20‏/02‏/2008

كل انتخابات وانتم بخير

كل انتخابات وانتم بخير
د.خليل حسين
استاذ العلاقات الدولية في الجامعة اللبنانية

ربما ستكون سنة 2005 حاسمة لبعض قضايا الشرق الأوسط، سيما وأنها تحفل بالعديد من المحطات الانتخابية التي يمكن إن تؤسس لمنهج ما وخيارات متنوعة للعديد من الأطراف الإقليمية في المنطقة.إضافة إلى ذلك فان الأطراف الدولية الفاعلة في المنطقة وتحديدا الولايات المتحدة الأمريكية تدفع في انتخابات بعض الدول سبيلا لبلورة خرائط طرق جديدة لحل بعض الأزمات في أحسن الأحوال،أو إعادة رسم خرائط سياسية في في أسوأ الأحوال.
فالمحطة الأولى في هذا السياق ستكون انتخابات رئاسة السلطة الفلسطينية،وهي بطبيعة الأمر ستكون طوي صفحة مرحلة ياسر عرفات وما حملته من عقبات في وجه المشروع الأمريكي الإسرائيلي للقضية الفلسطينية،وفي هذا السياق يمكن إدراج العديد من النقاط أبرزها:
- بات من المؤكد وصول محمود عباس إلى رئاسة السلطة الفلسطينية،بمشروع مهد له قبل وفاة عرفات،فبالعودة الى شهر أيار من العام 2004 ،ركز عباس في احد تصريحاته أمام مجلس الآمة الكويتي على عدة قضايا أهمها،إيجاد بيئة مناسبة لتهدئة الانتفاضة ،وبيئة مناسبة لفصل السلطات في السلطة الفلسطينية ،وإيجاد بيئة مناسبة لإعادة المسار الفلسطيني الإسرائيلي إلى الحياة،وبذلك هناك العديد من نقاط التقاطع بين الرؤية المستقبلية الإسرائيلية والفلسطينية.
- وبصرف النظر عن لعبة الأوزان والإحجام التي أفرزتها المرحلة الأولى من الانتخابات المحلية الفلسطينية،فإنها بالضرورة ستجير سياسيا لتحديد معالم المرحلة القادمة على الصعيد الداخلي الفلسطيني وفي علاقة السلطة مع إسرائيل وكذلك مواقفها من بعض الملفات ذات الصلة بالمنطقة.
- ومن الطبيعي ملاحظة الثمن السياسي المدفوع سلفا لنتائج الانتخابات الفلسطينية والذي ظهر بمواقف أركان السلطة الفلسطينية الايجابي من موضوع مؤتمر لندن المزمع عقده في آذار 2005 ،اذ يعتبر بمثابة إطلاق رصاصة الرحمة على خريطة الطريق والدولة الفلسطينية في أواخر العام نفسه،والاستعاضة عنها بمواضيع أمنية بحتة يمكن أن توصل بعض التيارات الفلسطينية إلى الاصطدام في نهاية الطريق وفقا لخريطة معدة سلفا.
اما المحطة الثانية وهي الأهم والأخطر فهي الانتخابات التشريعية العراقية التي ستجرى آخر كانون الثاني 2005،وفيها يمكن تسجيل التالي:
- بصرف النظر عن حجم المشاركة ونوعيتها وطبيعتها ستنتج سلطة عراقية كيفما كانت ستظل سلطة منبثقة عن انتخابات جرت في ظل الاحتلال ورعايته الدقيقة لها،ما يثير ظلالا كثيفة على ما ستنتجه لاحقا،سيما وان مصير قوات الاحتلال سيظل مرتبطا بطلب هذه السلطة المنتخبة والمدعمة سلفا بتغطية دولية واضحة في القرار 1546.
- وإذا كانت نتائج الانتخابات معروفة سلفا من الناحية الموضوعية فان نتائجها المستقبلية ستكون لها الأثر الأكبر في تحديد ليس مسار العراق فقط وإنما العديد من الملفات والقضايا في المنطقة،إن لم نقل مصير بعض دول المنطقة.
إما المحطة الثالثة وهي الأدق والأكثر خطورة ستكون الانتخابات النيابية اللبنانية،ويمكن تسجيل الكثير فيها وأهمها:
- أنها ستترافق مع مراقبة دولية شديدة في ظل البدء في مفاعيل واجر آت تقرير الأمين العام للأمم المتحدة حول تنفيذ القرار 1559،ولن تكون بعيدة أيضا عن مباحثات مساعد وزير الخارجية الأمريكي ريتشارد ارميتاج في دمشق.
- ستكون الانتخابات النيابية اللبنانية بمثابة شد الحبال شبه الأخير عمليا بين دمشق وواشنطن على مستقبل موقع لبنان في مسار التسوية القادم في المنطقة.
- إن الفرز السياسي الذي ستحدثه الانتخابات النيابية سيكون له الاثر البالغ على العديد من الملفات الداخلية اللبنانية،وأبرزها انتخاب الرئيس المقبل وما يعنيه من تحديد خيارات كثيرة للبنان وللبنانيين.
- ومهما قيل في الخطاب السياسي والانتخابي اللبناني ستبقى هذه الانتخابات بمثابة الاقتراع على القرار 1559،فالمعارضة والموالاة في آن معا شدت رحالها في هذا الاتجاه واتخذت خياراتها على هذه القاعدة بصرف النظر عن التباين في بعض مواقف المعارضة من القرار،فالمعلن شيء والمخفي شيء آخر.
- وإذا كانت هذه الانتخابات ستكتسي طابعا آخرا عما سبقتها في تاريخ لبنان الانتخابي ،فان ما ستفرزه سيحدد وبشكل أساسي مسارات السلم في المنطقة وطبيعتها وكيفيتها.
أما المحطة الرابعة فستكون الانتخابات المحلية في المملكة العربية السعودية وهي الأولى من نوعها في المملكة منذ إنشائها،وبصرف النظر عن مجرياتها وحجمها التمثيلي وصلاحيات مجالسها المنتخبة وما يرتبط بها من قضايا ،فستؤسس لمرحلة مغايرة من المشاركة الشعبية في القرار السعودي ولو في حدود متواضعة،وبالتالي ستكون بداية لخريطة طريق سياسية داخلية تساعد في الفرز السياسي حول العديد من الملفات الداخلية ذات الصلة كقضية انتشار تنظيم القاعدة في المملكة وفعاليته وأثره الخارجي.
والأمر لن يقتصر على هذه المحطات الأربعة بل سيشمل ركنا عربيا أساسيا وهي محطة انتخابات الرئاسة المصرية في تشرين الأول القادم،وهي انتخابات مدفوعة الثمن سلفا،بمدى الدور المحتمل لمصر في تحريك مسارات السلام وإمكانية التحكم ببعض مفاصله الأولية،إضافة إلى حفلة تحرير التجارة العربية مع إسرائيل عبر بوابة اتفاقات المناطق الصناعية المؤهلة والتي ستجر العديد من الدول العربية لاحقا إليها.وبصرف النظر عن نتيجة الانتخابات الرئاسية المصرية إن كانت التجديد للرئيس حسني مبارك أم التجديد للعائلة،فان محطة الانتخابات المصرية ستكون مفصلا آخرا في المنطقة.
لقد ظلت منطقتنا العربية لفترات طويلة على هامش التأثير في مجريات السياسات الإقليمية،بل ظلت اقرب إلى مساحات واسعة لإجراء عمليات التقاتل والتجاذب وحتى التجارب على حكامها وشعوبها ومؤسساتها،ولم تكن يوما ذات وزن يذكر في التأثير الداخلي أو الخارجي فهل ستكون حفلات الانتخابات هذه منعطفا في تغيير واقع ميؤس منه،أم ستكون محطات كغيرها من محطات قطارات الطرق السريعة نحو الانهيار الكبير.
في الواقع إن نجاح سلة الانتخابات العربية يتطلب شروطا ليست مستحيلة التطبيق أو بعيدة المنال عن أذهان صانعيها، بل ان شروط الخروج مما نحن فيه يتطلب نظرة موضوعية ودقيقة للواقع الضاغط على دولنا ومؤسساتنا وشعبنا.
ففي فلسطين حيث بات القتل عقيدة وعادة عند الإسرائيليين،لا ينفع معها تقديم التنازلات المجانية لكسب ود الإسرائيليين والأمريكيين،كما لا ينفع أيضا المضي في خيارات المواجهة المفتوحة دون سقف تفاوضي.فالأجدى في الانتخابات الفلسطينية إن تكون مجالا للمزاوجة بين منطق السلطة ومنطق الانتفاضة،وان لا تكون الانتخابات منعطفا كبيرا عن الأسس التي قامت عليها الثورة الفلسطينية في الأساس،إذ أن جل ما تسعى إليه إسرائيل "لحل" القضية الفلسطينية هو إيجاد سلطة فلسطينية على ارض هلامية يكون الأساس فيها استمرار النزاع على حدود مفترضة كغيرها من نزاعات الحدود بين مختلف الدول،أي بمعنى إن الهم الأمريكي الإسرائيلي من الانتخابات الفلسطينية إيجاد البيئة لمفاوضات أمنية دائمة لا نتائج سياسية لها قابلة للحياة.
وليس العراق بأحسن حال،فانتخاباته ليست بداعي جلب الديموقراطية ولا بالحكم الجيد وفق مصطلحات الأمم المتحدة،بل إيجاد سلطة تحمي وتغطي الاحتلال،وللخروج من مأزق مقاطعة الانتخابات باعتبارها ستؤدي للنتيجة السالفة الذكر،فان من الضروري إيجاد خطاب سياسي واضح للمقاومة العراقية يميزها عن أعمال الإرهاب ويكون بمثابة برنامج انتخابي لكل العراقيين،كي لا تتحول الانتخابات هدفا بحد ذاتها وأداة فعالة لفرز سياسي قومي مذهبي سيؤدي حتما إلى حرب أهلية.
ولكي لا تكون الانتخابات اللبنانية استفتاءا على القرار 1559 كما تصورها الموالاة، ولكي لا تكون أيضا وسيلة ابتزاز من بعض قوى المعارضة،فالأجدى والافعل للانتخابات ونتائجها إعادة صياغة العلاقات اللبنانية - السورية على أسس جديدة تكفل إبعاد هواجس الموالاة قبل المعارضة ،كما تكفل حماية سوريا من آثار القرار 1559 قبل لبنان باعتبارها المعني الأساسي فيه وليس لبنان.
ولتداول السلطة في مصر أزمة اختزلت تاريخها المعاصر،فهل يعقل إن تحكم مصر بثلاثة رؤساء في أكثر من نصف قرن؟ وللديموقراطية وجه آخر في انتخابات السعودية فهل يعقل إن تكون التجربة الأولى لأغنى شعب في العالم بموارده؟ ربما أسئلة محيرة تصعب الإجابة عليها.
فهل سيشهد العام 2005 تحولات كبيرة بمستوى هذه المحطات ام إنها ستكون كغيرها من المناسبات لتمرير الصفقات؟ أن المنطقة قادمة على مفاجآت ربما بعضها لن يكون في الحسبان، وكل انتخابات وانتم بخير!.