20‏/02‏/2008

السيادة في النظام الدولي الجديد


السيادة في النظام الدولي الجديد

د.خليل حسين
استاذ القانون الدولي في الجامعة اللبنانية
رئيس مصلحة الدراسات في مجلس النواب اللبناني


أثرت المتغيرات التي رافقت النظام الدولي الجديد على مفهوم السيادة الوطنية ونطاق تطبيقه في المجالين الداخلي والخارجي على حد سواء. وقد أثارت تلك المتغيرات تحديات طالت كل أنماط الدول، وطرحت نفسها بأشكال مختلفة على تلك الأنماط. وكان لتلك التحديات مصادرها الداخلية والخارجية، التي أثارت بدورها الحاجة إلى رصدها وتحليل مدى تأثيرها على مفهوم السيادة.وبشكل عام، يمكن القول أن هناك علاقة طـردية بين المتغيرات التي رافقت النظام الدولي وتقلص السيادة الوطنية، وأن هناك علاقة طردية بين تأثر سيادة الدولة بمتغيرات النام الدولي والتغير في مضمون الوظائف التي تقوم بها الدولة. كما يمكن القول أيضا أن هناك علاقة عكسية بين تقدم الدولة ومدى تأثرها بمتغيرات هذ النظام.
فخلال أكثر من ثلاثة قرون تطور النظام الدولي من أجل هدف محدد هو ضمان سيادة الدولة، والذي قام على أساس أن تكتسب الدولة أهليتها من خلال السيادة بجانبيها الداخلي والخارجي. وجاءت أحداث التسعينيات من القرن الماضي لتغير النظام الدولي، بعد اتساع مدى التدخل وأسبابه خلال هذا العقد الذي شهد في النصف الأول منه أحداث ومواقف وأزمات حادة في العراق والصومال وتاهيتي ويوغوسلافيا السابقة ورواندا وليبيريا، وأما الأحداث الأخرى التي حدثت في النصف الثاني فقد ارتبطت بعدد من القرارات ضد أفغانستان 1996- 1999 والسودان 1996، ثم كوسوفو وتيمور الشرقية في1999 والبوسنة والهرسك. وتعتبر قرارات الأمم المتحدة في تلك الفترة نقطة تحول أساسية بالنسبة لمفهوم السيادة وكيفية إدارة الأمن والسلام الدوليين. وعكس الاستخدام الجديد لصلاحيات مجلس الأمن الموجودة في الباب السابع للميثاق بدء مرحلة جديدة من الجهود لحماية البدل والمجتمع الدولي.
وبإعادة تعريف مفهوم التهديد للسلام والأمن الدوليين، وباعتبار أن الدول هي التي تكوِّن المجتمع الدولي، أعاد مجلس الأمن صياغة المبدأ الناظم الذي يحمي الدول والنظام الدولي الذي يعتمدون عليه، فالمبدأ القديم والمؤسس على مفهوم السيادة كان حماية الدولة ضد التدخل في شؤونها الداخلية والحفاظ على النظام والاستقرار باتخاذ إجراءات لوقف العدوان الخارجي المسلح ضد الدول.
الا ان الامر قد تغيَّر الآن وتغيَّرت الاحتياجات وأصبح التحدّي الذي يواجه السلام والأمن هو حماية النظام الدولي الذي تعتمد عليه الدول من الفوضى وعدم الاستقرار نتيجة ما قد يحدث من أحداث وقلاقل داخل بعض الدول الأخرى، فالأولوية الآن هي منع الاضطرابات الداخلية في الدول من أن تنتقل عدواها إلى الجسد الدولي فتؤثر على غالبية الدول التي تعتمد عليها.
وقد تحول المجتمع الدولي عما كان يعرف في الماضي "بمجتمع الدول" Community of nations ليصير مجتمعا دوليا بالمعنى الدقيق international Community، وهو ما ترتب عليه أن إرادة هذا المجتمع لم تعد تتمثل فقط في المجموع الحسابي - الإيرادات الوحدات السياسية المكونة له - وإنما أصبحت له اضافة الى ذلك وفي حدود معينة إرادة ذاتية مستقلة. وقد سوَّغ هذا التصور لبعض الباحثين القول بأن إرادة المجتمع الدولي أصبحت مصدرا من مصادر الالتزام في نطاق العلاقات الدولية المعاصرة. كما سوَّغ هذا التطور أيضا لفريق ثان من الباحثين الحديث في أن "البشرية" برمتها قد أصبحت شخصا قانونيا دوليا أو على الأقل بسبيلها لأن تكون كذلك. كما بات لهذا المجتمع الدولي من جهة ثالثة نظامه العام الخاص به، والذي يرتكز إلى مجموعة من القواعد القانونية الآمرة التي بُعتد بها في مواجهة الكافة ولا يجوز قانونا وكمبدأ عام الاتفاق على مخالفتها.
وقد سارت التطورات العديدة التي شهدها النظام الدولي في عقوده الأخيرة في اتجاه تقليص دور السيادة الوطنية وإيلاء أهمية خاصة للعمل الجماعي في نطاق العلاقات الدولية المتبادلة. وبرغم أن حق الدولة في العمل بقوانينها وحقها في أن تكون في مأمن من التدخل الخارجي لم يُسلب تماما، فإن القداسة التي أحاطت بها كمظاهر أساسية لسيادة الدولة لم تعد كما كانت من قبل، وأصبح لممارسة الحقوق شروط من منظور المساءلة الدولية ليس كحقيقة واقعة ولكن من ناحية المبدأ على الأقل، لقد تم تدويل السيادة.
اولا : تدويل السيادة
اتخذت عملية تدويل السيادة منحى توسيع أبعادها الخارجية ، فالقاعدة الأساسية التي يقوم عليها المجتمع الدولي هي الاعتراف المتبادل بين دول لها سيادة ، الا انها اتسعت بصورة معينة أدت إلى وضع شروط لممارسة الدولة حقوق السيادة، وأهمها ألا يتسبب من جراء تلك الحقوق إحداث اضطراب في النظام العالمي. وفي كثير من الحالات التي حدث فيها ذلك، وقد مارس مجلس الأمن السلطات المخولة له متجاوزا الحقوق التقليدية للسيادة. وأكد الإجراء العسكري الذي اتخذه حلف الناتو تجاه كوسوفو، الواقع الجديد بأنه قد أصبح ممكنا أن تقوم دولة ما بهذا العمل عندما لا تقوم الأمم المتحدة ومجلس الأمن باتخاذ الإجراءات الكافية. ويعتبر وضع كوسوفو وتيمور الشرقية تحت السلطة الكاملة لإدارة دولية انتقالية بتكليف من الأمم المتحدة من أكبر العلامات وضوحا على وجود صورة للسيادة الدولية؛ لذلك فإن شرط الاعتراف بسلطة الدولة العليا لم يعد يرجع فقط إلى الشعب، ولكن إلى حقيقة أن الدولة ليست عنصرا للفوضى والاضطراب في المجتمع الدولي.
ويعني مفهوم تدويل السيادة وجود نظام لمساءلة الدول في حالة تعسفها الشديد في ممارسة حقوق السيادة. وقد تأكد هذا الشرط الجديد لسيادة الدولة عندما صرح الامين العام للأمم المتحدة كوفي أنان أنه لم يعد هناك حصانة للسيادة.كما يلاحظ في المشروع الذي قدمه للجمعية العامة في دورتها (54) يعتبر أن السيادة لم تعد خاصة بالدولة القومية التي تعتبر أساس العلاقات الدولية المعاصرة ولكن تتعلق بالأفراد أنفسهم، وهي تعني الحريات الأساسية لكل فرد والمحفوظة من قبل ميثاق الأمم المتحدة، وبالتالي فهو يدعو إلى حماية الوجود الإنساني للأفراد وليس حماية الذين ينتهكونها. وبهذا يكون قد أزال العقبات أمام المنظمات الدولية لكي تباشر أعمالها في مشروع التدخل لوقف انتهاكات حقوق الإنسان دون تفويض من الأمم المتحدة.
ومفهوم السيادة بهذا الشكل لا يمكن أن يستقر ويستقيم، فليس هناك ما يبرر لأي دولة، حتى لو كانت الدولة العظمى كالولايات المتحدة الأمريكية - المتحدث الرسمي باسم حقوق الإنسان- أن تدعي الحق في تغيير أي نظام سياسي في أي دولة أخرى، بل ليس للأمم المتحدة نفسها مثل هذا الحق، ذلك أن القبول بهذا العمل لا يعني الحلول نفسها في تقرير مصيره والتحكم بمصالحه الخاصة، ولكنه يهدد أكثر من ذلك القاعدة الرئيسية التي يقوم عليها النظام العالمي حتى الآن وهي سيادة الدولة وحريتها. ولا يغير من هذا كون النظام المستهدف نظاما استبداديا قائما على القوة المحضة وناكرا لجميع الحقوق المعرفية والسياسية لمواطنيه.
لكن رفض التسليم لأي دولة ولأي تكتل أو تحالف دولي مهما كان نوعه ومسوغات تشكيله بالتدخل باسم المجموعة الدولية أو باسم مصالحه الخاصة لتغيير نظام سياسي استبدادي وظالم في بلد ما لا يعني في الوقت نفسه وينبغي ألا يعني القبول باستمرار مثل هذا النظام ولا يقلل من المسؤولية الدولية في عدم القضاء عليه، فمثل هذا السلوك لا يمكن أن يعني شيئا آخر سوى انعدام المسؤولية الجماعية على مستوى المجموعة الدولية بأكلمها. وبالتالي لا يوجد امر يمكن أن يبرر اليوم استمرار نظم تجرد شعوبها من حقوقها بذريعة السيادة القومية تماما، كما أنه لا امر يمكن أن يبرر ترك شعب يخضع للاحتلال ويجرد من حقوقه وموارده ومستقبله معا كما هو الحال في فلسطين وفي العديد من المناطق الأخرى، وأخيرا ما حدث بالعراق (في القرن الحادي والعشرين) بذريعة الأمن أو الحرب ضد الإرهاب، ففي الحالتين تقع المجموعة الدولية في ذنب الضلوع مع الظلم والتقاعس عن مد يد العون لبشر يتعرضون لأخطار محدقة.. إذن فلا يمكن لمبدأ السيادة أن يستقر إلا إذا رافقه مفهوم التضامن الإنساني الذي يحدد شروط استخدامه بحيث لا يتحول إلى أداة لإخضاع شعوب وجماعات وإذلالها وتسخيرها لخدمة أهداف خاصة، سواء أكان ذلك بالقوة أم بالتحالف والتآمر مع قوى خارجية، وهو حق يرتّب على جميع الدول مشتركة واجب السعي لإنقاذ الشعوب التي اغتصبت حقوقها الأساسية المعروفة، سواء أكان ذلك من قوى داخلية أو خارجية.
وللأسف بدلا من العمل على تطوير آليات في هذا الاتجاه على مستوى المجموعة الدولية، نجحت بعض الأطراف في بداية التسعينيات من القرن الماضي في الحصول على تصويت المنظمة الدولية على حق سُميَّ "حق التدخل الإنساني" كان من نتيجته إجهاض مفهوم التضامن اللازم والواجب على المجموعة الدولية تجاه الشعوب المستضعفة، لصالح إضفاء المشروعية الدولية على تدخل دول المجموعة الأطلسية في المناطق والمواقع التي تجد أن لها مصلحة قومية أو إقليمية واضحة في التدخل فيها، وبحسب ما تتطلبه هذه المصالح لا ضمان حقوق الشعوب ولا حريتها وسيادتها.
أن تفاوت الدول من حيث الموارد والإمكانيات جعل البعض يميز بين السيادة كمفهوم قانوني بمعنى وحدة الخطاب القانوني وعمومية القاعدة القانونية الدولية بالنسبة لجميع المخاطبين بها وبدون أدنى تمييز، والسيادة كمفهوم سياسي بمعنى القدرة الفعلية أو الحقيقية للدولة على رفض الخضوع لأي سلطة أخرى غير سلطتها هي، مثل مفهوم المواطنة في الداخل. فقد تكون الدولة مستقلة قانونا، ولكنها عاجزة عن إشباع احتياجات مواطنيها؛ وهو ما يعرضها لضغوط وتأثيرات بعض الدول الأخرى؛ الأمر الذي يجعل استقلالها منقوصا، وبالتالي تعجز عن مباشرة بعض مظاهر سيادتها. وفي ظل العولمة تخضع الحياة الاقتصادية والسياسية أكثر فأكثر لتأثير قوى السوق، وهذه بدورها تخضع لتأثير مصالح الشركات المحلية والدولية أكثر مما تخضع لأوامر الدولة.
ومن بين التطورات الدولية التي صاحبت العولمة تغير هيكل النظام الدولي من نظام ثنائي القطبية إلى نظام أحادي القطبية وذهب البعض إلى أن النظام أحادي القطبية يؤدي إلى انتهاك سيادات الدول. وعلى سبيل المثال لم يكن من الممكن أن يحدث لسيادة العراق ما يحدث لها الآن من اتتهاكات لو استمر النظام الدولي ثنائي القطبية. ومن التغيرات الأخرى المصاحبة للعولمة الثورة الهائلة في وسائل الاتصال، فقد ترتب عليها تقريب غير مسبوق للمسافات بين مختلف مناطق العالم، وأدى ذلك إلى أن أي حدث يقع في أي منطقة من العالم يكون له صداه في غيره من المناطق دونما اعتبار للحدود السياسية أو لمبدأ السيادة الإقليمية. وترتب على ذلك العديد من المظاهر السلبية تجاه سيادة الدولة، فلم تعد هناك خطوط فاصلة بين الشأنين الداخلي والخارجي وأصبحت الدولة مسؤولة مسؤولية دولية مباشرة ليس فقط عن أفعالها غير المشروعة التي يترتب عليها حدوث ضرر مادي للدول الأخرى أو لمواطني هذه الدول، وإنما تسأل أيضا عن أفعالها المشروعة التي تصدر عنها إعمالا لمبدأ السيادة وفي نطاقها الإقليمي التي يترتب عليها حدوث ضرر للغـير.

ثانيا : آفاق السيادة الوطنية ومستقبلها
ماذا عن احتمالات المستقبل؟ وإلى أي مدى يمكن القول بأن فكرة السيادة الوطنية بسبيلها الآن إلى التلاشي أو الانهيار في ظل أوضاع التواصل المستمر والاعتماد المتبادل المتنامي بين مختلف مناطق العالم وليس فقط بين دوله؟.
اولا أن الاتجاه نحو تقليص دور السيادة الوطنية في نطاق العلاقات الدولية المتبادلة سيأخذ في الاطراد والتزايد علي الأقل خلال المستقبل المنظور ويعزى ذلك إلى كون أن العديد من التطورات التي سلفت الإشارة إليها لا تزال فعالة ومؤثرة في تشكيل بنية النظام الدولي في وضعه الراهن.
ثانيا أن التسليم بالاستنتاج السابق ينبغي ألا يفهم منه أن مبدأ السيادة الوطنية -وفكرة الدولة القومية من أساسها- بسبيله إلى الاختفاء، فالراجح حتى الآن هو أن التطورات الراهنة في النظام الدولي لن تأتي على المبدأ المذكور تماما فالسيادة الوطنية ستظل باقية ما بقيت الدولة القومية ذاتها وتقديرنا أنه لم يجرؤ أحد حتى الآن على القول بأن هذه الدولة القومية ستنهار، بل إن العكس يبدو أنه الصحيح وأن أقصى ما يمكن لهذه التطورات الجارية في النظام الدولي المعاصر أن تفعله هو أن تنال من طبيعة الوظائف أو الأدوار التي تضطلع بها الدولة بالمقارنة بما كان عليه الحال في ظل النظام الدولي التقليدي. وطالما بقيت الدولة فستبقى معها رموزها الأساسية ومنها مبدأ السيادة ولكن بعد تطويعه بما يتناسب والأوضاع والظروف الدولية المستحدثة. الا ان ذلك لا يمنع من أن نتناول بعض الطروح لرؤى ومستقبل السيادة الوطنية في ضوء المتغيرات الحادثة وبخاصة العولمة. والتي تظهر بأربعة سيناريوهات رئيسة لمستقبل السيادة الوطنية هي:
- سيناريو استمرارية السيادة:
يرى أنصار هذا السيناريو أن التطورات الراهنة في النظام الدولي لن تأتي على السيادة تماما؛ فالسيادة الوطنية ستظل باقية ما بقيت الدولة القومية ذاتها، وأقصى ما يمكن للتطورات الجارية في النظام الدولي المعاصر أن تفعله هو أن تنال من طبيعة الوظائف أو الأدوار التي تضطلع بها الدولة بالمقارنة بما كان عليه الحال في ظل النظام الدولي التقليدي.
- سيناريو اختفاء السيادة:
يرى أنصار السيناريو أنه كما حلت الدولة محل سلطة الإقطاع تدريجيا منذ نحو خمسة قرون، سوف تحل اليوم الشركة متعددة الجنسيات تدريجيا محل الدولة والسبب ان الشركات متعددة الجنسية تسعى خلال تلك المرحلة إلى إحداث تقليص تدريجي في سيادة الدول، بما يؤدي إلى اختفاء مفهوم السيادة، ثم الدولة القومية ذاتها في مرحلة لاحقة، وستكون الوظيفة الجديدة للدولة خدمة المصالح المسيطرة وهي في الأساس مصالح الشركات الدولية العملاقة.والواقع أن فكرة تلاشي سيادة الدولة، ثم اختفاء الدولة القومية في مرحلة لاحقة من الأفكار الشائعة في تاريخ تطور الفكر السياسي، حيث قالها ماركس والفوضويون ومع ذلك لم تنته السيادة ولم تتلاش الدولة القومية.
- سيناريو التفكك:
يتوقع أنصار هذا السيناريو أن الدول القومية لن تكون قادرة على مباشرة مظاهر سيادتها على إقليمها بسبب تفككها إلى عشرات وربما إلى مئات من الدول القومية الصغيرة، تارة تحت دعوى التعبير عن هويات من حقها أن تعبر عن نفسها، وتارة أخرى تحت دعوة توطيد صلة المواطنين بالسلطة، وربما احتجاجا على تحيز النظام الدولي الجديد لجماعات دون أخرى، وعلى الرغم من تزايد الحروب الأهلية والنزعات الانفصالية؛ وهو ما يجعل حدوث هذا السيناريو محتملا، فإن ثمة تحفظات أخرى تلاحقه، فلا بد أن قوى مضادة ستعمل على مرحلة هذا السيناريو بسبب خطورته الشديدة.
- سيناريو الحكومة العالمية:
يذهب هذا السيناريو إلى أن هناك تغييرا سيحدث في مفهوم السيادة الوطنية، حيث ستتنازل الدولة القومية عن سيادتها لصالح حكومة عالمية منبثقة من نظام عالمي ديمقراطي، حيث تغير العولمة طرح فكرة الحكومة العالمية ليس باعتبارها حلا بعيد المنال وإنما باعتبارها عملية في طور التكوين.
نخلص إلى عدة حقائق قائمة على البحث التاريخي في تطور مفهوم السيادة، أهمها أن مبدأ السيادة دائم مستمر لا يتغير، إلا أن صورتها وحقيقتها والمسؤوليات التي تنهض بها تتغير مع الزمن أو يُعاد توزيعها. ولا تعني التطورات الحادثة الآن نهاية مفهوم السيادة، ولكن تعني أن السيادة قد تغير مفهومها وتمَّ إعادة تظهيرها ، فقبل الثورة الفرنسية كانت السيادة ملكا للأباطرة والملوك ثم انتزعها الثوار ومنحوها للشعب، وصاحب ذلك موجة عارمة من استغلال الشعوب اعتدادها بنفسها. أما التطورات العالمية الحالية فقد أدت إلى تدويل السيادة وتوسيع نطاقها بحيث لم تعد خاصة بالشعب والدولة وحدها ولكن يشارك فيها المجتمع الدولي ممثلا في القوى المتحكمة به. أما ما يشار إليه في الفقه القانوني عادة بمبدأ المساواة في السيادة أو مبدأ المساواة بين الدول المستقلة ذوات السيادة، فإنما هو مبدأ نظري ويكاد يكون العمل في الغالب والواقع على غير ذلك. ومؤدى ذلك أن السيادة ترتبط ارتباطا وثيقا من حيث طبيعتها ومدى اتساع أو ضيق نطاق تطبيقها بقدرات الدولة وإمكاناتها الذاتية، أي أن القوة -باختصار- شرط من شروط ممارسة السيادة والحفاظ عليها، وهو ما يثير في النهاية قضية العدالة الدولية على كافة الصعد، الانر الذي يثير جدلا آخر يستحق نقاش منفصل.