16‏/02‏/2008

خلفيات وأهداف جولة رايس في المنطقة

خلفيات وأهداف جولة رايس في المنطقة
د.خليل حسين
أستاذ العلاقات الدولية في الجامعة اللبنانية
رئيس مصلحة الدراسات في مجلس النواب اللبناني

ثمة سوابق عديدة ومتنوعة حاولت إسرائيل الاستفادة منها لاختراق الجدار العربي بهدف جرها لمفاوضات لم تكن في يوم من الأيام الهدف منها السلام أو غيرها من المبادئ والشعارات بقدر ما كانت تقطيعا للوقت لإيجاد بؤر إضافية للمزيد من التنازلات.وغريب المفارقات في هذا الموضوع بالتحديد استثمار كل عدوان إسرائيلي على لبنان أو غيره لجر العرب مجتمعين أو منفردين لمفاوضات لم تؤد إلى نتيجة ما سوى بعض اتفاقات السلام المنفردة والمزيد من حالات التطبيع التجاري والاقتصادي وغيرها.
ففي العام 1978 بعد الغزو الإسرائيلي الأول للبنان تمكنت إسرائيل من إخراج مصر من الصراع العربي الإسرائيلي وتوقيع اتفاقية كامب ديفيد،وفي فترة الثمانينيات من القرن الماضي ثمة عشرات من المحاولات في هذا السياق لم تصل إلى غاياتها الإسرائيلية المرجوة.إلا أن اجتياح العراق للكويت عام 1990 كانت مناسبة فريدة من نوعها للدبلوماسية الإسرائيلية لتصور هزيمة النظام العراقي آنذاك هزيمة لكل العرب،فعقد مؤتمر مدريد للسلام بشقيه الثنائي والمتعدد الأطراف ،وإذا كانت حصيلته الأولية اتفاق وادي عربة مع الأردن واوسلو ومتابعاته مع السلطة الفلسطينية،فقد ظل لبنان وسوريا خارج هذا الإطار نتيجة فشل إسرائيل بعدوانين متلاحقين على لبنان الأول "عملية تصفية الحسابات"في العام 1993 والثاني "عملية عناقيد الغضب" في العام 1996. فماذا عن عدوان إسرائيل الأخير وجولة رايس في الشرق الأوسط؟
إبان العدوان وبعده جرت مطالبات إسرائيلية متكررة بلسان رئيس الوزراء ايهود اولمرت للقاء رئيس الحكومة اللبنانية فؤاد السنيورة،ما لبثت أن صدرت تصريحات إسرائيلية أخرى عن إمكانية تحريك المفاوضات على المسار السوري،ولم يمض وقت طويل حتى سرَّبت الصحافة الإسرائيلية أنباء عن لقاءات إسرائيلية عربية نفتها العواصم المعنية.
لقد كان الهدف الإسرائيلي واضحا كما العرب، ففي الاجتماع الاستثنائي لمجلس وزراء الخارجية العرب المنعقد في بيروت إبان العدوان طلب العرب من مجلس الأمن الدولي التحرك لحل قضايا الصراع العربي الإسرائيلي بإيحاء أمريكي - فرنسي بهدف تمرير مفاوضات القرار 1701 آنذاك؛ وتصوير هذا الطلب على انه بيئة مناسبة لحل شامل كما ورد في بعض فقرات القرار لاحقا.ما حدث فيما بعد أن القرار 1701 أُقر بصيغته المعروفة الملتسبة على قاعدة إمكانية التأويل والتفسير الكيفي ما ساعد كل من واشنطن وتل أبيب لاحقا على استثمار مضامينه بموازاة المذكرة العربية في مجلس الأمن الدولي.
لقد فشل مجلس الأمن الدولي في اجتماعة بتاريخ 21 أيلول /سبتمبر من التوصل إلى أي صيغة أو حتى بيان،ذلك تحت الضغط الأمريكي باستعمال حق النقض الفيتو على اعتبار أن خريطة الطريق ما زالت صالحة كأساس للحل،وبذلك استبعاد أي تحريك للمسارين اللبناني والسوري في هذا الإطار.فضلا عن أن ثمة موقفا أمريكيا وإسرائيليا واضحا منذ منتصف القرن الماضي بإبعاد الأمم المتحدة عن أي مشروع حل للصراع العربي الإسرائيلي.وما يعزز هذا الاعتقاد بشكل واضح وجلي اجتماع وزيرة الخارجية الأمريكية كونداليسا رايس مع نظرائها الثمانية في مجلس التعاون العربي وكل من مصر والأردن في اليوم التالي لاجتماع مجلس الأمن ولم يمض وقت طويل حتى تمَّ الإعلان عن جولة رايس لدول المنطقة تحت عنوان تقديم حوافز عربية إلى إسرائيل لتشجيعها على المضي في عملية السلام، وإذا كانت هذه البيئة تشكل خلفية الجولة فما هي أهدافها؟ويمكن تسجيل العديد منها أبرزها:
- قياسا على السوابق الماضية يمكن اعتبار هذه الزيارة مناسبة لتكريس فرز عربي جديد داعم للمضي في عملية التسوية بأي ثمن وفقا للرؤية الأمريكية الإسرائيلية بعدما باعد العدوان الإسرائيلي على لبنان بين وجهات النظر العربية التي التقت سابقا على مبادرة قمة بيروت 2002.
- وعلى قاعدة عدم الاعتراف الأمريكي الإسرائيلي بإخفاق المشروع المشترك سيصار إلى تسويق الانكسار الإسرائيلي إلى نصر قابل للاستثمار سياسيا في المنطقة بشتى المجالات وإذا أمكن قضايا خارج إطار الصراع العربي الإسرائيلي ليطال ملفات إقليمية كالملف النووي الإيراني.
- إعادة ترميم وتكييف مشروع الشرق الأوسط الجديد الذي يعتبر جوهر العدوان وأساسه،بعد تلقيه ضربة موجعة كنتيجة للعدوان الإسرائيلي على لبنان.أما مدخل هذا الترميم فيبدو أمرا محتملا عبر منتديات ومؤتمرات اقتصادية إقليمية كما حدث سابقا كالتعاون الاقتصادي الشرق الأوسطي وشمال أفريقيا في المغرب والدوحة وشرم الشيخ .
- محاولة عزل سوريا إذ لم تنجح محاولات فصلها عن إيران،وإيجاد البيئة المناسبة لتوجيه عمليات عسكرية كخيار متاح مستقبلا، سيما وان حشد قوة حفظ السلام المعززة في جنوب لبنان ومحاولات إعطائها المزيد من الصلاحيات يعطي انطباعا مؤكدا في هذا الاتجاه.
- محاولة تكريس الانفصال الرسمي اللبناني عن خط الممانعة للمشاريع الأمريكية الإسرائيلية واستنساخ تجربة إنفاق 17 أيار 1983 ،سيما وان هذا المسعى ورد بشكل أو بآخر في نص القرار 1701 عبر الإشارة إلى القرارات الدولية ذات الصلة بالصراع العربي الإسرائيلي 242 و338 .
إن تسويق أي مشروع ينبغي أن تتوفر فيه شروط أساسية تجعله قابل للحياة،وإذا كانت جولة رايس في المنطقة ستتعاطى مع أزماتها وقضاياها على مشاريع مستنسخة من الماضي فمن الصعب أن تلقى قبولا لدى أطراف أساسيين في معادلات الحل والربط. فلبنان على صغر مساحته وضعف امكاناته تمكن حتى الآن من إبعاد نتائج حرب عالمية نفذت عليه،ذلك بفضل صمود المقاومة في العدوان الأخير.أما حركة حماس الموقع الأقوى في السلطة الفلسطينية قادرة هي الأخرى على الممانعة ومقاومة الشروط الأمريكية الإسرائيلية ولو في حدود معينة مقارنة بلبنان.أما دمشق غير البعيدة في الأساس عن استراتيجيات السلام وفقا للمبادئ المعروفة قادرة هي الأخرى على المضي في نفس المنهج المعتمد منذ منتصف السبعينيات مع تعديلات بسيطة الأمر الذي يتيح لها هامشا كافيا للتحرك والمناورة ،أما طهران التي تمكنت من جمع المزيد من أوراق القوة الداخلية والخارجية فلن يكون بمستطاع واشنطن ترويض طموحاتها الإقليمية في المنطقة من دون أثمان كبيرة جدا.
لكل ذلك ولأسباب كثيرة أخرى إن جولة رايس في المنطقة لن تأخذ طريقها إلى الحلول الوردية بل ستواجهها عقبات كثيرة ستعيد خلط الكثير من الأوراق ما سيسهم في تعقيد الأمور بدلا من حلها.فالسبب الرئيس في إخفاقات المشاريع الأمريكية الإسرائيلية كان البناء على مشاريع الحلول الأمنية بدلا من السياسية،ومحاولة استثمار العمليات العسكرية والأمنية لأهداف سياسية – اقتصادية غير قابلة للحياة.هل ستتعلم أمريكا من أخطائها السابقة ؟وهل ستستفيد رايس من دروس الماضي؟أم أن العلم في الكِبَر كالنقش في الحجر؟ إن الإجابة على تلك الأسئلة لا تحتاج إلى كثير من العناء.
فإذا كانت الأهداف المعلنة على الأقل هي البدء في تسوية الصراع العربي الإسرائيلي فان مدخلها واضح للإطراف المعنية به حتى الآن وهي مقررات قمة بيروت 2002، وإذا كانت من بين الأهداف غير المعلنة هي إيجاد بيئة الفوضى الخلاقة على قاعدة النموذج العراقي فله حسابات أخرى لن تكون دول المنطقة بمن فيهم التي ستشملهم الرعاية الأمريكية بمنأى عن نتائجها،وهذا ما ينبغي إدراكه والعمل على مواجهته من قبل الدول المستهدفة في جولة سمراء الإدارة الأمريكيةّ!.