21‏/02‏/2008

الانتخابات الرئاسية المصرية واصلاح النظام السياسي

الانتخابات الرئاسية المصرية واصلاح النظام السياسي
د.خليل حسين
استاذ القانون الدولي في الجامعة اللبنانية
بيروت:3-9-2005
تعود أهمية انتخاب رئيس الجمهورية في مصر برأينا بدلا من الاستفتاء إلى كونها خطوة من بين عدة خطوات تهدف إلى إصلاح النظام السياسي الرئاسي، الذي يتمتع فيه رئيس الجمهورية بصلاحيات واسعة جدا وفقا للمادة 77 من الدستور المعمول به منذ العام 1971. ومن بين الخطوات الأخرى لتحقيق ذلك: تطبيق إشراف قضائي على معظم مراحل العملية الانتخابية ان لجهة انتخاب رئيس الجمهورية أو انتخاب البرلمان المقبل في نوفمبر القادم، وتعديل العلاقة بين السلطة التنفيذية والسلطة التشريعية بما يسمح بتقوية دور البرلمان في المجالين التشريعي والرقابي.
وبهذا المعنى تشكل انتخابات الرئاسة قاعدة الارتكاز في مشروع إصلاح النظام السياسي المصري بطريقة سلمية تتسم بالتدرج وإتاحة الفرصة لأكبر مشاركة للاحزاب والقوى السياسية المختلفة في تحديد توجهات عملية الإصلاح السياسي. ولذلك فهي تعد اختبارا حقيقيا لمدى مصداقية النخبة الحاكمة بمعناها العام، وبخاصة قيادة الحزب الوطني الحاكم التي طرحت مشروع الإصلاح السياسي المتدرج ردا على مطالب القوى السياسية والأحزاب التي تنادي بتغيير جذري في آليات عمل نظام الحكم عبر صياغة دستور جديد تقوم به جمعية تأسيسية يتم تشكيلها عبر انتخابات حرة، وان يكون شكل النظام برلمانيا وليس رئاسيا. وهو المطلب الذي رفضه الحزب الوطني.
وفى ضوء هذه التناقضات والاختلافات السياسية جاءت برامج المرشحين العشرة، مصحوبة بحملات إعلانية وانتخابية كبيرة لم تحدث من قبل، وباتت تشكل مجالا واسعا للتدريب المجتمعي على آليات المشاركة السياسية. وهى المرة الأولى أيضا الذي يواجه فيها المواطنون المصريون هذا الكم الكبير من الأفكار والسياسات المقترحة لإعادة التوازن في الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية، بل بات عليهم الاختيار بينها، وتفضيل أحدها على باقي البرامج. مع الأخذ في الاعتبار أن غالبية البرامج الحزبية المطروحة، لاسيما من قبل الأحزاب الصغيرة بعيدة الصلة عن مفهوم البرنامج الحزبي الانتخابي، وبما يثير في الواقع أسئلة عديدة حول جدوى وجود أحزاب صغيرة كثيرة العدد وفاقدة الدور ولا شعبية لها. والمرجح أن تكون هذه الأسئلة جزءا من الحوار السياسي العام لاحقا بهدف تنشيط الأحزاب وحجب الوجود القانوني عن تلك التي لا تستطيع أن تعمل كحزب سياسي حقيقي وله جذور جماهيرية وشعبية عريضة على المستوى الوطني.
وبناء على ما سبق ، فإن انتخابات الرئاسة تشكل بالفعل نقطة فاصلة بين مرحلتين تاريخيتين في مسيرة النظام السياسي المصري، فهي تؤسس لنوع جديد من الشرعية لمنصب الرئيس، وهى شرعية سوف تكون مستندة إلى رضا المواطنين واختيارهم الحر، وذلك بافتراض أن الانتخابات قد تمت وفق أعلى درجة من الشفافية والنزاهة ولم تتعرض إلى أي نوع من التلاعب أو التزوير أو التدخلات غير القانونية.
وأيا تكن نسبة الفوز التي سيحصل عليها الرئيس المنتخب فإنها ستمثل نهاية لعصر كامل من الشرعية القائمة على استفتاءات لم تكن أبدا بعيدة عن الشبهات وعن افتقاد المواطنين حق الاختيار الحر. وفى المقابل سوف تؤسس هذه الانتخابات الرئاسية لعصر جديد يستند إلى مبدأ الاختيار الطوعي والرضا الجماعي.
ولا تخلو الانتخابات الرئاسية من عدة إشكاليات سياسية وقانونية تتعلق بالشفافية والنزاهة وغياب الضغوط على المواطنين، وبناء على الطريقة التي سيتم بها تجاوز هذه الإشكاليات سوف يتضح حجم التغير في النظام السياسي وآفاق عملية الإصلاح المتدرج لاحقا. اما ابرز هذه الاشكالات فهي:
- القدرة على جذب المواطنين من حالة السلبية السياسية إلى حالة المشاركة، وهذه الإشكالية تتعلق أساسا بأن ثقة المواطنين في القدرة على المشاركة الحرة في الانتخابات دون التعرض لتزوير الإرادة بصورة مباشرة أو غير مباشرة ليست موجودة بالشكل المطلوب او المقبول، وذلك استنادا إلى خبرات سابقة في الانتخابات البرلمانية وبخاصة دورتي 1995 و العام 2000 التي شهدتا عمليات تزوير فاضحة، وأساليب أمنية حالت دون قدرة المواطنين على القيان بحقهم الانتخابي ، الأمر الذي شكل لدى غالبية المصريين ميلا قويا للنزوع نحو عدم المشاركة، وبما يهدد من نجاح الانتخابات الرئاسية نفسها، في حال استمرت حالة الثقة مفقودة أو محدودة. وتشكل عدم ثقة المواطنين في نزاهة الانتخابات تحديا حقيقيا لكل المرشحين الرئاسيين العشرة، الذين بات عليهم التنافس في جذب المواطنين نحو مشاركة فعالة من خلال التوجه إلى مقرات الانتخاب والإدلاء بالأصوات، وهو ما يطرح في الواقع مسألة الشروط الواجب توافرها حتى يتحقق للمواطنين درجة من الثقة والاطمئنان بأن أصواتهم ستذهب إلى من أعطيت لهم بالفعل.
- اما الإشكالية الثانية وهى متعلقة بالضمانات القانونية والعملية التي تحقق اكبر درجة من الشفافية والنزاهة. وهى إشكالية ذات شقين؛ الأول منها يتعلق بطبيعة الإشراف القضائي على العملية الانتخابية، ومدى شمول هذا الإشراف كل مراحلها، والثاني يتعلق برقابة منظمات المجتمع المدني التي سوف يُسمح بها.
لقد حقق الإشراف القضائي تطورا مهما قياسا للوضع الذي كان عليه في الانتخابات البرلمانية الأخيرة،التي لم يتجاوز فيها الإشراف القضائي سوى خطوة واحدة، تتعلق بالتأكد من أن الفرد القائم بالتصويت هو نفسه الوارد اسمه في السجلات.وبناء على الصلاحيات التي وفرها قانون الانتخابات الرئاسية ، يمكن القول أن الإشراف القضائي بات يشمل عددا اكبر من خطوات العملية الانتخابية وليس كلها ،ولكن يبقى التطبيق في الواقعي هو الفيصل في الحكم على مدى نزاهة الانتخابات الرئاسية، وأيضا على مدى الشرعية التي يمكن أن يتمتع بها الرئيس المنتخب.
أما الشق الثاني فيتعلق بقدرة منظمات المجتمع المدني على الرقابة على الانتخابات. وهنا يظهر تناقض واضح بين رؤيتين؛ الأولى، وتميل إليها لجنة الانتخابات الرئاسية وترى أن الإشراف القضائي وفقا للقواعد الجديدة ينفي الحاجة إلى أي نوع من الرقابة المدنية، سواء المحلية أو الخارجية، ولأن وجود مبدأ الرقابة المدنية من شأنه أن يثير تساؤلات على دور القضاة أنفسهم الذين سيبدون في هذه الحالة موضعا للتقييم من آخرين، في حين أنهم ـ أي القضاة ـ هم المناط بهم تقييم أداء الانتخابات ككل. والرؤية الثانية ترى أن الرقابة المدنية هي حق أصيل من حقوق الإنسان كفلته المواثيق الدولية،
لا شك أن الطريقة التي سيجرى بها التصويت في الانتخابات الرئاسية ستشكل معلما مهما من معالم تطور النظام السياسي المصري ككل، فإما أن تصبح قاعدة مهمة من قواعد المشروع الإصلاحي، وإما تعيد الأمور إلى الوراء. والفارق بين المسارين يكمن في حجم النزاهة والمصداقية وثقة المواطنين أنفسهم، ووراء ذلك مقدار الشرعية التي ستتوفر للنظام السياسي في المرحلة المقبلة.
ومهما يكن من امر فإن الانتحابات الرئاسية تشكل تطورا بارزا في الانتقال من آلية الاستفتاء على مرشح واحد الى اجراء انتخابات حرة بين عشرة مرشحين،وبصرف النظر عن الآلية المتبعة حاليا،فان التغيير بات مطلبا شعبيا حتى على مستوى الرئاسة،فهل يعقل ان تكون مصر ام العالم والحضارات حُكمت بثلاث رؤساء لأكثر من نصف قرن؟ فعلا حان الوقت للقول كفاية لهذه الظاهرة في مصر وفي كل بلداننا العربية.