10‏/02‏/2008

التكييف القانوني للحصار في القانون الدولي

التكييف القانوني للحصار في القانون الدولي
وآثاره على لبنان
د.خليل حسين
أستاذ القانون الدولي في الجامعة اللبنانية
مدير الدراسات في مجلس النواب اللبناني

يعتبر الحصار عملا من الأعمال الحربية التي يقصد منها إجبار دولة ما على الرضوخ لإرادة دولة أخرى،ويمكن أن ينفذ الحصار بوجوه عدة بحرا وجوا وبرا،بهدف قطع طرق الاتصال الخارجي أو إدخال الحاجات والمؤن لزيادة الضغوط على الدولة والتسليم عنوة بما تطالب به الدولة التي تقوم بالحصار.وقد نظمت اتفاقية لاهاي للعام 1907 قانون الحرب ومنها أعمال الحصار،وثمة شروط أربعة لها،أولا وجود سلطة مختصة للقيام بذلك وهو شرط متوافر في لبنان والكيان "الإسرائيلي"ولو أن لبنان لا يعترف من الناحية المبدئية "بإسرائيل" وبالتالي ليس ملزما بتنفيذ قراراتها وتدابيرها. والثاني وجود حالة الحرب بين الدولتين المحَاصرة والمحِاصرة وهو شرط متوفر أيضا،أما الاحتجاج باتفاقية الهدنة للعام 1949 فهو أمر باطل قانونا فالهدنة لا تنهي الحرب بل تجمِّدها في حدود خطوط وقف إطلاق النار وتظل حالة الحرب قائمة ريثما يتم التوصل إلى اتفاق ما.الثالث ويتعلق بفاعلية الحصار لجهة نتائجه العملية وهو أمر وقعت نتائجه ومفاعيله على لبنان بشكل مباشر من كافة الجوانب.الرابع ويتعلق بالإعلان الرسمي عنه من قبل الدولة المحِاصرة وهو ما قامت به عمليا "إسرائيل" وربطته بنشر قوات حفظ السلام اليونيفل وبنجاح السلطات اللبنانية في منع إدخال السلاح إلى لبنان.وبذلك يمكن القول أن إجراءات الحصار "الإسرائيلي" على لبنان تتوافر فيها الشروط "القانونية"بصرف النظر عن عدم مشروعية الأجراء.
وإذا كانت الاتفاقيات الدولية تنظم إعمال الحرب وإجراءاتها فهذا لا يعني الحق باللجوء إلى الحرب واستعمال الأفعال العدائية ضد الدول.والدليل على ذلك العديد من النقاط القانونية ومنها.أولا بموجب الفقرتين (3) و(4) من ميثاق الأمم المتحدة تحث جميع الدول الملتزمة ميثاق الهيئة على حل نزاعاته بالطرق السلمية ومن المعروف أن لبنان و"إسرائيل" منضمتان وموقعتان على الميثاق الأممي وبالتالي على إسرائيل الامتناع عن حصار لبنان بل يوجب الأمم المتحدة القيام بما يلزم لفك الحصار. ثانيا يمنع الميثاق الاممي الدول اللجوء إلى القوة أو التهديد باستعمالها أو اللجوء إلى تدبير قسري إلا في حالتين وفقا للمادة (51) من الميثاق،الأولى في حالة الدفاع المشروع عن النفس شرط عجز مجلس الأمن عن وقف العدوان،والثاني اتخاذ مجلس الأمن قرار ضد دولة أمعنت في خرق القرارات الدولية؛وهاتان الحالتان ليستا متوفرتان في الوضع القائم بين لبنان و"إسرائيل"، فمجلس الأمن لم يصدر قرارا بحصار لبنان ولا أوكل مهمة الحصار إلى "إسرائيل"؛ بل أكثر من ذلك إن إسرائيل لم تلتزم بما ورد في القرار 1701 لجهة تمكين السلطات اللبنانية من بسط سيطرتها على الموانئ والمرافئ.وثالثا إن الحصار يعتبر عملا من الأعمال العدائية وفقا لتوصيف قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة للعام 1974،وكذلك وفقا للمادة (5) من نظام روما للمحكمة الجنائية الدولية التي وصفت اشد الجرائم الدولية خطورة على المجتمع البشري وهي الابادة الجماعية وجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية،والعدوان؛فالحصار وجها للعدوان والعدوان جريمة دولية تستحق العقاب والمساءلة القانونية ضد إسرائيل.ورابعا إن القرار 1701 لم يشر لا تصريحا ولا تلميحا بالحصار على لبنان بل فيه العديد من الفقرات التي تحث على تمكين السلطات اللبنانية في السيطرة على مرافئها وموانئها الجوية والبحرية والبرية البنود (1) و(6) و(14) و(15) أي فك الحصار المفروض من قبل إسرائيل،إضافة إلى ذلك تصريح الأمين العام للأمم المتحدة كوفي عنان في 30-8-2006 أن الحصار "الإسرائيلي" على لبنان يعتبر ذل للشعب اللبناني ينبغي العمل على إزالته.
وبذلك يعتبر الحصار مخالف للاتفاقيات والأعراف الدولية السالفة الذكر وبالتالي يمكن اللجوء من الناحية القانونية إلى المؤسسات الدولية والإقليمية التي ترعى تطبيق هذه الاتفاقيات،ومنها الأمم المتحدة وتحديدا مجلس الأمن عبر شكوى رسمية من قبل الحكومة اللبنانية،وإذا كانت قرارات مجلس الأمن يمكن أن تعطل بحكم الفيتو الأمريكي يمكن اللجوء إلى الجمعية العامة عبر ما يسمى بالاتحاد من اجل السلم والتي بموجبه يلزم مجلس الأمن تشكيل قوة رادعة لإحلال السلم والأمن الدوليين الذي يُهدد بفعل الحصار الإسرائيلي للبنان وما يمكن أن يتأتى عليه من نتائج إقليمية.إضافة إلى ذلك اللجوء للضغط على الدول العربية لاستعمال امكاناتها المادية والمعنوية لإجبار الولايات المتحدة وإسرائيل على فك الحصار نظرا للالتزامات العربية المتبادلة وفقا لمعاهدة الدفاع المشترك.كما ثمة عمل واقعي وعملي يمكن اللجوء إليه عنوة عبر الإقلاع والهبوط من مطار بيروت الدولي دون الرضوخ للحصار،وثمة سابقة في هذا المجال عند تحدّي العديد من شركات الطيران لقرار حصار العراق قبل غزوه.
اما لجهة السبل القانونية التي يمكن للبنان اللجوء إليها للمطالبة بالتعويضات المناسبة عن العدوان والحصار فثمة خيارات عدة للمقاضاة منها:محكمة العدل الدولية من الراهن انه لا يوجد أي تصريح مسبق، صادر عن لبنان التزام صلاحية هذه المحكمة. وان إسرائيل عمدت في 19/11/1985 إلى إلغاء مفعول هذا التصريح وبالتالي إلغاء قبولها بولاية المحكمة.إلا أن كلا من لبنان وإسرائيل قد انضم إلى الاتفاق الدولي المتعلق بمعاقبة جريمة الابادة الجماعية للعام 1948 التي أصبحت نافذة اعتبارا من 12/1/1951. وان المادة )9( من هذا الاتفاق تعطي محكمة العدل الدولية صلاحية النظر في كل نزاع ينشأ عن تفسير هذا الاتفاق أو تطبيقه، بما في ذلك مسؤولية إحدى الدول عن أعمال الإبادة التي ترتكبها، بحيث أن الدعوى - في حال تقديمها على أساس اتفاق عام 1948، تكون مقبولة في الشكل، وفق ما أخذ به اجتهاد هذه المحكمة، من دون الحاجة إلى موافقة خاصة من دولة أخرى منضمة إلى الاتفاق. كما أن تقديم الدعوى أمام هذه المحكمة لا يمكن أن يفسر بأنه اعتراف قانوني من جانب لبنان بالكيان الإسرائيلي، وذلك أسوة بالانتساب إلى الأمم المتحدة أو الانضمام إلى اتفاق دولي واحد. فالسند القانوني في حال تقديم الدعوى على أساس الإبادة الجماعية، هو اتفاق عام 1948 المتعلق بجريمة الابادة الجماعية، علما أن هذه الجريمة، أسوة بسواها من الجرائم الدولية هي الأكثر خطورة، وان هذا النوع من الجرائم لا يمر الزمن عليه وفق ما تمشى عليه اجتهاد القانون الدولي. وان الجمعية العمومية للأمم المتحدة أقرت في 26 تشرين الثاني 1968 اتفاقا أصبح نافذا في 11 تشرين الثاني 1971 ينص صراحة على أن لا مرور زمن في جرائم الحرب أو في الجرائم ضد الإنسانية. وقد كانت إسرائيل في عداد الدول التي صوَّتت على القرار الرقم 2391 العائد إلى هذا الاتفاق.أما بالنسبة المحكمة الجنائية الدولية فان فالعديد من الأفعال التي ارتكبتها "إسرائيل" في عدوانها الأخير يقع تحت طائفة الجرائم موضوع اختصاص المحكمة الجنائية الدولية التي لا تحاكم دولا، بل يمكنها محاكمة أفراد متهمين بارتكاب جريمة أو أكثر من الجرائم الداخلة ضمن اختصاصها. فالمحكمة تضع يدها على القضية وتمارس اختصاصها إما بإحالة القضية من دولة طرف في نظام المحكمة وقبلت بصلاحياتها (يقتضي استبعاد هذه الحالة إذ أن لا لبنان ولا إسرائيل انضما إلى اتفاق روما أو قبلا بصلاحية المحكمة)، وإما إحالة القضية من مجلس الأمن بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة. وهذه الحالة مستبعدة أيضا لاعتبارات الفيتو الأمريكي. وتبقى الحالة الأخيرة، وهي إحالة القضية من جانب المدعي العام لدى المحكمة الجنائية الدولية الذي يحق له التصرف تلقائيا. وقد لحظت المادة 12 من اتفاق روما في فقرتها الثالثة أنه يمكن الدولة غير المنضمة إلى الاتفاق إذا وقعت إحدى الجرائم على أرضها أن تعلن قبولها بصلاحية المحكمة لهذه الجرائم بالذات، وان تطلب من المدّعي العام أن يتحرك، وان يحيل القضية على المحكمة إذا تبين له من التحقيق الذي يجريه وجود أدلّة كافية تشكل أساسا معقولا للمحاكمة.