10‏/02‏/2008

التكييف القانوني للمقاومة في إطار القانون الدولي الإنساني


التكييف القانوني للمقاومة في إطار القانون الدولي الإنساني

د.خليل حسين
أستاذ القانون والعلاقات الدولية في الجامعة اللبنانية
رئيس مصلحة الدراسات في مجلس النواب اللبناني


ورقة عمل مقدمة الى مؤتمر خيار المقاومة
بيروت 15 -16 -2007 الاونيسكو


في عالم يسوده القهر والتفرد والاستغلال وأحادية الرأي،من الطبيعي أن تفرض فيه وجهات نظر مخالفة للأعراف والقوانين والشرائع الدولية ومن بينها كان الخلط بين الإرهاب مثلا ومفاهيم أخرى كالمقاومة وحق الشعوب في تقرير المصير،ومظاهر ذلك الخلط والمزج كثيرة ومن بينها أعمال المقاومة التي قامت بها فئات عربية متعددة ضد الكيان الإسرائيلي المغتصب لفلسطين والذي لا زال يحتل أيضا أراضي عربية أخرى كالجولان في سوريا ومزارع شبعا وتلال كقرشوبا في جنوب لبنان. فما هو التكييف القانوني لعمل المقاومة في ظل الاحتلال،وكيف يمكن تمييزها عن إعمال الإرهاب؟وما هي حقوق الفئات المقاومة في إطار القانون الدولي الإنساني؟.
أولا: التحرر الوطني
يعطي القانون الدولي شرعية لأعمال المقاومة الوطنية أو التحرر الوطني أو الكفاح الوطني وكلها تحمل نفس المعنى ويضفى عليها مشروعية وقبولاً في حالتين اثنتين، الأولى اعتمادها وسيلة لممارسة الحق في تقرير المصير والتحرر من الاستعمار، والثانية اللجوء إليها للتخلص من الاحتلال وظلمه. والتمييز القانوني بين الإرهاب وبين المقاومة الوطنية ضروري. ولذلك حرصت أحكام القانون الدولي منذ الأربعينيات على الأقل على إقرار أن المقاومة الوطنية أداة فاعلة لممارسة الحق في تقرير المصير ومكافحة الاستعمار بكل أصنافه ومستوياته وأساليبه.
أ- المقاومة في سياق تقرير المصير
أكدت المادة الأولى من ميثاق الأمم المتحدة أن لكل الشعوب الحق في تقرير مصيرها وأشارت في مواد أخرى إلى أهمية هذا الحق، ثم عمدت الجمعية العامة إلى إصدار الإعلانات المتعاقبة حول هذا الموضوع، وأبرزها الإعلان الصادر في العام 1960، والذي أكد أن لجميع الشعوب الحق في تقرير مصيرها، ولها بمقتضى هذا الحق أن تحدد بحرية مركزها السياسي وتسعى بحرية إلى تحقيق إنمائها الاقتصادي والاجتماعي والثقافي.ومن أجل ذلك طالبت الجمعية العامة جميع الدول بوقف فوري لكل الإجراءات القمعية والأعمال العسكرية ضد الشعوب، وأكدت أن أي محاولة تهدف إلى تعطيل هذا الحق في تقرير المصير تعتبر مخالفة صريحة لميثاق الأمم المتحدة.
وانسجاماً مع هذا الإعلان صدرت الاتفاقيتان الدوليتان للحقوق المدينة والسياسية وللحقوق الاجتماعية والاقتصادية في العام 1966. وأكدت هاتان الاتفاقيتان حق الشعوب في تقرير مصيرها وفى إنمائها، كما بررتا الكفاح الشعبي من أجل ذلك، بما قد تستدعيه الحاجة من مقاومة للمستعمر وصمود في التصدي له.
ولعل النص الذي أرسى الأطر العامة للحق في تقرير المصير والذي وصف الحالتين القانونيتين لممارسته وأشار إلى ضوابطهما، كان قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة للعام 1970 حول علاقات الصداقة والتعاون بين الدول. واستناداً لهذا النص، الذي يعتبر ملزما في القانون الدولي، صدرت الأحكام التالية:
- الإقرار بحق كل الشعوب في تقرير مصيرها من دون تدخل خارجي، بما في ذلك تقرير وضعها السيادي والسعي إلى تنميتها الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.
- الإقرار بأن تأسيس أو إنشاء دولة مستقلة أو الاندماج الحر مع دولة مستقلة أخرى يشكلان أنماطاً مختارة من ممارسة حق الشعوب في تقرير مصيرها.
- يتعين على الدول الامتناع عن التهديد بالقوة أو استخدامها ضد الوحدة الإقليمية والاستقلال السياسي للدول الأخرى.
- يتعين على الدول الامتناع عن تجاوز خطوط الهدنة الموضوعة للحفاظ على السلام بين الدول، والامتناع عن القيام بأي أعمال انتقامية تتضمن استخدام القوة والامتناع عن ارتكاب أي عمل إرهابي.
- الإقرار بأن إقليم الدولة لن يكون هدفاً لاحتلال أي دولة أخرى.
- الإقرار بأن أي استخدام للقوة بقصد تجريد الناس من هويتهم الوطنية يشكل انتهاكاً للقانون الدولي.
- الإقرار بأن إخضاع الشعب لسلطة أجنبية أو سيطرة أو استغلال أجنبي، يشكل خرقاً لمبادئ القانون الدولي وانتهاكاً لحقوق الإنسان.
- الإقرار بأن كل دولة ملزمة قانوناً بالامتناع عن أي عمل قمعي يحرم الناس حقهم في تقرير المصير والحرية والاستقلال. وعلى هذا الأساس فإن قيام الناس أو الشعب (المدنيين) بمقاومة هذا العمل القمعي، يجعلهم مخولين لتلقى المساعدات من الدول الأخرى بما يتلاءم مع مبادئ الأمم المتحدة.
ب - المقاومة ضد الاحتلال:
بما إن الاحتلال عمل قسري يهدف إلى اكتساب الأرض بالقوة، يشكل انتهاكا لأحكام القانون الدولي. فالمادة الثانية من ميثاق الأمم المتحدة تحظر على كل الدول استخدام القوة أو التهديد باستخدامها ضد الوحدة الإقليمية والاستقلال السياسي لأي دولة أخرى.وعلى هذا الأساس كانت القرارات الدولية (بما فيها القرار 242 للعام 1967) تدين اكتساب الأرض بالقوة، وتصفها قانوناً بـالأراضي المحتلة. وهذا يعنى أنها خاضعة في ترتيب أوضاعها المؤقتة، للأحكام الدولية المتعلقة بحماية السكان المدنيين الواقعين تحت الاحتلال، وتحديداً لأحكام اتفاقية جنيف الرابعة للعام 1949، والتي تشكل جزءاً أساسياً من القانون الإنساني الدولي.
وتجد الظروف والشروط التي تمارس حركات التحرر الوطني عملياتها العسكرية والعنيفة في إطارها قبولاً من المواثيق والأعراف الدولية ومن المجتمع الدولي، ومن أهمها وضوح هدف هذه العمليات وهو إزالة الاحتلال أو الاستعمار الذي تفرضه إحدى الدول أو الشعوب على غيرها من الدول أو الشعوب. وهذا الهدف يجد قبولا من المجتمع الدولي والرأي العام العالمي، كما أن الأمم المتحدة خصصت أحد أجهزتها لتصفية الاستعمار وتقرير حق تقرير المصير للشعوب الخاضعة للاحتلال وأكد ميثاق الأمم المتحدة على هذا الحق. ومن ثم فهدف عمليات التحرر الوطني العنيفة هدف مشروع، بينما الهدف من أي عملية إرهابية هو هدف غير مشروع. كما أن من يقوم بالعمل الإرهابي هو تنظيم أو حركة غير معترف بها من قبل المجتمع الدولي، وإذا قامت به دولة إرهاب الدولة سرعان ما يجد تصرفها هذا استنكاراً من المجتمع الدولي، بينما حركات التحرر الوطني تعترف بحقها ووجودها المواثيق الدولية وتضفى الشرعية على هذا الوجود والذي عادة ما يلقى تعاطفاً ومساندة من الرأي العام العالمي والمجتمع الدولي. كما أن أنشطتها معترف بها من قبل المواثيق الدولية،خاصة ميثاق الأمم المتحدة واتفاقيات جنيف لعام 1949، التي تضفى الشرعية والقبول على هذه الأنشطة، وتلزم المجتمع الدولي ممثلاً في الأمم المتحدة ومختلف دول العالم مساندة هذه الحركات سياسياً ومعنوياً ومادياً واقتصادياً للحصول على حقها في تقرير المصير والتحرر من الاستعمار وإزالة الاحتلال.
وبالرجوع إلى مقررات الصليب الأحمر الدولي منذ عام 1904، وحتى اتفاقيات جنيف الأربع عام 1949، فإنه من حق الشعوب الواقعة تحت الاحتلال أو الحكم العنصري والهيمنة الأجنبية أن تستخدم كل صور العنف ضد الاحتلال الأجنبي والهيمنة الأجنبية والحكم العنصري وفق الشروط التالية:
- أن تقع أعمال العنف داخل الأرض المحتلة بصفة أساسية ولا تقع خارجها إلا إذا استحال تنفيذها بالداخل.
- أن توجه ضد القوات العسكرية أو شبه العسكرية أو رموز السلطة أو هيئات أو أشخاص الإدارة المدنية للاحتلال.
- ألا توجه ضد المدنيين والأبرياء والأطراف الثالثة. والمقصود بالأطراف الثالثة ممثلو الدول الأجنبية أو المنظمات الدولية لدى القوة أو الدولة القائمة بالاحتلال أو المتوسطين في النزاع أو الساعين لتسوية وإنهاء وضع الاحتلال.
ووفقا لهذه الشروط، فإن أعمال العنف التي يمارسها الفلسطينيون في الأرض المحتلة هي أعمال مشروعة مهما ترتب عليها من نتائج، إذ أنها تقع ضد المحتل الإسرائيلي.وبالرجوع إلى الأحكام الواردة في اتفاقية جنيف الرابعة، يتضح ما يلي:
- إن الأراضي العربية التي احتلتها إسرائيل في العام 1967، بما في ذلك الجولان السورية والقدس الشرقية، هي أراض محتلة ، وأن على إسرائيل التي تصفها القرارات الدولية كلها بـالقوة القائمة بالاحتلال أن تلتزم جميع اتفاقيات جنيف، بما يعنى ضرورة معاملة السكان المدنيين الواقعين تحت الاحتلال الإسرائيلي بموجب هذه الاتفاقيات.
- تمنح اتفاقية جنيف الرابعة الأشخاص المدنيين الواقعين تحت الاحتلال حقاً أصيلاً في حماية أشخاصهم وأسرهم وأملاكهم .. الخ. وتشمل هذه الحماية أيضا حرية ممارسة معتقدهم الديني ورأيهم السياسي. وعلى هذا الأساس تحظر الاتفاقية على القوة القائمة بالاحتلال القيام بأي عمل من أعمال العنف أو القتل بجميع أنواعه بحق هؤلاء، كذلك تحظر أعمال الخطف والحجز العشوائي والإبعاد والتشريد والترحيل وتشتيت العائلات وإهانة الكرامات الشخصية، وتصبح بالتالي القوة القائمة بالاحتلال مسئولة أمام القانون الدولي لدى مخالفتها أحكام الاتفاقية المذكورة.
- إذا أخلت القوة القائمة بالاحتلال بهذه الواجبات أو انحرفت عنها فإن من حق السكان المدنيين أن يثوروا إلى درجة العصيان المدني الشامل واللجوء إلى السلاح.وإذا ثار السكان المدنيون ضد المحتل واستطاعوا أن يطردوه بالقوة من أرضهم، فإن هذا الاحتلال يعتبر منتهياً باعتراف القانون الدولي. والأمر ذاته يحصل عندما تستطيع القوى النظامية المسلحة للدولة المغلوبة على أمرها طرد المحتل.
واستنادا إلى ما تقدم، فإن المقاومة الفلسطينية داخل الأراضي المحتلة تعد مشروعة في القانون الدولي إذا لجأت أو استخدمت العصيان المسلح، فهي مقاومة شعبية تهدف إلى ممارسة الحق في تقرير المصير للشعب الفلسطيني. وهى في الوقت ذاته، مقاومة ضد القوة القائمة بالاحتلال التي تخالف تكراراً أحكام اتفاقية جنيف الرابعة.
وعلى هذا الأساس أيضا، فإن المقاومة الوطنية اللبنانية تستند في شرعيتها إلى اتفاقية جنيف ذاتها بإزاء القوة القائمة بالاحتلال. وهي في هذا الإطار، تتميز عن الإرهاب الذي يدينه القانون الدولي. يضاف إلى ذلك أن هذه المقاومة الوطنية اللبنانية حصلت على مكاسب تعاقدية إلى جانب مشروعيتها الدولية، ذلك لأن تفاهم نيسان عام 1996، تضمن إقراراً خطياً صريحاً بحق المقاومة الوطنية اللبنانية في الدفاع المشروع عن النفس. وقد اعترف بهذا القرار الجانبان الأمريكي والإسرائيلي معاً.

ثانيا : ماهية المقاومة المسلحة

يمكن تعريف المقاومة المسلحة أنها عمليات القتال التي تقوم بها عناصر وطنية من غير أفراد القوات المسلحة النظامية - دفاعا عن المصالح الوطنية أو القومية ضد قوى أجنبية سواء كانت تلك العناصر تعمل في إطار تنظيم ، يخضع لإشراف وتوجيه سلطة قانونية أو واقعية ، أو كانت تعمل بناء على مبادرتها الخاصة، سواء باشرت هذا النشاط فوق الإقليم الوطني ، أو من قواعد خارج هذا الإقليم.

1- مقومات المقاومة الشعبية المسلحة هي نشاط شعبي، بالقوة المسلحة، ضد قوى أجنبية، بدافع وطني.
أ - النشاط الشعبي: أصبحت الحرب في عصرنا الحديث تصيب أعدادا غير قليلة من البشر، وأدى تطور مبدأ الوطنية والأفكار الديموقراطية إلى تزايد أعداد المدنيين الذي يشاركون في الحرب، وعلى الرغم من أن قانون الحرب يعرف التفرقة بين المقاتلين وغير المقاتلين - والتي تعتبر واحدة من أعظم انتصاراته - فان هذه التفرقة أصبحت اقل وضوحا، فالمدنيون الذين ليسوا أفرادا في القوات المسلحة النظامية، يشتركون بدور يتزايد شيئا فشيئا في العمليات العسكرية، ويتأثرون بإلقاء القنابل وبالحصار الاقتصادي.
وبما أن اشتراك المدنيين بدور متزايد، في الحروب الحديثة، قد بات أمرا ملموسا ويكاد يكون مسلما به من الكافة، فان دورهم في المقاومة الشعبية المسلحة، لا يمكن أن يكون محل إنكار، ولكن ما الذي نقصده بالشعب في هذا المجال؟ هل يمكن أن يكون المقصود بالشعب هنا مجموعة الأفراد الذي يرتبطون بالدولة، بروابط سياسية وقانونية، ويلتزمون نحوها بالخضوع في مقابل تمتعهم بحمايتها؟ إن تحديد الشعب على هذا النحو، إنما يتم عند النظر إليه بوصفه عنصرا في تكوين الدولة وإذا كانت حركات المقاومة الشعبية المسلحة كثيرا ما تجري في حالة لا يكون فيها ثمة وجود للدولة بالمعنى القانوني المعروف - فقد تجري المقاومة بهدف إنشاء دولة - فإننا لا يمكن أن نقتصر على ذلك المدلول القانوني للشعب، فالشعب الذي يقوم بالمقاومة المسلحة يشمل الشعب بمعناه القانوني المعروف ويمتد إلى جماعة الشعب دون دولة، أو جماعة الشعب التي تمتد إلى ابعد من الدولة. فوجود الشعب سابق بالضرورة على وجود الدولة، وإذا آمكن أن نتصور شعبا بلا دولة - والأمثلة على ذلك قائمة - فإننا لا نتصور دولة بلا شعب.
وعلى الرغم من الخلاف الذي يثيره تفسير كلمة الشعب في فقه القانون الدولي العام، وبخاصة عند دراسة تقرير المصير، والذي نصت المادة الثانية من ميثاق الأمم المتحدة على حق الشعوب فيه. فنرى الأخذ بمفهوم أفراد الجماعة الإقليمية الذي يرتبطون بمجموعة من الروابط العامة المشتركة من تاريخ ولغة وتقاليد وعادات مشتركة، ويتطلعون إلى مصير ومستقبل واحد، عند تحديد الشعب الذي يكون له ممارسة المقاومة المسلحة.
ومن الطبيعي أن النشاط الذي يقوم به أفراد القوات المسلحة ضد عدو أجنبي، لا يعتبر من قبيل المقاومة الشعبية المسلحة، ورغم كون أفراد القوات المسلحة من أبناء الشعب، ذلك أن القوات المسلحة، قوات نظامية، تتبع الدولة ولا يعتبر العمل الحربي الذي تقوم به لصد عدو أجنبي من قبيل المقاومة الشعبية المسلحة بل هو ممارسة للحرب بالمعنى التقليدي المتعارف عليه.
كما انه لا يتصور اشتراط أن يقوم الشعب بجميع مكوناته بالاشتراك في المقاومة المسلحة حتى يتحقق لها الطابع الشعبي، وإنما يتحقق للمقاومة المسلحة هذا الطابع الشعبي، عندما تجريها عناصر من الشعب بمعناه المتقدم. ولكن يلزم بطبيعة الحال أن يتعاطف الشعب في مجموعه، مع تلك العناصر التي تقوم بإجراء المقاومة ، وان يقدم لاولئك الأفراد من أبنائه الذي اخذوا على عاتقهم هذا الواجب، كل دعم ومساعدة، فيقدم لهم الإمداد ويحميهم، والواقع إن التعاطف الشعبي مع القائمين بالمقاومة المسلحة شرط أساسي ولازم من شروط قيامها وبقائها ونجاحها في النهاية في تحقيق أهدافها.
ب - استخدام القوة المسلحة: كما يعد استخدام القوة المسلحة ، احد العناصر الرئيسة لقيام المقاومة الشعبية المسلحة، والمقصود باستخدام القوة المسلحة، مباشرة القتال ضد العدو الذي تجري ضده المقاومة وغالبا ما يستخدم أفراد المقاومة، أسلوب - حرب المجموعات الصغيرة في قتالها ضد العدو الذي تشتبك معه.
وقد أثبتت تجارب الحرب العالمية الثانية، فعالية أعمال التخريب التي تقوم بها حركات المقاومة الشعبية المسلحة، في إقليم محتل، وما تمثله من تهديد مستمر للسلطة القائمة بالاحتلال الأمر الذي أثار النقاش حول مدى حق القائمين بالمقاومة الشعبية المسلحة في إتيان مثل هذه الأعمال. وقد أصبح من المسلم به اليوم انه للمقاومين بوصفهم مقاتلين قانونيين - إذا ما توافرت لديهم الشروط المقررة في قانون الحرب لاكتساب هذا الوصف - القيام بإعمال التخريب المشروعة التي يباح لأفراد الجيوش النظامية إتيانها طبقا للعرف المعمول به في نطاق قانون الحرب.
وإذا كان استخدام القوة المسلحة، ومباشرة نوع من عمليات القتال، احد السمات الرئيسية للمقاومة الشعبية المسلحة، بالمفهوم المتقدم، فأنها تتميز ولا شك عن المقاومة المدنية أو المقاومة بغير عنف. فهذا النوع الأخير من المقاومة لا يتم باستخدام القوة المسلحة، وأعمال العنف.

ج- القوى التي تجري ضدها المقاومة :
تنشأ المقاومة الشعبية المسلحة، استجابة غريزية وكرد فعل من جانب الشعب ضد موقف معين ، يكون فيه مصير الوطن، معرضا للخطر من جانب عدو أجنبي تقوم جيوشه بغزو البلاد، أو بشن حرب عدوانية عليها، أو يحول دون تحقيق أماني الشعب في الاستقلال، فيهب فريق من أفراد الشعب إلى السلاح تلقائيا، أو في إطار تنظيم أو تنظيمات معينة، للدفاع عن ارض الوطن، والدفاع عنها، أو للحصول على الاستقلال وتحقيق الآمال الوطنية. ومن هنا فان المقاومة المسلحة ينبغي إن تجري دائما ضد عدو أجنبي.
وبذلك تختلف المقاومة الشعبية عن الحرب الأهلية التي تؤكد عندما يلجأ طرفان متضادات إلى السلاح في داخل الدولة بقصد الوصول لأي السلطة، أو عندما تقوم نسبة كبيرة من المواطنين في دولة ما بحمل السلاح ضد الحكومة الشرعية في تلك الدولة. وهي تختلف من هذه الزاوية أيضا عن حروب الانفصال التي يقوم بها المواطنون في إقليم من الأقاليم ضد الدولة ألام للانفصال عنها وتكوين دولة جديدة.

د- الدافع الوطني: يعد الدافع الوطني من ابرز الخصائص واظهر المميزات، التي تتسم بها المقاومة الشعبية المسلحة، فأفراد المقاومة إنما يلجأون إلى السلاح بدافع من مشاعرهم الوطنية، دفاعا عن ارض والوطن ضد العدوان الخارجي، أو من اجل تخليص تلك الأرض من براثن الاحتلال الحربي أو الاستعمار وهم يتحملون من اجل ذلك كثيرا من الصعاب. ويركبون المخاطر ، ويلقون العنف والاضطهاد، ويقدمون أرواحهم فداءا للوطن،برهانا على وطنيتهم، لذلك فان أعمال المقاومة المسلحة ينظر إليها دائما في ضوء هذه الأهداف النبيلة، والغايات السامية المجردة، وكانت تلك المبادئ والمثل العليا، التي تكمن دائما وراء المقاومة الشعبية المسلحة، دافعا لإسباغ حماية قانون الحرب على أولئك الأفراد استثناء من القواعد العامة في قانون الحرب، التي تجعله مقتصرا على عمليات القتال التي تمثل حربا بالمعنى الدقيق، والتي تقوم بها قوات مسلحة نظامية.
وإذا كان الدافع الوطني ، هو احد الخصائص المميزة للمقاومة المسلحة، فانه يعد معيارا لتمييزها عن أعمال العنف والقتال التي قد تقوم بها طائفة من الأفراد بقصد السلب، والحصول على مغانم خاصة بأفرادها. حتى ولو جاءت تلك الأعمال ضد عدو أجنبي. وهو ما يميزها أيضا عن تلك العمليات الحربية التي يقوم بها جماعات من الأفراد المسلحين، ضد دول أجنبية، خدمة لأغراض سياسية لأحد الحكام السابقين لتلك الدولة أو لأحد الأحزاب السياسية فيها. فالدافع الذي يحرك مثل هذه الأعمال، إن كان سياسيا، فانه يجري لصالح فرد أو فئة. أما الدافع الوطني - وهو دافع سياسي في المقاوم الأول أيضا - الذي يحرك المقاومة، فانه يتردد مع المصلحة الوطنية المجردة وجودا وعدما.

ثالثا: الوضع القانوني للمقاومة الشعبية المسلحة بوجه عام

1- التكييف القانوني للمقاتل: ظلت مسألة تحديد الذين يكون لهم اكتساب وصف المقاتل القانوني - وما يرتبه هذا التكييف من الحق في إلحاق الأذى بالعدو ، واكتساب الحق في المعاملة كأسرى حرب حالة الوقوع في أيدي العدو - واحدة من أدق مشاكل قانون الحرب التقليدي وأثارت كثيرا من النقاش خلال المؤتمرات الدولية الخاصة بتقنين عادات وأعراف الحرب، وخاصة في مؤتمرات بروكسل عام 1874 ، ولاهاي عام 1899 ، 1907 . ولئن كان من السهل الاتفاق حول توافر ذلك الوصف لإفراد الجيوش النظامية التي يمتهن ضباطها وجنودها حمل السلاح في إطار النظم الخاصة بجيش يتبع الدولة، فان الأمر لم يكن كذلك بالنسبة لإفراد الشعب المدني الذي يهبون إلى حمل السلاح دفاعا عن أوطانهم ، في تلك الساعات الحالكة من تاريخا، حينما تجتاح أقاليمها جيوش الغزو أو تتأسس فيها سلطات الاحتلال. وسواء اتخذت تلك المقاومة شكل الهبات الجماعية الجماهيرية التلقائية، أو شكل المقاومة الشعبية المنظمة، فهنا يمكن القول باكتساب أفراد المقاومة لوصف المقاتل القانوني، بحيث يكون لهم الحق قانونا في إلحاق الأذى بالأعداء، والتمتع بوصف أسرى الحرب حال وقوعهم في قبضة العدو القائم بالغزو أو سلطات الاحتلال ، وما هي الشروط التي يجب توافرها للتسليم لهم بوصف المقاتل القانوني؟
لقد كان موضوع المقاومة الشعبية المسلحة ضد الغزو والاحتلال من ابرز المسائل التي احتدم حولها الجدل والنقاش طويلا في مؤتمرات بروكسل عام 1874 ، ولاهاي في 1899 و1907 وبدا واضحا انقسام الدول بين معسكرين، معسكر الدول الصغيرة التي دافع ممثلوها عن مذهبهم القائل بوجوب إطلاق حق الشعب المدني في المشاركة في الدفاع عن الوطن، وممارسة المقاومة الشعبية المسلحة التي نظر إليها بوصفها واجبا مقدسا، والعمل على تحرير هذا الحق من كل القيود، وقد كان من ابرز الحجج التي سيقت في هذا الصدد انه إذا جرى حصر إمكانية ممارسة الحرب في شكل واحد هو الحرب التي تجري بين الجيوش النظامية، فان الأمور ستجري دائما ضد مصلحة الدول الصغيرة، لأنه عندما تقوم الدول بإعداد كل قواتها من اجل حرب نظامية ، فان الغلبة ستكون حتما للدول الكبيرة ذات الإمكانيات البشرية والمادية الضخمة، وذلك هو ما يدعو بصفة خاصة إلى المحافظة على المشاعر الوطنية ورعايتها، تلك المشاعر التي تصنع الإنجازات التي يزخر بها تاريخ كل الشعوب. بينما دافع ممثلو القوى العسكرية الكبرى عن مصالح دولهم التي كان من صالحها حصر الحرب في نطاق الجيوش النظامية لتجنب جيوشها الغازية او القائمة بالاحتلال في حروب مقالة مخاطر المقاومة الشعبية المسلحة التي تحميها قواعد القانون الدولي.
وتوفيقا بين هذين المذهبين المتعارضين تم التوصل - بعد جهود مضنية - إلى إقرار نص المادتين الأولى والثانية من لائحة لاهاي الخاصة بقوانين وأعراف الحروب البرية، فجاء في المادة الأولى "قوانين الحرب بما يترتب عليها من حقوق وواجبات لا تطبق فقط على الجيوش ، وإنما أيضا على الميليشيا وفرق المتطوعين التي تتوفر لديها الشروط التالية:
- أن تكون تحت قيادة شخص مسؤول عن مرؤوسيه.
- أن تكون لها علامة مميزة يمكن تمييزها عن بعد.
- أن تحمل أسلحة بشكل ظاهر.
- أن تقوم بعملياتها الحربية طبقا لقوانين وتقاليد الحرب.

وفي البلاد التي تعتبر فيها الميليشيا والمتطوعين جزءا من الجيش، فإنها تندرج في اصطلاح الجيش؛ كما جاء في المادة الثانية " إن شعب الإقليم غير المحتل الذي يهب تلقائيا إلى حمل السلاح عند اقتراب العدو لقتال قوات الغزو، دون أن يتوافر لديه الوقت الكافي للتنظيم وفقا للمادة الأولى يعتبرون كمحاربين إذا احترموا قوانين وأعراف الحرب".
وهكذا اتسمت النظرة التقليدية للمقاومة الشعبية المسلحة بالقسوة والتشدد، وقامت على أساس فهم ضيق ومتشدد للدور الذي يمكن للمدنيين القيام به، دفاعا عن ارض الوطن في مواجهة الغزو أو الاحتلال، ووقع ذلك الفقه التقليدي في التناقض عندما راح يتحدث عن البواعث الإنسانية التي تكمن وراء مبدأ التفرقة بين المقاتلين وغيرهم من المدنيين المسالمين، متجاهلا أن الوطنية هي أنبل المشاعر الإنسانية وأقدسها على الإطلاق، وان تلك البواعث الإنسانية بذاتها كانت توجب في الواقع إضفاء حماية قانون الحرب على أولئك الذي يهبون إلى حمل السلاح، دفاعا عن أوطانهم بدافع من مشاعر الوفاء والولاء نحو الوطن.
وعلى الرغم من أن اتفاقيات جنيف لسنة 1949 قد وضعت في إعقاب الحرب العالمية الثانية ، التي لعبت المقاومة الشعبية المسلحة خلالها دورا هاما، وحظي أفرادها بالتعاطف والتقدير، فأنها فيما عدا الاعتراف صراحة بالمقاومة المنظمة ضد سلطات الاحتلال داخل الإقليم أو خارجه، قد أخذت بنصوص مشابهة لنصوص لائحة لاهاي بشأن المقاومة الشعبية المسلحة، وجرى تحديد الوصف القانوني للمقاتل عند الحديث عن أولئك الذي يكون لهم اكتساب وصف أسرى الحرب. قد جاء في المادة الرابعة من اتفاقية جنيف الثالثة الخاصة بمعاملة أسرى الحرب "
أولا : أسرى الحرب بالمعنى المقصود بهذه الاتفاقية هم الأفراد الذين يتبعون أحدى الفئات آلاتية يقعون في أيدي العدو:
1- أفراد الميليشيا الأخرى وأفراد الوحدات المتطوعة الأخرى بما في ذلك الذي يقومون بحركات مقاومة نظامية ويتبعون احد أطراف النزاع ويعملون داخل أو خارج أراضيهم حتى ولو كانت هذه الأراضي محتلة ، بشرط أن تتوافر في هذه الميليشيا أو الوحدات المتطوعة بما فيها تلك المقاومات المنظمة الشروط الآتية :
- أن تكون تحت قيادة شخص مسؤول عن مرؤوسيه.
- أن تكون لها علامة مميزة يمكن تمييزها عن بعد.
- أن تحمل أسلحتها بشكل ظاهر.
_ إن تقوم بعملياتها الحربية طبقا لقوانين وتقاليد الحرب.

2- سكان الأراضي غير المحتلة الذين يحملون السلاح باختيارهم عند اقتراب العدو لمقاومة القوات الغازية دون أن يكون لديهم الوقت الكافي لتشكيل أنفسهم في وحدات نظامية مسلحة بشرط أن يحملوا السلاح بشكل واضح وان يحترموا قوانين وتقاليد الحرب".
وقد شهدت فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية عددا هائلا من حروب المقاومة الشعبية المسلحة، التي مارستها شعوب عديدة من اجل التخلص من الاستعمار، وممارسة الحق في تقرير المصير، حتى بدا الصراع بين حركات التحرر وسلطات الاستعمار من ابرز ظواهر الأزمنة الحديثة.
وليس ثمة شك في أن الوضع القانوني الذي تقدمه اتفاقيات جنيف للمقاومة الشعبية المسلحة بصفة عامة، والمقاومة في مواجهة سلطات الاستعمار بصفة خاصة لم يكن مرضيا، حيث جرى الفقه الدولي في ظل اتفاقيات جنيف على التفرقة بين نوعين من المقاومة، المقاومة التي تتم في إطار نزاع مسلح دولي، وهي المقاومة التي تحميها قواعد القانون الدولي، ومقاومة تجري في إطار نزاع مسلح غير ذي طابع دولي، وهذه لا تطبق بشأنها إلا المادة الثالثة المشتركة من اتفاقيات جنيف الأربع وهو ما كان يثير انتقادات مريرة، ويتناقض مع المبادئ القانونية الجديدة التي أكدها ميثاق الأمم المتحدة وما تلاه من وثائق، وأهمها مبدأ الحق في تقرير المصير، وتحريم حروب العدوان وضمان حقوق الإنسان، هو ما حدا بجانب من الفقه إلى التطلع إلى قواعد جديدة تكفل تحقيق التواؤم مع الواقع الدولي الجديد وتواكب متغيراته.
ومن هنا كان طبيعيا أن تحتل المقاومة المسلحة موضع الصدارة بين المشاكل القانونية التي حظيت بالاهتمام ، خلال الجهود الدولية المعاصرة التي استهدفت العمل على إنماء وتطوير القانون الدولي الإنساني المطبق على النزاعات المسلحة .

2 - التطورات الحديثة: حفل الواقع الدولي بمتغيرات عديدة في أعقاب توقيع اتفاقيات جنيف، واستقرت بعض المبادئ القانونية التي ترجع بجذورها الى ما قبل هذا التاريخ، وبدت أكثر وضوحا بقدر ما أصابها من التطور والنمو، ويكفي ان نشير على سبيل المثال في هذا الصدد الى القضاء على الدولة في شن الحرب وتحريم حرب العدوان ، واستقرار مبدأ حق الشعوب في تقرير مصيرها. وقد تزايدت الأصوات الداعية إلى وجوب إضفاء مزيد من الحماية على أفراد المقاومة الشعبية المسلحة ضد سلطات الاحتلال، ولفت البعض الانتباه إلى إن إلزام أفراد المقاومة بالشروط الأربعة الموروثة من مؤتمر لاهاي في مطلع القرن الحالي يعني إننا نضع أفراد المقاومة تحت رحمة جيش الاحتلال، ومن هنا فان من المتعين التخفيف من تلك الشروط والسماح لأفراد المقاومة بالتخفي في الاحوال التي يسمح فيها لافراد الجيوش النظامية بالتخفي أيضا، مع المحافظة على التزام الجميع بضرورة احترام قوانين وأعراف الحرب بوصف ان مثل هذا الالتزام هو الذي يضمن التقليل من وحشية عمليات القتال من جانب جميع الأطراف.
وقد كانت دورات مؤتمرات جنيف الدبلوماسي للعمل على انماء وتطوير قواعد القانون الدولي الإنساني المطبق على النزاعات المسلحة، والتي عقدت في جنيف في الفترة من عام 1974 حتى عام 1977 - والذي توِّج بإقرار بروتوكولين إضافيين لاتفاقيات جنيف لعام 1949 تم التوقيع عليها في 10 حزيران - يونيو - 1977 - مناسبة لطرح هذه الدعوات والآراء وقد تبنى المؤتمر في البروتوكول الأول الرغبة الدولية العارمة في وجوب توفير قدر اكبر من حماية القانون الدولي للمقاتلين من اجل الحرية حيث جاء في المادة الأولى من البروتوكول ، الملحق الأول:
- ينطبق هذا الملحق - البروتوكول - الذي يكمل اتفاقيات جنيف لحماية ضحايا الحرب الموقعة بتاريخ 12 آب / أغسطس - 1949 على الأوضاع التي نصت عليها المادة الثانية المشتركة فيما بين هذه الاتفاقيات.
- تتضمن الأوضاع المشار إليها في الفقرة السابقة، المنازعات المسلحة التي تناضل بها الشعوب ضد التسلط الاستعماري والاحتلال الأجنبي وضد الانظمة العنصرية، وذلك في ممارستها لحق الشعوب في تقرير المصير، كما كرسه ميثاق الأمم المتحدة والإعلان المتعلق بمبادئ القانون الدولي الخاصة للعلاقات الدولية والتعاون بين الدول طبقا لميثاق الأمم المتحدة".
وهو ما يعني في بساطة اعتبار النزاعات المسلحة الناجمة عن نشاط حركات التحرير بمثابة نزاعات مسلحة دولية، يطبق عليها البروتوكول - الملحق - الأول وقانون النزاعات المسلحة في مجموعة، ومن ناحية أخرى فان المواد 43 ، وما بعدها من البروتوكول - الملحق - الأول قد انطوت اعل نظرة تتسم بالحداثة والتيسير إزاء أفراد المقاومة، فهي قد اعتبرت - بموجب المادة 43/- أفراد المقاومة النظامية مندرجين في مفهوم القوات المسلحة، حيث نصت المادة 143/- من البروتوكول الأول على أن "تتكون القوات المسلحة لطرف النزاع من كافة القوات المسلحة والمجموعات والوحدات النظامية التي تكون تحت قيادة مسؤولة عن سلوك مرؤوسيها قبل ذلك للطرف حتى ولو كان ذلك الطرف ممثلا بحكومة أو بسلطة لا يعترف بها الخصم. ويجب أن تخضع مثل هذه القوات لنظام داخلي يكفل إتباع قواعد القانون الدولي التي تطبق في النزاع المسلح".
ثم قضت المادة -44- من البروتوكول الأول على أن :
- يعد كل مقاتل ممن وصفتهم المادة -43 - أسير حرب إذا ما وقع في قبضة الخصم .
- يلتزم جميع المقاتلين بقواعد القانون الدولي التي تطبق في المنازعات المسلحة بيد ان مخالفة هذه الأحكام لا تحرم المقاتل حقه في أن يعد مقاتلا ، آو ا يكون أسير حرب إذا ما وقع في قبضة الخصم، وذلك باستثناء ما تنص عليه الفقرتان الثالثة والرابعة من هذه المادة.
- يلتزم المقاتلون، حماية المدنيين ضد آثار الأعمال العدائية ، أن يميزوا أنفسهم عن السكان المدنيين أثناء اشتباكهم في هجوم عسكري. أما مواقف المنازعات المسلحة التي لا يملك فيها المقاتل المسلح أن يميز نفسه على النحو المرغوب ، فانه يبقى عندئذ محتفظا بوضعه كمقاتل شريطة أن يحمل سلاحه علنا في مثل هذه المواقف:
- أثناء أي اشتباك عسكري.
- طوال ذلك الوقت الذي يبقى خلاله مرئيا للخصم على مدى البصر أثناء انشغاله بتوزيع القوات في مواقعها استعدادا للقتال قبيل شن هجوم عليه أن يشارك فيه.
ولا يجوز أن تعتبر الأفعال التي تطابق شروط هذه الفقرة من قبيل الغدر في معنى الفقرة الأولى (ج) من المادة 37 .

رابعا: وسائل المقاومة وأساليبها
تميزت حروب المقاومة منذ أقدم العصور باستخدام أساليب خاصة في قتالها، وكان أسلوب حرب المجموعات الصغيرة الأمر الذي كان الفقه التقليدي يسلم به في جملته، بسبب الظروف الخاصة التي تجري فيها المقاومة الشعبية المسلحة ضد عدو متفوق من الناحية العسكرية والمادية في غالب الأحيان، بيد أن التسليم بتلك الأساليب كان يجري دائما على أساس من تشبيهها بأساليب الجيوش النظامية، وبعبارة أخرى فانه لم يكن من المسموح للمقاومة أن تلجأ إلى أساليب يحرم على الجيوش النظامية اللجوء إليها، فكان من المسلم به في ظل النظرية التقليدية مثلا أن أفراد المقاومة إذا ما توافرت لديهم الشروط المقررة لاكتساب وصف المقاتلين القانونيين ارتكاب عمال التخريب التي يجوز لإفراد الجيوش النظامية القيم بها. ولم يكن يسمح لإفراد المقاومة اللجوء إلى أساليب لا يجوز للجيوش النظامية إتيانها بأي حال من الأحوال.
وكشفت تجارب الحرب العالمية الثانية وما تلاها عن اتجاه متزايد من جانب حركات المقاومة إلى استخدام لأساليب تختلف عن أساليب القتال المألوفة بين الجيوش النظامية، فلقد أدى اختلال توازن القوى على نحو فادح بين مجموعات المقاومة من ناحية، وبين البدو الذي تجري ضده المقاومة من ناحية أخرى، إلى لجوء تلك المجموعات في غالب الأحيان إلى ما أصبح يعرف اليوم بأساليب الإرهاب ، بل امتد اثر مثل تلك الأساليب إلى المساس بسلامة المدنيين الأبرياء او حياتهم في الكثير من الأحوال، وعرفت السنوات الأخيرة بوجه خاص تصاعد مد هذه الأساليب، ولئن كانت السنوات الأخيرة بذاتها قد شهدت نشاطا متزايدا ومتصلا بهدف صياغة النظرية الحديثة للمقاومة الشعبية في شكل قواعد دولية مكتوب. وذلك في إطار تطوير قواعد قانون النزاعات المسلحة، فلقد كان طبيعيا ان يكثر الجدل والنقاش حول المشاكل القانونية البالغة التعقيد التي تثيرها هذه الأساليب.
وإذا كانت النظرية الحديثة تسبغ وصف الشرعية الدولية على المقاومة في مفهومها الواسع ، وتستهدف تحقيق الحماية الواسعة لإفرادها في ظل أدنى حد مستطاع من الشروط، فان من المفهوم، والمسلم به ضمنا في ظل هذه النظرية الحديث أن للمقاومة أن تعمل على تحقيق أهدافها المشروعة بكافة الوسائل والأساليب العسكرية المتاحة لها، طالما كانت تلك الوسائل والأساليب لا تنطوي على مخالفة لمبادئ قوانين وأعراف الحرب، وهو الشرط الذي بقي أساسا لمنح أفراد المقاومة وصف المقاتلين القانونيين.

خامسا:حماية المدنيين إثناء حروب المقاومة

يعد مبدأ التفرقة بين المقاتلين وغير المقاتلين - رغم ما تعرض له من اضطراب - بمثابة الأساس الذي يقوم عليه القانون الدولي الإنساني. وتمثل حروب المقاومة ذروة التحدي لذلك المبدأ حيث يتعرض المدنيون خلالها لإخطار فادحة. فأفراد المقاومة غالبا ما يقومون بالاختفاء وسط المدنيين، الذي تعد مساندتهم وتأييدهم للمقاومة بمثابة أهم عناصر نجاحها وفعاليتها، فمنهم يحصل أفراد المقاومة على المؤن والمعلومات والأفراد الجدد الذي ينخرطون في سلك المقاومة. وهو ما يدفع السلطات التي تجري ضدها المقاومة والتي تعمل على قهر تلك المقاومة وسحقها، إلى النظر بعين الشك والريبة نحو المدنيين بوصفهم أعداء محتلمين، أو بوصفهم غطاء لأفراد المقاومة الأمر الذي يحدو بها إلى اتخذا إجراءات القمع والقهر ضدهم. وتتدرج في ذلك من التوقيف والقبض الى اخذ الرهائن والتعذيب وإعدام الرهائن بشكل جماعي او تدمير القرى والمنازل.

وإذا كانت النظرية الحديثة في القانون الدولي الإنساني هي نتاج لتلك الجهود المتتالية التي ترمي إلى ضمان احترام حقوق الإنسان أثناء النزاعات المسلحة، فان من المفهوم والمسلم به تماما، ان الحماية الواسعة التي يتعين أن يتمتع بها أفراد المقاومة في ظل هذه النظرية الحديثة، ترتبط وتقترن دائما بحماية المدنيين الذي لا يساهمون في عمليات القتال ، هو امر واضح تماما في كل الجهود التي بذلت لتطوير قواعد القانون الدولي الإنساني. ويلحظ المرء منذ مؤتمر طهران لحقوق الإنسان في سنة 1968 وما تلاه من جهود، ذلك الحرص على الربط بين التوسع في حماية افراد المقاومة وتأكيد ضرورة العمل على حماية المدنيين اثناء النزاعات المسلحة بصفة عامة والنزاعات المسلحة الناجمة عن نشاط المقاومة الشعبية " او ما يطلق عليه حروب التحرير" بصفة خاصة وهو ما يسمح بالقول ان تطوير قواعد نظرية المقاومة على نحو يكفل حماية واسعة للمقاتلين من اجل الحرية قد ارتبط دائما بالعمل على تأكيد وتوسيع الحماية المقررة للمدنيين أثناء النزاعات المسلحة الناجمة عن حروب المقاومة .وقد تجلى ذلك في نصوص البروتوكولين "الملحقين" الإضافيين لاتفاقيات جنيف لعام 1949 والموقع تعليهم في عام 1977 .