19‏/02‏/2008

العلاقات الخليجية الإيرانية بعد قمة الدوحة

العلاقات الخليجية الإيرانية بعد قمة الدوحة
د.خليل حسين
أستاذ القانون والعلاقات الدولية في الجامعة اللبنانية
رئيس مصلجة الدراسات في مجلس النواب اللبناني
بيروت: 10-12-2007

ثمة مفارقة لافتة سُجلت في قمة مجلس التعاون الثامنة والعشرون التي عقدت في الدوحة،فعلى الرغم من حضور الرئيس الإيراني احمدي نجاد أعمال القمة وهي سابقة لم تستطع العراق مثلا تسجيلها قبلا،ظل هذا الحضور اللافت في إطار عادي لم يحقق خرقا سياسيا مقارنة بما كن مأمولا منه إيرانيا على الأقل.فالقمة أتت في ظروف سياسية استثنائية إلا أن مقرراتها كانت اقتصادية بامتياز، وعليه يمكن أن تطرح علامات استفهام عديدة حول خلفيات الحضور الإيراني وأهدافه وما هي تداعياته على مستقبل العلاقات بين طرفي الخليج؟
لقد طرح الرئيس الإيراني بشكل لافت المسائل السياسية والأمنية لمنطقة الخليج، بخاصة المتعلقة بتحقيق الأمن والاستقرار في المنطقة على خلفية الأزمة المفتوحة بين إيران والغرب حول البرنامج النووي الإيراني، وعلى قاعدة إيجاد منظومة للأمن والدفاع المشترك عوضاً عن الاتفاقات والمعاهدات الدفاعية والأمنية التي وقعتها هذه الدول مع الولايات المتحدة، إلى جانب إلغاء تأشيرات الدخول والإقامة وحرية الحركة والتنقل والتملك، واستثمار أموال الطفرة النفطية داخل البلدان الإسلامية من خلال بنك التنمية الإسلامي حتى لا تستفيد منها البنوك والدول الأجنبية. وهي طروحات دفعت بالتعاون بين جانبي الخليج العربي إلى السطح وأثارت العديد من التساؤلات منها: هل يمكن لهذه الأفكار أن تأخذ طريقها للتطبيق أم أن هناك حسابات أخرى أكثر تعقيداً ما قد يبدو على السطح، تحول بينها وبين أن تأخذ مجراها في الواقع العملي؟
فالقضية المركزية لدى إيران تمحورت حول الأمن والاستقرار وباتفاقات أمنية بينية بين ضفتي الخليج وهو موقف اعتادت طهران على طرحه والتمسك به في مختلف محطات علاقاتها بدول مجلس التعاون، إلا أن الطرح الإيراني أتى هذه المرة في اجتماع قمة مشترك اعتبرته طهران مناسبة قوية لإيصال رسالتها في وقت تشعر به أنها محاصرة بسلة ضغوط أمريكية مباشرة، وبالتالي البحث عن مواقع خليجية آمنة تخفف آثار هذه الضغوط حاليا وتؤمن مستقبلا حيادها في حال قررت واشنطن استعمال قوتها في المنطقة.
وفي أي حال من الأحوال، فان الرهان الإيراني وان يبدو واقعيا من وجهة نظرها إلا أن ما تطلبه لتطبيق أو الوصول لهذه الأهداف تعتبر يوتوبية وغير قابلة للتطبيق مع دول مجلس التعاون تحديدا؛ فعلى الرغم من قوة وعمق العلاقة التي تربط طهران بالعديد من دول مجلس التعاون وبخاصة الأمارات وسلطنة عمان، فان قبول المجلس بالطروحات الإيرانية يعتبر ارتدادا سياسيا معاكسا في سياساتها الخارجية في وقت تبدو منطقة الشرق الأوسط بخاصة والخليج بعامة تمر بمسارات دقيقة محفوفة بمخاطر التفجير الذي من الصعب التنبؤ بنتائجه أو السيطرة على مساراته،وبالتالي فان الموقف الخليجي لن يكون ايجابيا بطبيعة الحال في ظل هذه الظروف بالذات.
في المقابل وان أتى دخول الرئيس الإيراني قاعة الافتتاح يدا بيد مع العاهل السعودي الملك عبدالله ،فان رمزية التعبير غير قابلة للصرف السياسي بالمعنى الاستراتيجي،فالتقارب السعودي الإيراني في الفترة السابقة على قاعدة الإدارة المشتركة للأزمة اللبنانية، لا يعتبر كافيا لتطابق المواقف على الصعيد الإقليمي رغم انه يعتبر شرطا ضروريا لتماسك العلاقات وتمييزها بين قطبي ضفتي الخليج.
وعليه إن الانفتاح الإيراني السعودي يشكل حجر الرحى في مستقبل العلاقة بين طهران وعواصم دول مجلس التعاون،إلا أن القضايا المطروحة من وجهة النظر الإيرانية تعتبر أبعد بكثير من سياسات إقليمية الأفضل التفاهم عليها في محتو قابل للتنفيذ دون المسّ باستراتيجيات تتقاطع مع عمق حيوي إقليمي ودولي لا تستطيع واشنطن بلعه وهضمه.
إن مقررات قمة الدوحة تعتبر ردا دبلوماسيا على المطالب الإيرانية فهي خصصت مساحات واسعة منها للقضايا الاقتصادية التي تعبر عن رغبة واضحة في تحقيق أهداف منها ما يتعلق بالسعي لاستكمال خطوات الاتحاد النقدي لكن الحدث الاقتصادي الأبرز تمثل في إعلان القمة قيام السوق الخليجية المشتركة اعتباراً من الأول من يناير 2008م، وتأكيده على تنفيذ الدول الأعضاء لما صدر من قرارات من شأنها زيادة استفادة مواطني دول المجلس من قيام هذه السوق، وتعميق المواطنة الخليجية وتحقيق المساواة التامة في المعاملة بين مواطني دول المجلس في ممارسة المهن والحرف والأنشطة الاقتصادية والاستثمارية.وأقر المجلس تطوير قواعد ممارسة تجارة التجزئة والجملة بما يتوافق مع متطلبات السوق الخليجية المشتركة، وقرر السماح لمواطني دول المجلس بممارسة نشاطي الخدمات العقارية والخدمات الاجتماعية في جميع الدول الأعضاء.
لقد اعتبرت دول مجلس التعاون الحاجة إلى تحقيق المزيد من التكامل الاقتصادي بينها هدفاً استراتيجياً وضرورة تفرضها التطورات الاقتصادية العالمية في ظل مناخ العولمة الاقتصادية، التي تعطي الأولوية للتكتلات الاقتصادية التي يمكنها المنافسة والصمود في مختلف المجالات الاقتصادية.وقد جاء إعلان قيام السوق الخليجية المشتركة، استجابة لهذه التطورات وكذلك استجابة لتطلعات وآمال مواطني دول المجلس في تحقيق المواطنة الخليجية بما في ذلك المساواة في المعاملة في التنقل والإقامة والعمل والاستثمار والتعليم والصحة والخدمات الاجتماعية، واستكمالاً للخطوات والجهود التي قطعتها مسيرة العمل الاقتصادي المشترك.
إن التعمق في قراءة ما توصلت إليه قمة الدوحة يشير بوضوح أن ثمة ندرة في السياسة ووفرة في الاقتصاد،ما يعني أن الهدف التي أتت من اجله طهران إلى الدوحة لم يتحقق بصرف النظر عن حجم الآمال التي علقت عليها،وعلى الرغم من هذا التوصيف أو التكييف السياسي للنتائج المعلنة على الأقل تبقى العلاقات الإيرانية الخليجية محكومة بالعديد من الاعتبارات الخاصة المتعلقة بالتاريخ وبالجغرافيا.
ثمة مسافات ينبغي جسرها وبخاصة في المسائل المتعلقة بطموحات إيران للعب دور إقليمي ذات صفات عظمى،يقابله هواجس خليجية تبدو مبررة في غالب الأحيان،ما يعني أن علاقات الضرورة تبقى مقياسا وأساسا في حسابات ضفتي الخليج في ظل ازدحام مشاريع التهدئة والتفجير وتقاطع مشاريع الصفقات وافتراق المصالح والأهواء والأنواء.
وبصرف النظر عن حسابات طرفي الخليج ومدى القراءة الدقيقة للكثير من متغيرات المنطقة، تبقى مستوى العلاقات مرهونة أيضا بفواعل إقليمية ودولية ربما تبدو دول الخليج بضفتيه غير قادرة على التأثير فيه مباشرة أو التحكم بمفاصله ومساراته.وبالتالي إن مستقبل العلاقات الإيرانية الخليجية هي على مقياس ريختر وما ينتج من هزات ارتدادية لكثير من ملفات تبدو معقدة وهي غير معزولة عن مسائل وقضايا استراتيجية دولية.