16‏/02‏/2008

الحكومة اللبنانية بين التشكيل والتنفيذ الحكومة اللبنانية بين التشكيل والتنفيذ

الحكومة اللبنانية بين التشكيل والتنفيذ
بيروت 16-4-2005 د.خليل حسين
أستاذ المنظمات والعلاقات الدولية في الجامعة اللبنانية
رئيس مصلحة الدراسات في مجلس النواب اللبناني



على الرغم من تعوَّد اللبنانيين على الازمات الحكومية في تاريخهم السياسي المعاصر،الا ان هذه الازمة بالذات اتخذت طابعا مغايرا نظرا لارتباطها بالعديد من الامور الداخلية والخارجية،وبصرف النظر عن المقاربة بين اهمية هذه العناصر ومدى تأثيرها على التكليف والتشكيل، تبقى التحديات التي ستواجهها اكبر بكثير من أي تأثير آخر على سير عملها رغم قصر عمرها المتوقع اذا كتب لها الحياة اصلا لتنجز بعضا مما طمحت له المعارضة.فعملية التكليف لم تأت من الفراغ بل تضافرت العديد من العوامل لتظهيرها بهذا الشكل التي اتت به،وفي هذا السياق يمكن تسجيل العديد من الملاحظات ابرزها:
- لقد تمكنت الموالاة مؤخرا من التقاط الانفاس مجددا باتجاه امساك العصا الحكومي من نصفها بعدما فلتت من يدها لبعض الوقت، وتمكّنت من اعادة تكليف الرئيس عمر كرامي ثانية، الا ان الاختلاف على توزيع الحقائب افقدها بوصلة الهدف الذي جمعها،ما ادى الى اعتذار الرئيس كرامي عن التشكيل ،وبالتالي فسح المجال للوزير نجيب ميقاتي تجربة حظه والمعارضة التي دعمته.
- ان احجام المعارضة عن المشاركة السياسية الفعالة في تركيبة الحكم الداخلية في الفترة السابقة التي اعقبت اغتيال الرئيس رفيق الحريري،ورفع مستوى السقف السياسي الذي تبنته لم يوصلها الى الاهداف التي سعت اليها لولا الضغط الخارجي المتمثل بتداعيات القرار 1559 وتقرير لجنة تقصي الحقائق والقرار 1595 ،وبذلك وجدت نفسها مضطرة الى التعامل بشكل مختلف،اذ رأت ان المقاطعة وعدم المشاركة في تشكيل الحكومة ستكون فرصة ضائعة بالنسبة لها باتجاه تأكيد لبنانية توجهاتها بعدما انجرت بعيدا في التعويل على الدعم الخارجي لتقوية مواقعها الداخلية.
- كما ان الوقت "الضائع" الذي تسبب به فشل الرئيس كرامي لمرتين متتاليتين من تشكيل الحكومة،قد اسهم في ايجاد تصور قوي لدى بعض اللبنانيين ان الامر غير بريء وانما التأخير يقصد به تطيير المهل القانونية والدستورية لاجراء الانتخابات النيابية ما يمهد التنديد للمجلس النيابي ولأسباب سياسية وليست تقنية؛الامر الذي ساعد في ايجاد بيئة شبه توافقية على الاسراع في تشكيل حكومة جديدة تتحمل فيها وزر اصعب الملفات تعقيدا في الحياة السياسية اللبنانية وفي وقت قصير جدا.
- ان المتغيرات السريعة الحاصلة في الساحة الداخلية اللبنانية قد ساعدت في الفرز السياسي للقوى السياسية اللبنانية ان كانت داخل الموالاة او المعارضة لجهة تسمية الرئيس المكلف نجيب ميقاتي،فعلى الرغم من دعم المعارضة له، امتنع اركان اساسية فيها عن تسميته،فيما الموالاة التي دعمت بشكل او بآخر الوزير عبد الرحيم مراد ساهم قسم منها وبشكل اساسي في ايصال منافسه لتشكيل الحكومة.وعلى الرغم من ان هذه الظاهرة شائعة في التحالفات الانتخابية والحكومية الا انها تعتبر مفارقة في الظروف الحساسة التي يمر بها لبنان،سيما وانها لن تكون حكومة عادية رغم قصر عمرها،بل ربما ستكون استثنائية لما سيترتب على نتائج عملها من نقل لبنان من دفة سياسية الى اخرى.
- وبصرف النظر ايضا عما تعوَّد اللبنانيون عليه من كلام عن تسويات وصفقات دائمة تحت الطاولات في اللحظات الحاسمة،فقد ظهرت عملية المنافسة الدقيقة بين مراد وميقاتي عودة للحياة الديموقراطية بعدما نسوا مذاقها ولونها خلال الخمسة عشرة سنة التي تلت اتفاق الطائف،اذ كان موقع رئاسة الحكومة محسوما بالحس السياسي ذات التوجه الواحد ولم يكن هناك منافسة حقيقية بين مرشحين محتملين لتولي هذا المنصب الحساس في الحياة الدستورية والسياسية اللبنانية.
- وعلى الرغم من المظهر الديموقراطي الشكلي لعملية التكليف الا انها اخفت ورائها الكثير من الامور الملتبسة التي تعوَّد عليها اللبنانيون ايضا،فلم تكن هذه العملية لتتم لو لم يكن هناك كلمة سر اتت هذه المرة من باريس بدلا من دمشق،اذ كان ثمة توافقا سعوديا فرنسيا تم تنفيذه باتصالات قوية بين النائب وليد جنبلاط واطراف المعارضة واسرة الرئيس الحريري،وبذلك تأكيد آخر على دوام الرعاية الخارجية للملفات الداخلية اللبنانية بصرف النظر عن الجهة التي تقوم بها.وما يؤكد هذا الامر ايضا مواقف الدول الكبرى وكذلك هيئة الامم المتحدة باتجاه ضغط التوقيت لاجراء الانتخابات النيابية تحت وقع سيف القرار 1559.
واذا كانت هذه الاجواء الضاغطة قد ادت لاحتمال الولادة القيصرية للحكومة،فان مشاكل الولادة غير الطبيعية ستترك صعوبات يمكن ان تعترض عملها،سيما وان ملفات كبيرة تنتظرها ولن يكون بمقدورها منفردة تخطيها من دون تدخلات من هنا او هناك، ومن هنا تطرح تساؤلات كثيرة حول جدية العديد من الاطراف تمرير تشكيل الحكومة من دون المرور بالالغام المزروعة امامها على قاعدة اما تقطيع الوقت واما اعادة جدولة الاولويات بين الانتخابات النيابية او الانتخابات الرئاسية المبكرة وجميعها اسئلة ممكنة ومشروعة في ظل الظروف الضاغطة.فكيف يمكن للرئيس المكلف تخطي اسئلة كثيرة سيواجه بها والتي على اساسها تم تكليفه؟ومن بينها نوع وطبيعة الحكومة وكذلك طريقة عملها ومواقفها.
ففي نوع وطبيعة الحكومة ثمة مؤشرات قوية على امكانية الاختلاف هل ستكون ذات غالبية برلمانية ام من خارجه،وعلى قاعدة ان أي توزير من خارج الندوة النيابية لن يكون ذات تمثيل كالتمثيل الذي يقف وراءه النواب،اضافة الى خلفية تـأمين الثقة للحكومة وهي بطبيعة الامر ليست صعبة وهي ليست سهلة في آن اذا ما ارتبط الامر بتوزيع الحقائب الخدماتية او السيادية
اما الامر الاكثر حساسية فهو موضوع قانون الانتخابات،هل سيكون على قاعدة المحافطة مع النسبية ،ام مشروع القانون القائم على القضاء،ففي الحالة الاولى فان الثقة مؤمنة ولا عرقلة من الناحية العملية يمكن ان تظهر،اما في الثانية فأمر يستلزم المزيد من التدقيق في المواقف الداخلية ومستوى التحالفات والفرز السياسي المستجد،اضافة الى مستوى ونوعية مواقف الاطراف الخارجية في الازمة اللبنانية ومدى الاستجابات التي يمكن ان تقدم تهدأة او تصعيدا،وفي مجمل الاحوال امر من شأنه ان يأخذ مزيدا من الوقت ومن السهل استثماره باتجاهات مختلفة الى حد الوصول الى افق مسدود ما سيتسبب بتمديد عمر المجلس النيابي الحالي،او افشال مشروع الحكومة الذي لن يكون بالمستطاع تأليف غيرها في المدى المنظور.
اما الامر الثالث،فيتعلق بموضوع الاجهزة الامنية وما يترتب عليها من اقالة او وضع بالتصرف او اجازات مفتوحة لحين توصل لجنة التحقيق الدولية لاجابات محددة حول حقيقة الاغتيال وما يتفرع عنها من ملفات ممكنة.وفي هذا الاطار لم تعد ثمة مشكلة حقيقية بين غالبية الاطراف اللبنانية لجهة الشروط المسبقة والشروط المضادة،بل ان غالبية المعارضة تجاوزت هذا الامر طالما ان لجنة التحقيق ستأخذ موقعها في التحقيق قريبا.
ان تشكيل الحكومة دونها عقبات اذ لم تتم قراءة متأنية لما ينتظر لبنان،لذا ان تجاوز بعض المطالب امر ضروري للحفاظ على الحد الادنى من مقومات الاستمرار الذي بات صعبا جدا في هذه الظروف،ونعتقد ان جميع الاطراف بحاجة ماسة الى تليين مواقفها لإراحة الوضع الداخلي واستيعاب مستجدات المرحلة المقبلة،فانسحاب القوات السورية بات منجزا من الناحية العملية ولجنة التحقيق الدولية في طريقها الى بيروت، والنفود السوري لم يعد بمستواه كما كان،وبالتالي ان تسهيل اجراء الانتخابات فيه مصلحة داخلية للاطراف جميعا باعتباره مخرجا للواقع الموجود.
كما ان تسهيل سوريا لاجراء الانتخابات فيه مصلحة لتخفيف الضغوط الخارجية عليها كما تعتبر خدمة للمجتمع الدولي،سيما وأنه سيكون عاملا ايجابيا لجهة ما سيتضمنه تقرير الامين العام للامم المتحدة حول تطبيق القرار 1559 ،كما ان شخص رئيس الحكومة المكلف هو عامل اطمئنان لسوريا لما تربطه بالرئيس السوري من علاقات شخصية الامر الذي سيكون عامل اطمئنان اضافي لنتائج الانتخابات القادمة لجهة انتاج مجلس نيابي لا يخاصم ولا يعادي سوريا،الامر الذي سيساعد على انتاج حكومة وحدة وطنية قادرة على اعادة النهوض السياسي والمالي والاقتصادي للبنان.
ان سياسة حفة الهاوية التي مشى فيها جميع الفرقاء المؤثرين في الازمة اللبنانية،كادت ان تطيح بالسلم الاهلي البارد في لبنان،لذلك ثمة ضرورة لاعادة النظر بالكثير من الشعارات التي رفعت والمواقف التي اتخذت،بهدف الخروج من النفق الذي ادخل اللبنانيون نفسهم به او ادخلوا فيه،والا ستكون العواقب وخيمة هذه المرة،فالمنطقة تجلس على فوحة بركان ولن تنفع سياسة حفة الهاوية في انتاج قوى محركة لآليات العمل الداخلي او الاقليمي،فهل ستستطيع حكومة الرئيس نجيب ميقاتي من تبريد اجواء الصيف الحار القادم على لبنان والمنطقة؟سؤال يجب الانتظار للاجابة عليه!.