20‏/02‏/2008

كيف يستفيد العرب من قمة دافوس شرم الشيخ؟

كيف يستفيد العرب من قمة دافوس شرم الشيخ؟
د.خليل حسين
أستاذ العلاقات الدولية في الجامعة اللبنانية
رئيس مصلحة الدراسات في مجلس النواب اللبناني

تأتي أهمية بلورة مشروع "الشرق الأوسط الكبير" السياسي والاقتصادي و استمرار دمج اقتصاديات المنطقة العربية والدعوة إلى الخصخصة والخدمات الأساسية من التعليم والصحة والمواصلات وغيرها من المحاور الهامة التي يركز عليها منتدى الاقتصاد العالمي "دافوس" في شرم الشيخ حاملا معه تحديا حقيقيا أمام العالم اجمعه حول مقدرة المنطقة العربية والشرق أوسطية على تحديد مصيرها بإرادتها دون ألحاجه إلى جهود الدول الأخرى. وتبرز أهمية‏ هذا المنتدى في كونه يأتي ضمن سلسلة منتديات تعقد بعده مباشرة، منها منتدى دافوس حول أفريقيا في الفترة 31 أيار/ مايو إلى 2 حزيران / يونيه 2006، ثم منتدى شرق آسيا يومي 15 و 16 حزيران / يونيو، ومنتدى الصين يومي 10 و 11 أيلول / سبتمبر 2006، وأخيرا منتدى تركيا يومي 23 و 24 تشرين الثاني/ نوفمبر 2006‏.‏
وعادة ما تطرح أسئلة كثيرة قبيل انعقاد مثل تلك المؤتمرات الدولية ذات البعد والاستفادة الإقليمية وأبرزها كيف يمكن الاستفادة من إقامة منتدى دافوس الشرق الأوسط على أرض عربية؟ حتى لا تخرج هذه الدول صفر اليدين من هذا الحدث المهم الذي يكتسب أهميته من كونه فرصة لالتقاء رؤساء الدول والحكومات مع رؤوس الأموال الأجنبية التي تمثلها الشركات الكبرى المشاركة به. وبعيدا عن مناقشة القضية التي دائما ما تثار قبل عقد المنتدى، وهي معارضة البعض لإقامته بحجة أنه يعمل لمصلحة هذه الشركات، فإن المنطق السليم يفرض علينا كعرب عدم الهروب إلى الأمام ودفن رؤوسنا في الرمال، بل ينبغي إعداد أجندة عربية موحدة تحدد إمكانية الاستفادة منه، خاصة أن عدد المشاركين فيه وصل إلى أكثر من 2250 شخصية عالمية، وهي فرصة لافتة لتسوق الدول العربية نفسها أمام هذه الحشود من الاستثمارات. فلمنتدى دافوس ثقلا سياسيا واقتصاديا معروفا منذ بدايات تنظيمه في سبعينيات القرن الماضي وبالتالي فان وضع جداول ومعايير يمكن من خلاله الاستفادة من مثل هذا المؤتمر أصبح أمرا لا بديل منه سواء أمام الشركات المشاركة أو الحكومات التي يقع عليها العبء الأكبر خاصة وأنها تمثل الجهة الرسمية الموكل بها تنفيذ توصياته ومقترحاته والخروج منه بأقصى استفادة ممكنة، وفي أي حال إن تلبية رغبات كل الأطراف داخليا تعتبر أهم المتطلبات التي ينبغي أن تبنى عليها آليات الاستفادة من مثل هذا المنتدى الكبير.
ثمة أسس ومعايير تحددها بعض الدول المنظمة لمثل هذه المؤتمرات تستطيع من خلالها إيجاد آليات سليمة لتفعيل تلك المؤتمرات منها على سبيل المثال تكوين أجهزة علمية متمثلة في نخبة من الكوادر الموجودة بالدولة تشرف بشكل رئيسي على متابعة المؤتمر وتحليل لقاءته في توصيات ومقترحات يسهل تنفيذها فيما بعد. كما أن مشاركة الحكومات تمثل سلاحا ذو حدين في مثل هذا المؤتمر إذ أنها تتيح فرصا للتكامل فيما بين القطاع الخاص والعام رغم أنها قد تلغي دور بعض الجهات الصغيرة كمؤسسات المجتمع المدني التي تمثل مشاركتها ثقلا للمنتدى خاصة وأنها إحدى الجهات القادرة على تفعيل توصيات وقرارات المنتديات العالمية داخليا. كما أن القطاع الخاص نفسه لا بد أن يركز على تحقيق أعلى الاستفادة من خلال مثل هذا المؤتمر خاصة من خلال وضع آليات للتعاون الدائم مع الشركات والجهات الاستثمارية المشاركة من بعض الدول الأخرى علما أن ثمة أكثر من 2250 شخصية عالمية مشاركة بالمؤتمر قد يزيد عدد رجال الأعمال منهم عن ال 2000 شخصية وبالتالي فأن المؤتمر يمثل فرصة جيدة للقطاع الخاص ينبغي استغلالها بكل فعالية ووضع آليات تنفيذية يستطاع من خلالها تحقيق اكبر استفادة من هذا المنتدى العالمي.
ثمة جانب آخر ينبغي الإجابة عليه وهو كيف يمكننا كعرب تسويق أنفسنا؟ إذ يتطلب بداية أن ندخل المنتدى بكتاب موحد وبلغة يفهمها العالم‏، لا التحدث فيه عن موضوعات مضى عليها الزمن، وإنما ينبغي تحديد الفرص الاستثمارية الحقيقية في المنطقة‏ بوضوح، والتقدم بمشروعات متكاملة قابلة للحياة والتنفيذ ذات جدوى عالية‏،وان تكون ‏ مشروعات ضخمة تربط مصالح العالم بمصالحنا كعرب لنا خصوصيتنا وظروفنا. وعليه ينبغي أن يكون المنتدى فرصة لتدفق الاستثمارات الأجنبية إلى المنطقة في صورة استثمارات حقيقية مباشرة‏ مولدة لمزيد من فرص العمل ‏ لا أن تدخلها من باب البورصة كما يروّج أو من باب الخصخصة‏ فقط، وهو ما يسمى بالاستثمار غير المباشر الذي تعود فوائده بالشكل الأكبر على الشخص أو المؤسسة المستثمرة فقط.
إن نجاح ذلك لن يكون بالأمر الهيّن من دون معرفة القضايا التي يناقشها المنتدى، وبخاصة قضايا أداء الشركات الأجنبية للخدمات الأساسية كالتعليم والصحة، وهو ما يعرف بتحرير الخدمات، الذي ينظر له المنتدى على أنه الوسيلة الأكثر فاعلية لمكافحة البطالة في الدول العربية. كما انه من الضروري توصل الدول العربية إلى صياغة رؤية مشتركة توضع فيها إمكانية اتخاذ مزيد من الإجراءات نحو تحرير التجارة البينية في الخدمات بين الدول العربية وكذلك بين الدول العربية وبقية دول العالم وبخاصة في قطاعات حيوية كالاتصالات والمصارف والتأمين والمقاولات والاستشارات الهندسية والسياحية والفنادق، إلى جانب قطاعات التعليم والصحة
وعلى الرغم من أن تحرير التجارة البينية في الخدمات بين الدول العربية بدأ يتزايد بشكل ملحوظ، وإن لم يكن قد وصل إلى الشكل المطلوب، إلا أن حجم التبادل البيني في الخدمات بين الدول العربية والأجنبية لا زال محدودا جدا، لاعتبارات لا معنى لها كالتخوف من نفوذ هذه الدول إلى سوق الخدمات بدولنا ومجتمعاتنا وخاصة التي لها علاقة بالثقافة والتعليم، بدعوى أن ذلك سيجعلها تشيِّع ثقافتها على حساب الثقافة الأصلية، وهذا ما يعتبر استمرارا لسياسة الهروب إلى الأمام، ولأننا إذ لم نوافق عليه الآن فسيفرض نفسه علينا مستقبلا، وبالتالي لا بد من وجود مؤسسات تدعم الثقافة العربية في مواجهة الثقافة الوافدة.
ثمة ضرورة لتوفير 100 مليون فرصة عمل بحلول عام 2020 لتخفيض نسبة البطالة في الشرق الأوسط إلى مستويات معقولة ومقبولة. ومن المؤكد أن طرح تحرير التجارة البينية في الخدمات بين الدول كحل لهذه المشكلة سيكون مخرجا هاما للحد من مشكلة البطالة، الأمر الذي ينبغي أن يترافق مع ضرورة تحسين مناخ الأعمال في المنطقة لزيادة نصيبها من الاستثمارات الأجنبية المباشرة، وتوجيه اقتصادياتها نحو التنمية المستدامة، إضافة إلى التركيز على نمو القطاعات غير النفطية.
إن طرح قضية البطالة في مؤتمر شرم الشيخ للنقاش يعتبر استمرارا للحوار الذي بدأ بدافوس كانون الثاني / يناير 2006 الذي تزامن مع صدور تقرير "البطالة في العالم" من قبل مكتب منظمة العمل الدولية عشية انطلاق المنتدى، ما جعل القضية تفرض نفسها على مناقشاته، حيث تناول الحضور بالدراسة سوق الوظائف بالعالم، في ضوء مشكلة البطالة، وكيف يمكن للاقتصاد العالمي خلق فرص عمل جديدة. إذ أن مشكلة البطالة التي يعاني منها العالم اليوم تعد من أكبر الأزمات التي تهدد أمنه واستقراره، إذ ينبغي تحقيق التوازن بين السياسات الاقتصادية والاجتماعية المولدة لفرص العمل والمحفزة لعملية التنمية الاقتصادية.الأمر الذي يتطلب من جانب الدول العربية إستراتيجية تهدف إلى تطوير العملية التعليمية، بحيث تتمكن من التعامل مع التكنولوجيات التي تستخدمها الشركات الأجنبية، حتى يمكن أن تلعب هذه الشركات دورا في استيعاب القوى العاملة العربية.
إن مستقبل الدول العربية مرتبط إلى حد بعيد بالإصلاحات الضرورية وخلق شروط أفضل للاستثمار الأجنبي وترويج التجارة الحرة على قاعدة أن الرفاه الاقتصادي شرطٌ للاستقرار السياسي في كل القطاعات الاقتصادية كالاتصالات والتكنولوجيا، والسلع الاستهلاكية، والمال، والبنية التحتية وهو ما ينبغي السعي إليه عبر هذا المنتدى العالمي خاصة وان الدفع بعملية دمج اقتصاد المنطقة في الاقتصاد العالمي مرتبط أيضا في نفوذ وقوة المشاركين فيه.
ثمة قضايا مركزية كثيرة علينا نحن العرب أن نحدد خياراتنا ومواقفنا منها،إذ أن العالم بأسره قد اتخذ مسارات أخرى علينا فهمها وهضمها، فالإصلاح بجوانبه كافة بات أمرا حتميا وتحديا للشعوب كما للأنظمة،وبقاؤنا في جدل عقيم حول مشاركاتنا في المنتديات الإقليمية والدولية ومدى استفادتنا منها لن يحل مشاكلنا، إن استفادتنا بفعالية كبيرة من هذه المنتديات يكمن في البحث عن موقعنا المفترض فيها وتقديم ما يلفت الاستثمار الأجنبي إلى واقعنا الذي بحاجة لكل شيء بما فيها الابتعاد عن المفاهيم التي عشنا فيها سابقا والتي لم تسمن ولم تغن عن جوع!.