13‏/02‏/2008

الملف النووي الإيراني والهواجس الأمنية الخليجية

الملف النووي الإيراني والهواجس الأمنية الخليجية
د.خليل حسين
أستاذ القانون الدولي في الجامعة اللبنانية
مدير الدراسات في مجلس النواب اللبناني

اتسمت العلاقات الخليجية الايرانية بالتشابك والتعقيد ورغم وجود العديد من اوجه العلاقات الاقتصادية والتجارية ذات الوزن الهام بين الطرفين،ظلت العديد من المسائل العالقة تطبع العلاقة بنوع من التأزم، اذ ظلت قضية احتلال الجزر الإماراتية الثلاث أحد أهم البنود الثابتة فى البيانات الختامية لاجتماعات المجلس الأعلى لدول مجلس التعاون الخليجي، فضلاً عن التباينات الحادة بشأن عدد من القضايا منها أمن الخليج وتسميته،بالإضافة الى القضية العراقية بمختلف مراحلها،الا ان البرنامج النووي الايراني طغى في الفترة الاخيرة على ما عداه من قضايا باعتباره يشكل امرا استراتيجيا وحيويا لأيران وبالتالي موضوعا غير قابل للمساومة،فيما شكل للدول الخليجية مصدر قلق وتوجس للعديد من الاعتبارات والاسباب وبالتالي نقطة اخرى تضاف لسلسلة التباينات العالقة ؛وما يؤكد ذلك ما أخذ هذا الملف من حيز واسع من نقاشات قمة أبو ظبي مقارنة بالبيان الختامي الصادر عنها.فما هي خلفية المشروع الإيراني وأثره في دول مجلس التعاون؟وما هي رؤية هذه الدول وكيف تمَّ التعامل معه؟
على الرغم من كافة التأكيدات الإيرانية الرسمية بأنها لا تسعى لامتلاك سلاح نووي وبأن ما لديها مجرد برامج للطاقة السلمية،هدفه الوصول إلى ستة آلاف ميغاوات من الطاقة النووية سنوياً، وعلى الرغم من كل ذلك، فإن ثمة مبررات قوية تفسّر اهتمام إيران بتطوير برنامجها فعلى الصعيد الداخلي يلاحظ أن البرنامج النووي بات مشروعاً إيرانياً قومياً لا يعد ضمن قضايا الخلاف بين الإصلاحيين والمحافظين،وخارجيا تعتبر التحولات الإقليمية المحيطة بها ابتداءً بانهيار الاتحاد السوفيتي وما تركه من فراغ، مروراً بغزو العراق عام 2003 وما أسفر عن وصول الجيش الأمريكي على حدودها وانتهاءً بدعاوى الإصلاح والديمقراطية التي تطالب بها الولايات المتحدة الأمريكية. إضافة إلى إحاطة إيران بخمس قوى نووية هي باكستان والهند والصين وروسيا والولايات المتحدة في الخليج، ونظرًا لتوتر العلاقة مع تلك الأخيرة، فضلاً عن التهديدات الإسرائيلية بالقيام بضربة استباقية للمواقع النووية الإيرانية فإن سعي إيران لتطوير تلك البرامج يصبح مبررًا من وجهة نظرها.
ومهما يكن أمر المبررات الإيرانية في هذا المجال فإن لدول مجلس التعاون هواجسها المبررة أيضا في حال الوصول للسلاح النووي،ويبدو ذلك من خلال تهديد الاستقرار الإقليمي في منطقة الخليج عبر تكريس الخلل القائم في موازين القوى، حيث أن حقائق الجغرافيا السياسية تشير إلى أن القوة الإيرانية الحالية إذا ما أرادت أن تتجه فإن مسارها لن يكون الشمال أو الشرق، ففي الشرق هناك القوى النووية الآسيوية الكبرى الهند وباكستان والصين، وفي الشمال هناك روسيا، وبالتالي فإن إمكانية التمدد المتاحة لإيران هي في الغرب؛ إضافة إلى ذلك إن إمكانية نشوب صراع عسكري بين إيران والأطراف المعنية بالقضية النووية تنعكس آثاره في منطقة الخليج وما له من آثار مدمرة على الصّعد الاقتصادية والتجارية وغيرها، خاصة أن هذا البديل ليس مستبعداً من استراتيجيات الولايات المتحدة تجاه الملف النووي الإيراني.
يضاف إلى ذلك صعوبة التوصل إلى صيغة مشتركة لأمن الخليج، حيث تُعدُّ تلك القضية من القضايا الخلافية في العلاقات الإيرانية - الخليجية، فإيران طالبت بشكل مستمر بأن يكون لها دور في الترتيبات الأمنية الخاصة بالمنطقة انطلاقًا من أن أمن الخليج هو مسؤولية دوله، الأمر الذي يتعارض مع رؤية دول المجلس الست التي ترى في الوجود الأجنبي عاملاً مهماً لضمان أمنها، وفي ظل هذا الاختلاف طرحت عدة صيغ لأمن الخليج من جانب إيران، فضلاً عما أوردته مراكز الدراسات المتخصصة في هذا الشأن، إلا أن إصرار إيران على امتلاك السلاح النووي من شأنه أن يعوق إمكانية التوصل إلى صيغة أمنية مستقبلية لأمن الخليج ذلك لعدة اعتبارات منها أولا إمكانية قيام سباق نووي ليس في منطقة الخليج فحسب وإنما في المنطقة العربية كلها،وثانيا أن دول مجلس التعاون الخليجي في سعيها لإقامة صيغة أمنية مشتركة في الخليج لابد وأن تحصل على ضمانات دولية ملزمة من المجتمع الدولي بشأن إجراءات بناء الثقة مع الأطراف الإقليمية ومنها إيران، وأول هذه المتطلبات عدم تهديد أمن تلك الدول سواء بامتلاك الأسلحة النووية أو غيرها،وثالثا إن امتلاك إيران للسلاح النووي من شأنه أن يقوّض كافة الخطوات التي بذلها الجانبان الخليجي والإيراني والتي استهدفت حسن الجوار وتعزيز الثقة والمنافع المتبادلة، وصولاً إلى إيجاد منظومة أمنية وإقليمية تقوم على أسس عدة من بينها عدم اللجوء للقوة وحل كافة القضايا العالقة بالطرق الودية، وبالتالي فإن امتلاك إيران للسلاح النووي يمثل تراجعا للعلاقات نتيجة الإصرار الإيراني على موقفها من الجزر الإماراتية الثلاث، واعتبار القضية شأناً داخلياً إيرانيا بالرغم من كونها إحدى أهم القضايا الثابتة على جدول أعمال القمم الخليجية المتعاقبة.
اما لجهة الآثار البيئية فتعدُّ دول مجلس التعاون الخليجي في مقدمة الدول التي سوف تصاب بالضرر المباشر من جرّاء الأسلحة النووية الإيرانية، حيث يقع مفاعل بوشهر الذي يعد أحد أهم مرافق المشروع النووي الإيراني على بعد 280 كلم من مدينة الكويت ويعتمد هذا المفاعل بصفة أساسية على تقنيات مستوردة من روسيا التي لا تملك عناصر الأمان النووي المضمونة؛ وبالتالي فإن الحظر الغربي على الآلات والمعدات التي تُستخدم في الصناعة النووية قد يجبر إيران لإنجاز وإتمام تسلحها النووي الاعتماد على آلات نووية أقل ضماناً، ومن ثم تصبح دول الخليج في مرمى الخطر إذا ما حدث أي تسرب.
لقد اعتبرت دول الخليج أن تطوير القدرة النووية الإيرانية يعد عاملاً آخر من عوامل عدم الاستقرار في المنطقة ومن الصعب توقع نتائجه، ومع ذلك فالدول الخليجية الست لم تبلور آلية واضحة للتعامل مع تلك القضية، ويبدو أن هذه الدول اتبعت لمعالجة هذا الملف من خلال وسائل الضغط الدبلوماسية وهو الموقف الذي يتقاطع مع الموقف الأوروبي، وفى هذا المجال يمكن تبيان المواقف الخليجية الرسمية عبر بيانات القمّة أو المسؤولين في دولها.
فالبيان الختامي للقمة السادسة والعشرين لمجلس التعاون الخليجي عاد إلى العموميات مرة أخرى حيث أعرب المجلس عن قلقه إزاء استمرار برامج أسلحة الدمار الشامل في المنطقة، وطالب بالعمل على جعل منطقة الشرق الأوسط بما فيها منطقة الخليج منطقة خالية من كافة أسلحة الدمار الشامل بما فيها الأسلحة النووية ولم يذكر إيران بالاسم، وهو تكرار للمعنى نفسه في بياني قمتي عام 2003 و2004 مع مطالبة إسرائيل بالانضمام إلى معاهدة منع الانتشار النووي.كما أن التدقيق في التصريحات الرسمية لدول الخليج الست يمكن ملاحظة أن هناك موقفا رسمياً خليجياً معلناً إزاء برنامج إيران النووي مفاده رفض امتلاك الجمهورية الإسلامية لقدرات نووية إلا أن هذا الموقف لم يتخذ جانب التحرك العملي، إذ اقتصر دورها على المداولات والمناقشات مع الجانب الأمريكي مع إمكانية قيام بعض الأطراف بدور الوساطة بين طهران وواشنطن لتأمين المحادثات بينهما.
إن بيان قمة أبو ظبي وان لم يعكس حقيقة المداولات بشأن الملف النووي الإيراني، إلا انه عكس العقلانية والواقعية السياسية التي تنتهجها دول مجلس التعاون، لجهة القراءة السياسية الدقيقة لظروف المنطقة،فمهما يكن من تباينات فإنها لا تلغي واقع الجغرافيا السياسية للمنطقة،وبخاصة إن العلاقات الإيرانية الخليجية ليست مقتصرة على مواقف الملف النووي رغم أهميته وحساسيته. فعلى الرغم من أن العلاقات الإيرانية - الخليجية قد شابها بعض التوتر منذ قيام الثورة الإيرانية،إلا أن بعض الدول الخليجية مثل قطر وعُمان قد حافظت على علاقة قوية مع إيران، خاصة وأن مضيق هرمز فرض بعضاً من خصوصية التعاون العسكري والأمني بين إيران وعُمان تحديداً؛كما تعكس الملامح العامة للتفاعلات السياسية السابقة بين إيران والدول الخليجية الست حرصاً إيرانياً على توطيد العلاقات مع تلك الدول وفي هذا المجال حرصت إيران على طمأنة جيرانها الخليجيين بشأن برنامجها النووي، حيث قام حسن روحاني كبير المفاوضين النوويين الإيرانيين بجولة في دول مجلس التعاون الخليجي خلال شهر حزيران 2005 هدفت التأكيد على الأغراض السلمية للبرنامج النووي الإيراني.
كما أن التعاون الاقتصادي كان أحد أهم عوامل التقارب بين الجانبين، حيث تعد تلك الدول أكبر الشركاء التجاريين لإيران. وتشير الإحصاءات إلى أن حجم التبادل التجاري بين إيران ودولة الكويت قد بلغ 180 مليون دولار في عام 2003، في حين كان لا يتعدى 40 مليون دولار، كما ارتفع حجم التبادل التجاري بين المملكة العربية السعودية وإيران من 1218 مليون ريال خلال عام 2003 إلى بليوني ريال خلال عام 2004، أما حجم التبادل التجاري بين مملكة البحرين وإيران فقد بلغ في عام 2003 حوالي 68 مليون و250 ألف دولار، أما بالنسبة لدولة الإمارات فعلى الرغم من وجود النزاع الإماراتي - الإيراني حول قضية الجزر الإماراتية الثلاث، إلا أن الإحصاءات الإيرانية تشير إلى أن الإمارات العربية المتحدة تعد ثالث أهم الأسواق بالنسبة لإيران حاليا، كما تعتبر خامس أهم دولة في تزويد إيران بالبضائع، ففي عام 2003 سجل التبادل التجاري بين البلدين أعلى المعدلات، إذ بلغ 16.10 مليار درهم (4.4 مليار دولار) بما يعادل 13.5% من مجموع التبادل بين إيران ودول العالم والبالغ 118.95 درهم (32.5 مليار دولار)، كما تعد إيران أهم الأسواق على الإطلاق بالنسبة للإمارات في مجالي الاستيراد وإعادة التصدير.