20‏/02‏/2008

ماذا في القرار 1701

ماذا في القرار 1701


د.خليل حسين
استاذ القانون الدولي في الجامعة اللبنانية
رئيس مصلحة الدراسات في مجلس النواب اللبناتني

بعد شهر من العدوان الاسرائيلي على لبنان صدر القرار 1701 بصيغ سيشكل سابقة في التعامل الدولي مع الكثير من القضايا التي تهدد السلم والامن الدوليين،ذلك للعديد من النقاط والاعتبارات الواردة فيه شكلا ومضمونا؛وفي كلا الحالين ثمة العديد من علامات الاستفهام التي تطرح ان كانت لجهة ما يهدف اليه القرار في المرحلة الحالية او لجهة النتائج المترتبة على العدوان، او بمعنى آخر ثمة اسئلة كثيرة ستطرح حول ما بعد العدوان والتي ستشكل مأزقا للوضع اللبناني كما الاسرائيلي،اقل ما يقال فيها انها تسوية الممكن محليا واقليميا ودوليا.في الشكل يمكن تسجيل العديد من الملاحظات منها:
- لقد جاء القرار بعد مضي شهر كامل على العدوان وتخلي مجلس الأمن عن صلاحياته المنصوص عليها في ميثاق الامم المتحدة ونظامه الداخلي لجهة وجوب عمله على حفظ الامن والسلم الدوليين.
- كان القرار بمثابة مشروع التسوية الممكنة بين اطراف بعضهم يملكون الحل والربط في الموضوع وبعضهم الآخر فاوضوا بالوكالة وربما سيجنون مكاسب سياسية اكثر من الاطراف الاساسييين انفسهم.
- ثمة تخبط وتأويل واضح في صياغة العديد من فقرات القرار لجهة ابراز مطالب الأطراف المعنية بالموضوع،ما سيجعل القرار نفسه مناسبة للخلاف على تفسير العديد من الفقرات الواردة فيه.
- تمَّ عطف القرار على العديد من القرارات السابقة المتعلقة بالوضع اللبناني ومنها القرار 425 و520 و1559 و1680 واتفاقية الهدنة ما يدخل أطراف اقليميين ودوليين ربما تعقد اساس الموضوع وتعلق تطبيقه الى آجال مرتبطة بحل بعض القضايا الاقليمية العالقة بدء من مواضيع الصراع العربي الاسرائيلي وصولا الى الملف النووي الايراني.
- لم يأت القرار بغالبية فقراته متوازنا لا شكلا ولا مضمونا،فيستعمل تعابير مختلفة في الشدة " إذ يعرب عن قلقه الشديد " الفقرة (2) في معرض تحميل حزب الله مسؤولية العدوان،" إذ يشدّد على الحاجة"في الفقرة (3) في معرض معالجة " الإفراج غير المشروط عن الجنديَّين الإسرائيليين المخطوفَين"،في المقابل استعمال تعابير مخففة جدا لمعالجة المطالب اللبنانية " يأخذ في الاعتبار" و" ويشجع الجهود " عند الاشارة الى موضوع السجناء اللبنانيين المعتقلين في إسرائيل؛وكذلك في الفقرة (5) " إذ يرحب بجهود رئيس الوزراء اللبناني" و" يرحب بالتزام الحكومة اللبنانية بتواجد قوة دولية".
- ان القرار بشكله ومضمونه لن يكون نهائيا لجهة مساراته ذلك بما ورد في الفقرة التنفيذية (17) التي عهدت للامين العام تقديم تقرير لمجلس الامن عن تطبيق القرار خلال اسبوع ومن ثم دوريا دون ذكر المدة اللاحقة،ما سيجعل بنوده وتفسيراته بشكل عام عرضة للتغيير وفقا للتقارير اللاحقة.
واذا كان شكل القرار يبدو بداية لحفلة خلافات قوية في المستقبل فإن مضمونه لا يقل خطورة،لأسباب واعتبارات كثيرة منها:
- كما هو واضح من تصريحات الاطراف ذات الصلة بالقضية بأن القرار اتخذ وفقا للفصل السادس من ميثاق الأمم المتحدة، فان كنه القرار ومسار تنفيذه وأهدافه وحتى نص بعض الفقرات فيه تدل على انه يقع ضمن الفصل السابع،وعليه ان تنفيذ القرار مرتبط باستعمال القوة بصرف النظر عن رغبة ورضى الأطراف ذات الصلة بالموضوع.فمثلا ما جاء في الفقرة التنفيذية (12) "... يسمح لقوات <اليونيفيل> القيام بكل التحركات الضرورية في مناطق نشر قواتها وفي إطار قدراتها، للتأكد من ان مناطق عملياتها لا تستخدم للأعمال العدائية بأي شكل، ومقاومة المحاولات عبر وسائل القوة لمنعها من اداء مهماتها بتفويض من مجلس الأمن".ان كل التحركات الضرورية تعني ما تقرر هذه القوة لتنفيذ مهامها دون اي حدود واضحة،كما ان اجازة استعمال القوة كما هو وارد في النص هو مرتبط بالتفويض من مجلس الامن والذي يعتمد في الأساس على منطوق القرار 425 لعام 1978 المتعلق باليونيفل،ومن المعروف ان ذلك القرار يتمتع بفرادة خاصة لجهة اعتباره انه اعلى من الفصل السادس وأقل من الفصل السابع لما ورد في متنه ان مهام قوة اليونفيل هي "تثبيت السلم والامن"وليس "حفظ " او " فرض" الأمر الذي يوحي بأن التفويض هو في الفصل السابع وليس السادس.علاوة على ذلك ما استند اليه القرار 1701 في الفقرة (5) لجهة عطفه على اتفاقية الهدنة والصادرة ضمن الفصل السابع للميثاق.وكذلك الفقرة التمهيدية (10) " الاقرار بأن التهديد الذي يتعرض له لبنان يشكل تهديدا للسلام والامن العالميين" وهي من المواضيع التي يجب على مجلس الامن اتخاذ قراراته في الفصل السابع لحماية الامن والسلم الدوليين.
- وبدلا من الاعلان الفوري لاطلاق النار دعا الى وقف الهجمات من جانب حزب الله ووقف كل العمليات الهجومية العسكرية من جانب اسرائيل،الامر الذي يستشف منه على الاقل في المرحلة الراهنة غير محددة التوقيت بقاء اسرائيل في الأماكن التي تحتلها دون اعطاء فرصة مجابهتها من المقاومة والا اعتبر هذا العمل خرقا للقرار من جانب المقاومة.
- لم يدع القرار الى انسحاب الجيش الاسرائيلي وربطه بنشر الجيش اللبناني وقوات اليونفيل بالتوازي وفقا للفقرة التنفيذية (11) الامر الذي يمكن ان يكون مؤجلا ومرتبطا بتجهيز قوة اليونفيل،وهو امر مرهون ايضا بالعديد من الاعتابارات منها موافقة بعض الدول على المشاركة في هذه القوات وسرعة تحركها وانتشارها فضلا على عما يمكن ان ينشأ من عقبات لهذا الانتشار لاحقا، ما يعني ان قوة الاحتلال في الاراضي اللبنانية وفقا لمنظور مجلس الامن غير محددة عمليا.
- ثمة تناقض واضح بين الفقرتين التنفيذيتين(4) و(5) في الاولى " يجدد دعمه القوي للاحترام الكامل للخطّ الأزرق" وفي الثانية " يجدد أيضا دعمه القوي.... لسلامة أراضي لبنان وسيادته واستقلاله السياسي ضمن حدوده المعترف بها دوليا، كما هو منصوص عليه في اتفاق الهدنة العام بين لبنان وإسرائيل في 23 آذار 1949" وهوخلط ولبس لجهة توصيف وتكييف وترسيم وتحديد الحدود الدولية.فوفقا للخط الأزرق اعتبر مجلس الامن الدولي ان اسرائيل طبقت القرار 425 وأخرجت مزارع شبعا من نطاقه،فيما اتفاقية الهدنة تدعو للهدنة وبالتالي لا تنهي الاعمال العسكرية وحالة الحرب المرتبطبة باتفاقات لاحقة كاتفاقيات سلام او ما شابه. فضلا عن ان مزارع شبعا كانت خاضعة لاتفاق الهدنة (1949) قبل احتلال قسم منها في العام 1967 وفي مراحل تالية.
- ثمة مسائل ملتبسة في الفقرة التنفيذية (9) " دعم الجهود لتأمين في أسرع وقت ممكن اتفاقات مبدئية بين حكومة لبنان وحكومة إسرائيل على قاعدة وعناصر حل طويل الأمد كما ورد رابعا في الفقرة 8 ويعبر عن نيته في ان يكون معنيا بشكل فاعل" فما هي هذه الاتفاقات المبدئية وما هي حدودها ومضمونها هل هي أمنية بحتة كما هو ظاهر او معلن في الفقرة (8) ام ثمة قضايا أخرى تابعة يمكن ان تكون جزءا من تلك القضايا المبدئية تمتد الى اتفاقات سياسية لاحقة.
- سيتمَّ اعادة نشر قوات اليونفيل بعد زيادة عددها وعدتها في الاراضي اللبنانية فقط ودون ان تكون موازية للجهة المقابلة،مع تسجيل امور لافتة لوظيفتها وطبيعة عملها .فوفقا للفقرة التنفيذية ( 12) " دعما لطلب الحكومة اللبنانية نشر قوة دولية لمساعدتها على ممارسة سلطتها على كامل الأراضي، يسمح لقوات <اليونيفيل> القيام بكل التحركات الضرورية في مناطق نشر قواتها وفي إطار قدراتها، للتأكد من ان مناطق عملياتها لا تستخدم للأعمال العدائية بأي شكل، ومقاومة المحاولات عبر وسائل القوة لمنعها من اداء مهماتها بتفويض من مجلس الأمن"فكيف يمكن التأكد من الأعمال العدائية في الجانب الاسرائيلي،وما هي الطرق والسب والكيفية التي ستحدد فيها هذه القوات تحديد الاعمال العدائية في مناطق تواجدها؟وما هي حدود القوة التي ستستعملها ؟اسئلة كثيرة تطول بطول الاهداف عير المعلنة في القرار.
- اشراك قوة اليونفيل من الناحية العملية بأمور سيادية لبنانية كمراقبة المطارات والموانئ وفقا للفقرة التنفيذية (11) كما وردت مكررة في الفقرة(14) للتأكيد على المهمة.
- ان أخطر ما في الحالة السابقة اعطاء دور تقريري وتنفيذي لقوات اليونفيل بما هو ممنوع او مسموح ادخاله الى لبنان ذلك ما ورد في المقطع (ب) من الفقرة (14) " غير ان هذا المنع لا يطبق على الأسلحة والمعدات المتصلة والتدريب أو المساعدة التي تسمح بها الحكومة اللبنانية أو <اليونيفيل> كما تنص عليه الفقرة 11." فورود "او" قد سمح لهذه القوات تحديد حالات المنع او السماح بشكل صريح لا لبس فيه ذلك بمعزل عن طلب الحكومة اللبنانية.الامر الذي يضع لبنان تحت سلطة ان لم يكن تحت وصاية دولية فعلية.
- ان تمديد انتداب قوة اليونفيل الى سنة قادمة وفقا للفقرة التنفيذية (16) وفقالعزم مجلس الامن "إعطاء دعم إضافي لهذا الانتداب وللخطوات الأخرى ..." يعطي الانطباع بأن مهامها ستكون واسعة وشاملة أمور غير منظورة في القرار او متعلقة بالظروف التي تمَّ فيها اتخاذ القرار.سيما وأن القرار انتهى بفقرة اخذ مجلس الامن على عاتقه ابقاء الموضوع قيد نظره الفعلي.

-
- ان اولى نتائج هذا القرار على الصعيد الداخلي اطلاق رصاصة الرحمة على مؤتمر الحوار الوطني اللبناني بعدما استنفد العدوان اغلب مواضيعه وقضاياه.
وعلى الررغم من التساؤلات والملاحظات العديدة التي اوردناها ثمة ايجابيات يمكن النظر اليها في مضمون القرار وهي تعبير عن حالة التراجع الامريكي والاسرائيلي عن الكثير من المطالب السابقة التي وردت في المشروع الامريكي الفرنسي الأول ومنها:
- تم الأخذ بالعديد من النقاط السبعة الواردة في مشروع الحكومة اللبنانية وان لم تكن في الترتيب كما وردت او بنفس القوة التي طرحت.
- ثمة تراجع اميركي اسرائيلي كبير عن بعض القضايا وان لا تصنف في القضايا الاستراتيجية كموضوع الاسيرين.
- ثمة تفهم دولي لبعض القضايا اللبنانية المحقة واناشير لها في القرار بطريق غير مباشر كمزارع شبعا والاسرى وغيرها.
- ثمة وعود دولية كما في السابق لإنشاء بيئة لحل ازمات المنطقة عندما ذكره للقرارية 242 و338.
- ثمة اعتراف دولي لوزن بعض القوى في المنطقة كإيران وسوريا في جل بعض القضايا وان لم يذكرا بالاسم.
وفي المحصلة وفي هذه القراءة السريعة للقرار يمكن القول فيه انه اتفاق الممكن،لم يسجل نصرا ولا هزيمة لأحد أطرافه.الا ان غريب المفارقات في هذا القرار انه لم يأتي معبرا عن الاستثمار السياسي للعدوان،فرغم ان اسرائيل لم تتمكن من تحقيق اي نصر عسكري على الأرض قابل للاستثمار سيفسر انه لمصلحتها،وعلى الرغم من ان المقاومة تمكنت من الصمود بوجه خامس قوة عسكرية في العالم ستتحمل اوزار عدوان لا تقوى دول كبرى على تحمله.ان اصعب القرارات وأخطرها ما يمكن ان تتضمنه من امور غير معلنة فهل تفاهم نيسان لا زال قائما حتى الآن؟ وما هي اسئلة ما بعد العدوان التي ستنتشر كالنار في الهشيم؟اسئلة يصعب الاجابة عليها في المدى المنظور.