16‏/02‏/2008

العلاقات الايرانية – الصينية : رائحة النفط وطعم التكنولوجيا

العلاقات الايرانية – الصينية : رائحة النفط وطعم التكنولوجيا
د.خليل حسين
استاذ العلاقات الدولية في الجامعة اللبنانية
رئيس مصلحة الدراسات في مجلس النواب
يحتل النفط مكانة مركزية فى العلاقات التبادلية بين الصين وإيران، وتلعب الاعتبارات المحلية والإقليمية والدولية دورها فى ابراز هذه المكانة وتطويرهاا. وفى هذا المجال، تبرز دلالة توقيع البلدين لاتفاق طاقة ضخم يمتد لمدة 25 عاماً ، فى تشرين الاول 2004 ، بقيمة 70 مليار دولار ، تزود بموجبه إيران الصين بالغاز السائل والنفط ، وتتولى الصين تطوير حقل يداوران الإيرانى العملاق للنفط ، والذى تقدر احتياطياته بنحو ثلاثة مليارات برميل ، إضافة إلى اتفاق آخر لبناء مصفاة تكثيف غاز فى مدينة بندر عباس ، جنوب إيران ، فى غضون السنوات الثلاث التالية . فى وقت تبرز فيه الحاجة الإيرانية الماسة للاستثمارات الخارجية ، لاسيما بعد بروز تباطؤ وتيرة الاستثمارات الغربية فى صناعة النفط الإيرانية .
كما تتوافر الإرادة السياسية لقيادتى البلدين وعزمهما على مواصلة تطوير العلاقات وهى علاقات تاريخية قديمة عبر طريق الحرير. كما أن الصين وإيران أمتان وحضارتان كبيرتان ومؤثرتان ، ومن شأن تعزيز التعاون بينهما تدعيم السلام والاستقرار ومكافحة ما يسمى بالإرهاب فى منطقة آسيا الوسطى . كما يتقاسمان الهواجس والقلق إزاء تزايد النفوذ الأمريكى فى آسيا الوسطى ويشتركان بمشكلات وأزمات مع الإدارات الأمريكية المتعاقبة . ويتبادل البلدان زيارات قمة رغبة فى التعاون فى مجالات الغاز والصناعات النفطية وقطاع البتروكيماويات ، والبنية التحتية لخطوط الأنابيب وإنشاء طرق سريعة ، كما تواصل تدعيم الصين لإيران بتكنولوجيا الأسلحة الصينية ، فى ظل معادلة البترول الإيرانى فى مقابل التكنولوجيا والتجهيزات العسكرية ، وهى المعادلة المسيطرة على التوجه الخارجى الإيرانى ، من ناحية ، وما تحتله وتلعبه التكنولوجيا من دور مهم فى السياسة الخارجية ، خاصة فى الحالة الإيرانية. وفي المقابل، تتضح حقيقة أن الدبلوماسية والمواقف السياسية الصينية معطرة برائحة النفط ، حيث تنتهج الصين لما يعرف بدبلوماسية النفط التى ترمى إلى توثيق العلاقات مع الدول النفطية التى يتم استيراد النفط منها ، وتتمركز هذه الديبلوماسية حول جيران الصين . ومن الأهمية بيان أن سياسة الاحتواء المزدوج والمقاطعة التى فرضتها الإدارة الأمريكية ضد إيران ، والتجاوب الذى أبدته الدول الغربية فى تنفيذها ، كانت سبباً رئيساً فى نمو العلاقات الاقتصادية والعسكرية بين البلدين خلال الأعوام الثلاثة والعشرين الماضية ، خاصة حين بدأت العقوبات الاقتصادية الأمريكية على إيران منذ عام 1996 ، من خلال قانون داماتو.كما كان العامل الحاسم في تطوير العلاقات بين البلدين صعوبة حصول إيران ، خاصة بعد قيام الثورة الإسلامية عام 1979 ، على التكنولوجيا فائقة الحساسية التى تدخل فى صناعة المفاعلات وتوليد الكهرباء وإنشاء السدود والصناعات الكيماوية والتكنولوجية . وتحرص إيران على إقامة علاقات سياسية واقتصادية استراتيجية مميزة مع الصين التى كانت إحدى أهم الدول التى زودتها بالأسلحة خلال حربها مع العراق(1980-1988). وظلت الصين، بما يتوافر لها من خبرات، خلال العقدين الماضيين، المصدر الرئيسى لتكنولوجيا الصناعات الكيماوية والإلكترونية، حيث ارتفع التبادل التجارى بين إيران والصين فى عام 2001 ، إلى ما يقرب من 3.3 مليار دولار ، متضاعفا أربع مرات خلال السنوات من 1998 - 2001 ولا تزال الصين من أهم مصدري السلاح إلى إيران ، على خلفية الحرص الصينى على استمرار وتدعيم العلاقات مع إيران بما يؤمن الرغبة فى تدفق إمدادات البترول ، حيث أن الصين هى المستورد الثانى للبتروكيماويات من إيران ،وقد ساهمت العلاقات الإيرانية – الصينية فى تقويض العقوبات الأمريكية ضد إيران . وقد عاقبت إدارة بوش الشركات الصينية 62 مرة لانتهاكها إجراءات الولايات المتحدة أو المراقبة الدولية بشأن نقل تقنية الأسلحة إلى إيران ودول أخرى. كما قدمت وكالة المخابرات المركزية الأمريكية تقريرا إلى الكونجرس الأمريكى خلاصته أن الشركات الصينية ساعدت إيران فى التحرك والمضى نحو هدفها للوصول إلى الاكتفاء الذاتى فى إنتاج الصواريخ الباليستية. كما تعد إيران حاليا ثانى أكبر مصدر للنفط للصين وتؤمن طهران 14% من النفط الصينى المستورد من الخارج، حيث تشارك الشركات النفطية الصينية فى الاستثمار بالمشاريع النفطية فى إيران. وتحذو الشركات الصينية فى هذا المجال حذو الشركات الأوروبية التى تحاشت الحظر الأمريكى المفروض على إيران وصناعتها النفطية. فعلى سبيل المثال، فقد حصلت الشركات الصينية عام 2000، على امتياز لاستخراج الغاز الطبيعى, كما وقعت شركات صينية اتفاقيات لإقامة محطات تكرير بترول فى طهران وتبريز وإنشاء محطة بترول شمال إيران بما قيمته 150 مليون دولار، كما قامت شركة (سينوبك) الصينية فى عام 2001 ببناء رصيف نفطى ضخم فى ميناء ( نكا) على ضفاف بحر قزوين، شمال إيران. كما قامت بتصليح مصافى للنفط فى مدن طهران ورى وتبريز. وتبدي الحرص الإيراني على ترقية وتنمية العلاقات مع الصين، عبر إنشاء لجنة للتجارة مع الصين تهدف لتطوير العلاقات التجارية والاقتصادية بين البلدين، وتأمل من خلالها أن يرتفع التبادل التجارى بنهاية عام 2005، إلى خمسة مليارات دولار بعد أن كان فى عام 2003 حوالى 3.3 مليار دولار، وإقامة العلاقات الثنائية على أساس مؤسساتي متجسداً في اللجنة الاقتصادية الإيرانية - الصينية المشتركة ، والتي تعقد اجتماعاتها بصورة منتظمة ، وتعمل على تطوير العلاقات الشاملة ، وتوقيع وثائق التعاون فى مجال الطاقة والتجارة والاقتصاد والتسويق والخدمات الفنية والزراعة والسياحة والمعلوماتية .
كما تدرك ايران اهمية النفط فى المشروع التنموي الصيني فالصين بلد يعيش فيه ما يناهز المليار و 300 مليون نسمة ، ويمتلك اقتصاداً مزدهراً واستثنائياً بمعدل نمو سنوى ، متواصل ، وغير مسبوق ما بين 9 - 10% ، وبالتالي باتت الصين تعتمد اعتماداً متزايداً على النفط المستورد . ففي الوقت الذي تبلغ فيه احتياطيات الصين النفطية المثبتة قرابة 18 تريليون برميل ، فإن وارداتها النفطية تشكل ثلث استهلاكها للنفط الخام . ورغم أن الصين استطاعت القيام باكتفاء ذاتي في النفط لعقود طويلة ، فإن ضغوط النمو الاقتصادي والأداء السيئ لشركات النفط الحكومية دفعا الصين إلى الاستيراد النفطي لأول مرة من الخارج عام 1993. وتزايد هذا الاعتماد ليتخطى حجم المستورد منه فى عام 2000 الـ60 مليون طن (بقيمة 14.9 مليار دولار أمريكي)، فضلا عن 165 مليون طن هي حجم الإنتاج المحلي. ويفرض هذا التعطش الصيني للنفط ظهور البترول فى مناطق لم تكن فى دائرة اهتمام السياسة أو مناطق أخرى لها تاريخ من الأزمات مع الصين، وفى ضوء حقيقة أن الصين ستصبح أحد أكبر ثلاثة اقتصادات فى العالم خلال نصف قرن على أكثر تقدير. كما أن التوسع الاقتصادى وتزايد وتطور حركة التصنيع والتوسع في برنامج صواريخ الفضاء ونمو الاستهلاك المحلي في أكبر سوق داخلية في العالم قد دفع حجم الطلب على النفط والغاز إلى التزايد، وهو ما سيجعل الصين فى المستقبل المنظور مستهلكا رئيسيا للنفط فى العالم، ويوجب اهتماما بعلاقتها مع الدول النفطية. من جهة أخرى، لم يستطع الغاز الطبيعى أن يسد الاستهلاك المتزايد من الطاقة، لاسيما أن مساهمته لا تصل إلى 3% من الحجم الكلي لاستهلاك الطاقة. والثابت أنه منذ أن ولدت جمهورية الصين الشعبية فى عام 1949، وهي تمتلك على أرضها ثلاثة حقول نفطية تنتج 120 ألف طن من النفط الخام سنويا كما تمّ اكتشاف ثلاثة حقول نفط جديدة خلال السنوات الخمس الاخيرة وتلك أنتجت 20 مليون طن من النفط. وهناك توقعات بأن يصل إنتاج هذه الحقول الثلاثة عام 2010 إلى 50 مليون طن سنويا، ويقارب نفطها على النفاد بعد ذلك. ويعد استخراج النفط بالنسبة للصين مكلفا فى معظم الحقول الصينية بسبب الاعتماد على تقنيات قديمة، غير أن الحاجة الملحة للطاقة تجعل الاستمرار فى استخراج النفط منها ذات أولوية
ومع تزايد الإدراك بأن استيراد النفط وتصدير المنتجات إلى دول العالم وجهان لعملة واحدة فى الدبلوماسية الصينية التي باتت تتحرك فى المنطقة العربية وآسيا الوسطى وإفريقيا لتوفير مصادر بترولية تؤمّن لها تطورها الاقتصادي، واعتماد الصين على استيراد النفط ، يبرز أهمية الاعتماد على نفط الشرق الأوسط ، الذى يضم 70% من حجم الاحتياطيات المؤكدة، و60% من واردات الصين. كما أن الشرق الأوسط سوق مهم لمنتجات الصين والتى تنافس المنتجات الأخرى لرخص أسعارها. بيد أن عامل الموالاة للولايات المتحدة بين عديد من دول الشرق الأوسط يثير قلقاً صينياً. إضافة إلى أن حوالى 60% من النفط الذي تستورده الصين من المنطقة ينقل إليها عبر ناقلات تبحر فى مياه جنوب شرق آسيا وهو ما يثير استياء صانعى القرار الصينيين لعبور تلك الناقلات من بوغاز ملكة تحت سمع وبصر البحرية الأمريكية . وبالتالى تفضل الصين الاعتماد بشكل أكبر على نفط وغاز الدول الآسيوية المجاورة لها . ومرة أخرى ، وبالنظر إلى أن إيران هى ثالث مصدر للنفط على مستوى العالم وثاني دولة في احتياطي الغاز، حيث يلعب البترول دورا مهما فى الهيكل الاقتصادى الإيراني الذي يتأثر انتعاشا وركودا مع أسعار البترول، حيث بلغت عوائد صادرات البترول، على سبيل المثال، عام 2001 حوإلى 16.5 مليار دولار بينما بلغت صادرات الصناعات البترولية 2.3 مليار والصناعات البتروكيماوية 794 مليون دولار, ومستعينة بهذا الدخل البترولي حاولت إيران جذب التكنولوجيا والاستثمارات الأجنبية. وحيث أن التقديرات تشير إلى أنه بحلول عام 2010 ، فإن الصين سوف تمتص نحو 6% من حجم التجارة العالمية للبترول . وعليه تتزايد إمكانات تدعيم التعاون البترولى مع إيران . والمسألة الأكثر أهمية ، يتزايد القلق الأمريكى من أن مثل هذه التعاملات النفطية بين الصين وإيران ، يمكن أن تدفع الصين لتقديم حماية دبلوماسية لإيران لأزمة وتعقيدات الطموحات والبرنامج النووى الإيرانى . وتؤيد الصين قرار مجلس إدارة الوكالة الدولية للطاقة الذرية بشأن المسألة النووية الإيرانية الذى يتوافق مع قناعة الصين بأهمية حل سلمى للأزمة فى أقرب وقت ممكن وداخل إطار الوكالة والذى سيفيد فى تعزيز الآلية الدولية لمنع الانتشار النووى، وضمان حقوق الدول المشروعة فى استغلال الطاقة النووية استغلالاً سليماً تحت المراقبة المضمونة. وتتواصل الصين، ومعها روسيا فى معارضة المساعى الأمريكية الرامية لإحالة الملف النووى الإيرانى إلى مجلس الأمن الدولى، اقتناعاً بأن مثل هذا الإجراء من شأنه أن يؤدى إلى مزيد من تعقيد الأزمة وجعل تسويتها أكثر صعوبة، لاسيما وأن الصين تثمن عالياً التعاون الإيرانى مع الوكالة وتصفه بأنه إيجابى، وتهدد، حتى الآن، بإمكانية استخدام حق (الفيتو) ضد أي قرار يستهدف إيران . وفى ضوء حقيقة أن الصين يمكن لبعض الوقت أن يكون بمقدورها تدعيم إيران ضد المرامي الأمريكية - الإسرائيلية، من خلال مجلس الأمن، بما يوفر شبه حماية وضمانات لإيران، لكن ذلك رهناً بمدى رؤية الصين للصدام مع الولايات المتحدة ، وإمكانية التضحية بعلاقاتها ومصالحها مع الخصم الرئيسي ، لاسيما إذا ما تطورت الأمور وبرزت الجدية والرغبة الأمريكية في توظيف مجلس الأمن الدولى لاتخاذ قرار - تحت مظلة الفصل السابع - ضد إيران ، فى ضوء الاستراتيجية المعتمدة لعزل إيران دبلوماسياً ، ثم فرض عقوبات اقتصادية عليها .
ان حجم المصالح التي تتقاطع فيها العلاقات الايرانية الصينية هي كبيرة جدا،وهي من النوع القابل للاستثمار السياسي،كما ان الطرفين يعرفان تماما مدى الحاجة المتبادلة وبخاصة في الازمات الدولية الكبيرة،كما ان الهاجس المشترك من مواجهة الولايات المتحدة الامريكة تجعل من علاقات البلدين اكثر تماسكا ودقة،وبخاصة ان واشنطن باتت على حدود البلدين وان مشروع الشرق الاوسط الكبير لن يقف عند حدود ايران او افغانستان من الوجهة الامريكية.فهل ستستمر الصين في دعم طهران في المواجهة القادمة على قاعدة الملف النووي الايراني؟سؤال يطرح نفسه وطبيعة المصالح علاقات البلدين تنبىء بذلك.