17‏/02‏/2008

تحديات السياسة الخارجية السعودية في عهد الملك عبدالله


تحديات السياسة الخارجية السعودية في عهد الملك عبدالله
د.خليل حسين
أستاذ العلاقات الدولية في الجامعة اللبنانية
بيروت:2-8-2005

من حيث المبدأ يمكن القول ان السياسات العامة الداخلية والخارجية التي يمكن ان تنتهجها المملكة لن تكون مختلفة عما سبقها،باعتبار ان الملك عبدالله قد ارسى معظم الخطوط العريضة لهذه السياسات ابان توليه السلطة فعليا في العام 1995 خلال مرض الملك فهد،واذا كان من بعض الفروق التي يمكن ان تظهر فانها لن تكون جوهرية وهي مرتبطة اولا وأخيرا بما يمكن ان تواجه المملكة من ضغوط خارجية في بعض الملفات،او تباين في وجهات النظر بين العائلة المالكة تجاه بعض القضايا الداخلية المتعلقة اساسا بالاصلاحات التي كان بدأها الملك عبدالله.
ومع التسليم بالقدرات والمؤهلات والعلاقات الداخلية والخارجية التي راكمها ونسجها الملك عبدالله في خلال عقد كامل،فان جملة تحديات يمكن ان تواجه الحكم داخليا وخارجيا.ومهما يكن من امر النفوذ الذي يتمتع به الملك عبدالله فان امرين اساسيين ينبغي تخطيهما،الاول يتطلب دعم الأعضاء الأقوياء في الأسرة أو ما يطلق عليهم "السديريين السبعة" وهم الإخوة الأشقاء للملك فهد (سلطان، سلمان، عبد الرحمن، نايف، تركي، أحمد)، وبخاصة أن منهم من يشغل مناصب مهمة في الدولة، فالأمير سلطان هو وزير الدفاع والنائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء، أما الأمير نايف فهو وزير الداخلية.اما الثاني فيتعلق بالتباين بين الاسرة المالكة حول حول حجم الاصلاحات الداخلية ومدى تسارعها، فالملك عبدالله من دعات الاصلاح التدريجي المتسارع نسبيا فيما الامير نايف وزير الداخلية أشد حذراً من تسارع وتيرة الإصلاحات التي يرى أنها قد تؤدي إلى تفكك المملكة على غرار ما حدث بالنسبة للاتحاد السوفيتي السابق.وعلى الرغم من اهمية الوضع الداخلي فان السياسة الخارجية السعودية القادمة تعتبر المقياس الاساس لوضع المملكة ككل ان كان على صعيد الحكم في الداخل او موقع المملكة اقليميا ودوليا،ومن هنا يمكن تلمس السياسة الخارجية القادمة والتحديات التي ستواجه المملكة خليجيا وعربيا ودوليا.
وعلى الرغم من ان المملكة تعتبر الشقيقة الكبرى لمجموعة دول مجلس التعاون الخليجي لما لها من وزن اقتصادي وسكاني وجغرافي ..فان مجموعة من المشاكل قد واجهتها ووصلت في بعض الفترات الى فتور واضح في العلاقات مع بعضها، ومن ذلك الخلاف السعودي البحريني بسبب قيام مملكة البحرين بعقد اتفاقية للتجارة الحرة مع الولايات المتحدة في ايلول 2004؛ إذ اعتبرت السعودية أن مثل هذه الاتفاقيات لا تنسجم مع روح ميثاق مجلس التعاون الخليجي وتقلل من القدرة التفاوضية الجماعية، كما تضعف من تضامن دول المجلس وانها ستعرقل التقدم المطلوب للوصول إلى تكامل اقتصادي خليجي كالسوق المشتركة والاتحاد النقدي واعتبرت أن تلك الاتفاقيات تشكل مخالفة واضحة لاتفاقيات وقرارات مجلس التعاون الخليجي ، وواقع الأمر أن اتجاه البحرين لتوقيع تلك الاتفاقية قد شكل مخالفة صريحة للاتفاقية الاقتصادية الموحدة بين دول مجلس التعاون الخليجي الموقعة في كانون الاول 2001، التي تنص في مادتيها رقم 2 و31 على أن "تقوم الدول الأعضاء برسم سياساتها وعلاقاتها الاقتصادية بصفة جماعية تجاه الدول والتكتلات الإقليمية والدولية وأنه لا يجوز أن تمنح دولة عضو أي ميزة تفضيلية لدولة أخرى تفوق تلك الممنوحة في هذه الاتفاقية، أو أن تبرم اتفاقاً يتعارض مع أحكام هذه الاتفاقية. كما ان هناك احتجاج سعودي لدى قطر ودولة الإمارات العربية المتحدة بسبب مشروع لبناء جسر يربط بين الدولتين الأخيرتين على اعتبار أنه يمر فوق المياه الإقليمية للمملكة العربية السعودية، وترى الأخيرة أن الجسر الذي يربطها بمملكة البحرين به قصور في الإجراءات الأمنية حيث تعتزم عناصر إرهابية الدخول للمملكة عن طريق الجسر للقيام بعمليات إرهابية فيها. ومن ناحية اخرى هناك خلاف بين المملكة والإمارات المتحدة حول معاهدة حدودية أبرمت عام 1974، وبالتالي سيتعين على الملك عبد الله تسوية الخلافات مع بقية الدول الخليجية في منظومة دول مجلس التعاون الخليجي التي تعد بعداً إستراتيجياً مهماً للمملكة، إذ إن الدول الست تتشابه في الكثير من السمات ومنها اعتمادها على النفط كسلعة أساسية في دخلها القومي، ومن ثم يتعين عليها توحيد سياساتها الاقتصادية وإقامة الصيغ التكاملية الملائمة فيما بينها.
ان عدم استقرار الأوضاع في منطقة الخليج إبان عقد التسعينيات من القرن الماضي لم يمنع المملكة العربية السعودية من لعب دور واضح إزاء القضايا العربية ، ومن ذلك إطلاق المملكة مبادرة إصلاح الأوضاع العربية، فضلاً عن دور المملكة في صدور مبادرة الإصلاح العربية عن قمة تونس إبريل 2004، ومن هنا فالسياسة الخارجية السعودية سوف تحمل في طياتها تحديات عديدة، أولها: استمرارية الدور السعودي تجاه القضية الفلسطينية الذي بدأ مع "مشروع الأمير فهد للسلام" مع إسرائيل عام 1982 وصولاً إلى مبادرة الملك عبد الله التي أقرتها قمة بيروت 2002، واعتبرت مبادرة عربية آنذاك. وبالتالي سوف يتعين على المملكة الاستمرار في هذا الدور الداعم لتلك القضية.كما سوف تبرز أهمية تسوية المملكة لخلافاتها الحادة مع بعض الأطراف العربية، ومن بينها الخلاف السعودي الليبي على قاعدة اتهام المملكة للعقيد القذافي بالسعي لتدبير محاولة اغتيال الملك عبد الله،واتهام ليبيا للمملكة برعاية مؤتمر المعارضة الليبية الذي انعقد في 25 يونيو 2005، ولا شك أن تسوية هذا الخلاف أمر جوهري لكلا البلدين تجنبا لمزيد من فتور العلاقات التي وصلت الى حد التلاسن القاسي في احدى القمم العربية. كما ان إحياء المملكة للمحور السعودي المصري السوري، انطلاقًا من قدرة هذا المحور على اعادة مسيرة التضامن العربي وما يمكن ان يبركه من ايجابيات على القضايا العربية يعتبر تحديا قويا للسباسة الخارجية السعودية،وهو ما تؤكده السوابق التاريخية، فقد استطاع هذا المحور توحيد الصف العربي عندما عقدت قمة مصرية سعودية سورية في عام 1996 بمدينة الإسكندرية أدت إلى قمة عربية بعدها كان لها أثر كبير في توحيد الصف العربي. كما استطاعت هذه الدول الثلاث رعاية الحلول العربية للأزمة اللبنانية. كما ان المملكة معنية بمتابعة تنفيذ بعض مقترحاتها ومنها تطوير العمل العربي المشترك حيث قدمت المملكة في قمة الجزائر آذار 2005 اقتراحات لتطوير الجامعة وتفعيل دورها.
ومن تحديات السياسة الخارجية السعودية على الصعيد الدولي العلاقات مع الولايات المتحدة الامريكية، فبعدأحداث الحادي عشر من سبتمبر اتهمت الولايات المتحدة 15 سعودياً من بين المتهمين في تلك الأحداث، وما تلاه من حملات إعلامية على المملكة كما اتهمتها بالسعي لامتلاك أسلحة دمار شامل، فضلاً عن تقارير المنظمات الحقوقية بشأن حقوق الإنسان في المملكة بالإضافة إلى وجود بعض التيارات داخل الكونجرس الأمريكي تنادي بإقرار قانون معاقبة المملكة العربية السعودية. ورغم ذلك ظلت العلاقات السعودية – الأمريكية علاقات إستراتيجية، حيث إن السعودية من مصدري النفط الرئيسيين للولايات المتحدة، وقد قدرت قيمة الاستثمارات السعودية في الولايات المتحدة بما يقرب من 250 مليار دولار في أوائل عام 2003، أما قيمة الصادرات الأمريكية غير العسكرية للمملكة فقد بلغت 4,6 مليارات دولار في عام 2003. وعليه من الصعب تصورأن تشهد العلاقات الأمريكية – السعودية مزيداً من التدهور على الرغم من وجود أصوات أمريكية تعمل على تأجيجها؛ ومما يؤكد ذلك الزيارة التي قام بها الملك عبد الله بن عبد العزيز للولايات المتحدة في إبريل 2005، وأسفرت عن تشكيل لجنة عليا بين البلدين لتعزيز التبادل التعليمي والثقافي والعسكري والتجاري والاستثماري بين الجانبين، فضلاً عن إعلان المملكة الدائم عن استعدادها لزيادة إنتاجها النفطي في معرض المحافظة على سعر النفط في الاسواق العالمية.
ورغم العلاقات الإستراتيجية بين المملكة والولايات المتحدة فقد دأبت المملكة على نسج علاقات خارجية متنوعة ، فجاءت جولة الملك إلى كل من روسيا وفرنسا في هذا الاطار، وقد تشكل "مجلس الأعمال السعودي الفرنسي" بهدف تنمية العلاقات الاقتصادية بين السعودية وفرنسا كما سوف يتعين على المملكة الاستمرار في تنويع علاقاتها الدولية، كما عليها استكمال جهود المملكة للانضمام لمنظمة التجارة العالمية قبل نهاية العام 2005.كما من تحديات المرحلة المقبلة العلاقات مع ايران،فعلى الرغم من تمكن المملكة من اقامة علاقات متوازنة وتمكنها من استيعاب الملفات التي واجهت البلدين في حروب الخليج المتتالية،فان ملف ايران النووي وما يمكن ان يتفرع عنه من مواقف مستقبلية من دول المنطقة ومنها المملكة السعودية سيتتطلب مواقف سعودية اكثر دقة وحنكة في المرحلة القادمة ان لم نقل اكثر الملفات تحديا للملكة في المرحلة القادمة.
ومهما يكن من امر هذه الملفات والتحديات الشائكة نسبيا يبقى ان الملك عبدالله قادر بحنكته السياسية التي راكمها في الحكم،اضافة الى منهجه البرغماتي في تعاطيه مع الازمات والملفات الخارجية على تخطي هذه التحديات للانتقال الى التحديات الداخلية التي لا تقل اهمية ومن بينها الاصلاح ومكافحة الارهاب وغيرها.