09‏/02‏/2008

الأبعاد السياسية والقانونية للقرار 1559


الأبعاد السياسية والقانونية للقرار 1559
د.خليل حسين
أستاذ في كلية الحقوق في الجامعة اللبنانية
مدير الدراسات في المجلس النيابي اللبناني

هل بات القانون الدولي المحتوى الشرعي لتبرير القوة المسيطرة في النظام العالمي لتنفيذ مخططاتها ؟ وهل باتت الامم المتحدة وبخاصة مجلس الامن اليد الطيعة لتنفيذ ما تعتبره هذه القوة اطارا للشرعية الدولية؟ وبالتالي هل ان القرار 1559 يشكل سابقة خطرة في سياق التعامل الدولي؟ام ان السياق او المنهج بشكل ادق يشكل السمة العامة لتعامل مجلس الامن مع القضايا الداخلية في بعض الدول بدء من العقد الاخير للقرن العشرين؟ والى أي مدى يمكن الفصل بين القضايا الداخلية ذات السيادة للدول وبين القضايا التي تشكل تهديدا للامن والسلم الدوليين؟ وهل تشكل الحالة اللبنانية لا سيما الاستحقاق الرئاسي قضية من الصنف الثاني لتبرير ما تحرك به مجلس الامن؟ واذا كان الامر غير ذلك فما هو سر الغيرة الامريكية الفرنسية على الديموقراطية اللبنانية في هذه الفترة تحديدا؟ وما هي العلاقة بين هذا القرار وغيره من القرارات الصادرة عن مجلس الامن مؤخرا وبالتالي ما هي علاقة بعض الدول الاقليمية في هذا الشأن؟ ربما الاجابة عن هذه الاسئلة توضح الخلفيات القانونية والسياسية لهذا القرار ،ومعالم المرحلة المقبلة فيما يتعلق بلبنان وغيره من الدول المعنية.
لقد قامت هيئة الامم المتحدة في الاساس على مبدأ المساوة بين الدول وعدم التدخل في الشؤون الداخلية،وهذا ما نص الميثاق علية صراحة في الفقرة الاولى للمادة الثانية، وكذلك في الفقرة السابعة لنفس المادة والتي تنص حرفياعلى"ليس في هذا الميثاق ما بسوغ للامم المتحدة ان تتدخل في الشؤون الداخلية التي تكون من صميم السلطان الداخلي لدولة ما.." وبداية وفي هذا النص تحديدا هل يمكن ان يكون التعديل الدستوري في أي دولة وفقا لاسس التعديل الواردة في متنه مخالفا للقانون الدولي وامر من شأنه زعزعة الامن والسلم الدوليين لكي يبرر مجلس الامن تدخله واصدار القرار المناسب بحق هذه الدولة اوتلك؟ ام ان تعديل الدساتير واجراء العمليات الدستورية اصبح امرا من صلاحيات واختصاص مجلس الامن؟ ربما يكون ذلك في زمن استئثار واشنطن في قيادة النظام العالمي وبمجلس الامن الذي يعكس بشكل او بآخر التوازنات الدولية القائمة ان وجد هذا التوازن اصلا في هذه المرحلة بالذات.
لقد تغيرت الكثير من السلوكيات الدولية في بداية العقد الاخير من القرن الماضي نتيجة الاختلال الفاضح في التوازن الدولي بعد انهيار الاتحاد السوفياتي واستفراد واشنطن في قيادة العالم وقيامها بتفصيل القوانين والشرائع الدولية على مقياس مصالحها ومصالح من يؤثر في سياساتها،ولم تكتف بهذا السلوك بل عمدت الى قلب الكثير من المفاهيم والمبادئ الدولية بحيث اصبحت فضايا حقوق الانسان والديموقراطية حجة ومبررا للتدخل في الشؤون الداخلية للدول وبخاصة الدول التي لا زالت تمانع سياساتها الدولية، وفي هذا السياق الكثير من الامثلة التي لا تعد ولا تحصى وآخرها قضية دارفور في السودان والاستحقاق الرئاسي في لبنان.وفي جميع الحالات كان مجلس الامن الدولي مسرحا للاعداد والتنفيذ .
واذا كان المناخ الدولي يبدو بهذا الشكل في التعاطي مع الامور الداخلية واعطائها اشكالا واحجاما دولية فما هي علاقة الاستحقاق الرئاسي بالقرار 1559 ولما يهدف اليه؟ فمن الناحية الدستورية يمكن تسجيل العديد من النقاط ابرزها:
- يعتبر الدستور اللبناني من الدساتير القابلة للتعديل شأنه في ذلك شأن كل دساتير العالم،رغم عدم مرونته بسبب الاغلبية الموصوفة – ثلثا عدد اعضاء المجلس النيابي- وعليه ان أي عملية تعديل وفقا للسياق الدستوري هو امر دستوري.
- ان الاستحقاق الرئاسي ان كان انتخابا او تمديدا او تجديدا هو امر لبناني صرف تقرره ارادة اللبنانيين وحدهم ومن يمثلهم في السلطات الدستورية.
- ان امر الاحتجاج بعدم دستورية التمديد من بعض القوى الخارجية، امر غير مبرر لجهة العلاقات الدبلوماسية بين الدول في الاساس، وامر يتناقض مع مواقف سابقة لها، لسابقة لبنانية في هذا المجال، ومن هنا يبدو ان الامر متعلق بمصالح ، وليس له أي علاقة بمبادئ او بقيم تطالب بها هذه الدول.
- واذا كانت حجة بعض هذه الدول وبالتحديد الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا بأن التدخل الخارجي قد لعب دورا حاسما في التمديد،فان نفس المنطق يقود الى التساؤل اين كانت هذه الدول عندما تمّ انتخاب رئيس للبنان برعاية اسرئيلية مباشرة في العام 1982، واين كانت الحَميّة والغيرة على الديموقراطية اللبنانية .
- وبالمقارنة مع مواقف اخرى، ما هو سر الثناء الذي يغدقه الغرب على بعض الانظمة عندما يجدد رؤسائها لانفسهم للمرة الثالثة مثلا وحتى انه يكون بعضهم قد قدم خدماته الجلى لوطنه عمرا يفوق عمره عندما "استولى"على الرئاسة،فهل هناك من تفسير لذلك.
- واذا كان الامر عدديا بنظر من يعارض التعديل خارجيا،فليؤمن الاغلبية الموصوفة ويمنع التعديل وبالتالي التمديد.
ان الاستحقاق الرئاسي اللبناني لا يعدو كونه محطة ومرتكزا لواشنطن وباريس وتل ابيب لممارسة الضغوط على العديد من دول المنطقة في محاولة لتحقيق العديد من الامور التي لم تتمكن من تحقيقه حتى الآن ولو في قرارات سابقة تمكنت من اصدارها في مجلس الامن لا سيما القرار 1546 القاضي بنقل السيادة للعراقيين،وهذا ما يستدعي القاء الضوء على خلفيات القرار 1559 فمن الناحية السياسية يمكن تسجيل التالي:
- لم تتمكن واشنطن حتى الآن من اغلاق الملف العراقي وفقا للكيفية التي رسمتها، بل زادت حدة مشاكلها وتورطها الامر الذي جعلها تبحث عن أي مخرج يخفف وطأة الفشل الذي تلصقه بشكل مباشر بالتدخل الخارجي بالشأن العراقي،وتحديدا بسوريا وايران، مما عجّل التوقيت باصادر القرار وتحديد المهل الزمنية لقطف الثمار السياسية وتثميرها في الانتخابات الرئاسية الامريكية ،في الوقت الذي تبحث فيه حتى عن نصر وهمي يعزز مواقع جورج بوش الانتخابية.
- وعلى الرغم من تراجع مصطلح الشرق الاوسط الكبير وما يعنيه من دعائم للسياسة الامبراطورية الامريكية ،فانه لم يزل في صلب مشاريع السياسة الخارجية، وبالتالي ان تحقيقه يستدعي البدء في استكمال المربع الجغرافي الممتد من ايران مرورا بالعراق وسوريا وصولا الى لبنان، الامر الذي يستلزم اثارة المشاكل والضغوط على هذه الدول للي ذراعها ووصل المنطقة الممتدة من افغانستان وما قبلها الى المغرب العربي ،بمواجهة اوروبا وروسيا شمالا.
- اما ما يختص بفرنسا، فالامر يبدو تقاطعا في المصالح مع واشنطن وتحديدا في قضية الاستحقاق للتذكير بأن "الام الحنون لا تنسى رعاية الابن القاصر" كما انه مدخلا لتذكير واشنطن بأن اوروبا القديمة والهرمة لا زالت قادرة على "المشاغبة" في حال تناسيها، ومن هنا الرغبة الفرنسية الجامحة للدخول على الخط اللبناني عبر القرار 1559 ، هذا اذا استثنينا ايضا لعبة "الزواريب" اللبنانية الصغيرة في اطار دعم جهة ما بمواجهة جهة اخرى!.
- وفيما يتعلق بتل ابيب فهي لا زالت بصدد تصدير مشاكلها الداخلية عبر الهروب الى الامام من ضربات ممن تبقى في المقاومة والانتفاضة، حيث تبحث عن النتائج السياسية لغزو العراق واستثمارها بسلسلة ضغوط على سوريا وايران ولبنان،وهذا ما جعل ارئيل شارون الى اعتبار القرار 1559 "شأناعظيما"وهو يعرف كيف يمكن استغلاله الى اقصى الحدود.
- وفي ظل الصمت العربي المطبق الذي جعل الامين العام لجامعة الدول العربية يصرح في بيروت بأن الدول العربية وطبعا جامعتهم لا يعرفون مضمون المشروع قبل اربع وعشرين ساعة من التصويت عليه، رغم وجود الجزائر كدولة عربية عضو في مجلس الامن،وربما هذا الامر ليس بمستغرب في وقت لا يتحرك فيه العرب الا بعد فوات الاوان وبعد صدور القرارات كما حصل قديما وحديثا وآخرها في دارفور وفي لبنان.
- ويبقى الموقفين الروسي والصيني ،الاولى مشغولة بالارهاب الذي يضرب وجعا فيها ،والثانية التي لا تنظر الى الامر اللبناني كأولوية تماثل تايوان لتذكر العالم بحقها في النقض،ومن هنا مُرر القرار على "حين غرة" خارج الزمن ليفعل ما يفعله في الوقت الضائع – المحسوب.
واذا كانت تلك هي الخلفيات والظروف فما هي التداعيات والنتائج وما هي سبل مواجهتها؟فعلى الرغم من العبارات التي اعادت صياغة مشروع القرار وصولا الى القرار، وما حُذف من تعابير حادة تميل الى التحذير والوعيد وتحديد المواعيد ، فان ما في القرار من مضامين يجعله " شأن عظيم" بحسب تقييم شارون،ويمكن تسجيل امور كثيرة من بينها:
- تدويل الوضع اللبناني حيث تدعو الحاجة ووفقا للتوقيت الامريكي – الاسرائيلي.
- وضع لبنان خارج اطار الشرعية الدولية وهدفا قريب المدى للانقضاض عليه .
- الطلب الى لبنان البدء بتحضير اجواء الفتن الداخلية وصولا الى ضرب السلم والوحدة الوطنية ،عبر نزع ما اسماه القرار سلاح الميليشيات اللبنانية وغير اللبنانية - سلاح المقاومة وسلاح المخيمات الفلسطينية.
- حشر لبنان وسوريا بمهلة زمنية لا تتعدى الثلاثين يوما بهدف اثبات حسن النوايا في التطبيق.
- ان المرحلة القادمة ستشهد ضغوطا شديدة على سوريا وايران بهدف تحجيم الدور الاقليمي لهما في العديد من الملفات الشرق الاوسطية لا سيما في مجال الصراع العربي- الاسرائيلي والملف العراقي، وسيكون القرار 1559 موقعا وموضعا للتجاذب في هذا المجال،اذ ان المهلة المحددة بالثلاثين يوما لن تكون كافية لحل مطالب بهذا الحجم ذات المواقع الاستراتيجية في سياسات هاتين الدولتين.
- ان استبدال بعض التعابير والمصطلحات في نص القرار يعطي هامشا للمناورة واتاحة الفرص للعمل الدبلوماسي الهادئ في حال كانت هناك نية لهذا التوجه،أي بمعنى ابقاء" للصلح مطرح" بين الاطراف الاقليمية ومن يدير اللعبة في مجلس الامن،رغم الشكوك بذلك، فالتخلي عن صيغة انسحاب القوات السورية واستبدالها بالقوات الاجنبية لا يعني مرونة بقدر ما هو اتاحة فرص للتنفيذ، على اعتبار ان مجلس الامن الدولي يعتبر ان القرار 425 قد طُُبق وان مزارع شبعا هي اراض غير لبنانية، وبذلك فان المعني بهذه الفقرة هي القوات السورية وغيرها من القوات ،ولا تشمل القوات الاسرائيلية باعتبارها لا تحتل اراض لبنانية.
- ان اعطاء الامين العام فترة ثلاثين يوما لتقديم تقريره عن تنفيذ القرار هو من الناحية القانونية يتطلب اجراءات عملية من الصعب تحقيقها بهذه المهلة،وبالتالي ربما سيتشدد التقرير وربما تُميع الامور من خلاله ، ذلك يعتمد على حجم الملفات وكيفية االتداول بها والتعاطي معها سلبا او ايجابا لكل طرف من الاطراف ذات العلاقة.
ربما تكون الخطورة في القرار اكبر بكثير مما هو معلن في متنه،وهذا ليس من باب التهويل تبريرا للتعديل والتمديد، انما من باب الاحتياط لما سيتعرض له لبنان وسوريا في المرحلة القادمة، ومن هنا تبرز العديد من الاسئلة والتي في مقدمتها هل سيكون لبنان قادرا على تحمل اعادته ساحة للتجاذبات الاقليمية والدولية التي نخرت عظامه طوال سبع عشرة سنة؟ سؤال كبير ربما تسهل الاجابة عليه!