20‏/02‏/2008

قراءة في نتائج الانتخابات الإسرائيلية وما بعدها

قراءة في نتائج الانتخابات الإسرائيلية وما بعدها
د.خليل حسين
أستاذ القانون الدولي في الجامعة اللبنانية
رئيس مصلحة الدراسات في مجلس النواب اللبناني

في الواقع لم تأت نتائج الانتخابات الإسرائيلية بغير ما كان متوقعا منها،إلا ما خلا بعض التفاصيل المتعلقة بموقع ومكانة بعض الأحزاب الإسرائيلية الكبيرة ومستقبلها مثل الليكود والصغيرة مثل حزب المتقاعدين.وفي قراءة سريعة لتوزع المقاعد في الكنيست يمكن تسجيل العديد من الملاحظات أبرزها:
- بداية سجلت المشاركة في الانتخابات مستوى متدن مقارنة بالانتخابات التشريعية السابقة منذ العام 1948،وعلى سبيل المثال لم تتعد نسبة المشاركة 63%، مقابل 69% في الانتخابات السابقة عليها عام 2003.
- إن فوز حزب كاديما بـ 28 مقعدا وضعه في الصف الأول بين الأحزاب المشاركة في الانتخابات إلا أن هذا الفوز لم يمكنه من تشكيل الحكومة منفردا بل سيكون مضطرا للتحالف مع الآخرين،إضافة إلى ذلك إن هذا الفوز الباهت لم يكن مستثمرا بالشكل الجيد سيما وان بعض نتائج الاستطلاعات قبيل الانتخابات رشحته لاكتساب 42 بالمئمة من مقاعد الكنيست ويبدو أن اقتحام سجن أريحا واعتقال الامين العام للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين احمد سعدات كان قرارا صائبا من قبل اولمرت شخصيا إذ ارتدت نتائج هذا القرار بشكل ايجابي على نتائج الانتخابات الفعلية.
- أما حزب العمل فقد تمكن من تحسين مواقعه بشكل لافت مع زعيمه الجديد عميرام بيرتس الذي استلم زعامة الحزب بـ 14 مقعدا وتمكن من رفعه إلى 19 مقعدا في انتخابات 2003 ومن ثم إلى 20 مقعدا في هذه الانتخابات.ورغم هذا التطور في تمثيل حزب العمل يظل متخلفا عن مواقعه التقليدية السابقة والذي كان يتقاسم الأدوار السياسية مع الليكود لفترات طويلة في الحياة السياسية الإسرائيلية.
- إن حزب الليكود يعتبر الخاسر الأول أو الأكبر إذ لم يحصد سوى 11 مقعدا بعدما كان ممثلا في 38 مقعدا في انتخابات العام 2003،وهي الخسارة الأكبر في تاريخه الانتخابي والسياسي على الإطلاق ما سينعكس بشكل مباشر على وضع الليكود بشكل خاص إذ سيشهد خلافات وانقسامات شديدة سيكون لها الأثر الكبير على المستقبل السياسي لزعيمه ايهود باراك.
- بالنسبة للأحزاب والقوائم العربية فقد تمكنت من رفع عدد مقاعدها إلى اثنين وحازت على عشرة مقاعد بدلا من ثمانية في الانتخابات السابقة أي ما نسبته 2% بعدما كان 1.5%.
- أما الأمر اللافت فيبدو في تحسين الأحزاب الدينية من مواقعها الانتخابية في الكنيست إذ تمكنت من الفوز بـ 28 مقعدا ما سيمكنها من لعب دور مركزي في أي ائتلاف حكومي قادم.
- إن حصول حزب اليهود الروس "إسرائيل بيتنا" على 12 مقعدا يمثل مفاجأة لافتة بعدما حصل مع الاتحاد القومي في الانتخابات السابقة على 7 مقاعد فقط. كما أن المفاجأة الأخرى تمثلت في حصول قائمة المتقاعدين على 7 مقاعد وهي القائمة التي عجزت عن تجاوز نسبة الحسم في الانتخابات السابقة، ومن ثم يمكن أن تعد هذه القائمة مع حزب إسرائيل بيتنا، مفاجأة هذه الانتخابات، مع إدراك أن استطلاعات الرأي كانت تشير إلى تقدمهما. كما أن فشل حزب شينوي في تجاوز نسبة الحسم قد شكل مفاجأة أخرى من الجهة المقابلة إذ حصل على 15 مقعدا في الانتخابات السابقة وشكل رافعة قوية للتحالفات النيابية والحكومية السابقة، ورغم ذلك لا تعتبر هذه النتيجة استثناء في الحياة السياسية الإسرائيلية التي كثيرا ما تشهد تقدما كبيرا لحزب جديد أو قديم في دورة انتخابية، وعجزه عن تجاوز نسبة الحسم في الانتخابات التي تليها.
إن النتائج السالفة الذكر تعتبر أمرا طبيعيا وواقعيا مقارنة بالظروف التي مرت بها إسرائيل سابقا،فشارون الذي بدأ فعليا بخطة الفصل من جانب واحد مدعوما بغالبية الرأي العام فشل في إقناع الليكود بالمضي بهذا الخيار ما دفعه للعمل على هذه الانتخابات المبكرة فشكل حزب كاديما الذي كان بمثابة المنطاد الذي تعلق به 14 عضوا من الليكود و7 من وزراء الليكود في حكومته أبرزهم وزير الدفاع شاؤول موفاز، ووزير الصناعة إيهود أولمرت ووزيرة التربية ليمور ليفنات. كما حسم شيمون بيريز موقفه بعد تردد الذي انسحب من حزب العمل والتحق بالحزب الجديد.
إن مقاربة هادئة للواقع الإسرائيلي الجديد يظهر بأن حزب كاديما تمكن من السيطرة على مساحة لافتة وواعدة في الشارع الإسرائيلي من خلال الاستقطاب السياسي الذي نجح به عبر ضم يسار الليكود ويمين العمل إليه،وبذلك تمكن من احتلال مركز الصدارة بين العمل والليكود اقله في المدى المنظور.
أما بالنسبة للنتائج العملية لما بعد الانتخابات فتتمظهر في شكل الائتلاف الحكومي القادم وبرنامجها السياسي وبخاصة مع السلطة الفلسطينية لا سيما بعد تشكيل حركة حماس الحكومة الفلسطينية.وفي هذا الإطار لا يوجد ما يُلزم رئيس الدولة الإسرائيلية بتكليف زعيم الحزب الحاصل على أكبر عدد من المقاعد ، إلا أن العرف جرى على أن يكون التكليف لرأس الحزب أو القائمة الحاصل على أكبر عدد من مقاعد البرلمان، وهو إيهود أولمرت الأول في قائمة حزب كاديما. ويعطي القانون الأساسي الإسرائيلي أربعة أسابيع للمكلف لتقديم حكومته إلى الكنيست، ويمكن تمديد الفترة لمدة أسبوعين آخرين.
ويبدو من خلال الحراك السياسي الذي يتولاه اولمرت بعد هذه النتائج أن يتجه نحو حزب العمل باعتبار أن استجابته لبرنامج حزب العمل في المجالين الاقتصادي والاجتماعي سوف تمكنه من استقطاب قائمة المتقاعدين التي حصلت على 7 مقاعد، والذي يتوافق برنامجها مع برنامج حزب العمل، وعليه فان هذا الاستقطاب لا يستلزم تقديم تنازلات جديدة تتجاوز ما يمكن الاتفاق بشأنه مع حزب العمل.
كما أن اولمرت توجه بداية إلى حزب شاس الديني باعتباره أكبر الأحزاب الدينية (13 مقعدًا) وكذلك لاعتباره حزبا متشددا دينيا لا سياسيا،وبذلك يحاول من خلال ضمه للائتلاف التخفيف قدر الامكان من حدة التنازلات المحتملة لحزب العمل،على قاعدة أن حزب شاس يهتم بالمكاسب الدينية ومدارسها وتلامذتها، إضافة إلى الحصول على مزايا مادية ومناصب تنحصر في الشئون الداخلية وشئون الأديان.
وبذلك إن أفضل الممكن بالنسبة لاولمرت أن يلجأ في تشكيل حكومته الجديدة إلى تشكيلة تضم كل من حزب العمل (20 مقعدا)، حزب شاس (13)، المتقاعدون (7)، وهذه التشكيلة تضمن ثقة 68 نائبا من اصل 120 ويمكن أن يدعم هذه التشكيلة بإضافة حزب يهود التوراة (6 مقاعد) ليرفع حصة الائتلاف الحكومي إلى 74 مقعدا وبذلك يمكن ان يكون خيارا مريحا يمكنه من خطة الفسل من جانب واحد ودون اعتراض معرقل.
لقد أعلن اولمرت انه يفضل شريكا في المفاوضات إلا أن هذا الشريك غير متوفر حاليا بعد استلام حماس زمام الحكومة الفلسطينية،وعلى الرغم من أن هذا الإعلان لا يمثل من الناحية العملية سوى مخرجا وهروبا من الضغوط الإقليمية والدولية عليه،فانه من الممكن أن يلجأ إلى التجاوب مع دعوة رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس للدخول في مسار تفاوضي ولديه مسبقا احتمالان: الأول عدم التوصل إلى أي رؤية استنادا إلى الرفض الفلسطيني المحتمل على قاعدة أن ما يقدمه اولمرت هو اقل بكثير من الذي قدم للرئيس الراحل ياسر عرفات بعد كامب دايفد 2،وبذلك سيستند مجددا إلى مقولة غياب الشريك الآخر ما يعزز رؤيته مع الجانب الأمريكي والدولي.إما الاحتمال الثاني أن يتوصل إلى صفقة ما مع السلطة اقل بما ترضى به حركة حماس ما يؤدي إلى صراعات وفوضى وربما صدامات في الأراضي الفلسطينية.
إن هذين السيناريوهين محتملين بالنسبة لاولمرت، وإذا ما مضى بالاحتمال الثاني فسيكون هناك احتمالات كثيرة من بينها إمكانية الإقدام على حل حكومة حماس والدعوة إلى أجراء انتخابات فلسطينية مبكرة، أو أقدام الرئيس الفلسطيني على الاستقالة وبذلك سيتزايد احتمالات الصدام بين الفصائل الفلسطينية الأمر الذي يشكل البيئة النموذجية لمخطط اولمرت بنفض يديه من أي التزام.
لقد قبع شارون في سبات عميق أنجزت ف خلاله انتخابات إسرائيلية وفلسطينية ووصلت حماس إلى السلطة واختلطت أوراق كثر إقليمية ودولية في غياب رجل لم يصنع سوى الحروب والمجاور ،فهل أدى قسطه للعلى وأوصل من سينفذ وصاياه بدقة،إن تجربة العرب بشكل عام والفلسطينيين بشكل خاص تعج بمشاريع السلام التي لم تكن يوما سوى سرابا وسلاما موعودا إن لم يكن مفقودا!.