11‏/02‏/2008

أبعاد وآثار عملية المقاومة اللبنانية


أبعاد وآثار عملية المقاومة اللبنانية
الدكتور خليل حسين
أستاذ العلاقات الدولية في الجامعة اللبنانية
رئيس مصلحة الدراسات في مجلس النواب اللبناني

تمكنت المقاومة الإسلامية في لبنان من تنفيذ عملية نوعية وهي بطبيعة الامر ليست الاولى في تاريخ الصولات والجولات مع اسرائيل الا انها ترتدي هذه المرة طابعا خاصا في هذه الظروف.فالوضع الداخلي اللبناني مختلفا عما كان، كما الوضعين الاقليمي والدولي وبالتالي سيكون لهذه العملية آثارا لافتة داخليا وخارجيا،فما هي ابعاد هذه العملية وكيف يمكن توصيفها وبالتالي احتمالات نتائجه؟ا.وفي مطلق الأحوال يمكن تسجيل العديد من الملاحظات ابرزها:
- تأني العملية في خضم سجال لبناني حاد حول وضع المقاومة وسلاحها واستراتيجية الدفاع اللبنانية المفترضة في مواجهة اسرائيل، ولا نخفي سرا اذا قلنا ان بعض الاطراف اللبنانية ذهبت بعيدا في التحليل والتأويل واجتراح الحلول،في وقت لا زالت اسرائيل تحتل اراض لبنانية وتمارس اعتداءات يومية واعمال ارهابية امنية وعسكرية ونفسية على الشعب اللبناني بكافة فئاته وتلاوينه السياسية دون تمميز بين مقاوم وغير مقاوم.
- لا زالت اسرائيل تحتجز لبنانيين ورغم كل الجهود الدولية والاقليمية لم تفلح المفاوضات الدبلوماسية من اغلاق هذا الملف،اذ شاءت اسرائل اعتباره كمسمار جحا في ربط النزاعات واسثماره سياسيا رغم انسانية الملف التي تكفله المواثيق والاعراف الدولية ذات الصلة بالاسرى والمعتقلين المدنيين وغيرهم من الفئات المصنفة في اتفاقيات جنيف الاربعة المعروفة.
- تأتي العملية في خضم جدل وارتباك اسرائيليين كبيرين حول كيفية التعامل مع الجندي الاسرائيلي الاسير لدى الفصائل الفلسطينية،وسط خوف اسرائيلي واضح في التعامل مع هذا الملف لكي لا يصبح سابقة يمكن اللجواء اليها لاحقا،سيما وان سابقة اختطاف المقاومة الاسلامية في لبنان قد كرست معادلة واضحة مع اسرائيل،ان تبادل الاسرى من الاستحالة اتمامها بدون وجود اسرى اسرائيليين؛وبالتالي لا زالت اسرائيل تبحث عن حل في الكواليس لهذا الجندي الذي لحق به اسيران في يد المقاومة اللبنانية
- تأتي العملية وسط تأزم اقليمي واضح المعالم من الصعب تخطيه دون فعل شيء اساسي في اوراق الضغط المحتملة ان لم يكن تفجير ما تقوم به اسرائيل للهروب الى الخارج من مآزقها الداخلية.فالوضع في فلسطين حيث لغة الحديد والنار الاسرائيلييتين تمارس فعلها في الفلسطينيين اطفالا وشيوخا ونساء،ولغة القتل باتت امرا مالوفا ومعتادا بل مقررا من دوائر القرار الاسرائيلي السياسي والعسكري،في الوقت الذي ليس لحكومة اولمرت اي افق سياسي قابل للحياة مع الفلسطينيين او غيرهم.وفي الجانب الآخر في العراق حيث الآلة العسكرية الامريكية تفعل فعلها قتلا وتدميرا؛وسط غطرسة امريكية لا مثيل لها في ادارة الأزمات الاقليمية والدولية.باختصار واقع لا تحمد المنطقة عليها،مجموعة من القضايا غير القابلة للحل بهذا الاسلوب الامريكي او الاسرائيلي،يرافقه احتقان كبير ينذر بانفلات الأمور من عقالها.
لا شك بأن هذه العملية ستترك آثارا غير عادية على العديد من الملفات ولن تقتصر آثارها على ملف الأسرى بالتحديد فمشاكل المنطقة وقضاياها هي متشابكة ومترابطة الى حد التعقيد الذي يمكن استغلاله بشتى المواضيع والقضايا، بدء بملف الأسرى اللبنانيين مرورا بملف الأسرى الفلسطينيين والعرب في السجون الاسرائيلية وصولا الى قضايا ربما تتخطى اطر وملفات الصراع العربي الاسرائيلي التقليدية المعروفة.
ففي لبنان لا زال ملف الاسرى مفتوحا على كافة الاحتمالات وان يبدو ان هذه المرة قد يحسم بنسبة عالية جدا بل من الممكن ان يكون قد انتهى عمليا واصبح مسألة وقت ليس إلا،.كما ان في لبنان ارضا محتلة عمليا وارضا محتلة واقعيا بفعل الألغام الاسرائيلية التي ترفض اسرائيل تسليم خرائطها الدقيقة،كما في لبنان مشكلة حقيقية لدى بعض اللبنانيين الذين لا زالوا يركبون رأسهم عنادا ويحاولن اقناع انفسهم بأن زمن المقاومة قد ولى وانها ادت قسطها للعلى وعليها اما اختيار التقاعد او اطلاق رصاصة الرحمة عليها.
الكثير من الملفات اللبنانية الداخلية ستنتظر نتائج هذه العملية وآثارها،ويبدو ان اهمها ما يتعلق باستراتيجية الدفاع التي ينبغي على لبنان المضي بها،اذ ان جلسات الحوار المتعددة ارتكزت في الأاساس على هذه القضية تحديدا ومن الصعب تجاوز اي ملف آخر من دون الوصول للتوافق على هذا الملف.فهل سستمكن المقاومة من فرض وجهة نظرها على الفريق الآخر ام ان عليها فعل عمليات نوعية كثيرة لإثبات صحة وجهة نظرها؟
في الواقع ثمة افرقاء كثر في لبنان لا زالوا يعتقدون ان فعل المقاومة هو فعل عابر وغير ذي اهمية بكونه مرتبط بحسابات اقليمية،فيما الوقائع اثبتت عكس ذلك،فالمقاومة لم تكن مرة عبء داخلي او ورقة مساومة خارجية وهذا سر نجاحها.كما انه في لبنان لا يزال البعض يراهن على حسابات دولية اثبتت عقمها وعدم جدواها في التعاطي مع الملفات الحساسة ومنها الأسرى،وبالتالي ان الاستمرار في هذا الاعتقاد كمن يذر الرماد في العيون ويتعامي عن الحقائق ويغرس رأسه في الرمال خوفا من رؤية الحقيقة.
وفي المقلب الاقليمي الآخر من الآثار المحتملة لهذه العملية يبدو ان الأمر معقد هو الآخر، فمن الممكن ربط مصير الجنديين اضافة الى الاسرى اللبنانيين ملف المفقودين الدبلوماسيين الايرانيين الاربعة منذ العام 1982،بعدما تحدثت تقارير كثيرة بأنهم موجودون في اسرائيل بعدما سلمتهم القوات اللبنانية لتل ابيب،وفي هذا الاطار يمكن ربط المزيد من القضايا ذات الصلة بالموضوع كمصير الطيار الاسرائيلي رون اراد الذي فقد في لبنان اثر سقوط طائرته في خلال تنفيذ عملية عسكرية اسرائيلية في الاراضي اللبنانية.
ونظرا لتداخل العديد من الفضايا من السهل الاسترسال في اي موضوع يخطر او لا يخطر على البال وربطه بموضوع الاسيرين الاسرائيليين اذ ظلا على قيد الحياة،فهما صيدان ثمينان يمكن الوصول بهما الى اماكن ربما لا تخطر على البال.فكما اسرائيل قد عوَّدت العرب على اهمية العنصر البشري لها وعدم تراخيها في استرجاع اي اسير او قتيل،كلك علمتنا المقاومة في لبنان ان صيدها هو الآخر ثمين وتعرف كيفية استثماره والوصول بهما الى حيث تريد.
ان ابرز ما يمكن تسجيله من نتائج لهذه العملية تكمن في العديد من النقاط ابرزها:
- تأكيد المقاومة مرة أخرى ان جميع ملفاتها هي في الحفظ والصون لدى رجال عرفوا واختبروا عدوا لا يفهم الا لغة الحديد والنار لجلبه الى طريق الحق.
- تأكيد المقاومة مرة أخرى ان ما يحكى عن وسائل دبلوماسية وغيرها لحل ملفات عالقة عمرها من عمر كيانات المنطقة امر لا فائدة منه، بل مضيعة للوقت واستنزاف للجهد،فاستراتيجيات الدفاع المطروحة على طاولة الحوار في مواجهة استراتيجية المقاومة لا تعدو كونها استراتيجيات من نوع الانشاء والشعر العربيين الذين لا يسمنان ولا يغنيان من جوع.فالتاريخ حافل بأمثلة مقاومة الاحتلال في غير دولة، وفي هذا التاريخ لا نقرأ سوى النصر الذي كانت تسجله المقاومات بدء من المقاومة الفرنسية تحديدا لمن لا يعرف القراءة مرورا بالجزائرية وصولا إلى مقاومات جنوب امريكا اللاتينية وفيتنام وغيرها وعلى رأسها فعل المقاومة الاسلامية التي اجبرت اسرائيل على الانسحاب من غالبية الاراضي اللبنانية دون قيد او شرط.
- ومن أثارها أيضا أنها ستكون مناسبة أولى لرئيس الوزراء الإسرائيلي لممارسة عدوانية إسرائيل المعروفة على قاعدة "أول دخوله،شمعة على طوله"،فهو آت من خلفية لكودية متعصبة ووريث شارون السياسي ،وفي هذا الإطار ومن وجهة نظره لا بد إثبات ذلك للإسرائيليين بأنه وريث سياسي وعدواني بجدارة،فهل سيثبت ذلك في لبنان لقد بات أمرا مؤكدا بعد بدء اعتداءاته وتصريحاته العدوانية بعد العملية مباشرة.
- إن المنطقة قادمة على خلط أوراق كثيرة،فهي تعج بالقضايا المستعصية وغير القابلة للحل بالوسائل التقليدية،ومن هذا المنظار ربما تشعر الولايات المتحدة الأمريكية ومحافظوها الجدد أن الفرصة سانحة للانقضاض على ما تبقى من حلمها في الشرق الأوسط الكبير.فإيران وبرنامجها النووي واصل إلى أفق مسدود،وأزمة واشنطن في العراق كبيرة،ومشاريع السلام موضوعة في الثلاجة الأمريكية الإسرائيلية ،فإلى أين المسير من وجهتي النظر الأمريكية والإسرائيلية،طبعا المزيد من التورط في إشعال المنطقة وربما يكون لبنان بوابتها الرئيسة.
وبصرف النظر عن ردود الفعل الإسرائيلية على هذه العملية والى أي مدى ستصل،يبقى فعل المقاومة وآثاره هو أقوى بكثير من كل الاحتمالات المطروحة.ثمة دولا وجيوشا كثيرة خاضت الحروب،انتصرت وفشلت،إلا أن التاريخ لم يسجل يوما أن مقاومة خسرت معركتها الحقيقية هذا على الأقل من يعرف كيف يقرأ التاريخ.ثمة أشخاص كثر في لبنان يدَّعون قيادة تيارات سياسية عليهم تعلم القراءة لقراءة التاريخ لكي لا يأتي حكمهم غدرا على المقاومة أو رغدا لحياة في أحضان أعداء وطنهم!.