19‏/02‏/2008

قراءة أولية في نتائج العدوان الإسرائيلي على لبنان

قراءة أولية في نتائج العدوان الإسرائيلي على لبنان
د.خليل حسين
أستاذ العلاقات الدولية في الجامعة اللبنانية
رئيس مصلحة الدراسات في مجلس النواب اللبناني


أما وقد ركبت القيادة الإسرائيلية رأسها عنادا وتعنتا وأخذت الخيارات الأكثر صعوبة على الجميع،ثمة رؤى مختلفة ستأخذ طريقها إلى المنطقة اقلها تغيير معادلات كثيرة منها ما يتعلق بالصراع العربي الإسرائيلي ومنها ما يتعلق بحجم ووزن بعض القوى الإقليمية في المنطقة ومدى فاعليتها في السياسيات الإقليمية المطروحة حاليا.فما هي القراءة الأولية لنتائج العدوان الإسرائيلي على لبنان وما هي آثاره في دول المنطقة؟في هذا الإطار يمكن تسجيل العديد من المسائل.
لبنانيا،فعلى الرغم من أن العدوان قد جرى على أرضه منفردا حتى الآن،وعلى الرغم من أن مفاعيل الاعتداء تحاول استهداف احد ابرز لاعبيه وهو حزب الله وبالتالي المقاومة،ثمة أمور كثيرة يمكن أن تضاف إلى هذا الهدف المحوري ليشمل أشياء أخرى لم تكن معلنة قبل بدء العدوان ولا حتى في اليومين الأولين على بدءه،وفي مطلق الأحول ثمة العديد من الأمور يمكن تسجيلها ومنها:
- إن ابرز نتائج العدوان تمكّن إسرائيل من ضرب البنى التحتية بشكل مباشر وإعادة لبنان إلى نقطة الصفر في مجال الإنماء والأعمار،ذلك بهدف محاولة التأكيد للبنانيين أن ثمن وقوفهم إلى جانب المقاومة سيكون غاليا،وبالتالي إن الثمن المطلوب دفعه في هذا المجال إعادة لبنان إلى مرحلة ما قبل اتفاق الطائف اقله في الحجر ان لم يكن البشر.
- ممارسة الحرب النفسية بشتى صنوفها على اللبنانيين بهدف إملاء الشروط الإسرائيلية التي يبدو أنها عجزت حتى الآن من فرضها عسكريا،ومحاولة توسيع الشرخ الذي أُحدِثَ مؤخرا حول التمييز بين حق المقاومة وشرعية عملها وبين تحديد المكان والزمان لذلك والتنسيق مع الحكومة.ومن الطبيعي أن ازدياد الضرب على هذا الهدف سيؤدي إلى انقسامات حادة وواسعة في المجتمع اللبناني وبالتالي إيصاله إلى الصدام والى مرحلة ما قبل إنفاق الطائف أيضا.
- فرض معادلات داخلية جديدة على قاعدة منطق الغالب والمغلوب ولو باستثمار نتائج استعمال القوة الخارجية في أهداف داخلية،اقلها معادلات الحكم والسلطة وصولا إلى تحديد استراتيجيات جديدة تحدد موقع لبنان في الصراع العربي الإسرائيلي إن كان هناك وجه من أوجه هذا الصراع لا يزال موجودا خارج إطار المقاومة اللبنانية.إي بمعنى آخر فرض حياد لبنان عن ملفات الصراع العربي الإسرائيلي بعدما باءت كل المحاولات السابقة بالفشل على مدى أكثر من نصف قرن.
- ان معضلة إعادة الأعمار مجددا ستتخذ أبعادا إضافية صعبة كثيرا،فلبنان ينوء تحت حمل كبير جدا من الديون الخارجية والداخلية ولن يتمكن في المرحلة القادمة اقله تسديد فوائد الدين فقط، لذا سيجرى استغلال هذا الملف بفرض شرط مكرر منذ عشرات السنين وهو توطين الفلسطينيين في لبنان مقابل بعض المساعدات المالية والاقتصادية،إذ يعتبر هذا الملف من صلب الأهداف غير المعلنة للعدوان ومن صلب النتائج التي سيتم استثمارها لاحقا وفي أوجه متعددة ومتنوعة.
- تطبيق القرار 1559 عنوة وبالقوة بعدما عجزت الحكومة اللبنانية وبعض الأطراف الداخليين من تنفيذه لأكثر من سنة،فالحوار الداخلي توقف عند هذه النقطة بالتحديد والكل يعلم داخليا وخارجيا أن هذا الملف لن يحل داخليا بفعل موازين القوى الداخلية المعروفة.فحل موضوع سلاح المقاومة بات معروفا من وجهة النظر الأمريكية الإسرائيلية، إما بحرب أهلية جديدة تزج المقاومة فيها بشكل أو بآخر وهذا ما حاولت إسرائيل وأميركا فعله عبر التوترات الداخلية إلا ان فشله بفعل حكمة القيادة السياسية للمقاومة،فلم يكن هناك من بد إلا العدوان الإسرائيلي وخلط الأوراق مجددا وقلب الطاولة الإقليمية على راس جميع اللاعبين،لإعادة برمجة جميع ملفات المنطقة من جديد.
- إما الهدف الأبعد من ذلك كله في حال تمكن العدوان من فرض إطار الشروط بشكل جيد من وجهة النظر الإسرائيلية،إجبار لبنان على الدخول في مفاوضات مباشرة مع إسرائيل وإخراجه نهائيا من دائرة الصراع على غرار ما حصل بعد اجتياحه العام 1982 وما تلاه من توقيع اتفاق 17 أيار 1983.
وإذا كانت الصورة تبدو بهذا المشهد القاتم من أهداف العدوان على لبنان،فان إسرائيل هدفت إلى عدة نتائج من أبرزها:
- الهروب إلى الأمام من مآزق الوضع القائم في غزة بعد اسر الجندي الإسرائيلي وعدم تمكنها من الوصول إلى نتيجة تذكر في هذا المجال،وبالتالي تحويل الرأي العام الإسرائيلي إلى أهداف أخرى.
- محاولة رئيس الوراء الإسرائيلي ايهود اولمرت من تثبيت زعامته السياسة وهي التجربة الأولى له بعد تسلم مقاليد الحكم في إسرائيل.وهي سوابق معروفة لدى جميع القيادات الإسرائيلية الناشئة بافتعال حروب خارجية لتكريس الزعامة السياسية الداخلية.
- استثمار هذا العدوان في حال نجاحه لتسويقه سياسيا في إدارة ملفات الصراع مع مواقع إقليمية أخرى ابززها سوريا والسلطة الفلسطينية عربيا،لفرض الشروط وإعادة إنتاج تجارب اوسلو مجددا.
- ولا نفشي سرا إن قلنا أن نتائج هذه المعركة ستكون بشكل أو بآخر بمثابة الحرب الباردة الإيرانية الإسرائيلية وبالتالي ستكون إسقاطاتها شديدة الوطأة على هذا الصراع،بدء من البرنامج النووي الإيراني وصولا إلى موقع ودور إيران الإقليمي،مرورا بشبكة التحالفات والارتباطات الإيرانية ذات الصلة بهذا الموضوع.
أما نتائج هذا العدوان عربيا فتبدو اشد غرابة،فعلى الرغم من أن العرب قد عودوا أنفسهم وعودوا غيرهم على ردات الفعل والابتعاد عن الفعل الايجابي،فيأتي هذا العدوان ليبرز العديد من المواضبع ابرزها:
- تشتيت الموقف العربي مجددا وظهور التباينات الحادة في أساس معالجة العدوان وذيوله،وترك محاولات الحلول لأطراف غير عربية،والإثبات مجددا أنهم غير قادرين على ممارسة أي فعل حتى ولو كان سلبيا.فاجتمعا مجلس الوزراء العرب على مستوى وزراء الخارجية اكد هذا التوجه ولم يتمكن من اتخاذ أي قرار ذات شان هام في هذا المجال.
- الوجه الآخر لنتائج العدوان إثبات أن العرب قادرون فقط وكالعادة تقديم المساعدات المادية وفي الإطار الإنساني ليس إلا ويمنع عليهم التدخل في غير هذا الإطار.
- ومن نتائج هذا العدوان أيضا عربيا إفهام من يعنيه الأمر أن على العرب شاءوا أم أبوا لن يكون لهم أي موقع لا في التاريخ ولا في جغرافية المنطقة،وهم ينبغي أن يبقوا على هامش الحياة السياسية الإقليمية حتى يقضي الله أمرا كان مكتوبا.
إن النتائج كبيرة ومن الممكن أن تقلب موازين قوى ومعادلات كثيرة في المنطقة يصعب تعدادها وحصرها الآن بالتحديد،لأنه من الصعب متابعة كتابة هذه المقالة بسبب القصف الذي يشتد فوق رؤوسنا.
لكن مهما يكن من أمر إن شعبا تعلم كيف يرضِّع الحليب لأطفاله مع سكر المقاومة لن يهزم، وأن شعبا لديه من القيادات الحكيمة غير المتهورة كما يقال عنها من الصعب تصور هزيمته، فالأحلام شيء والواقع شيء آخر،وأن قائدا يقول وينفذ،يعد ويصدق،يعرف ويعرف فقط كيف يوصل لبنان وغير لبنان إلى بر الأمان.