17‏/02‏/2008

ماذا بعد مقتل الزرقاوي ؟

ماذا بعد مقتل الزرقاوي ؟
د.خليل حسين
أستاذ العلاقات الدولية في الجامعة اللبنانية
رئيس مصلحة الدراسات في مجلس النواب اللبناني
لقد ارتكب الزرقاوي أخطاء مميتة ليس في العراق وحده وإنما كذلك خارجها بعدما نقل عمليات التفجير إلى الدول المجاورة ومنها الاردن وغيرها،كما حاول الاستفراد بالقرار السياسي بعيدا عن القيادة التقليدية لتنظيم القاعدة الأمر الذي ألَّب الكثيرين عليه وسهل اختراق الدائرة المحيطة به ما سهل عملية التخلص منه.إما الاستفادة من مقتله فيمكن أن تكون متعددة الجوانب علااقيا وامريكيا .وفي هذا الصدد يمكن القول أن قوات الاحتلال الأمريكي في العراق ستسعى لتوظيف القضاء على الزرقاوي لتحقيق أكبر قدر ممكن من المكاسب ذات الصفة الإعلامية الدعائية،خصوصا أن وزارة الدفاع الامريكية التي أبدت مؤخرا انزعاجها من قدرة إطراف كثيرة مناوئة لها في العراق على الاستفادة من وسائل الاتصالات الحديثة قد أصدرت وثيقة أطلق عليها اسم "خريطة الطريق للاتصالات الإستراتيجية" ، تستهدف "كسب حرب الأفكار" ووقف استغلال ما وصفتهم بالإرهابيين لوسائل الإعلام لتبليغ رسائلهم، واستخدام هذا السلاح الإعلامي ضدهم.والى جانب هذا الهدف، سوف تسعى إدارة بوش لمكاسب أخرى ابرزها:
- محاولة إعطاء الانطباع بأن قوات الاحتلال تسيطر على الأوضاع وأنها ستقتل كل من يشارك في المقاومة عاجلا أو آجلا ما دفع الرئيس الأمريكي إلى إلقاء خطاب بنفسه حول مقتل الزرقاوي رغم عدم أهمية الحدث بهدف رفع الروح المعنوية المنهارة لجنود الاحتلال في العراق.
- كما يعطي قتل الزرقاوي زخما كبيرا لإدارة بوش في الكونغرس التي تواجه أعنف حملة نقد في الشارع الأمريكي، كما سيعطي دفعة لمرشحي الحزب الجمهوري في انتخابات التجديد النصفي للكونغرس بعد خمسة أشهر.
- الضغط على السنة العرب للقبول بخطط الحكومة العراقية الجديدة، وفق نظرية أمريكية تضع كل المقاومة (العراقية والعربية) في سلة واحدة موالية للسنة، وتعتبر بالتالي أن قتل الزرقاوي معناه إضعاف الجناح العسكري للسنة العرب، وبالتالي اضطرار الجناح السياسي للقبول بما هو معروض عليه، وإلا فالبديل هو مزيد من تصاعد عمليات القتل الطائفي للسنة.
4- السعي للاستفادة من قتل الزرقاوي بتصوير الأمر على أنه هزيمة لتنظيم القاعدة في الشرق الأوسط، وبالتالي المضي قدما في خطط مواجهة القاعدة وأنصارها في الصومال وكذلك المضي في الخطط العسكرية لإرسال قوات أمريكية إلى دارفور غرب السودان لذات الغرض، اعتمادا على أن التنظيم تلقى ضربة موجعة ستضعفه بقتل الزرقاوي.
وبصرف النظر عن الدور الذي قام به أبو مصعب الزرقاوي والمجاهدون العرب أو أنصار القاعدة في مقاومة الاحتلال الأمريكي وتوجيه ضربات موجعه له، فقد أدت أخطاء الزرقاوي -داخليا وخارجيا- والتي تداركتها قيادة تنظيم بلاد الرافدين بعزل الزرقاوي سياسيا والإبقاء عليه عسكريا، لخسارة سنة العراق عدة مكاسب إعلامية وظفها الأمريكيون لصالحهم ولصالح تشويه صورة المقاومة عموما.لهذا فغياب الزرقاوي عن ساحة المقاومة العراقية ربما يكون له فوائد للسنة العرب أقلها أن الاحتلال الأمريكي لن يجد بعد ذلك "شماعة" يعلق عليها فشله في العراق أو يبرر بها مجازره ضد العراقيين الأبرياء بدعوى أن هؤلاء من أتباع الزرقاوي. ويمكن هنا رصد بعض هذه الفوائد على النحو التالي:
- أحد أخطاء الزرقاوي السياسية كانت خلق عداوة مع أطراف مقاومة شيعية في العراق وخارج العراق لها مصلحة مشتركة مع المقاومة في هزيمة قوات الاحتلال الأمريكية، وخاصة مهاجمته لحزب الله في لبنان والسيد حسن نصر الله، إلى جانب الهجوم على مراجع الشيعة العراقيين ووصف المرجع الديني السيد علي السيستاني بأنه "إمام للكفر والزندقة ويخدم مصالح المحتلين". وقد أضعف هذا كثيرا تحالف المقاومة السنية/الشيعية وأحرج قادتها بل وأجج الفتنة الطائفية وفق المخطط الأمريكي، وبالتالي فغياب الزرقاوي قد يعيد تركيز الأنظار والهجوم من جانب السنة والشيعة على الاحتلال الأمريكي.
- غياب الزرقاوي وتركيز قيادة القاعدة في بلاد الرافدين على قوات الاحتلال وتخفيف عمليات القتل العشوائي ضد المدنيين الأبرياء معناه فسحة أكبر لإعادة التعاون بين جناحي المقاومة للتركيز على قوات الاحتلال باعتبارها هي المشكلة والهدف الرئيس، ومن ثم تقوية السنة العرب وضمان توسيع قاعدة المقاومة أو الجناح العسكري للسنة عموما، وضمان فوائد سياسية للسنة في العراق.
- إن أحد الأخطاء القاتلة للزرقاوي كانت العمليات العشوائية التي تأتي في توقيتات تجهض إنجازات المقاومة، مثل بعض شرائط الفيديو التي تصور عمليات قتل وقطع رقاب موالين للاحتلال، والتي تظهر في توقيتات خطيرة، مثل كشف جرائم الاحتلال في أبو غريب وكشف مجازر أمريكية جماعية، والتي كانت عمليات قطع الرقاب تستخدم كمبرر من جانب مسئولي إدارة بوش لتبرير هذه المجازر والتعذيب والتغطية على الفضائح، والتعتيم على القضية الأهم وهي جرائم الاحتلال. ولا شك أن انتهاء هذه "العشوائية" والحاجة لإنشاء جناح إعلامي للمقاومة يتولى الرد وتوضيح الحقائق أمر مفيد لخدمة قضية السنة العرب ونفي محاولات لصق الإرهاب بهم.
لا شك إن مقتل الزرقاوي يشكل ضربة للقاعدة في بلاد الرافدين إلا أنها لن تكون موجعة بالشكل الذي يأملها الامركيون آو غيرهم،باعتبار أن الخليفة جاهز،إضافة إلى انه شكل عبئا كان من الصعب ضبطه على التنظيم نفسه.وبصرف النظر عن حجم الاستفادة من مقتله على المستوى البعيد فان ذهابه يشكل ضربة قوية لصورة المجازر التي ارتكبت بحق المدنيين العراقيين وغيرهم في العراق وخارجه.