20‏/02‏/2008

لكي لا يكون الحوار حوار طرشان


لكي لا يكون الحوار حوار طرشان

د.خليل حسين
استاذ القانون الدولي في الجامعة اللبناني
رئيس مصلحة الدراسات في مجلس النواب اللبناني

لقد بات واضحا ان جميع الاطراف اللبنانية باتت بحاجة ماسة الى مخرج ما يعيد الامور الى نصابها بعد الحراك السياسي خلال الفترة الماضية والذي كان بمجمله بمثابة اعادة لتموضع سياسي جديد خلط الكثير من الاوراق الاساسية في الحياة السياسية اللبنانية.ورغم هذه الحاجة الملحة يبدو ان غالبية الاطراف ذاهبة الى الحوار رغما عنها تحت وطأة الضغط السياسي لئلا تفسر مواقفها وكأنها تغرد خارج سرب السلم الاهلي البارد الذي عاشه المجتمع اللبناني خلال الخمسة عشر سنة الماضية.فما هي مواقف الاطراف وكيف ينظر اليها وما هي آفاق المرحلة المقبلة؟وفي هذا الاطار يمكن تسجيل العديد من الملاحظات ابرزها:
- في المبدأ كما اسلفنا بات الوضع اللبناني اكثر تعقيدا وحساسية من اي وقت مضى،بحيث ان مجرد اللقاء امر ملح باعتباره يخفف من تصلب المواقف ازاء بعض القضايا التي تعتبر جوهرية من البعض، علما ان المطلوب ليس اللقاء من اجل اللقاء وانما على الاقل محاولة الوصول الى حد ادنى من اطار ما يكون قابلا للحياة مستقبلا،فالفشل في مثل هكذا مواقع يمكن ان يؤدي الى امكنة لا تحمد عقباها سيما وان جميع الظروف مهيأة للاستثمار في الامكنة التي بصعب السيطرة عليها.
- وعلى اي حال وان كان مؤتمر الحوار الذي لا يعد الاول من نوعه بين اللبنانيين ولا يعتبر سابقة بطبيعة الحال،انما يأخذ منحى آخر يمكن ان يشكل سابقة لجهة ما يمكن ان يتوصل اليه الاطراف، فهي المرة الاولى الذي يعقد مثل هذا المؤتمر وعلى هذا المستوى بعد اتفاق الطائف،وخروج سوريا من لبنان وفي ظل الجو الدولي الاقليمي الضاغط،اي بمعنى آخر يعتبر المؤتمر بمثابة امتحان اول بين الفرقاء اللبنانيين لمعرفة قدرتهم على ادارة شؤونهم بأنفسهم وبدون تدخل خارجي.،وهو بطبيعة الحال ايضا امتحان صعب تجاوزه لارتباطه بالعديد من القضايا التي ربما لا يملك اللبنانيون القدرة على التحكم فيها بشكل فاعل.
- ان المواضيع المطروحة للتداول تشكل نقاطا رئيسة في اسباب التباين والخلاف بين اللبنانين،وهنا ليست بالضرورة النقاط نفسها وانما بآساليب معالحتها او التعاطي معها.وهنا تكمن خطورة الموضوع، فربما يجمع اللبنانيون حول قضية معينة الا ان بعض الاطراف تحاول تفسير مواقف الطرف الآخر على انها ترفض الفكرة من اساسها ما بؤدي الى مزيد من الخلافات والانقسامات غير القابلة للحل.
- وتأسيسا على ما سبق ثمة قضايا جوهرية تعتبر من المسلمات ولا يختلف علها اثنان، كموضوع الحقيقة في اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري الذي يشكل البند الاول في مواضيع الحوار.فالخلاف كان في الاساس ليس على اساس الموضوع وانما على اسلوب التعاطي معه،وكيفية حله،وفي مطلق الاحوال فقد تمَّ تجاوز الكثير من مفاصل هذا الملف وبات في حكم المسلمات بعدما تمِّ الاتفاق على اللجوء الى محكمة مختلطة لبنانية دولية؛الامر الذي لا يشكل هذا البند اي مشكلة في طبيعة الحوار وموضوعاته،اذ سيكون بندا محفزا على الالتقاء وليس العكس ومدخلا حواريا ذات شأن مهم لاسترخاء العلاقة بين الاطراف.
- اما النقطة الثانية والتي تعتبر بيت القصيد لكل الاطراف فهي موضوع المقاومة والسبل الكفيلة لحل التباينات والخلافات الحاصلة حول هذا الملف.وفي الواقع ان هذا الملف بالتحديد سيكون موضع عناية جميع الاطراف باعتباره يشكل الحد الفاصل بين نجاح المؤتمر او فشله.فملف المقاومة مرتيط بالعديد من المسائل الداخلية والخارجية المتشابكة،فهو بنظر البعض يشكل جوهر وجود لبنان حتى الآن وموضوعا غير قابل للحل كيفما كان،باعتبار ان سلاح المقاومة كان العامل الأساس لمنعة لبنان وتحرير غالبية ارضه وأداة دفاعية ردعية لأي اعتداء اسرائيلي محتمل،فيما ينظر الطرف الآخر ان سلاح المقاومة قد ادى قسطه للعلى ولم يعد مبررا لوجوده،وينطلق هذا الفريق من منطلق ان ما تبقى من مواضيع ذات صلة بعمل المقاومة يمكن ان يتابع بأدوات أخرى جلها طرق دبلوماسية وقانونية لا تغني ولا ستمن من جوع بنظر فريق لا يستهان به.وفي كلا الحالين ثمة مبررات كثيرة يطرحها كل فريق ويتمسك بها بصرف النظر عما يمكن ان ينتج عنها من تداعيات في المستقبل.
- ان النقطة الثالثة وتعتبر مرتبطة مع السابقة وهي سلاح المنظمات الفلسطينية في المخيمات وخارجها، فهي وان بدت نقطة خلافية اضافية فتعتبر غير ذات شأن اذا تمَّ التوصل الى حل الاولى،اذ تعتبر بالنسبة للبعض خط دفاعي فيما لطرف الآخر عدة شغل لتحريك واقع سياسي قابل للاستثمار في مواقع سياسية اخرى.وعليه سيكون هذا الامر امرا ملحقا غير قابل للحسم بمعزل عن قضايا اخرى، سيما وانه مرتبط بقرار غير لبناني،والاطراف اللبنانية تتفاوت فعاليتها في هذا الملف .
- النقطة الرابعة والتي تشكل مظهرا من مظاهر الانقسام اللبناني الحاد،هي العلاقات اللبنانية السورية،والتي كانت في المناسبة موضع جدل بين اللبنانيين منذ نشأة لبنان الكبير وانسحبت على مختلف الحقبات السياسية في تاريخ لبنان المعاصر،كما كانت محورا اساسيا في اربع اتفاقات خلال الحرب وبعدها،من الوثيقة الدستورية في نهاية عهد الرئيس سليمان فرنجية الى الاتفاق الثلاثي في عهد الرئيس امين الجميل،الى اتفاق الطائف ومعاهدة الأخوة والتعاون والتنسيق.اضافة الى عشرات الاتفاقات الفرعيه التي نظَّمت مختلف اوجه العلاقات بين البلدين.وبطبيعة الامر يعتبر هذا الموضوع من بين المواضيع التي ستشكل حساسية مفرطة لبعض الاطراف،الا ان مهما يكن من امر فان الوصول الى صياغة ما امر ممكن باعتبار ان العلاقة بين اي دوليتي تشهد مدا وجزرا ويشكل دائم ولا يمكن توصيفها وتحديد معالمها بشكل مسبث ودائم، فالمقبول في ظرف ما لا يكون مقبولا في ظرف آخر حتى لنفس الفريق.
- النقطة الخامسة والتي تشكل احراجا اضافيا في المؤتمر هي موضوع رئاسة الجمهورية وتنحية الرئيس اميل لحود من منصبه،اذ من الممكن ان يكون مفتاح المتابعة او انفراط عقد المؤتمر اذ أصرَّ بعض الفرقاء ان يكون الموضوع الاول في المناقشة.اذ سيعتبر مقياسا لولوج جميع الاطراف الى جوهر الحوار ومصمونه.
ثمة عناصر جوهرية لدى كل الاطراف تبدو غير قابلة للمساومة ما سيؤثر على مجرى الحوار اذا انطلق،لذلك ان الدخول في تحليل المواضيع المطروحة للحوار يعتبر ضربا في المجهول،اذ من الصعب التنبؤ بما ستؤول اليه الأمور،الا ان الواضح في مثل تلك الظروف الحاجة الملحة للغة العقل والحكمة والتبصر، فربما تكون هذه الفرصة نادرة من الصعب تكرارها في مثل هذه الظروف،وسيحتاج اللبنانيون ربما لجولات انقسام كثيرة قبل التمكن من جمعهم على طاولة اخرى.
فموضوع سلاح المقاومة في نظر من حملها ليس في لبنان وحده وانما في جميع الدول التي ناضلت لتحرير ارضها يعتبر امرا فوق الشبهات وغير قابل للتأويل اوالتدليل او المقايضة، والعبرة تكمن في ايجاد صيغ قابلة للحياة تكفل حماية لبنان الذي من اجله وجدت المقاومة وسلاحها.فالمقاومة لم تكن يوما في لبنان طرفا في نزاع داخلي حول مكاسب اوغنائم اوحصص ومن هذا المنطلق ينبغي التعاطي مع هذا الملف بعناية فائقة، لئلا لا تعتبر المقاومة وظيفة ادت قسطها للعلى وعليها الرحيل الى دفاتر الذكريات والبطولات ان لم يكن النسيان..
كما ان موضوع العلاقات اللبنانية السورية ينبغي ان يوصَّف على انها حالة من العلاقات التي يجب ان تكون اكثر من طبيعية بين بلدين حكم التاريخ والجغرافيا ان يكونا توأمين سياميين.وينبغي ان يعرف السوريون واللبنانيون على حد سواء ان لولا موقف الكتلة الوطنية في سوريا في العام 1936 لما كان للبنان ان يستمر بهذا الكيان.فاستقلال وسيادة البلدين ينبغي ان يكون محفوظا في ظل الواقع العربي والدولي الراهن،عندها وعندها فقط يمكن للبلدين المضي في علاقات متمايزة بعدما تتأمن شروط استرخاء العلاقات،كما ان ثمة وجه آخر لتأطير هذه العلاقة عبر العلاقات الاقتصادية التي تعتبر من الأوجه القابلة للحياة والبناء عليها بين البلدين بعدما فشلت او افشلت عناوين سياسية كثيرة.
اما الامر الآخر والمتعلق برئاسة الجمهورية،فينبغي الاعتراف اولا واخيرا ان في تاريخ لبنان ثابت هو مشكلة انتخابات رئاسة الجمعورية، فجميع رؤوساء لبنان اما بدأوا بمشكلة او انتهوا بمشكلة وفي كلا الحالين كان الشعب اللبناني يدفع الثمن غاليا.وعلى الرغم من تعميم هذه الثابتة الا ان الامر هذه المرة مرتبط بعناصر اخرى لها علاقة بخيارات اكثر منها بقرارات،وعليه ان تدبير موضوع الرئاسة ينبغي ايضا التعاطي معه بتأني وموضوعية،فالمسألة لا تعتبر تنحية رئيس من منصبه بقدر ما هي مرتبطة بملفات اكبر تفوق لبنان وقدرته على تحمل تداعيات اي خطوة غير مدروسة.
ومهما يكن من امر الظروف والمعطيات المحيطة بالحوار،فان الثابت في مثل هذه الظروف حاجة لبنان الى الكبار من الحكماء والعقلاء،فهل يدرك اللبنانيون ذلك، ام سيكون الحوار حوار الطرشان والسجال سجال الخرسان،والرؤية رؤية العميان،لقد علق اللبنانيون في الماضي كثيرا على مؤتمرات الحوار وكانوا يعلمون بأن وراء كل مؤتمر جولة انقسام وعنف جديدة، كما يعتقدون ان هذه المرة ايضا لن تختلف عن سابقتها.ان غربان سود تلوح في الأفق ونتمنى ان لا تحمل معها هذه المرة انفلونزا سياسية وامنية تقضي على ما تبقى من امل وآمال اللبنايين!.