20‏/02‏/2008

كسوف السياسة وخسوفها في لبنان

كسوف السياسة وخسوفها في لبنان
د.خليل حسين
استاذ القانون الدولي في الجامعة اللبنانية
رئيس مصلحة الدراسات في مجلس النواب

ربما تكون قوانين الطبيعة ارحم بكثير على اللبنانيين من غيرها من القوانين أو الأمزجة، فتكرار الظواهر الطبيعية ومنها الفلكية هي بطبيعة الأمر خاضعة لقوانين محكمة من الصعب تجاوزها أو خرقها أو التدخل فيها.فكسوف الشمس تقبلها اللبنانيون وتعاملوا معها كظاهرة طبيعية أخرجتهم من دوامة السياسية التي يتعايشون معها بحكم الأمر الواقع لا بل كانت متنفسا لخروج عن المألوف أو المعتاد من رتابة الحياة التي يجبرهم السياسيون على شرب حنظلها،لكن الجديد في الأمر وان كان متوقعا او مكررا ان يتحلق اللبنانيون على شاشات التلفزة ليسمعوا خطابات ووجهات نظر ومواقف متباينة بل متناقضة حول قضايا ينبغي أن تكون في الأساس من مسلمات الحياة السياسية اللبنانية.
صحيح أننا كلبنانيين نفتخر بل نتفاخر بأننا اخترعنا الحرف وصدرناه وإننا علمنا لا بل اخترعنا الديموقراطية وحرية الرأي والتعبير وحتى لنا باع طويل في قوننة حقوق الإنسان وشرائعها،لكننا حتى اليوم لا نعرف أو لا نريد إن نعرف أن لكل هذه الأمور حدودا ينبغي عدم المبالغة فيها أو تخطيها أو القفز فوق وقائعها.
لبناننا اليوم يتكلم بلسانين ويفكر بعقلين، يسمع بآذان متعددة ويمتاز بحول سياسي تبعد عنه البصر والبصيرة، يختلف حول جنس الملائكة ولا يتوانى عن اجتراح المعجزات التي تقسم ولا توحد،لبناننا اليوم قد أدى قسطه للعلا أمام العرب وابلي بلاء حسنا في تصوير الواقع العربي المتجلي بالانقسام والضياع وعدم وضوح الرؤية.لبناننا اليوم ينضح بالأفكار والآراء التي بات الغوص فيها مهزلة ، والمضي بها هرولة،لبناننا اليوم يا عرب منقسم بين اللاءات الثلاث والنعمات الثلاث،لبناننا اليوم لم يعد يميز مصلحته من عدمها فهل من يهديه إليها؟ّ.
اليوم باتت المقاومة شر لا بد منه،والاحتلال أمر واقع ينبغي البحث عن مخرج له في الكواليس الدبلوماسية،اليوم نبحث عن حل لتنفيذ ما تبقى من ارض محتلة عبر القرارات الدولية،فربع قرن لم يكف للاقتناع بأن الأمم المتحدة لم تكن يوما قادرة على تنفيذ قرار واحد إذ لم ترغب في تنفيذ من يسيطر عليها.
صحيح أن وسائل التحرير هي متعددة وليست محصورة بالعمل العسكري،لكن في المقابل ليس ثمة سابقة واحدة في تاريخ الدول أن خرجت دولة محتلة من أراضي دولة أخرى بالقرارات والتمنيات والمساعي الحميدة وغيرها.والصحيح أيضا أن ليس في العلاقات الدولية جمعيات خيرية تعطى الدول هبات ومواقف مجانية.
إن غريب المفارقات في لبنان انه يتجه بعكس طبيعة الأمور،فالدول عادة ما تتمسك بأوراق قوتها في أي عملية تفاوضية أو مساومة إن لجأت للخيارات الدبلوماسية أو التفاوضية إذا توفرت شروطها،كما أن الدول والحكومات عادة ما تتمسك بما لها ولا تطلب من غيرها تثبيت ما لها.
في اللغة ثمة معنى للكسوف مرادف للخجل والوجل،وللخسوف مرادف للانزلاق عن المستوى، في الأولى كسوف الشمس لا يلغي ولا يخفي الحقائق الواضحة كقرص الشمس أو عينها؛ وفي الثانية خسوف القمر لا يلغي ولا يحجب جمال الحقيقة لمن ينظر إليها.في كلتا الحالتين دقائق من الزمن وترجع الأمور إلى نصابها،تلك قوانين الطبيعة.كم نحن بحاجة إلى كسوف السياسة وخسوف ممارسيها في لبنان!.