28‏/02‏/2008

عملية السلام الشامل في الشرق الاوسط(*)


عملية السلام الشامل في الشرق الاوسط(*)
وآفاق الحصار المفروض على العراق

د. خليل حسين
استاذ العلاقات الدولية في الجامعة اللبنانية
رئيس مصلحة الدراسات القانونية والسياسية
في المجلس النيابي اللبناني
(*) – ورقة عمل مقدمة الى المؤتمر السنوي للحوار العربي- الاوروبي المنعقد في بروكسل ما بين 20 و23/ 2002

يشكل التعاون السياسي العربي – الاوروبي مفتاحا لعلاقات متميزة يسعى اليها الطرفان منذ فترة طويلة ، وفي قائمة الاولويات يظهر موضوع النزاع العربي - الاسرائيلي وحصار العراق ، من بين المواضيع الاكثر حساسية ، التي تستوجب المزيد من الاهتمام وتصويب الاهداف وفقا لمرجعيات باتت مسلمات وضرورات لحل شامل وعادل في المنطقة وفقا لوجهة النظر العربية .
لقد وافقت جميع الدول العربية الدخول في مؤتمر مدريد العام 1991 استناداً الى رسائل التأكيدات والضمانات التي قدمتها الولايات المتحدة الاميركية لاطراف النزاع ، على خلفية الارض مقابل السلام ووفقا لقررات الشرعية الدولية الممثلة بقررات مجلس الامن الدولي ذات الصِلة لا سيما القرارات 242 و338 و425 ؛ وعلى الرغم من التسويف الذي رافق المفاوضات في شقها السياسي المتمثل بالمفاوضات الثنائية ومحاولة تقديم الجانب الاقتصادي المتمثل بالمفاوضات المتعددة الطرف ، تابع الجانبان اللبناني والسوري تمسكهما بالعملية السلمية وفقا للاسس السالفة الذكر ، رغم الانحراف الواضح الذي اتخذته مجمل العملية السلمية لا سيما المفاوضات السرية وما نجم عنها من اتفاقات في اوسلو.
ان توقف المفاوضات منذ العام 1996 على المسارين اللبناني والسوري قد اعطى انطباعا واضحا على نية اسرائيل وأهدافها من العملية السلمية برمتها بصرف النظر عن الجهة السياسية الحاكمة في اسرائيل ، ففي الوقت الذي ترأس حزب العمل الحكومة الاسرائيلية نفذ الجيش الاسرائيلي عمليتين عسكريتين واسعتين ضد لبنان الاولى " تصفية الحساب 1993" والثانية "عناقيد الغضب 1996 " والاثنتان من طبيعة سياسية واحدة، هدفتا الى اجبار لبنان على مفاوضات لا تمتُّ بِصِلة الى اسس مؤتمر مدريد .
وعلى الرغم ايضا من تأكيد الولايات المتحدة الاميركية بأنها الراعي النزية للمفاوضات بين الجانبين العربي والاسرائيلي ، الا ان تداعيات الاحداث اثبتت عكس ذلك، مما اسهم بشكل او بآخر في بلورة مواقف جديدة للسياسة الخارجية الاوروبية تمثلت ببعض الانفتاح والاهتمام بقضايا الشرق الاوسط ، بصرف النظر عن مستوى النجاحات المحققة او الآمال المرجوة، او حتى حدود الدور المعطى لها .
ان التعاون السياسي العربي – الاوروبي الذي بدأ بحوارات سياسية على مستوياات وزارية ودبلوماسية منذ منتصف الثمانينيات توِّج باعلان برشلونة العام 1995، ورغم نفي العديد من القادة الاوروبيين بأن لا علاقة لهذا الاعلان بالمفاوضات العربية - الاسرائيلية ، الا انه من الناحية العملية والواقعية يشكل محاولة موازية لادارة هذه المفاوضات حيث تدعو الحاجة وفقا لمعايير ومستويات واهداف ليست بالضرورة اوروبية المنشأ او الأصل .
ان الاهتمام الاوروبي بقضابا الدول العربية بشكل عام والنزاع العربي – الاسرائيلي وحصار العراق بشكل خاص ، ينم عن مدى فهم السياسة الخارجية الاوروبية لاهمية وحساسية هذه القضايا ومدى أثرها في استثمار المواقع في السياسات الدولية ، ومن هنا يفسَّر تعيين مندوب خاص للسياسة الخارجية الاوروبية في منطقة الشرق الاوسط ؛ ورغم هذا الاحتكاك المباشر لا زال الكثير من النقاط التي تستلزم البحث والتصويب في الرؤى الاوروبية من بعض التفاصيل الهامة في موضوع النزاع العربي الاسرائيلي وغيره من القضايا التابعة له .
ان احداث الحادي عشر من ايلول 2001 في نيويورك قد خلطت الكثير من الاوراق في غير مكان من العالم ، وأرخت ظلالا كثيفة على العديد من القضايا الدولية والاقليمية العالقة ، ومنها النزاع العربي - الاسرائيلي الذي فتح مجددا وتمَّ التعامل معه على اسس مغايرة للتي سبقت بفعل العديد من الاسباب والخلفيات التي تُستغل بشكل سلبي ولغير مصلحة الدول العربية ، وكما جرى في استثمار حرب الخليج الثانية لغير مصلحة العرب ، فقد تمّ التعامل مع تداعيات 11 ايلول والحرب على الارهاب في افغانستان كاطار لاجبار الدول العربية التخلي عن مواقفها المعلنة من عملية التسوية في الشرق الاوسط .
لقد كان الرد العربي واضحا جدا في اطار قمة بيروت ، اذ حولت المبادرة السعودية للسلام الى مبادرة عربية واضحة المعالم والاهداف، اذ زاوجت بين المتغيرات الدولية الطارئة والضغوط الناجمة عنها، والثوابت العربية التي لا تقبل المساومة والتنازل ؛ وبات الموقف العربي للتسوية محكوم مجددا في اطار الثوابت التي دخل عليها اطراف النزاع في مفاوضات مدريد ، مع بعض مراعاة المتغيرات الحاصلة على الساحة العربية .
ان الاجماع العربي الذي تحقق حول مبادرة السلام العربية في قمة بيروت تشكل الاطار للحل الشامل والعادل في المنطقة ، وهي وازنت بين الرؤية اللبنانية والسورية للسلام وظروف المنطقة والتوازنات الاقليمية والدولية بعد 11 ايلول ، اما ابرز هذه المرتكزات ودواعيها فهي :
- ان السلام العادل والشامل هو خيار استراتيجي عربي يتحقق في ظل الشرعية الدولية ، لا سيما التمسك بتطبيق قراري مجلس الامن الدولي 242 و 338 والانسحاب من جميع الاراضي العربية المحتلة العام 1967 .
- الانسحاب الكامل من الجولان المحتل وحتى خط الرابع من حزيران 1967 .
- الانسحاب من الاراضي اللبنانية التي لا زالت محتلة ( مزارع شبعا). والتطبيق الكامل للقرار 425 .
- حل قضية اللاجئين الفلسطينيين وفقا لقرار الجمعية العامة للامم المتحدة الرقم 194 .
- قيام الدولة الفلسطينية على الاراضي الفلسطينية المحتلة منذ الرابع من حزيران 1967 ، في الضفة الغربية وقطاع غزة وعاصمتها القدس الشرقية .
- رفض كل اشكال التوطين الذي يتنافى مع الوضع الخاص في الدول المضيفة .
- وعند ئذ تعتبر الدول العربية ان النزاع مع اسرائيل منتهيا ، والدخول في اتفاقية سلام بينها وبين اسرائيل مع تحقيق الامن لجميع دول المنطقة؛ واقامة علاقات طبيعية مع اسرائيل وفق اطار السلام الشامل .
لقد اطلق رئيس الحكومة الاسرائيلية ارئيل شارون رصاصته الاولى على المبادرة العربية للسلام فور اعلانها، فاجتاح اراضي السلطة الفلسطينية وأعاد خلط الاوراق مجددا ، مما يفسر بوضوح نية شارون ومواقفه تجاه عملية التسوية برمتها، اذ ان طرحه لفكرة المؤتمر الاقليمي بشروط يبدو منها استبعاد لبنان وسوريا عنه ، هي من الناحية العملية قتل عملية السلام او حرفها نهائيا عن الاسس التي بدأت منها في مدريد .
ان الدول العربية تنظر الى دور اوروبي ريادي في هذه المرحلة من منطلق انقاذ الوضع الراهن للمنطقة وما يمكن ان يتأتى عنه من عواقب غير معروفة النتائج، ولذلك ان التحرك الاوروبي يستلزم اعادة النظر ببعض المواقف التي تحاول واشنطن رسمها بهدف ابقاء جميع الادوار رهينة الموقف الاسرائيلي وتحديدا الشاروني منها.
ان الدور المتميز الذي يمكن ان تلعبه المجموعة الاوروبية من المفترض ان ينطلق من عدة مبادىء ابرزها :
- الضغط على اسرائيل لاجبارها على الاذعان لقررات الشرعية الدولية وتطبيق كافة القرارات الصادرة عنها لا سيما 242 و338 و425 و194 .
- حض اسرائيل على وقف الممارسات اللا انسانية ضد الشعب الفلسطيني ووقف عمليات الاستيلاء على الاراضي واقامة المستوطنات.
- اطلاق سراح الاسرى العرب في السجون الاسرائيلية .
- اجبار اسرائيل على تسليم خرائط الالغام التي زرعتها في جنوب لبنان والتي تشكل احتلالا غير مباشر للارض والناس في جنوب لبنان.
- كما ان الدور الاوروبي المتميز يجب الانطلاق من مراعاة التفريق بين الارهاب والمقاومة وحق الشعوب في تحرير ارضها المحتلة، سيما وان غالبية الدول الاوروبية عانت الامرين في حروبها المتتالية لتحرير اراضيها من الاحتلال النازي.
ان الجانب الآخر من النزاع العربي – الاسرائيلي غير المعلن والذي ارتبط به بشكل او بآخر ، هو موضوع الحصار ضد العراق الذي لم يعد مبررا بجميع المقاييس والاعراف ، لذا ان اكتمال الدور الاوروبي لملف الشرق الاوسط يستدعي موقفا حاسما من الموضوع العراقي للعديد من الاعتبارات ابرزها :
- ان السبب الاساس قد زال بانسحاب القوات العراقية من الكويت .
- ان ملف الاسلحة غير التقليدية الذي تدعي واشنطن به لاستمرار الحصار على العراق ، لهو مبرر غير منطقي بعد التقارير التي اعدتها لجان التفتيش مؤخرا، والذي بات مؤكدا من الجميع ان الحصار لا يعدو كونه عقابا لايتزاز المواقف السياسية في غير اتجاه وموقع .
- ان الحصار قد طال الشعب العراقي بشكل اساسي بلقمة عيشه ودوائه، اذ يموت الآلاف سنويا من الاطفال بفعل سوء التغذية ونقص الادوية والمعدات الطبية، واصبح برنامج النفط مقابل الغذاء السيف المسلط على رقاب الناس ، وعقابا بسياسة العصا والجزرة .
- ان استمرار الحصار سيولد امورا اخرى هي اشد هولا من الاسباب التي فرضت على اساسها ، فهي بالدرجة الاولى قد زادت النقمة من الشعوب العربية على الغرب بسبب الكيل بمكيالين ، ففي الوقت الذي تمتلك اسرائيل على أقل تقدير مئتي رأس نووي ، عدا الاسلحة الجرثومية والكيميائية ، تكافىء وتزاد وتغرق بالمساعدات المالية والعسكرية وبمختلف التقنيات المتطورة ، وفي الوقت الذي تمارس اشد انواع ارهاب الدولة ، يُحجَز لها موقعٌ ودورٌ وشروطُ المنتصر في محاربة كل ما يُسمى ارهابا .
- ان الحصار قد سقط عمليا بفعل تخلي العديد من الدول الغربية قبل العربية عنه، وبفعل المصالحة العربية في قمة بيروت .
لقد بات الانهاء القانوني لحصار العراق امرا ملحا بعد زوال اسبابه ومسبباته، ولم يعد هناك معنى من الناحية العملية لاستنباط وابتداع المصطلحات التي تغطي شكلا للحصار، فاذا كان البحث جاريا في عقوبات ذكية على العراق ، فانه بالتأكيد ان الحصار الذي لا يزال مستمرا منذ اثنتا عشرة سنة لهي عقوبات غبية بجميع المقاييس والمعايير .