09‏/02‏/2008

الأبعاد القانونية والسياسية للقانون الأمريكي لتحرير لبنان وسوريا


الابعاد القانونية والسياسية للقانون الامريكي لتحرير لبنان وسوريا
د.خليل حسين
استاذ في كلية الحقوق في الجامعة اللبنانية
مدير الدراسات في المجلس النيابي اللبناني

بصرف النظر عن الجانب القانوني للعقوبات التي تفرضها الولايات المتحدة الأمريكية على بعض دول العالم، تحت ذرائع ومبررات واهية لم تعد تنطلي على احد حتى في أوساط الرأي العام الغربي، باعتبارها لا تستند إلى وقائع موضوعية ، ولا لإسس شرعية أو قانونية أجازتها الشرائع الدولية.ولو سلمنا جدلا إن دولة ما ينطبق عليها ما تدعيه الولايات المتحدة فهل يجوز لهذه الأخيرة إن تفرض العقوبات وتنفذ منها ما تشاء؟ وأين دور الأمم المتحدة في هذا المجال ولماذا أنشئت في الأساس ؟ أم أن الشرعية الدولية باتت يدا طيعة بتصرف الدولة العظمى التي تقود النظام العالمي وفقا لرغباتها ومشيئتها؟ وإذا كان الأمر كذلك فما هو موقع الشرعية الدولية ومبادئها التي يجب أن تسود إذا ما أريد لهذا العالم أن ينعم بالأمن والسلم الدوليين؟!
واذا نظرنا إلى الأمر من المقلب الآخر، أين ممارسات الولايات المتحدة على مر العصور والأزمان ،من التدخلات في الشؤون الداخلية للدول وتنظيم ورعاية الانقلابات وتنصيب الرؤساء وعزلهم ؟ وأين التدخلات العسكرية والحروب التي خاضتها واشنطن والتي تعدّت المئة خلال القرن الماضي؟ وأين حملات الابادة الجماعية المنظمة ضد الهنود الحمر وغيرهم في فييتنام و....؟وحتى أين حقوق الإنسان في أميركا نفسها قبل 11 أيلول وبعده؟ فهل يجوز لها أن تدعي بأن غيرها من الدول دول مارقة ترعى الإرهاب وتهدد الأمن والاستقرار الدوليين؟
وفي الواقع لا يعتبر مشروع قانون تحرير لبنان وسوريا جديدا،بل له أصوله التاريخية في الأجندة الأمريكية وآخرها قانون محاسبة سوريا الذي أحيته في حزيران العام 2003،الا ان هذه المرة طوّرت منهج التنفيذ بأدوات قانونية دولية مع تفصيل آلية التنفيذ الى الحد الذي يعتبر ان التنفيذ محتوما.فما هي الخلفية القانونية لهذا المشروع؟
- لقد أناط المشروع بالرئيس الأمريكي " أن يؤيد وأن يعطي إرشاداته لممثل الولايات المتحدة الدائم في الأمم المتحدة للسعي من داخل مجلس الأمن الدولي إلى فرض حظر دولي على الحكومة السورية وفقاً للفقرة 41 من شرعة الأمم المتحدة"وهذا يعني إن منهجية التعاطي هي اللجوء لمجلس الأمن الدولي وفقا للفصل السابع من ميثاق الهيئة،وان كانت المادة 41 المذكورة لا تصل إلى حد استعمال القوة للتنفيذ، إلا أن ما أتى في سياق المشروع ما يؤدي إلى الانتقال للوسائل العسكرية للتنفيذ.
- لقد نص مشروع القانون على سلسلة تدابير تنفيذية لم تتعلق بالدول فقط وفقا للقسم 104 بل شملت الأفراد وأيضا الشركات والمؤسسات وفقا للقسم 103 ،وهنا التدخل بأي نشاط مالي او اقتصادي ولو بطريقة افتراضية،وهذا ما يعد خرقا لمبادئ حقوق الانسان.اضافة إلى ذلك فان الافتراضية التي أتى بها نص المشروع من العمومية بمكان يجعله قابلا وبسهولة للتأويل وفقا لأية وجهة تود المضي به، وهذا ما يسهل افتراض أي نشاط مالي للأفراد عرضة لوضعها ضمن الأعمال غير المشروعة قانونا وبشكل تعسفي،ما يؤدي إلى شمول فئات لا تعد ولا تحصى ضمن مجتمعات ودول كثيرة خارج إطاره المتعلق بسوريا.
- لقد وصفت الوجود العسكري السوري في لبنان "بالاحتلال"كما ورد في الفقرة الاولى من القسم 101،وهذا يعتبر خرقا وتجاوزا لاتفاقيات دولية معقودة بين سوريا ولبنان (اتفاق الطائف ومعاهدة الاخوة والتعاون والتنسيق) الموضوع نسخ عنهما وفقا للأصول في الأمم المتحدة.
- لقد أتى المشروع بشبكة من الإجراءات المتماسكة التابعة للأمم المتحدة لا سيما المؤسسات المالية والاقتصادية لاستعمالها كأدوات ضغط على سوريا،وهذا ما يؤكد استعمال واشنطن للأدوات القانونية والشرعية الدولية لتنفيذ برامج سياسية خاصة بها،وهو ما يعتبر خرقا لميثاق الامم المتحدة نفسه.
- التدخل في شؤون الدول وبمفعول رجعي عبر السعي للكشف الدقيق عن الاتفاقيات المعقودة بين سوريا وغيرها من الدول،مالية أو عسكرية وحتى الانسانية،وهذا ما ورد في الفقرة 6 من التقرير الواجب رفعة بصورة دورية،وهذا ما يخالف العرف والقانون الدوليين،لا سيما حق الدول في حماية شعوبها.
- ان ميزة مشروع القانون ما ورد به من آليات التطبيق الدقيقة ان كانت عبر الفترات الزمنية المحددة بتسعين يوما بعد إقرار مشروع القانون في المجلسين (النواب والشيوخ) وكذلك ربطه بآلية التواصل الإقليمية التي سوف يسعى الرئيس الأمريكي إلى إقامتها مع الدول المعنية في الشرق الأوسط لإقامة منتدى حيث يكون بإمكان المسئولين الأميركيين عن جهود محاربة انتشار أسلحة الدمار الشامل أن يلتقوا، مرتين سنوياً على الأقل، مع نظرائهم.
- كما أن مشروع القانون أتى بعد إقرار قانون نشر الديموقراطية في 43 دولة على لائحة الاستهداف الأمريكي والذي جعل السفارات الأمريكية في هذه الدول منارة للحرية والإشعاع الديموقراطي،على قاعدة تعميم تجربة الثورة البرتقالية في اوكرانيا والوردية في جورجيا،وطموح ثورة الارز في لبنان.
لقد مهّدت واشنطن لهذا المنهج بيئة قانونية في قرارات عدة صادرة عن مجلس الامن منها،1373 و1566 المتعلقين بمحاربة الارهاب،ومنها القرارين 1546 و1559 المتعلقين بالعراق ولبنان ،فضلا عن تقارير عدة للامين العام للامم المتحدة وبيانات رئاسية لمجلس الامن الدولي،ما يؤكد ان واشنطن اتخذت قرارا ببدء تنفيذ تهديداتها لسوريا وللبنان.واذا كانت البيئة القانونية قد تهيأت عمليا فما هي الخلفيات السياسية لهذا المشروع.
لقد بات واضحا إن أولوية لبنان وسوريا باتت على الاجندة الامريكية في الولاية الثانية للرئيس جورج بوش،والتي تتأسس على قاعدة تنفيذ مشروع الشرق الأوسط الكبير لا سيما الشق المتعلق بلبنان وسوريا،وقد مهّدت له أيضا قبل ثلاثة اشهر بسحب مهمة المظلة الأمنية الأطلسية المتعلقة بلبنان وسوريا من فرنسا وتوكلت به عبر الجنرال الأمريكي اللبناني الأصل أبي زيد.
إن التدقيق في مجريات الوضع الإقليمي في الشرق الأوسط يظهر العديد من الأمور التي تشير إلى التوجه الأمريكي القادم وأبرزه:
- التصويب مباشرة على الوضعين اللبناني والسوري باعتبارهما عقبة في نشر الديموقراطية ومحاربة الإرهاب وهما خلفيتان سياسيتان واضحتان لمشروع الشرق الأوسط الكبير، من دون إغفال إيران في هذا المجال وهذا ما ورد أيضا في مشروع القانون عند ربطه بوسائل منع امتلاك القدرات النووية في المنطقة.
- ان الاستثمار السياسي لجريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري في الواقع السياسي اللبناني وما تلاه من مطالب بعض فئات المعارضة،يظهر التوجه الأمريكي في السير باستراتيجية الدمينو في المنطقة عبر اسقاط الحكومات والأنظمة بدءا بلبنان مرورا بسوريا وانتهاء بإيران في هذه المرحلة،وهو جزء من سياسة الثورات المخملية المتبعة.
- كما إن تصريحات وزيرة الخارجية الأمريكية كونداليسا رايس مرتين في اسبوع واحد حول"نظرية ملء الفراغ" بعد انسحاب القوات السورية من لبنان من باب الإشراف على نزاهة الانتخابات اللبنانية عبر قوات أممية أو متعددة خارج اطارمجلس الأمن،تظهر أيضا نية الولايات المتحدة على خوض غمار تجارب سابقة في لبنان عامي 1958 و1983،أي بمعنى استعمال لبنان نقطة ارتكاز للانطلاق شرقا وما يتيح هذا التوجه من استثمار سياسي لإسرائيل لاحقا.
- القضاء بشكل تام على النظام الإقليمي العربي وإدخال المنطقة برمتها في فوضى "نظيفة" كما يسميها مشروع ديك تشيني عام 1996، تمهيدا لذوبان النظام الإقليمي العربي في المنظومة الإسرائيلية ضمن الشرق الأوسط الكبير.
ربما تكون هذه السيناريوهات غيض من فيض الآتي في ربيع المنظقة الساخن،فهل تكون مظاهرة المليون والنصف في بيروت وما أطلق فيها من مواقف هي مقدمة لمشروع مواجهة أوسع لمشروع القانون الأمريكي؟ وهل إن عدّة المواجهة هذه كافية لصد مثل هذا المشروع أم يستلزم إطارا أوسع كجبهة سورية إيرانية مدعومة بتفاهمات ما مع دول طامحة للعودة مجددا للشرق الأوسط كروسيا؟ أسئلة تفتح الوضع على احتمالات كثيرة يصعب الإجابة عنها دون كشف المستور في دوائر وزارات الخارجية لبعض الدول المعنية!