20‏/02‏/2008

قراءة هادئة في مواقف السيد حسن نصر الله

قراءة هادئة في مواقف السيد حسن نصر الله
د.خليل حسين
أستاذ القانون الدولي في الجامعة اللبنانية

ثمة ظروف ومعطيات مرَّ بها لبنان خلال الأسبوعين الماضيين لا يحسد عليها، اغتيال وتعبئة شعبية في الشارع، تصريحات ومواقف صدامية، اتهامات وصلت إلى حد التشكيك، مقاطعة وزارية للحكومة، حوارا خارج الضوء، مزيد من الاحتقان والتململ، مبادرات إعلامية عربية واجهت الرفض قبل الولادة، ومحلية خجولة لا صدى لها.باختصار لعبة حافة الهاوية مورست من جميع الجبهات محلية وإقليمية ودولية،النتيجة جو يوحي بما هرب منه اللبنانيون منذ عقد ونصف، غياب لغة العقل، محاكاة العواطف الممزوجة بمشاعر الغرائز الطائفية والمذهبية،كل شيء جاهز وغب الطلب سوى الحكمة والتبصر.لا احد يسأل ما العمل أو ماذا بعد؟.الجميع يعيش الترقّب والخوف والتوجّس وكأن قيامة منتظرة، حتى بات السؤال ضرب في المجهول وطقس من طقوس التبصير.
أسبابا لامست ركائز الوحدة الوطنية والعيش المشترك...، وخلفيات امتزج فيها القانوني بالسياسي حتى بات الخروج عن أللياقات والتعابير الدبلوماسية أمراً مألوفاً بل مطلوباً؛ علَّ في ذلك حشر للطرف الآخر بهدف كسب المزيد ولو على حساب الوطن؛ لكن كلمة الفصل أتت لتثبت مرّة أخرى أن الأولوية هي للوحدة الوطنية مهما بلغ الضرب على الوجع مكمنا.
في الشكل تعابير هادئة رصينة، مصطلحات منتقاة بدقة وعناية، مواقف متزنة مدروسة، إشارات واضحة غير ملتبسة، رسائل مفهومة غير عصية، باختصار لغة عقل وحكمة أعادت رَوعَ اللبنانيين إلى نصابه،والسياسيين إلى حنكتهم ودهائهم ،ومساعدة المترددين لحسم خياراتهم.فما الجديد الذي أتى به السيد حسن نصر الله؟ وما هي أبعاده؟.في المواقف ثمة أمور كثيرة يمكن التوقف عندها والإشارة إليها وأبرزها:
- ثمة حرص كبير على الوحدة الوطنية الداخلية التي تلامس الهاجس، فالقضايا المصيرية ينبغي أن تؤخذ بالتوافق باعتبارها من المسائل الميثاقية التي لا تخضع لأكثرية أو أقلية.ففي المسائل المصيرية وفي جميع الأنظمة السياسية لدول العالم ثمة ثوابت في إدارة ألازمات الوطنية الكبرى وهي وجوب عدم تجاهل الآخر حتى ولو كان خارج السلطة أو المعارضة؛فالمشاركة أمر أساسي وشرط للوحدة الوطنية أينما وجدت السلطة أو المعارضة وفي أي نظام سياسي،فكيف الأمر إذا كان في لبنان حيث الثابت بين المشاركة والوحدة الوطنية ولا سيما في قضايا السياسية الخارجية هو شرط لازم وهناك العديد من الأدلة والقران التي تثبت ذلك،بدءا بالتوافق على ميثاق 1943 مرورا بالموقف من مشاريع الوحدة العربية أو المواقف من محاورها إبان فترة الخمسينيات والستينيات وصولا إلى قضايا الصراع العربي الإسرائيلي وتداعياته على الواقع اللبناني في فترة العقود الثلاثة الماضية.
- والوحدة الوطنية التي كانت نتاجا لفعل المقاومة وسببا لقوتها،هي أولى بالحفاظ عليها عبر عزل ما يشكل خطرا عليها من إشارات وقرارات دولية،ذلك عبر الحوار الذي لا يستثني أحدا؛فالمسؤولية هنا جماعية ولا تخص حزبا أو طائفة،ولذلك كان الانفتاح واضحا على قوى لا تربطها بحزب الله صلة سوى "زمالة نيابية" وهي إشارة يمكن البناء عليها في جسّرِ الطريق مع حزب القوات اللبنانية.
- إن الوصول إلى الحقيقة في جريمة اغتيال الرئيس الحريري هو عنوان أساس لضمان الوحدة الوطنية الداخلية،لا مساومة ولا مقايضة عليه، والربط بينه وبين مواضيع أخرى حتى ولو كانت استراتيجية بالنسبة للحزب أمر مرفوض.وبالتالي إن ما عُرض سابقا على الحزب في هذا المجال لم يلق آذانا صاغية.بمعنى إن موقف الحزب من المحكمة الدولية حول الكيفية والنوعية وليس على ما يمكن أن تصل إليه؛فالمجرمون يجب أن يقدموا إلى المحاكمة أيا كانوا.وما حدث من فعل وردات فعل قبيل اعتكاف وزراء أمل وحزب الله يمثل احتجاجا على آلية المشاركة واتخاذ القرارات إن كان داخل مجلس الوزراء أو خارجه،ولا يمثل هذا الاعتراض تفسيرا أو تأويلا لموقف الحزب من المحكمة الدولية.
- إن التحالف الانتخابي الرباعي هو نتاج توافق سياسي على قضايا أساسية وردت في البيان الوزاري للحكومة،وبالتالي إن الاستمرار في التحالف ينبغي أن ينطلق من الثوابت السياسية التي حكمت التحالف؛وإذا كان ثمة أمر يعيد ترتيب تحالفات جديدة ينبغي أن تتمَّ عبر ائتلافات جديدة في السلطة وعبر انتخابات مبكرة كما يجري في أنظمة دول العالم كافة.
- إن خيار حكومة وحدة وطنية يمكن أن تعتبر مخرجا في حال تمَّ التوافق عليها وهي بطبيعة الحال تحفظ مشاركة من خرجوا من السلطة في الانتخابات الأخيرة،وهم يشكلون حيثيات لافتة في بيئتهم السياسية والطائفية،فرغم أن حركة أمل وحزب الله يشكلان النسيج الاجتماعي والسياسي لغالبية الشيعة في لبنان فإنهما لا يدَّعيان تمثيل جميع الشيعة ، والأمر ينسحب على باقي الأحزاب والتيارات السياسية في لبنان.
- إن إعادة ترتيب العلاقات اللبنانية السورية ينبغي أن تكون أولوية باعتبارها مدخلا لحل الكثير من الإشكالات،فمعاداة سوريا وإعلان الحرب عليها لن يكون لمصلحة لبنان،بل هي خسارة للطرفين وأن كانت خسارة لبنان هي الأكبر في هذا المجال.كما أن ترسيم الحدود في هذه الظروف الضاغطة يزيد الأمر تعقيدا سيما وان جزءا منها لا يزال محتلا من قبل إسرائيل.لذا إن استرخاء العلاقات اللبنانية السورية والبحث عن آلية تصويب مساراتها يساعد في الكثير من القضايا الأساسية لا سيما في جريمة اغتيال الرئيس الحريري.
- إن عمليات الاغتيال التي حدثت مؤخرا تتضمن الكثير من الاحتراف والدقة في التنفيذ،ولها أوجه متشابه للعديد من الاغتيالات التي تمَّت لبعض قيادات المقاومة،فكيف يمكن نفي اتهام إسرائيل بالعديد من العمليات الأخيرة سيما إذا تمَّ استثناءها ذلك يعني إهانة لمن استهدفتهم.
إن ظروف المنطقة كما لبنان تعج بأسباب الانفجارات ما يستدعي حكمة وتعقلا بالغين من جميع الأطراف،فمنطق التسويات الإقليمية والدولية غالبا ما يتم على حساب الدول الصغيرة التي لا حول لها ولا قوة حتى وان كانت تكافح من اجل قضايا كبيرة ومحقة.ومهما يكن من أمر فان الوحدة الوطنية هي الأساس في إبعاد الأخطار والمؤامرات والتسويات التي كانت ولا زالت تدق أبوابنا وبلا استئذاننا.
إن تحصين الوحدة الوطنية لا تتم إلا بالحوار الجاد على المسائل المصيرية،وهنا نعني الحوار الجاد الهادف إلى حل المسائل على قواعد موضوعية قابلة للحياة وعلى خلفية فهم هواجس الآخر ومبرراته،ونعتقد بأن لبنان تجاوز مفترق الطريق الصعب بل بات في عين العاصفة ما يقتضي وقفة وطنية شاخصة باتجاه إخراج لبنان مما هو فيه.
إن المخارج ليست كلها آمنة أو متوفرة بشكل يضمن الوصول إلى قواسم مشتركة يجمع عليها اللبنانيون،فإذا كانت الانتخابات المبكرة هي مشكلة بذاتها لدى البعض،وإذا كانت حكومة الوحدة الوطنية متعذرة في هذه الظروف لأسباب وأسباب يصعب سردها،فإن طاولة الحوار هي مخرج متوافر إذا صفت النوايا،وفي هذا الإطار إن محاولة رئيس مجلس النواب،نبيه بري، لإنعاش مثل تلك المبادرات أمر لافت،ويصب في الاتجاه الصحيح سيما وإذا كان البحث جاريا في إطار السلطات الدستورية.
اخبرا،إذا كان اتفاق الطائف قد أرسى إطارا لإخراج لبنان من مآسيه السابقة،فينبغي أن لا يكون التباين حول آليات تطبيقه سببا لإعادة هذه المآسي ،لا سيما في تدبير شؤون لبنان الداخلية أو المواقف من السياسة الخارجية التي غالبا ما اختلف اللبنانيون حولها.إن بلدا كلبنان يلزمه الكثير من العقلاء والحكماء،فهل نعي ذلك قبل فوات الأوان؟.