05‏/09‏/2013

فايز محمد المالكي / حقوق الإنسان على الصعيد الدولي (دول مجلس التعاون الخليجي، نموذجاً)


 
اسم الطالب : فايز محمد المالكي
موضوع الرسالة : حقوق الإنسان على الصعيد الدولي (دول مجلس التعاون الخليجي، نموذجاً)
الشهادة : درجة الماجستير في العلوم السياسية تخصص العلاقات الدولية والدبلوماسية

      أياً كان الاختلاف والتنوع في النظر إلى مفهوم حقوق الإنسان، فالثابت أن القيم التي يتضمنها هذا المفهوم، تعود أصولها الى المذاهب السياسية والاجتماعية والدينية كافة ، ذلك على النحو الذي يحملنا على التسليم بأن حقوق الإنسان في صورتها الحالية ليست سوى نتاجا لمساهمات كافة الديانات والثقافات والحضارات.
        وإذا كانت حقوق الإنسان جزءاً لا يتجزأ من النظام الداخلي للدول، فإن تطور الحياة الإنسانية وتعرّض حقوق الإنسان في العديد من الدول لانتهاكات جسيمة ، قد حوّل مشكلة حماية هذه الحقوق من مشكلة داخلية محضة إلى مشكلة دولية، بعد أن ثبت للضمير العالمي عجز النظم الداخلية في كثير من الأحيان عن حماية الحد الأدنى من هذه الحقوق، ومن هنا نشأت فكرة التدخل الدولي لحماية حقوق الإنسان مع تسليمنا كذلك، بأن كثيرا من حالات التدخل الدولي وقفت وراءها مبررات لا علاقة لها بحقوق الإنسان.
        ومع أن الاهتمام الدولي بحقوق الإنسان اتخذ في كثير من الأحيان الطابع السياسي، إلا أن ما نشهده اليوم من وثائق دولية متنوعة تتعلق بهذه الحقوق، يؤكد على وجود قانون دولي حقيقي لحقوق الإنسان يسعى عن طريق التعاون والتنسيق عبر الدول ومن خلال المنظمات الدولية بصفة خاصة ، إلى ضمان احترام المجتمع الدولي لعدد من القيم.
شكلت قضايا حقوق الإنسان وحرياته الأساسية ، أهمية كبرى للعالم بأسره، فتم إدراجها بشكل دائم على جداول أعمال المجتمع الدولي والمنظمات الإنسانية ذات الصلة. ونظرا للأهمية البالغة التي تشكلها دول مجلس التعاون لدول الخليج العربي (السعودية وقطر والإمارات العربية المتحدة والكويت والبحرين وعمان) للعالم من الناحيتين الاقتصادية والإستراتيجية ، فمن المهم تسليط الضوء على قضايا حقوق الإنسان فيها. 
إن مفهوم حقوق الإنسان، بالمعنى الذي يعرف فيه اليوم ، يُعد مفهوماً حديثاً نسبياً ترجع بداياته إلى إعلان حقوق الإنسان والمواطن الفرنسي عام 1789، غير أنه بدأ يأخذ طابعاً تنظيمياً دولياً منذ الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في العام 1948، أي بعد الحرب العالمية الثانية وما رافقها من انتهاكات صارخة لحقوق البشر ، الأمر الذي دفع الدول الخارجة من هذه الحرب إلى الاتفاق على ضرورة احترام كرامة الإنسان، ذلك من خلال إيجاد لائحة تضم جملة من المبادئ تجسّد في مجملها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان.
وتكمن اهمية الدراسة في عدد من المحاور، أهمها:
أولاً: تُعد مفردة (حقوق الإنسان) من المفردات ذات الطبيعة المهمة في الحياة السياسية للمنطقة بشكل عام ولدول مجلس التعاون بشكل خاص، لاسيما وأن المنطقة العربية، ومن ضمنها دول المجلس، شهدت وتشهد أنماطاً سياسية واعتمدت ممارسات غير ديمقراطية أحياناً في إدارة شؤونها، وبالتالي فإن ظهور مفاهيم حقوق الإنسان في المحافل الدولية التي بدأت تطرق الساحة العربية وبقوة في السنوات الأخيرة، اقتضى تسليط الضوء على دور حقوق الإنسان وما يرافقها من تأثيرات دولية قد تمس بالسياسات والمصالح العامة لدول مجلس التعاون، وما قد يرافق ذلك أيضاً من إصلاحات سياسية تتناغم والمعايير الدولية من جهة، وما قد يترتب على تطبيق مفاهيم حقوق الإنسان من تنامي الدور الشعبي لدول مجلس التعاون من جهة أخرى، وبالتالي التأثير المتوقع في الحياة السياسية بشكل عام.
ثانياً: كما يمكننا القول إن أهمية الموضوع تظهر أيضاً في انه يمثل خطوة جادة لدى رسم ملامح المرحلة والتطورات السياسية التي تشهدها دول مجلس التعاون، وما قد يرافق ذلك من تأثيرات دولية في نمط الواقع السياسي لدوله. ونعتقد أن هذه الدراسة، في رأينا المتواضع ستضيف لبنة متواضعة إلى هذه موضوعات مكتبة دول مجلس التعاون. والمؤسف أننا لم نجد من خلال بحثنا في مكتبات دول المجلس شيئا يذكر حول دور حقوق الإنسان وتأثيراتها في الحياة السياسية ومستقبلها في هذه الدول.
وإذا كنا نسلم جدلاً بالعلاقة بين حقوق الإنسان والقانون الدولي نتيجة الترابط الوثيق بينهما، فقد بات من المؤكد وجود علاقة بين مفهوم السياسة ومفهوم حقوق الإنسان ، بحيث أصبحت حقوق الإنسان والديمقراطية هي المحركات الأساسية للسياسة الدولية، وهي الموجه والمبرر في كثير من الأحيان لتوجهات السياسيين في العالم بشكل عام، مما يترتب عليه انعطافات كبيرة في مسار السياسة الدولية. أما عن العلاقة بين حقوق الإنسان والسياسات الداخلية للدول فتبرز نتيجة الربط الحاصل في العصر الحديث بين مفهومي حقوق الإنسان والديمقراطية. وهذا الربط يؤسس لشرعية الأنظمة الحاكمة من خلال التداول السلمي للسلطة ، ويتم عبر الانتخابات وصناديق الاقتراع التي تعكس بالنتيجة أهم حقوق الإنسان الممثلة في حق المشاركة السياسية لمواطني الدولة بصفتهم ناخبين أو مرشحين.
إن الحديث عن موضوع حقوق الإنسان يرتبط عادةً بالقانون، وتحديداً بالقانون الدولي العام، الأمر الذي يدفع إلى التساؤل عن طبيعة العلاقة التي قد تبرز بين مفهوم السياسة وحقوق الإنسان. وإذا افترضنا جدلاً وجود هذه العلاقة، فكيف يمكن تصور طبيعتها ؟ وتأثيراتها في واقع ومستقبل حقوق الإنسان؟ وكيف يمكن لموضوع حقوق الإنسان أن يؤثر في السياسة؟
  وللإجابة عن هذه الأسئلة والتعرف على مستقبل حقوق الإنسان في دول مجلس التعاون لدول الخليج تم تحديد الفرضيات التالية:

أولاً: داخلياً
Ø     إن الحديث عن التزام الدولة باحترام حقوق الإنسان لا يتم إلا في ظل نظام حكم قائم على الفصل بين السلطات واستقلال النظام القضائي، ودستور يتضمن ضوابط وسلطات محددة للحكم.
Ø     إن الولة العصرية استقرت على إخضاع السلطة لعدد من القواعد القانونية التي تحمي حقوق الإنسان من الدولة نفسها، أي أن الضمانة الأولى والأدق لحماية حقوق الإنسان هي خضوع الدولة نفسها للقانون، وهو الشرط المبدئي للحديث عن أي حق. فإذا لم تكن الدولة خاضعة للقانون فلا مجال للحديث عن أي حق من الحقوق. 

ثانياً: خارجياً
Ø     إن انضمام الدولة إلى المواثيق الدولية لحقوق الإنسان يترتب عليها التزامات محلية ودولية ، وبالتالي فإن تقصير هذه الدول في واجباتها نحو مواطنيها، وتحديداً نحو الحقوق والحريات الأساسية ، سيكون سبباً للتدخل في ظل تغير مفهوم السيادة.
Ø     إن دول العالم الثالث ، ومن ضمنها دول المجلس ، بين خيارين: إما التوجه نحو الديمقراطية وإتباع نهج الانفتاح والإصلاح السياسي ، وبالتالي احترام حقوق الإنسان وكسب ولاء شعوبها ، وإما التعرّض لضغوط ، وربما لتدخلات خارجية ، سواءً من المجتمع الدولي أم من بعض الدول الكبرى ، بذريعة حماية الديمقراطية وحقوق الإنسان.
للإجابة عن هذه الفرضيات اعتمدنا ثلاثة مناهج هي: المنهج التاريخي، والمنهج التحليلي، والمنهج المقارن. وتم بحث حقوق الإنسان على الصعيد الدولي (دول مجلس التعاون الخليجي نموذجاً) واختيار الفرضيات السابقة من خلال تقسيم البحث إلى أربعة فصول سبقها فصل تمهيدي وهي:
الفصل تمهيدي: تضمن واقع حقوق الإنسان في دول مجلس التعاون الخليجي
اما الفصل الأول: فعرض لتنفيذ الالتزامات الدولية في النطاق الداخلي للدول.
فيما الفصل الثاني: خُصص لماهية الالتزامات الدولية في مجال حقوق الإنسان
وألقى الفصل الثالث الضوء على مبررات التدخل الإنساني
فيما الفصل الرابع عرض آليات الحماية ومستقبل حقوق الإنسان في دول المجلس.
      ثم انهينا دراستنا بخاتمة تضمنت استنتاجات ومقترحات لتعزيز مكانة حقوق الإنسان في دول مجلس التعاون الخليجي.
إن الاشكالية التي تم طرحها هي علاقة الدولة بحقوق الإنسان، بمعنى أن حقوق الإنسان في المعنى القانوني لا يمكن تصورها إلا في مواجهة الدولة، إذ كيف تكون الدولة، وهي طرف في الصراع، قادرة على حله؟ إننا نجد هنا جوهر الخلاف السياسي بين الفرد كإنسان والدولة كسلطة.
لقد استقرت الدولة العصرية على إخضاع السلطة لعدد من القواعد القانونية التي تحمي حقوق الإنسان من الدولة نفسها، أي أن الضمانة الأولى والأدق لحماية حقوق الإنسان هي خضوع الدولة نفسها للقانون ، وهو الشرط المبدئي للحديث عن أي حق، فإذا لم تكن الدولة خاضعة للقانون فلا مجال للحديث عن أي حق من الحقوق مهما يكن.
وإستناداً إلى ذلك فان الحديث عن مستقبل واعد لحقوق الإنسان في دول مجلس التعاون الخليجي يتوقف في رأينا على تبني حكومات هذه الدول مبدأ الفصل بين السلطات واستقلال النظام القضائي، ووضع دستور ينص على ضوابط وسلطات محددة للحكم. وهذا غير متوافر حاليا في حالة دول مجلس التعاون الخليجي، لذا فإن مستقبل حقوق الإنسان في هذه الدول لا يبشر بالخير إلا إذا تضافرت الجهود جميعها وسارعت الحكومات تحديداً، إلى انتشال أوضاع حقوق الإنسان من التردي الحاصل، وعدم إعطاء المبرر للمجتمع الدولي أو للدول الكبرى كي تتدخل في شؤونها تحت ذريعة حماية حقوق الإنسان.
وفي هذا الصدد يمكننا تقديم مقترحات من شأنها الإسهام في إيجاد الحلول المناسبة لضمان مستقبل واعد لحقوق الإنسان في دول مجلس التعاون الخليجي. ويمكن تلخيص المقترحات في الأفكار الآتية:
1.   ضرورة انسجام القوانين الداخلية لدول مجلس التعاون الخليجي مع اتفاقيات حقوق الإنسان. فهذه المسألة لم تلق حتى الآن عناية كافية، وهو ما أدى إليه الوضع الشاذ الراهن المتمثل في الهوة بين مقتضيات هذه الاتفاقيات ووضع الأنظمة الداخلية.
2.   ضرورة تبني نهج الإصلاح السياسي الشامل، واتباع الطرق القانونية لصياغة دساتير تنظّم العلاقة بين الشعوب وقادتها، وتكفل حقوق المواطنة والتعبير عن الرأي بحرية.
3.   العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية يعد من أهم مواثيق حقوق الإنسان الدولية. ولا ينبغي لنا بعد مرور أكثر من 40 عاماً على صدوره، سرعة الانضمام إليه فقط، وإنما يجب أيضاً أن نوليه عناية خاصة لمعالجة الأنظمة المخالفة له وإصدار أنظمة جديدة لتفعيله. فمكانة كل دولة تقاس بمدى احترامها للحقوق الواردة فيه.
4.   العمل على وضع مدونة للأحوال الشخصية في كل دولة من دول مجلس التعاون الخليجي لضمان حق المرأة والطفل بما يتوافق مع الرأي الراجح في الفقه الإسلامي.
5.   دعم حرية التعبير في ظل أحكام الشريعة الإسلامية والأنظمة السائدة، ومعاقبة من يتجاوزها أو يعتدي عليها.
6.   العمل على تعديل اللوائح المتعلقة بالهيئات الصحافية في دول مجلس التعاون الخليجي بما يضمن استقلالها وتمكينها من القيام بدورها في دعم الصحافيين والدفاع عن حقوقهم وتعزيز حرية الصحافة.
7.   المبادرة إلى إصدار نظام للجمعيات والمؤسسات الأهلية، وتخويل إدارة الحماية الاجتماعية الصلاحيات اللازمة ودعمها بالموارد البشرية والمالية التي تمكنها من القيام بمهامها.
8.   إيجاد آلية واضحة للتعامل مع السجناء الأمنيين من حيث مدة الاعتقال ومكانه وتواصلهم مع أسرهم، وتنظم مهمة التفتيش على سجون المباحث.
9. إيجاد إستراتيجية للحد من العنف الأسري، والتوسع في إنشاء دُور الإيواء في مختلف دول مجلس التعاون الخليجي، ودعم الحماية الاجتماعية وتقوية صلاحياتها أو إنشاء هيئة مستقلة للحماية الاجتماعية.
10. إنشاء محكمة أو مجلس أو هيئة دستورية في كل دولة من دول مجلس التعاون الخليجي تختص بالفصل في دعاوى مخالفات الاتفاقيات الدولية التي انضمت إليها دول مجلس التعاون الخليجي، ويكون لقرارها أو لحكمها الحجية اللازمة.
11. تعزيز استقلال القضاء، وحماية القضاة من التدخل والتأثير، ومحاسبة المقصرين منهم، واتخاذ جميع الإجراءات الكفيلة بطمأنة المواطنين والمقيمين في دول المجلس إلى أوضاعهم ومستقبلهم، والاستمرار في تطوير القضاء والإسراع في إعادة هيكلته، مع زيادة أعداد القضاة لمعالجة ظاهرة التأخير في بت القضايا، وتطوير التفتيش القضائي.
12.  تعزيز مبدأ المساءلة في جميع الأجهزة الحكومية، وخاصة المعنية منها بالضبط، بغرض منع إساءة استخدام السلطة والنفوذ.
13.  تفعيل دور مؤسسات المجتمع المدني للمشاركة في العمل والحوار واحترام حرية الرأي والدفاع عن الحقوق.
14.  إعداد مقرر "جامعي" تحت مسمى "حقوق الإنسان" وجعل تدريسه إلزامياً في دول مجلس التعاون الخليجي.
15.  عقد دورات تدريبية منتظمة حول موضوع حقوق الإنسان للأجهزة المعنية بموضوع حقوق الإنسان، وذلك في كل دولة من دول مجلس التعاون الخليجي.
16.  المبادرة إلى معالجة شكاوى وتظلمات المواطنين المنتمين إلى بعض المذاهب في هذه الدول، سواء كانت شكاوى إدارية أم ثقافية تتعلق بتمتعهم بكامل حقوقهم الوطنية.
17.  إصدار مدونة وطنية للحماية من العنف الأسري وتجريمه، وتأسيس الآليات الكفيلة بحماية ضحاياه وحفظ حقوقهم.
18.  إلغاء نظام الكفالة الذي تسبب في كثير من الانتهاكات لحقوق العمالة الأجنبية، وذلك في كل دول مجلس التعاون الخليجي.
19. تشجيع انضمام دول مجلس التعاون الخليجي إلى الاتفاقيات الدولية الخاصة بحقوق الإنسان، بالإضافة إلى ضرورة اتخاذ الإجراءات المناسبة لإنفاذ مضمون تلك الاتفاقيات في المجال الداخلي، وإن اقتضى ذلك تعديل بعض نصوص الأنظمة الداخلية وذلك حتى لا تظهر دول مجلس التعاون بمظهر المخل بالتزاماته الدولية.
ناقش الطالب فايز المالكي رسالته حقوق الانسان على الصعيد الدولي مجلس التعاون الخليجي نموذجتا، بتاريخ 17/6/2013 امام اللجنة المكونة من الكاترة خليل حسين وحود المجذوب وجورج عرموني ووليد عبد الرحيم، وبعد امناقشة والمداولة منحت اللجنة الطالب شهادة الماجستير في العلوم السياسية بتقدير جيد جدا.

بيروت: 17/6/2013                                     أ.د. خليل حسين