20‏/02‏/2008

لكي لا يكون التمديد تمديدا ...!


لكي لا يكون التمديد تمديدا ...!
د.خليل حسين
استاذ القانون الدولي في الجامعة اللبنانية

اما وقد حسم التمديد كما كان مؤكدا وليس متوقعا كما اعتقد الكثيرون، فان جملة اسئلة تطرح نفسها وتبحث عن اجابات واضحة باعتبار ان معظم اللبنانيين ان لم يكن جميعهم عاشوا ويعيشوا في حالة من التوجس والخوف الدائم على المستقبل المجهول الذي اختبروه جيدا، وكانوا وما زالوا يتعلقون في حبال الهواء كما يقال بحثا عن الامل الذي رسم في تاريخ لبنان في الشخصية الكاريزيمية التي تنوعت شكلا ونوعا في رؤساء تعافبوا على سدة الحكم في لبنان.
وعلى الرغم من ان الرئيس اميل لحود قد شكل ضمانة نفسية لدى غالبية اللبنانيين ولم يزل، فان من حقنا ان نتساءل عما يحمل هذا التمديد من وعود اضافية نتمنى ان تتحقق ولو جزئيا في الثلاث سنوات القادمة.صحيح ان عهد الرئيس لحود اشبه ما يكون بطائر بلا جناحين وبالتالي لم يكن بمقدوره القفز فوق الكثير من الوقائع التي فرضت نفسها او فُرضت ، الا ان الجانب الاستراتيجي كما عُبر عنه لا يعفي بالضرورة الجانب التكتيكي اذا جاز التقسيم او القول ، فالشعب انتظر ليس بالضرورة المعجزات وانما ابسط الحقوق التي يمكن ان توفرها اي سلطة او حكم في بلد يُسمى بلد الحرف والنور... ، واذا كانت دولة المؤسسات والقانون الذي رُفع شعارا في خطاب القسم الاول اعتبر تطبيقه مستحيلا في تلك الظروف،فما هي المتغيرات التي ستحدث لاحقا لتطبيقها؟ ولو افترضنا ان بعض الظروف قد تغيرت فهل ان المعطيات التي ستلفها ستجعل من تلك المتغيرات فرصة للتغيير المنشود؟.
ولو سلمنا جدلا بالقدرة على التغيير، فهل يمكن القول ان الواقع اللبناني بجميع تفاصيله وتداخلاته واسقاطاته قادرة على اخراج لبنان من الدائرة المغلقة التي هو فيها؟ ولكي لا يكون التمديد بمثابة التمديد لكل هذه الظروف التي تحيط باللبنانيين،فمن البديهي البحث او اجتراح الحلول المعجزات ،اذ ان المشاكل التي يتخبط بها لبنان ليست من الامور القابلة للحل في مدى منظور ،وبالتالي ان الحل الحقيقي هو في الواقع خارج الاطار الزمني للتمديد، ومن هنا يثار التساؤل حول مدة التمديد وهل هي كافية اذ اتيحت الفرص لتنفيذ برنامج كبير؟ وهل ان الضغوط الدولية والداخلية لعبت دورا مؤثرا في تقليص المدة من التجديد الى التمديد؟ ام هي سياسة توزيع جوائز الترضية لضمان تمرير الاستحقاق الكبير؟.
وفي مجال السياسات الاقتصادية والمالية وغيرها، فهل ان السياسات التي ستعتمد مستقبلا هي مغايرة للتي سبقت ام ستكون مرادفة لها بأوجه وأساليب جديدة؟ واذا كانت النية موجودة للتعاطي مع الملفات الاقتصادية والاجتماعية وغيرها موجودة بقوة، فهل ان السياسات الاقتصادية السابقة يمكن ان تُمحى بالتمنيات والمحاولات؟ام ان السياسات الاقتصادية هي مناهج ومدارس واساليب عمل وبالتالي يستلزم مقابلتها بمناهج اخرى؟ واذا كان الامر كذلك هل بمقدور السياسات الاقتصادية المستقبلية القدرة عل الافلات من الافخاخ التي رُسمت للبنان في هذا المجال؟ وبالتالي هل باستطاعة لبنان الافلات الى ما شاء الله من النتائج السياسية للسياسات الاقتصادية السابقة؟.
وكما الاقتصاد ، كذلك السياسات الاجتماعية وما يتفرع عنها وما يؤثر فيها، فهل بالمقدور تقديم شيء للبنانيين ينسيهم بعض ما يعانون؟ ام ان سداد الاستحقاقات سيفرض على السياسات المزيد من الضغط على القضايا الاجتماعية ؟ .
واذا تجاوزنا الكثير من الجوانب السابقة فماذا في السياسة الداخلية وتداعياتها على اللبنانيين لا سيما في المسائل التي تمس جوهر الديموقراطية التي يتغنون بها ، فهل بالمقدور التوصل الى ما يطالب به البعض من تمثيل صحيح في السلطة عبر قانون انتخابي يلبي الطموحات؟ وهل بالامكان القدرة على تنفيذ الكثير مما جاء في اتفاق الطائف من الغاء الطائفية السياسية و..و... والتي اسبغ عليها القضايا التكتيكية في مواجهة القضايا الاستراتيجية؟.وفي اطار الطائف ايضا،هل بالامكان تطبيق مبادىء النظام البرلماني الديموقراطي في لبنان ام ان الخوف من الأسوأ سيظل المنهج في اعتماد سياسات المحاصصة وغيرها؟.
ان كثيرا من الاسئلة المحرجة يمكن ان تطرح ومن الصعب الاجابة عليها بدقة، الا ان الحرص على الوصول الى الافضل يستدعي البحث عن منهجية جديدة في التعاطي مع الكثير من الملفات التي تنتظر العهد القديم- الجديد والتي بطبيعة الامور لن تكون سهلة ابدا. فالمرحلة القادمة لا سيما الشق الخارجي منه ستكون صعبة على لبنان وعلى من يدير دفة السياسة الخارجية، فالضغوط ستزداد بدءا من ملف المقاومة مرورا بالعلاقات اللبنانية السورية والايرانية وصولا الى موضوع التوطين ، وجميعها ملفات جوهرها الصراع العربي الاسرائيلي الذي تمكن الرئيس لحود من ادرارتها بدقة متناهية ودعم مساراتها قلبا وقالبا، فهل سيتمكن العهد الممدد من تقديم الجديد في هذا المجال وهو امر بالتأكيد سيكون كبيرا ويتعلق بمصير المنطقة وليس بمصير لبنان وحده؟
ان المطلوب كثير وكثير جدا وبالتالي فان المسؤلية ستكون اكبر بكثير من العام 1998 ،بل ستكون مضاعفة باعتبار ان مشروع التمديد سيكون امام امتحان صعب جدا بحيث انه مهما سيتحقق سيظل محققا في الوقت البدل الضائع ،واذا كانت الامور تقاس بالتنائج فان لمسارات اللعبة السياسية في الوقت الاساسي لها الاولوية في تقييم العهود .
ان كثيرا من الدول مر عليها القادة والرؤساء ،الا ان القليل منها تمكن بعض قادتها ان يحفروا في ذاكرة شعوبهم ما تمكنوا من تحقيقه، ولكي نكون منصفين لا بد من التسجيل في ذاكرة اللبنانيين ما حققته المقاومة في لبنان وما اثرت في غيرها من الاماكن، ان سياسة الرئيس لحود لا تستحق تمديد الذاكرة فقط، وانما تجديد انجاز المقاومة والتحرير في كل مكان محتل ومرهون.