20‏/02‏/2008

سنة سابعة تحرير وبناء ومقاومة

سنة سابعة تحرير وبناء ومقاومة
د.خليل حسين
أستاذ القانون الدولي في الجامعة اللبنانية
رئيس مصلحة الدراسات في مجلس النواب


أتت الذكرى السابعة للتحرير وفي النفس غصّة بدل الفرحة،فبعدما تمكنت المقاومة من إجبار إسرائيل على الاندحار دون قيد أو شرط وهي سابقة في تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي، يأتي اليوم في لبنان ممن يدّعون السيادة والاستقلال ليضعوا المقاومة في مكان لم ولن تكن فيه،يحاولون النيل منها والافتراء عليها والقفز فوق منجزاتها،يحاولون زجها في زواريب السياسة الداخلية اللبنانية وإدخالها في أتون الفتن المذهبية، يحاولون إسقاطها في الداخل بعدما عجزت قوى العالم في الخارج،باختصار سبع سنوات تحرير ومقاومة تمر ولا زالت المقاومة هي هي تعرف وجهتها وعدوها وهدفها ومن يعرف كل ذلك لن يستطيع احد أن يحرفها عن ثوابتها.
تأتي ذكرى التحرير وفي لبنان ما زال يراهن على الخارج الذي جرّب حظه مع المقاومة وفشل،فكان عدوان تموز 2006 الإسرائيلي على لبنان والمقاومة بمثابة صك الاستسلام الإسرائيلي الأمريكي واعترافا صريحا وواضحا بنصر المقاومة،فيما في لبنان لا زال البعض ينظّر ويبرر هزيمة إسرائيل ويقلل من النصر. تأتي الذكرى السابعة للتحرير ورموز العدوان في إسرائيل وبريطانيا والولايات المتحدة وفرنسا تتهاوى فيما لا زال البعض في لبنان يتشدق ويجاهر بدعم الخارج ويعلق الآمال عليه في الوقت الذي يبحث عن مخارج لأزماته وهروبه من المنطقة. وبصرف النظر عن أمور كثيرة نسجل بعض الملاحظات على ظروف هذه الذكرى التي ينبغي أن تشرف القاصي والداني ومن بينها:
- أولى المفارقات الغريبة أن العيد أتى هذه السنة وقد الغيَّ بقرار رسمي كونه عيد تعطل الدوائر الرسمية فيه،وبات مناسبة بنظر البعض كأي حدث عادي يمكن التذكير فيه في بعض المناسبات والمواقع،وهو أصبح كعيد الشجرة مثلا وفي أحسن الأحوال كعيد المعلم أو ألام مع احترامنا لكافة مواضيع الذكرى ومجالات احتفالاتها.وإذا كان ثمة ضرورات قد أباحت هذا الإجراء غير المبرر وغير المفهوم فكيف يمكن إفهام أجيالنا المقبلة التي سنذكرها في المدارس والجامعات مثلا عن حقيقة هذا الإجراء؟وكيف سنبرر إبقاء أعياد رغم رمزيتها وأهميتها وإلغاء عيد التحرير والمقاومة،فهل أصبح التحرير عيبا والمقاومة تهمة ينبغي تجنبهما وعدم التحدث بهما أمام أطفالنا لكي لا نخدش مشاعرهم الوردية؟وكيف سيكون موقفنا لو صادف ولد شهيد للمقاومة فماذا سنبرر له وكيف سنشرح له هذا الإجراء؟وهل سيقتنع أن تعطيل يوم سيؤدي إلى كوارث مالية واقتصادية وسيجر ديونا على لبنان لا تعد ولا تحصى، وكيف سنبرر له إذا سألنا عن الفواتير التي دفعتها الدولة لمخالصة الخلوي أو الكسارات أو غيرها؟.انه إجراء غير مبرر وليس مفهوما بجميع المقاييس والأعراف الاجتماعية والوطنية. والمفارقة أيضا هذه السنة أن المدارس والجامعات عُطلت بقرار وزاري وكأنه عربون رشوة سياسية للتكفير عن الذنوب،وهو بطبيعة الحال لا يسمن ولا يغني من جوع.
- يترافق هذا العيد مع قافلة من القرارات الدولية التي ربما لن تنتهي والتي أتت كعيدية ترطّب خواطر البعض في الداخل اللبناني من الذين ينادون بنزع سلاح المقاومة واللذين لا يتوانون لحظة واحدة عن وصفها بالميلشيشا، فيما البعض الآخر لا زال يبحث عن أحرف ومفردات وتعاريف للهرب من توصيف المقاومة بأنها مقاومة،فتارة يتم اللجوء إلى واو العطف أو أل التعريف أو أدوات التنكير وحتى لا يتورعون عن استعمال أسلوب التأويل للشرح والتفسير لمواقف واضحة وضوح الشمس.
- لقد تناسى البعض في لبنان أن المقاومة تمكنت من إجبار إسرائيل على الانسحاب دون قيد أو شرط من معظم الأراضي اللبنانية،فيما كان كثيرون لا زالوا يراهنون على الأمم المتحدة وقرارتها،والآن ينبري البعض للتمسك بقرارات دولية عفا عليها الزمن ويتذرع بأن لبنان غير قادر على رفض وممانعة القرارات الدولية كغيره من الدول وبالتحديد إسرائيل التي تعتبر استثناءا للشرعية الدولية.لقد تناسى الكثيرون أن القانون على المستوى الدولي لا يعطي حقا بل ينشئه وان من ينفذه هي القوة وحدها،هذا هو منطق العلاقات الدولية ومفرداتها فهل يعلمون؟.
- يأتي العيد هذه السنة وثمة من يقول أن لا إجماعا وطنيا على عمل المقاومة وثمة من يتجرأ بالافتراء والقول أن المقاومة باتت طرفا في التوازنات السياسية الداخلية،لقد نسيَّ أو تجاحل هذا البعض أنه لم يكن في يوم من الأيام إجماعا لبنانيا على عمل المقاومة ضد إسرائيل،وان ظروفا أجبرت الآخرين للظهور بمظهر التأييد والموافقة على أسلوب العمل والتحرير،وعندما تغيرت الظروف وانقلبت الموازين الإقليمية والدولية سارع الكثيرون لكشف حقيقة مواقفهم وباتوا في المقلب الآخر الذي لا يشرف المقاومة بأنهم كانوا يوما يدعونَّ بأنهم يقفون إلى جانبها. إضافة إلى ذلك إن استعراض تاريخ أعمال المقاومة ليس في لبنان وإنما في جميع دول العالم،يثبت أن ثمة أناس كانوا مع مقاومة الاحتلال لبلدهم وانتصروا في النهاية،كما كان ثمة فئة ضد المقاومة بل بعضهم تعامل مع الاحتلال وفي النهاية لم يجلبوا لأنفسهم سوى الذل والهوان.
- يأتي العيد هذه السنة وثمة من يصر على المضي بعكس منطق التاريخ والجغرافيا والقوانين والأعراف، فجميع الدول وان تحضِّر نفسها لعمل دبلوماسي تحاول دائما الاحتفاظ بأوراق قوتها في أي محفل تود الذهاب إليه إلا في لبنان ثمة من يحاول بل يحرض ويسعى جاهدا وبكل عزم على التفريط بأوراق قوة لبنان ويحاول مجددا التمسك بمقولة أن قوة لبنان في ضعفه ويحاول تناسي مصائب هذه المعادلة التي لم تجلب للبنان إلا الدمار والخراب.إن حياد لبنان عن الصراع العربي الإسرائيلي كان دائما سببا رئيسا في تفككه وهوانه وخرابه،ولم يكن يوما حياده سببا في ازدهاره،فلبنان شاء أم أبى ينبغي بقاؤه إلى جانب الصراع مع إسرائيل ذلك بحكم موقعه وتركيبته وخصوصيته المنافسة لإسرائيل.
- يأتي العيد هذه السنة وثمة من يصوِّر أن المقاومة أصبحت عبئا على الداخل اللبناني وأن الوقت قد حان للتخلص من الحِمل الزائد التي تنوء تحته المؤسسات اللبنانية.وأيضا تناسى البعض عن قصد بل عن سابق تصور وتصميم بأن المقاومة لم يكن لها أي تأثير بأي حدث أو ميزان قوى داخلي،بل أن ابتعادها عن زواريب السياسية الداخلية اللبنانية هو سر نجاحها وان من يحاول اليوم إقحامها بهذه الأمور إنما يهدف إلى محاولة الإضعاف لموقعها.
ورغم ذلك ومهما زادت الضغوط الإقليمية والدولية على لبنان ومقاومته، ثمة مواقف ومظاهر مقابلة تتمسك فيها المقاومة وأبرزها:
- الإصرار على تحرير ما تبقى من ارض محتلة، فالمقاومة وجدت للتحرير لا لأي شيء آخر، ومهما اشتدت عليها الضغوط الخارجية والداخلية فلن يثنيها عن هدفها أمرا ما ،فقد جربت بعض القوى الدولية في السابق الكثير من المحاولات ولم تتمكن من تحقيق شيء يذكر،بل كانت المقاومة تشتد عودا وقوة في كل مرة كانت الضغوط تمارس عليها،ذلك بفضل من اقتنع حقيقة بصوابية مسارها وعملها ومصداقية توجهاتها وتعاملها الداخلي والخارجي.
- إصرار المقاومة الابتعاد عن الحساسيات الداخلية رغم محاولة البعض إقحامها فيه، والتفرغ لهدف وحيد هو التوجه لمواجهة العدو وحماية لبنان، ذلك يتجلى عبر إصرار المقاومة على إيجاد استراتيجية دفاعية تمكن لبنان بجدية حماية نفسه من أعتى قوة دولية في المنطقة.وفي هذا الإطار ثمة احتمالين لا ثالث لهما،إما التوصل إلى استراتيجية لتسليح الجيش اللبناني ماديا ومعنويا لمواجهة إسرائيل وهو أمر مستحيل من الناحية المبدئية في ظل الظروف الحالية للبنان،وإما الاسترشاد بعمل المقاومة التي خلقت توازنا استراتيجيا ردعيا بين لبنان وإسرائيل بكلفة متواضعة ماديا ومعنيا أيضا.
- إصرار المقاومة على البناء والتعمير ما دمرته آلة الحرب الأمريكية الإسرائيلية ففي الذكرى السابعة أطلقت ورشة وعد للتعمير، وكما الوعد كان صادقا في هزيمة إسرائيل سيكون الوعد بالبناء والتعمير وعدا صادقا وفاءً لشعب المقاومة الذي احتضنها وقدَّم لها الغالي والنفيس.