| ||
في الأساس لا يحتاج المتابع لتفاصيل الأزمة السورية ومساراتها لجهد كبير لمعرفة ما أتى به التقرير الأممي حول الأسلحة الكيمائية السورية وحادثة الغوطة الشرقية سلفاً . إنما ثمة جهد ينبغي إعطاؤه للقراءة بين سطور التقرير لمعرفة المسارات اللاحقة والمفترضة للقضية .
في المبدأ لم يأت التقرير بجديد حول تأكيد استعمال غاز السارين في الهجوم على منطقة بعينها، لكن الجديد الذي حاول إظهاره هو تقنيات إيصال المواد الكيميائية ومكان إطلاقها بهدف وضع الإشكالية والبناء عليها، أو بمعنى آخر تحضير القطبة المخفية بهدف الولوج في مسارات متعددة وفقاً لظروف كل حالة يمكن أن تظهر لاحقاً .
وعلى الرغم من عدم وجود الصلاحية أو القدرة للجنة الأممية على تعيين وتوضيح من استعمل السلاح الكيميائي، إلا أن الاشارة بالتلميح يمكن أن تنشئ بيئة اتهامية للطرف المراد زجه في هذه القضية
إلا أن التدقيق مثلاً في تعابير ومصطلحات الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون حول القضية استناداً إلى التقرير الأممي، تشير بوضوح إلى المسارات التي يمكن الولوج بها مستقبلاً . فهو وصف القضية ب “جريمة حرب”، ما يعني في القانون الدولي الجنائي، أن ثمة مسؤولاً عن هذا الفعل وبالتالي يجب مقاضاته ومحاكمته أمام محكمة جنائية دولية . والسوابق الدولية في هذا الأمر كثيرة من بينها، قضية دارفور في السودان ورئيسها عمر حسن البشير، وقضية سلوبودان ميلوسوفيتش في يوغسلافيا السابقة، وقضية الخمير الحمر في كمبوديا، إضافة إلى مذابح بروندي ومجازر تيمور الشرقية وسيراليون وغيرها .
فالإشارة إلى جريمة الحرب تعني أن ثمة متهماً مفترضاً بصرف النظر عن تراتبيته السياسية أو العسكرية سيكون مسؤولاً عن هذا الفعل، استناداً إلى عدم امكانية الاستناد إلى الحصانات المعطاة للرؤساء السياسيين، باعتبار أن الفعل وان نُفذ عبر قادة عسكريين ميدانيين فهو لا يلغي قانوناً مسؤولية الرؤساء السياسيين عن أفعال مرؤوسيهم، وهنا تكمن القطبة المخفية التي يمكن أن تظهر لاحقاً .
لقد تمكنت الدبلوماسية الروسية والأمريكية من التوصل إلى اتفاق مبدئي للملف الكيميائي السوري، فيه الكثير من الحنكة السياسية التي يمكن أن تستثمر بكافة الاتجاهات والمجالات بدءاً بأطرافه الاساسيين مروراً بفواعله المباشرين وغير المباشرين وصولا إلى أطراف ثالثة مستفيدة من نتائجه في حال وصوله إلى نهايات محددة .
لكن المعلوم في ملفات الأسلحة غير التقليدية هو أقل بكثير مما هو مجهول، وعليه فإن معالجة مثل تلك الملفات أمر يتطلب مناورات ومفاوضات كثيرة غالباً ما تتعثر لسبب أو لآخر، ما يستدعي اللجوء إلى أساليب أخرى من بينها الوسائل الزجرية أو استعمال القوة وهذا ما جرى في سوابق عدة دولية كمثال العراق وكوريا وإيران وغيرها .
واليوم يشكل الملف الكيميائي في الازمة السورية
العنصر الاستراتيجي الأبرز غير المعلن في سياق إدارة الأزمة السورية بين موسكو وواشنطن، ما يستدعي أيضاً قراءة متأنية لمصالح هاتين الدولتين وكيفية ترجمتها في سياق الحل السياسي المفترض .
وبصرف النظر عمن استعمل المواد الكيميائية، ثمة شعور عام لدى جميع الأطراف أن ثمة سعي جاد لوضع الملف في إطار الفصل السابع من ميثاق الامم المتحدة رغم المواجهة الروسية لهذا الأمر . إلا أن تتبع السوابق المماثلة تشير بوضوح إلى الوصول إلى هذا الهدف ولو بعد حين .
لقد استمرت عملية تدمير القوى الاستراتيجية العراقية مثلاً أكثر من عقدين وتوج باحتلاله . وبالتالي فإن المسارات المحتملة لهذا الملف هي طويلة وسيتخللها مفاصل صعبة في سياق إدارة الأزمة مستقبلاً .
ربما يكون هذا التقرير شكلاً كغيره من التقارير الأممية، لكن يحمل في ثناياه خارطة طريق غير معلنة ومن بينها الوسائل غير الدبلوماسية للحل . من بينها الوسائل القضائية الجنائية عبر المحاكم الدولية . ومنها الوسائل العسكرية المعروفة عبر مجلس الأمن أو خارجه، كما جرى في العديد من محطات بعض الأزمات في العقدين الماضيين .
| ||
24/09/2013
الكيماوي السوري بين موسكو وواشنطن
التسميات:
الثورات العربية,
دراسات امنية وعسكرية,
دول عربية,
قرارات دولية,
قضايا عربية