19‏/02‏/2008

مؤتمر الحوار اللبناني: هل سيثقب دف الحوار ويتفرق عشاقه؟


1
مؤتمر الحوار اللبناني: هل سيثقب دف الحوار ويتفرق عشاقه؟
د.خليل حسين


أستاذ القانون الدولي في الجامعة اللبنانية
رئيس مصلحة الدراسات في مجلس النواب اللبناني
\
هل استدرك اللبنانيون حراجة وضعهم وتأكدوا أن لا مجال للخلاص إلا بالحوار؟ وهل أن الظروف المحيطة بهم إقليميا ودوليا ستساعد في الوصول إلى إطار حل في المستقبل؟وهل أن الموضوعات المطروحة على طاولة الحوار هي قابلة للحل عبر اللبنانيين أنفسهم؟ وهل سيتمكن المتحاورون من الوصول قريبا لما يهدفون أم أن المؤتمر سيكون بداية لمتابعات كثيرة قادمة؟أسئلة كثيرة تطول بطول عمر ألازمات اللبنانية المتلاحقة إلا أن السؤال المحوري الذي ينبغي الإجابة عليه،هل سيكون هذا المؤتمر ملحقا تفسيريا لما أُشكل في اتفاق الطائف،ثمة ملاحظات ينبغي إدراجها لتوضيح الكثير مما ورد أبرزها:
- خلال سنة من الزمن اختلط فيها الكثير من الأسباب التي أخذت لبنان إلى المكان الذي هرب منه بنيه منذ ستة عشر سنة، فبات على قاب قوسين أو أدنى من تفجير السلم الأهلي، ورهنه بمواقف وخيارات لن تكون في مصلحته،في ظل تصاعد سياسي أمني من الصعب السيطرة عليه .
- انسداد أي أفق حل للكثير من المسائل العالقة في طل انقسام حاد وواضح بين مختلف التيارات السياسية اللبنانية،وسط اتهامات واتهامات مضادة وصلت في بعضها إلى التخوين واستعمال عبارات ومصطلحات بعيدة كل البعد عن الأدبيات السياسية المألوفة أو التي ينبغي التخاطب بها.
- انعدام المشاريع السياسية ذات القيمة العملية والقابلة للحياة بين غالبية الشرائح السياسية والاجتماعية اللبنانية،واقتصار الأمر على بنات أفكار من الصعب الركون إليها في معرض البحث عن حلول للمشاكل الكبيرة المطروحة.
- تداخلات واسعة متنوعة ومتعددة الاتجاهات والأهداف باعدت بين اللبنانيين وأسهمت بشكل كبير في توصيف الكثير من الأمور التي كانت يوما من مسلمات الحياة السياسية اللبنانية.
- فراغ وضياع وانعدام رؤية واضحة في العديد من المواقع والمؤسسات ذات الصلة بالقرار السياسي اللبناني وصلت في بعض مراحلها إلى اللجوء لأساليب المقاطعة كتعبير عن الاحتجاج السياسي تجاه العديد من الأمور التي يجب أن تحل في مواقعها الدستورية.
- تموضعات سياسية متلاحقة تفتقر في غالبيتها إلى الشروط الموضوعية القابلة للحياة والبناء عليها في مشاريع سياسية يمكن أن تنتج اطر حلول.
- ضغط اقتصادي واجتماعي ونفسي هائل على مختلف شرائح المجتمع اللبناني وسط غياب تام للمعالجات الجادة، بل اعتماد سياسات تقطيع الوقت والهاء من يعنيهم الأمر بمسائل تزيد الأمور تعقيدا.
- غياب أو تعطيل إي مبادرات عربية إن كان على مستوى الجامعة العربية أو من مواقع عربية فاعلة إقليميا،بل وانقسام اللبنانيين حولها إن وجدت وبدلا من تكون مدخلا للحل باتت مدخلا لمزيد من الانقسام.
وإذا كانت هذه العوامل والمظاهر قد رافقت معظم الفترة السابقة،فهل انتفت ليتأمن أفق الحل في هذا الحوار؟ في الواقع ما جرى حتى الآن يمكن أن يرسم صورة ما للمرحلة القادمة ابرز معالمه تظهر في التالي:
- بداية إن مجرد انعقاد المؤتمر على هذا المستوى من التمثيل وبهذه الإدارة الحكيمة من صاحب الدعوة تشكل عاملا ايجابيا صعب التغاضي عنه،إلا أن العبرة لا تكمن في الاجتماع وإنما في النتائج المحتملة عنه.فثمة عشرات بل مئات من المؤتمرات التي عقدت في غير حقبة من حقبات ألازمات اللبنانية المتعاقبة ونادرا منها ما كان يصل إلى الهدف المرجو منها.
- وبصرف النظر عن حجم نجاحات هذا المؤتمر وما يمكن أن تصل إليه مقرراته، فثمة ثابت هو أهمية اقتناع اللبنانيين أن لا سبيل لهم إلا الحوار والجلوس منفردين بعيدين عن أي تدخل خارجي.
- إن الجلسات الخمس التي عقدت حتى الآن وما ظهر منها توضح إن ثمة جدية متناهية في التعاطي مع القضايا المطروحة،إضافة إلى الوضوح والأسلوب العملي والعلمي في مناقشتها بعيدا عن الأسلوب الإنشائي الذي تعوَّد اللبنانيون عليه في حياتهم السياسية الماضية،وهذا أمر مشجع ومساعد في إيصال الأمور إلى نقاط تنتج تصورا ما قابل للحياة والبناء عليه.
- لكن وتأسيسا على ما سبق إن جولة اليوم السادسة توحي وكأن مزيدا من المتابعة والدرس سوف تأخذها بعض المسائل وهذا أمر طبيعي باعتبار إن المتحاورين وقفوا بجدية عند كل النقاط المطروحة وهي بطبيعة الأمر من القضايا التي تستلزم المزيد من التعمق والدرس باعتبارها تتعلق بمسائل استراتيجية متصلة بالخيارات أكثر منها بالقرارات.
- إن ارتباط بعض القضايا بمواقع إقليمية ودولية ستجعل التوصل فيها لإطار حلول أمرا ليس بسهل الاتفاق عليه،وبالتالي ستأخذ مزيدا من الوقت وعليه فان إنشاء لجان متابعة أمر مؤكد،إذ أن بعض لقضايا تستلزم آليات تنفيذية وتأخذ الكثير من الجهد والوقت لإنهائها ومن غير الطبيعي أن تبقى جلسات الحوار مفتوحة إلى فترات زمنية طويلة.
- ثمة مفاوضات واتصالات موازية غير مرئية أو معلن عنها تجري بعيدا عن طاولة الحوار،ومن الصعب التنبؤ بدقة عن طبيعتها ومحتواها ومبتغاها وهذا كما أسلفنا ليس بالأمر الجديد على اللبنانيين بل يكون مستغربا إن لم يكن موجودا،وبصرف النظر أيضا عن حجمه ومستوى تأثيراته فالعبرة تكمن في قدرة المتحاورين على الاستفادة منها لمصلحة الحوار ومصلحة لبنان بكافة تلاوينه السياسية والاجتماعية.
أما فيما يختص بطبيعة الموضوعات والقضايا المطروحة فعلى الرغم من حدة المواقف تجاهها وتباين الآراء والمواقف منها فيمكن تسجيل بعض الملاحظات أبرزها:
- إن لبنانية مزارع شبعا هي في المبدأ أمر محسوم بين اللبنانيين وان وجد بعض التباين فيها فهي ليست مرتطبة بلبنانيتها أو عدمه بقدر ما هي مرتبطة بحجم أو مساحة هذه المزارع أو بمعنى حدودها الدولية وفقا لاتفاقات عقدت إبان الانتداب في المنطقة،إضافة إلى الوسائل التي ينبغي إتباعها لاسترجاع ما تبقى منها،وعليه فان الوصول لحل هذه القضية أمر مرتبط باقتناع المتحاورين على سبل حلها وهنا ينبغي التوقف عند بعض الطروح كاللجوء إلى الوسائل الدبلوماسية كنموذج الترسيم في محكمة العدل الدولية،فدونه عقبات كثيرة ومنها ضرورة اتفاق الإطراف المعنية بالقضية على التوافق في اللجوء إليها أي لبنان وسويا وإسرائيل باعتبارها طرفا محتلا لهذه الأراضي،إضافة إلى قبول هذه الدول بالرأي أو الفتوى التي يمكن أن تصدرها هذه المحكمة،وهناك العديد من الحالات التي عرضت على محكمة العدل الدولية ولم تتوصل إلى حل بشأنها،إضافة إلى صعوبة تنفيذ أحكامها إذا عادت احد الدول وتراجعت عن الاحتكام إلى قرار المحكمة ما يتطلب اللجوء إلى مجلس الأمن لتنفيذها وفقا للفصل السابع من ميثاق الأمم المتحد.أما المثال الآخر المطروح في هذا المجال وهو الاقتضاء بما جرى بين مصر وإسرائيل بخصوص منطقة طابا،وهذا الأمر مختلف كذلك لجهة طبيعة الموضوع والآلية التي يمكن أن تعتمد فيها.فحالة طابا هي تفصيل ومتابعة لاتفاقات سلام كانت جارية بين مصر وإسرائيل فيما الأمر بالنسبة لمزارع شبعا فهو مرتبط بالاحتلال الإسرائيلي لهذه المزارع ولا يوجد أي قناة اتصال بين الأطراف المعنية بها أي لبنان وسوريا من جهة وإسرائيل من جهة أخرى بل أن حالة الحرب قائمة بين إسرائيل وكل من لبنان وسوريا.
- أما قضية رئاسة الجمهورية فتشكل للبعض حساسية مفرطة وتعتبرها من أوليات الحوار وتصل إلى حد عدم إمكانية بحث أي أمر آخر قبل حسمها،وهي قضية مستثمرة بشكل جيد من غير طرف بين المتحاورين بصرف النظر عن أهداف ووسائل كل طرف بالوصول إلى حل لها.وفي هذا الإطار مهما يكن من أمر فان التوافق على حلها أمر مرتبط بآلية ما ينبغي التوصل إليها وان تبدو مستعصية وغير قابلة للتنفيذ في ظل التموضع السياسي القائم،إلا في حال تمَّ نسج تحالفات جديدة تؤمن مخرجا دستوريا لها.
- أما بخصوص العلاقات اللبنانية السورية فهي قضية عمرها من عمر الكيانات السياسية في المنطقة ومنها لبنان وسوريا وحلها من الصعب الوصول إليه في هذه الأجواء غير الودية بين البلدين،فمن المعروف في العلاقات الدولية إن الوصول إلى علاقات ودية بين الدول أمر ليس بالسهل وإنما يستلزم الكثير من أجراء جسور الثقة وتأمين البيئة المناسبة لها وتأتي في طليعتها البيئة الإعلامية لتكون مدخلا قابلا للمتابعة والعبور إلى أمور أخرى.سيما وان بين البلدين عشرات الاتفاقات التي ترعى المصالح المشتركة وتشكل بيئة مناسبة إذا أُحسن تنفيذها.
- أما الموضوعان الآخران فهما ليسا بعقبة أمام الحوار،فجريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري قد تمّ التوصل إلى حل بشأنها وكان عليها أجماع تام،بل كانت مدخلا هاما لترطيب الأجواء والولوج إلى قضايا أخرى.أما السلاح الفلسطيني فرغم ارتباطه بأمور أخرى فيبدو أن الوصول لنتائج محددة فيه أمر ممكن لا سيما الشق المتعلق بالسلاح خارج المخيمات.
ثمة قضايا عمرها اكبر من عمر بعض المتحاورين أنفسهم وحلها لا يمكن أن يصل بما هو مأمول منه بأيام،فالواقعية تقتضي النظر إلى الأمور بحكمة وتبصر كبيرين ،سيما وأن تجارب اللبنانيين في الحوار كثيرة لكن نجاحاتها قليلة ،فهل سيكون هذا الحوار فرصة كغيرها من الفرص أم ستكون الأخيرة قبل انثقاب دف الحوار وتفرق عشاقه؟.