20‏/02‏/2008

سنة سادسة تحرير ومقاومة

سنة سادسة تحرير ومقاومة
د.خليل حسين
أستاذ القانون الدولي في الجامعة اللبنانية

"عيد التحرير في لبنان في 25-5-2006"

ست أعوام مضت على تحرير غالبية الأراضي اللبنانية المحتلة،وست أعوام مضت أيضا ولا زالت المقاومة تكافح وتجاهد لتحرير ما تبقى من ارض محتلة.وغريب المفارقات أن يأتي هذا العيد مترافقا مع مواقف ومطالب يحتار المرء ما يقول فيها سيما وأنها تعبِّر عن أحقاد دفينة من الصعب تجاوزها أو عدم التعليق عليها،وأغلب ما فيها قد تعدى في أحيان كثيرة الأدبيات السياسية المتعارف عليها ووصلت إلى حد التنكر لمنجزات كانت في السابق القريب مجالا للإطراء والمديح.وفي هذا الإطار يمكن تسجيل العديد من الملاحظات أبرزها:
- أولى المفارقات الغريبة أن العيد أتى هذه السنة وقد الغيَّ بقرار رسمي كونه عيد تعطل الدوائر الرسمية فيه،وبات مناسبة بنظر البعض كأي حدث عادي يمكن التذكير فيه في بعض المناسبات والمواقع،وهو أصبح كعيد الشجرة مثلا وفي أحسن الأحوال كعيد المعلم أو ألام مع احترامنا لكافة مواضيع الذكرى ومجالات احتفالاتها.وإذا كان ثمة ضرورات قد أباحت هذا الإجراء غير المبرر وغير المفهوم فكيف يمكن إفهام أجيالنا المقبلة التي سنذكرها في المدارس والجامعات مثلا عن حقيقة هذا الإجراء؟وكيف سنبرر إبقاء أعياد رغم رمزيتها وأهميتها وإلغاء عيد التحرير والمقاومة،فهل أصبح التحرير عيبا والمقاومة تهمة ينبغي تجنبهما وعدم التحدث بهما أمام أطفالنا لكي لا نخدش مشاعرهم الوردية؟وكيف سيكون موقفنا لو صادف ولد شهيد للمقاومة فماذا سنبرر له وكيف سنشرح له هذا الإجراء؟وهل سيقتنع أن تعطيل يوم سيؤدي إلى كوارث مالية واقتصادية وسيجر ديونا على لبنان لا تعد ولا تحصى، وكيف سنبرر له إذا سألنا عن الفواتير التي ستدفعها الدولة لمخالصة الخلوي أو الكسارات أو غيرها؟.انه إجراء غير مبرر وليس مفهوما بجميع المقاييس والأعراف الاجتماعية والوطنية.
- يترافق هذا العيد مع قافلة من القرارات الدولية التي ربما لن تنتهي وآخرها القرار 1680 الذي أتى كعيدية ترطب خواطر البعض في الداخل اللبناني من اللذين ينادون بنزع سلاح المقاومة واللذين لا يتوانون لحظة واحدة عن وصفها بالميلشيشا، فيما البعض الآخر لا زال يبحث عن أحرف ومفردات وتعاريف للهرب من توصيف المقاومة بأنها مقاومة،فتارة يتم اللجوء إلى واو العطف أو أل التعريف أو أدوات التنكير وحتى لا يتورعون عن استعمال أسلوب التأويل للشرح والتفسير لمواقف واضحة وضوح الشمس.
- لقد تناسى البعض في لبنان أن المقاومة تمكنت من إجبار إسرائيل على الانسحاب دون قيد أو شرط من معظم الأراضي اللبنانية،فيما كان كثيرون لا زالوا يراهنون على الأمم المتحدة وقرارتها،والآن ينبري البعض للتمسك بقرارات دولية عفا عليها الزمن ويتذرع بأن لبنان غير قادر على رفض وممانعة القرارات الدولية كغيره من الدول وبالتحديد إسرائيل التي تعتبر استثناءا للشرعية الدولية.لقد تناسى الكثيرون أن القانون على المستوى الدولي لا يعطي حقا بل ينشئه وان من ينفذه هي القوة وحدها،هذا هو منطق العلاقات الدولية ومفرداتها فهل يعلمون.
- يأتي العيد هذه السنة وفي لبنان من يقول أن المقاومة قد أدّت قسطها للعلا وآن وقت إحالتها للتقاعد وحتى بظروف غير كريمة،فهل حُضِرَ دار العجزة لاستقبالها أم يتراكض البعض على قتلها قتلا رحيما أو غير رحيم.لقد نسى هذا البعض أن المقاومة وجدت لتحرير الأرض وليس لأي شيء آخر، فطالما أن هناك أرضا محتلة لن يتمكن أحدا من اعتراض طريق عملها لا بالقرارات الدولية ولا بالصياح المحلي،ثمة عملا كثيرا ينتظرها ولن تحال لا على التقاعد ولن يتمكن أحدا من تقرير مصيرها وفقا لهذه الرؤى.
- يأتي العيد هذه السنة وثمة من يقول أن لا إجماعا وطنيا على عمل المقاومة وثمة من يتجرأ بالافتراء والقول أن المقاومة باتت طرفا في التوازنات السياسية الداخلية،لقد نسيَّ أو تجاحل هذا البعض أنه لم يكن في يوم من الأيام إجماعا لبنانيا على عمل المقاومة ضد إسرائيل،وان ظروفا أجبرت الآخرين للظهور بمظهر التأييد والموافقة على أسلوب العمل والتحرير،وعندما تغيرت الظروف وانقلبت الموازين الإقليمية والدولية سارع الكثيرون لكشف حقيقة مواقفهم وباتوا في المقلب الآخر الذي لا يشرف المقاومة بأنهم كانوا يوما يدعونَّ بأنهم يقفون إلى جانبها. إضافة إلى ذلك إن استعراض تاريخ أعمال المقاومة ليس في لبنان وإنما في جميع دول العالم،يثبت أن ثمة أناس كانوا مع مقاومة الاحتلال لبلدهم وانتصروا في النهاية،كما كان ثمة فئة ضد المقاومة بل بعضهم تعامل مع الاحتلال وفي النهاية لم يجلبوا لأنفسهم سوى الذل والهوان.
- يأتي العيد هذه السنة وثمة أطرافا لا زالت تبحث في الحوار عن آلية لنزع سلاح المقاومة وهي تبدو مستعدة لمقايضة الكثير الكثير من الملفات بهذا الموضوع، فيما طرف المقاومة يبحث عن وسيلة لحماية لبنان وتحرير ما تبقى من أرضه.لقد بدا البعض بمقولة نزع السلاح وتراجع شكلا ومن ثم اتخذ طريق الحوار مدخلا لذلك تحت حجة البحث عن استراتيجية لحماية لبنان،والآن يُطرح دمج المقاومة بالجيش كوسيلة للتخلص من سلاحها،لقد وصل الأمر في البعض إلى حد استغباء الآخرين عبر إقناع أنفسهم عنوة بأن المقاومة وأساليب عملها هي واحدة ومتطابقة مع أساليب عمل الجيوش النظامية،وتجاهلوا أن سر نجاح المقاومة أينما وجدت هي بابتعادها عن الوسائل التقليدية للجيوش النظامية،ويتجاهلون عن قصد أن هذا الطرح أي الدمج هي طريقة دبلوماسية لنزع السلاح ليس إلا.
- يأتي العيد هذه السنة وثمة من يصوِّر أن المقاومة أصبحت عبئا على الداخل اللبناني وأن الوقت قد حان للتخلص من الحِمل الزائد التي تنوء تحته المؤسسات اللبنانية.وأيضا تناسى البعض عن قصد بل عن سابق تصور وتصميم بأن المقاومة لم يكن لها أي تأثير بأي حدث أو ميزان قوى داخلي،بل أن ابتعادها عن زواريب السياسية الداخلية اللبنانية هو سر نجاحها وان من يحاول اليوم إقحامها بهذه الأمور إنما يهدف إلى محاولة الإضعاف لموقعها.كما أن الكثيرين تناسوا أن المقاومة لم تكلف الدولة فلسا لا ماديا ولا معنويا بل وفَّرت عليه الكثير الكثير عبر إجبار إسرائيل على احترام توازن الرعب وعدم المسِّ بالمنشآت الاقتصادية اللبنانية أو غيرها بعكس ما كان حاصلا سابقا وبعكس ما كانت إسرائيل قد عوَّدت اللبنانيين عليه.
- يأتي العيد هذه السنة وثمة من يصر على المضي بعكس منطق التاريخ والجغرافيا والقوانين والأعراف، فجميع الدول وان تحضِّر نفسها لعمل دبلوماسي تحاول دائما الاحتفاظ بأوراق قوتها في أي محفل تود الذهاب إليه إلا في لبنان ثمة من يحاول بل يحرض ويسعى جاهدا وبكل عزم على التفريط بأوراق قوة لبنان ويحاول مجددا التمسك بمقولة أن قوة لبنان في ضعفه ويحاول تناسي مصائب هذه المعادلة التي لم تجلب للبنان إلا الدمار والخراب.إن حياد لبنان عن الصراع العربي الإسرائيلي كان دائما سببا رئيسا في تفككه وهوانه وخرابه،ولم يكن يوما حياده سببا في ازدهاره،فلبنان شاء أم أبى ينبغي بقاؤه إلى جانب الصراع مع إسرائيل ذلك بحكم موقعه وتركيبته وخصوصيته المنافسة لإسرائيل.
ورغم ذلك ومهما زادت الضغوط الإقليمية والدولية على لبنان ومقاومته، ثمة مواقف ومظاهر مقابلة تتمسك فيها المقاومة وأبرزها:
- الإصرار على تحرير ما تبقى من ارض محتلة، فالمقاومة وجدت للتحرير لا لأي شيء آخر، ومهما اشتدت عليها الضغوط الخارجية والداخلية فلن يثنيها عن هدفها أمرا ما ،فقد جربت بعض القوى الدولية في السابق الكثير من المحاولات ولم تتمكن من تحقيق شيء يذكر،بل كانت المقاومة تشتد عودا وقوة في كل مرة كانت الضغوط تمارس عليها،ذلك بفضل من اقتنع حقيقة بصوابية مسارها وعملها ومصداقية توجهاتها وتعاملها الداخلي والخارجي.
- إصرار المقاومة الابتعاد عن الحساسيات الداخلية رغم محاولة البعض إقحامها فيه، والتفرغ لهدف وحيد هو التوجه لمواجهة العدو وحماية لبنان، ذلك يتجلى عبر إصرار المقاومة على إيجاد استراتيجية دفاعية تمكن لبنان بجدية حماية نفسه من أعتى قوة دولية في المنطقة.وفي هذا الإطار ثمة احتمالين لا ثالث لهما،إما التوصل إلى استراتيجية لتسليح الجيش اللبناني ماديا ومعنويا لمواجهة إسرائيل وهو أمر مستحيل من الناحية المبدئية في ظل الظروف الحالية للبنان،وإما الاسترشاد بعمل المقاومة التي خلقت توازنا استراتيجيا ردعيا بين لبنان وإسرائيل بكلفة متواضعة جدا ماديا ومعنيا أيضا.
- ورغم ما حدث من استفزازات لا سابق لها في تاريخ التعاطي مع المقاومة ظلت هذه الأخيرة تسعى وبكل جهد ممكن لترميم الوضع الداخلي وعدم المسِّ بأسس الوحدة الوطنية ومحاولة السعي الجاد لتأمين الحد الأدنى من مقومات الوحدة الوطنية في القرارات المصيرية، وهذا ما تجلى عبر المشاركة في مؤتمر الحوار الوطني رغم أن الأمور المطروحة والمتعلقة بعمل المقاومة ينبغي أن تكون من المسلمات الوطنية غير القابلة للنقاش في أي حال من الأحوال.
ذات يوم ردد َّ الشاعر قائلا عيد بأي حال عدت يا عيد بما مضى أم لأمر فيك تجديد، وما نتمناه اليوم أن يعود عيد المقاومة والتحرير بإصرار وتأكيد كبيرين على متابعة السير في الهدف المنشود وصولا إلى التحرير الكامل وحماية لبنان من التهديدات الإسرائيلية وأطماعها المعروفتين،وأن ذلك ليس بالأمر الصعب أو المستحيل طالما أن هناك قيادة سياسية للمقاومة واعية ومتنبهة لما ينبغي أن تفعله ولما ينبغي أن تقدمه، كيف وان سيدها قد انفرد من بين السياسيين اللبنانيين بتقديم ولده قربانا لنصر عظيم، لم يستطع أحدا في تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي من تحقيقه على مدى أكثر من نصف قرن!.