخ من كوبا مقابل سحب صواريخ الناتو من تركيا .
واليوم تحاول روسيا عبر مقترحها سحب فتيل الأزمة المتمثلة بالضربة العسكرية على قاعدة الأسلحة الكيميائية التي من المفترض أن توضع تحت رعاية دولية وصولاً إلى تدميرها . لكن هل يعتبر هذا المقترح قابلاً للحياة في ظل مخاوف وشكوك متبادلة بين أطراف كثيرين في الأزمة السورية؟
أولاً، لقد تمكنت روسيا من إبعاد الولوج بقرار أممي في مجلس الأمن وفقاً للفصل السابع وهو ما حاولت باريس القيام به بداية، ما يعني أن الولوج في الملف الكيميائي السوري بات مرهوناً بأسلوب المفاوضات وغاياته ونتائجه بين الفريقين الأمريكي والروسي في جنيف . وثانياً أن بدء دمشق بإجراءات الانضمام إلى منظمة حظر الأسلحة الكيميائية هو دليل واضح على نيتها تقديم تنازلات في هذا الملف بالتحديد .
وبصرف النظر عن محاكمة النوايا، ثمة سوابق كثيرة في مثل تلك الملفات ومن بينها تجربة واشنطن مع العراق في تسعينيات القرن الماضي، وهو هاجس يُحرك الغرائز السياسية والعسكرية لكل الأطراف ويجعل المقترح الروسي ضرباً من الخيال للعديد من الاعتبارات العملية والعلمية المتعلقة بالأسلحة الكيميائية السورية ومن بينها، أولاً عدم المعرفة الدقيقة للحجم والكم والكيف لهذه الأسلحة ما سيعني صعوبة التعامل معها، وإذا تم تجاوز هذا الموضوع فإن التعامل التقني مع الاسلحة دونه صعوبات كثيرة بالنظر لانتشارها في اماكن متفرقة يصعب الوصول إليها في ظل فلتان أمني موصوف وبغياب ضمانات رفيعة المستوى للفريق الذي سيكلف بهذا الملف . اضافة إلى ان الوصول إلى المراحل المتقدمة في هذه العملية يتطلب اجراءات دقيقة لجمعها وإعادة تلفها والتي يمكن ان تستغرق سنوات كثيرة، علاوة على وضع ضوابط دقيقة على وسائل إنتاجها ووسائل إطلاقها .
ان تجربة العراق لا تزال ماثلة في الاذهان وهي آلية لم تتمكن الامم المتحدة ومن ورائها الولايات المتحدة الأمريكية من تقديم شيء يذكر في هذا الملف، وقد تم احتلال العراق في العام 2003 على قاعدة الأسلحة غير التقليدية وكانت شهادة هانس بليكس في ما بعد واضحة لجهة عدم جدية التحقيقات وعمليات التفتيش والنتائج التي تم التوصل إليها . وعلى الرغم من اختلاف الظروف والوقائع في كلتا الحالتين العراقية والسورية، ثمة من يقول ان الأهداف الأمريكية غير المعلنة في كلتا الحالتين هي واحدة متعلقة بتدمير القوى الاستراتيجية العربية، بصرف النظر عن إمكانية استعمالها في هذا الاتجاه تحديداً .
إن مشكلة الأسلحة غير التقليدية وإمكانية استعمالها باتت من القضايا ذات الاهتمام العالمي في القرن الحادي والعشرين، لكن أساليب حلها الظاهرة حالياً لم تعد تقنع الرأي العام العالمي، بالنظر إلى الازدواجية التي يتم التعامل بها في نفس الملفات . ففي الوقت الذي تمتلك “إسرائيل” على سبيل المثال كميات هائلة من الأسلحة غير التقليدية من النووية والبيولوجية والكيميائية ثمة تعتيم وغموض مقصود في التعاطي معه . لذا فإن المقترح الروسي في هذا المجال سيظل حلاً جزئياً لقضية بعينها، إن لم يكن الحل في إمكانية الوصول إلى بيئة اتفاقات إقليمية ودولية لنزع وتدمير أسلحة الدمار الشامل في الشرق الأوسط ومن بينها الأسلحة الاسرائيلية وغيرها .
في الظاهر تمكنت الدبلوماسية الروسية من تسجيل نقاط واضحة المعالم، لكن إمكانية الاستمرار والبناء عليها دونها عقبات كثيرة، وبخاصة أنه مقترح متعلق بأطراف كثيرة وآليات عمل متشعبة وطويلة الأمد ومرتبطة بظروف مستقبلية يصعب السيطرة عليها .