17‏/02‏/2008

الواقع العربي الراهن ودور البرلمانيين في مواجهته


الواقع العربي الراهن ودور البرلمانيين في مواجهته

ورقة عمل المجلس النيابي اللبناني
الى مؤتمر الاتحاد البرلماني العربي المنعقد في بيوت 3و4-5-2003


د . خليل حسين
بيروت : 21-5-2003
ربما لم تمر الامة العربية في ظروف قاسية كالتي هي عليها اليوم ، وعلى الرغم من التحولات المصيرية التي مرت بها سابقا ، الا ان ما تتعرض له اليوم يعتبر مفصلا ومنعطفا بالغ الخطورة لما سيترتب عليه من تداعيات ربما ستصل الى درجة المسّ بالنظام العربي القائم وما سيستتبعه من آثار سلبية على مجمل مضامينه ومحتوياته .
اولا : خلفيات العدوان الاميركي على العراق
ان قراءة دقيقة لاستراتيجية الامن القومي الاميركي في الالفية الثالثة تظهر العديد من الخلفيات في سلوكها الدولي بعد احداث الحادي عشر من ايلول 2001 ، ومجملها يتركز على محاربة بؤر الارهاب ، ونشر الديموقراطية واحلال السلام في العالم ، والرخاء الاقتصادي والتنمية لما فيه خير الشعوب والامم .. الى ما هنالك من الشعارات المغرية والمبهرة، بيد ان التدقيق في الخلفيات تظهر عكس ما هو معلن ، وتتركز الامور بوضوح اكثر في الجانب المتعلق بالمنطقة العربية ودولها وشعوبها .
1 – ان الانتشار العسكري الاميركي شكل مسألة حيوية لحماية مصالحها الاستراتيجية في الالفية الثانية، اذ تواجدت قواتها في 25 بلدا اسيويا واوروبيا وافريقيا بينها 11 بلدا عربيا ، أي ما يقارب النصف ، وبصرف النظر عن هذه الدلالات ؛ فان الهمّ الاميركي لم يعد التواجد باتفاقات عسكرية ثنائية او متعددة بقدر ما هو الاحتلال المباشر وادارة شؤون مصالحها بنفسها عوضا عن الوكلاء . وبطبيعة الحال فان ما تتمتع به المنطقة العربية من مجال حيوي استراتيجي على المستوى الدولي، فان احتلال بعض مناطقه يشكل مركزا للانطلاق شرقا وصولا الى الكوريتين ومرورا بالصين ، وشمالا نحو دول وسط آسيا الاسلامية وصولا الى روسيا واوروبا ، وغربا الى المغرب العربي ومضيق جبل طارق ، وجنوبا الى افريقيا مرورا بشبه الجزيرة العربية وثروات النفط . فالواقع الجيو سياسي العربي يشكل محورا اساسيا في سلوك واشنطن الدولي وليس العربيي فقط، وبهذا المعنى لم تعد قضايا حماية ممرات النفط ذات معنى ان تمّت لها السيطرة على المنابع والاستثمار والتحكم بمن يستفيد منه.
2- تقول بعض الدراسات الصادرة عن مراكز دراسات اميركية جادة ان آحر نقطة نفط في العالم ستستخرج من العراق ، فالعراق وفقا للدراسات المنشورة يمتلك 125 مليار برميل من النفط ، وهناك تقارير اميركية عن مسوحات جيولوجية عبر الاستشعار عن بعد انه يمتلك ضعف هذا الرقم ، وفي حسابات بسيطة، يمكن لنفط العراق ان يستمر لما يزيد عن 520 سنة قادمة اذا استمر استخراج النفط بنفس المستوى الذي كان عليه قبل العدوان الاميركي عليه، في الوقت الذي لن يتجاوز خمس هذه الفترة الزمنية في بعض الدول الخليجية وفي احسن الاحوال ربع الفترة الزمنية .واذا ما دققنا بنسبة استهلاك الولايات المتحدة من النفط الخليجي الذي يبلغ الثلثين تقريبا ، فمن الطبيعي ان تكون اولوية واشنطن هي النفط العربي ولا شيء آخر سواه، سيما وان مخزونها الاستراتيجي لن يكفيها في احسن الاحوال سوى عقد قادم ليس الا قياسا على نفس الاستهلاك ومن دون الاستيراد .
3- لقد خاضت الولايات المتحدة الاميركية حرب الخليج الثانية وشكلت نظاما دوليا جديدا دعامته المعلته حل المشاكل الدولية والاقليمية بالطرق السلمية، واستغلت هذا الامر في حدوده القصوى مع البلدان العربية عبر مؤتمر مدريد وتداعيات مفاوضاته الثنائية والمتعددة ،وصوّرت هزيمة العراق آنذاك هزيمة لكل العرب في محاولة لفرض الحلول وفقا للمنظور الاميركي - الاسرائيلي ؛ وتحاول الآن تكرار التجربة ذاتها في عدوانها على العراق . أي بمعنى آخر ان احد النتائج السياسية التي ستحاول واشطن الاستفادة منها ، هي تصوير هزيمة النظام العراقي هزيمة لكل العرب ، واعطاء نصرا سياسيا لاسرائيل وتوظيفه في تسوية غير عادلة وغير شاملة كما سعت دائما في مختلف تصوراتها ومشاريعها لحل الصراع العربي – الاسرائيلي .
ثانيا : الوضع العربي الراهن
لا شك بأن التداعيات التي تركها العدوان الاميركي على العراق كبيرة جدا على البلدان العربية ومؤسساتها القومية وشعوبها ، وما يحيط بها من استحقاقات كثيرة ينتظر الاجابة عليها، اما ابرز هذه التداعيات فهي:
1- ان ابرز مآسي الشعب العراقي معاناته من احتلالين :الاول داخلي تمثل بالنظام البائد، و الثاني بالاحتلال الاميركي الذي تستّر بالديموقراطية وحقوق الانسان وغيرها، وغريب المفارقات سعي واشنطن لتصوير احتلالها للعراق هو تحرير شعبه ، والايحاء بتحرير شعب فلسطين من الاحتلال الاسرائيلي باحتلالها العراق وتوزيع خرائط طرق ملغومة لن تؤدي الا تشتيت شعوبها وتكريس احتلال ارضه .
ان آثار احتلال العراق لن تكون قليلة بل ستفوق آثارها احتلال اسرائيل لفلسطين وبعض اراضي الدول العربية ، ولن يكون تحرير العراق امرا يسيرا وسهلا في ظل الظروف الضاغطة ، الا اذا عرف وقرر العراقيون تنفيذ ما يحلمون به ويسعون اليه.
2 – ان ما تمر به بعض الدول العربية من اختراقات امنية ، سيجرى استغلاله بشكل مكثف من قبل واشنطن ، على قاعدة محاربة الارهاب واجتثاث جذوره ، خصوصا وانه يصوّر على ان البلدان العربية والاسلامية هي منشأه ومحتضنه ، وعليه ان ارباك بعض الدول العربية بهذا الملف والايحاء مستقبلا برعايته او عدم القدرة على محاربته ، امرا يمهد لأشياء اخرى، اما الاحتلال بهدف القضاء على الارهاب كما جرى في غير موقع من العالم بعد 11 ايلول 2001، او ايجاد البيئة المناسبة لاعادة تقسيم جغرافي – سياسي جديد لدول المنطقة .
3- ان ما جرى ويجري في العراق حرف النظر الى حد بعيد عما جرى ويجري في فلسطين المحتلة ولانتفاضتها وشعبها ، فلا يكاد يمر يوم ان لم تكن ساعة الا وهناك مجزرة ترتكبها اسرائيل بحق الفلسطينيين تحت مرأى ومسمع العالم الحر الذي ترعاه اميركا وتدير شؤونه، ولا همّ لواشنطن وتل ابيب الا التناوب على رمي الخرائط وتعديلها ورفضها لاحقا، حنى باتت الخرائط عمليات عزل عنصري للفلسطينيين في قراهم ودساكرهم المحتلة، لا افق سياسي لعملية سلمية مجهضة سلفا ، ولا افق الا امني لحماية اسرائيل ومشروعها الرامي الى ضرب وانهاء عمل الانتفاضة .
4 – اما ابرز الآثار والتداعيات ما تحاول الادارة الاميركية من محاولة فرض شروط وابتزاز مواقف من سوريا ولبنان تحت عناوبن ومسميات مختلفة ، تارة الدعوة الى الاستفادة مما جرى في العراق، وتارة اخرى الدعوة الى اغلاق مكاتب بعض التنظيمات الفلسطينية التي تعتبرها ارهابية ، وطورا الطلب لممارسة الضغوط على المقاومة في لبنان ، وطورا آخر ارسال الجيش اللبناني الى الحدود الدولية مع فلسطين المحتلة .... الى ما هنالك من لوائح تطول بطول شهية غلاة صقور الادارة الاميركية واسرائيل .
5 – اما ابرز التداعيات على المؤسسات العربية ، فكانت على جامعة الدول العربية ، التي اريد لها ان تكون الشهيد الاول في الرصاصة الاولى على العراق، باعتبارها تشكل رمزا معنويا للتعاون العربي المشترك، وسبيلا ولو محدودا للم الشمل العربي ؛ ان كل ما يمت للتعاون العربي بصلة امرا غير مرغوب فيه لا اميركيا ولا اسرائيليا ، وربما الهدف المقبل الحث على اطلاق رصاصة الرحمة على الجامعة العربية ، ومحاولة انشاء مجالس متخصصة ، ربما يكون ابرزها مجلس تعاون نفطي .
ثالثا : مقترحات لدور البرلمانيين العرب
ان بعض عزاء الامة العربية ان يكون لبرلمانييها دور فاعل في تغيير الواقع المؤلم الذي تمر به الامة العربية ودولها، باعتبارهم ممتلي شعوب البلدان العربية التي كانت وستبقى متميزة في مواقفها ومطالبها تجاه القضايا التي تواجهها ، ومن هذا المنطلق ربما يكون طموح وآمال الشعوب العربية معلقة على برلمانييها اكثر من أي مؤسسة اخرى ، ومن هذا المنطلق ايضا نتقدم ببعض المقترحات في محاولة للتخفيف من آثار ونداعيات الواقع المستجد :
1 – في الجانب العراقي
- نقترح تولي الاتحاد البرلماني العربي تنظيم مؤتمر خاص للبحث في القضية العراقية وسبل حل مجمل قضاياها، بدءا من التحرير وانتهاءا ببناء المؤسسات الوطنية .
- اعتبار القضية العراقية قضية مركزية وايلائها الدعم في مختلف المجالات والمحافل .
- انشاء صندوق لدعم الشعب العراقي يكون عماد امواله الاولية ودائع النظام العراقي الموجودة في مصارف البلدان العربية .
- التوصية للسلطات التنفيذية في الدول العربية تخصيص منح دراسية وصحية وغيرها لابناء الشعب العراقي .
- افساح المجال لممثلي العراق في الدول العربية لحضور اجتماعات مؤسسات التعاون العربي بصفة مراقب لمتابعة القضايا العراقية.
2- في الجانب الفلسطيني
- مسانده الشعب العربي الفلسطيني لتصديه للحرب الوحشية التي تشنها عليه سلطات الاحتلال الإسرائيلي ، ودعم صموده في وجه آلة الحرب والإرهاب وإجراءات القمع الإسرائيلية ، ومساعدته على التمسك بحقوقه الوطنية غير القابلة للتصرف وفي مقدمتها حقه في تحرير أراضيه المغتصبة وعـودة اللاجئين والمشردين من أبنائه إلى وطنهم . ، وفي تقرير مصيره وإقامة دولته المستقلة على ترابه الوطني وعاصمتها القدس الشريف ، تنفيذاً لقرارات الشرعية الدولية وبخاصة القرارات (181 ، 194 ، 242 ، 338) الصادرة عن الجمعية العامة للأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي .
- التأكيد على ان مدينة القدس الشريف ذات الهوية العربية الإسلامية جزء لا يتجزأ من الأراضي العربية المحتلة ينطبق عليها ما ينطبق على تلك الأراضي، ورفض قرار سلطات الاحتلال الاسرائيلي ضم القدس ، وادانة السياسات والممارسات والإرهاب الصهيوني الرامية إلى تغيير المعالم الجغرافية والسكانية والوضع القانوني والسياسي للمدينة المقدسة بما في ذلك زرع البؤر والأطواق الاستيطانية داخلها وفي محيطها وانتهاك حرمة مقدساتها ومحاولة إفراغها من سكانها العرب تنفيذاً لمخطط تهويدها .
- أن الاستيطان الإسرائيلي في الأراضي العربية المحتلة يشكل إنتهاكاً صارخاً لقرارات الأمم المتحدة ومبادئ القانون الدولي ، واعتداءً سافراً على الشعب العربي الفلسطيني والأمة العربية وتهديداً خطيراً للسلام والأمن في المنطقة والعالم ، اذ يجب العمل على إزالة جميع أشكال الإستيطان والإمتناع عن بناء مستوطنات جديدة أو توسيع المستوطنات القائمة
1. العمل على إجراء محاكمة دولية لمرتكبي الجرائم والإنتهاكات الخطيرة التي تمارسها قوات الإحتلال الصهيوني ، ضد أبناء الشعب العربي الفلسطيني ومواطني البلدان العربية الأخرى ومعاقبتهم على إرتكاب تلك الجرائم طبقاً لأحكام القانون الدولي ومواثيق حقوق الإنسان .
- حث الأمم المتحدة ، وبخاصة مجلس الأمن الدولي ، بوصفه الهيئة الدولية المسؤولة أساساً عن حفظ السلم والأمن الدوليين ، بتحمل مسؤولياته من أجل الوقف الفوري للعدوان الإسرائيلي وتأمين الحماية الدولية اللازمة للشعب العربي الفلسطيني من حرب الإبادة التي تشنها عليه قوات الإحتلال الاسرائيلي .
- مطالبة الحكومات العربية بتنفيذ قرارات القمم العربية المتعلقة بتخصيص نسبة ثابتة في ميزانيتها السنوية لدعم الشعب الفلسطيني حتى تحرير أرضه . ودعوة المجالس النيابية العربية إلى السعي لإستصدار تشريعات بهذا الخصوص دون أن يؤثر هذا سلباً على الدعم الشعبي والصناديق القائمة .
- دعوة الهيئات والمؤسسات والمنظمات الشعبية وكافة المواطنين في الوطن العربي إلى دعم ومساندة الشعب العربي الفلسطيني وإنتفاضته وتقديم الدعم المادي عبر تعميم إنشاء هيئات وصناديق شعبية في كل بلد لهذا الغرض لخلق حالة مستمرة من المساندة للشعب الفلسطيني تمكنه من مواصلة إنتفاضته ومقاومة المشروع الصهيوني بمختلف مظاهره الفكرية والعسكرية والسياسية والإقتصادية والثقافية.
- وقف جميع الاتصالات السياسية والإقتصادية مع اسرائيل، ودعم اللجان الشعبية المناهضة لعملية التطبيع مع إسرائيل ، والالتزام بتطبيق أحكام المقاطعة العربية ضدها حتى تحقيق السلام العادل والشامل.
3- في الجانب السوري
- الوقوف الى جانب سوريا ورفض التهديدات الموجهة اليها ، ودعمها في موقفها المبدأي من العملية السلمية في الشرق الاوسط بما يضمن عودة الجولان السوري المحتل وفقا لخط الرابع من حزيران 1967 ، ووفقاً لقرارات الأمم المتحدة (242) و (338) ،والتأكيد على الرفض المطلق لقرار اسرائيل بضم الجولان ، ولكل الإجراءات الإسرائيلية الهادفة إلى تغيير الوضع القانوني والديموغرافي في الجولان المحتل ، ودعم صمود المواطنين العرب السوريين في الجولان المحتل .
4- في الجانب اللبناني
- تقديمً الدعم الكامل للبنان والمقاومة الوطنية وحقه في مقاومة الاحتـــلال الصهيوني لتحرير كامل الأراضي اللبنانية بما فيها مزارع شبعا ، والعمل علىالإفراج عن الأسـرى والمعتقلين اللبنانيين في السجون الاسرائيلية ، وإزالة الألغام التي خلفها الاحتلال ، ودعم حق لبنان في مياهه وفي مواجهة الأطماع الإسرائيلية بهذه الميـاه ، ومساندة حق لبنان في الحصول على تعويضات عن الدمار الذي خلفه الإحتلال الصهيوني في أراضيه ، ويدعو الحكومات العربية إلى الوفاء بالالتزامات المالية التي أقرتها القمم العربية للبنان .
5 -مؤسسات التعاون العربي المشترك
- وقف الحملات ضد الجامعة العربية واعطائها فرصا حقيقية لممارسة دورها الطبيعي .
-ابعادها عن آثار التكتلات والمحاور العربية قدر الامكان .
- تفعيل مؤسساتها الاساسية لممارسة دورها لا سيما معاهدة الدفاع العربي المشترك .
- الاسراع في انشاء البرلمان العربي الموحد .
ان الوضع العربي الراهن هو بأمس الحاجة الى اعادة ترميم سريعة للعلاقات العربية – العربية ، عبر اغلاق كل الملفات الخلافية، وان الطرف المؤهل اكثر من أي طرف آخر ، هم البرلمانيون العرب لما يمثلون من ضمير حي لا زال ينبض في الشارع العربي رغم نكباته ومآسية المتتالية .