16‏/02‏/2008

خلفيات وأبعاد جولة رايس في المنطقة

خلفيات وأبعاد جولة رايس في المنطقة
د.خليل حسين
اسناذ القانون الدولي في الجامعة اللبنانية

بدأت وزيرة الخارجية الأمريكية كونداليزا رايس جولة في المنطقة العربية شملت مصر والممكلة السعودية والإمارات العربية المتحدة ولبنان، وسط اجواء أن هدف الزيارة هو السعي لحشد الضغوط على الدول العربية المؤثرة لمساندة خطط أمريكية لحصار إيران، وعدم تمويل حكومة حماس الجديدة لتعجيل سقوطها، ومساندة الحكومة العراقية الجديدة اضافة الى تنحية الرئيس اللبناني عن سدة الرئاسة.
والملفت في زيارة رايس تأتي في اطار ما يشبه الهجوم الدبلوماسي الامريكي على المنطقة من عدة مسؤولين أمريكيين كبار منهم: نائب الرئيس ديك تشيني ، ومدير المخابرات الأمريكية،ستيفن راديمكر مساعد وزير الخارجية الأمريكية لشئون التسلح والحد من الانتشار والأمن الدولي ، ونواب في الكونغرس، وأخيرا وزيرة الخارجية كونداليزا رايس. وترتبط زيارات المسؤولين الأمريكيين للمنطقة العربية غالبا بطلب المساعدة في إنجاز مصالح أمريكية إقليمية في المنطقة.
وفي الواقع يظهر الضغط الامريكي عبر ملف الإصلاح الداخلي للمطالبة بمصالح أمريكية إقليمية والذي يأتي كنوع من الابتزاز بهدف دفع الحكومات العربية للتعامل مع المصالح الأمريكية.فقبل زياراتها السابقة وفي لقاءاتها بمؤسسات المجتمع المدني ، لبست رايس قناع الديمقراطية وخطبت في رموز المجتمع المدني من الإصلاحيين العرب، مؤكدة أنه لم يَعُد ممكنا بعد الآن أن يكون الخوف من الخيارات الحرة مبررا لرفض الحرية، ولكنها عندما التقت كبار المسؤولين ركزت حديثها على الشؤون الإقليمية التي تحقق مصالح أمريكية. ولم تتوان من تحديد أولويات سياسة حددتها حكومتها في ثلاثة أسس: الأول والثاني منها يعبران عن مصالح أمريكا وهما: مشكلتا فلسطين، ثم العراق، والأساس الثالث الإصلاح الداخلي والديمقراطية جاء آخر الأولويات.

ولكن رايس لم تنسَ تحديد أهداف زيارتها الفعلية وفق الناطق باسم الخارجية الأمريكية شون ماكورماك- في مطالبة الدول العربية خاصة الخليجية "الامتناع عن تمويل السلطة الفلسطينية إذا شكلت حركة المقاومة الإسلامية حماس حكومة"، والضغط على حماس لنبذ العنف والاعتراف بحق "إسرائيل في الوجود"، واعتماد "الحزم" مع النظام الإيراني، ودعم حكومة العراق المقبلة.فما هي اهداف الجولة الحقيقية والتي ادخلت لبنان فيها في اللحظة الأخيرة؟.
يبدو أن أحد الأهداف الأمريكية العاجلة في الوقت الراهن والتي كانت سببا لقيام رايس بالزيارة للمنطقة هو السعي لحصار حكومة فلسطين الجديدة بقيادة حماس، والسعي لإسقاطها وفق الخطة الثنائية الأمريكية الإسرائيلية التي كشف عنها مؤخرا، مع التركيز على قطع الدعم عنها كي تنشأ حالة من الفوضى تدفع الحكومة للانهيار، وتكليف حركة فتح بإعادة تشكيل الحكومة الجديدة.
اما الهدف الثاني فهو حصار إيران والتمهيد لسباق جديد من المواجهة التصعيدية على الطريقة العراقية هو الهدف الثمين لزيارة رايس ومن قبلها زيارتا مدير المخابرات الأمريكية، ومسؤول شؤون التسلح والحد من الانتشار بالخارجية الأمريكية، حيث تسعى واشنطن لتحقيق هدف أعلنته رايس بوضوح في جلسات استماع الكونغرس التي عقدت أوائل شباط، ويدور حول إشراك الدول العربية في حملة الضغط والتصعيد ضد البرنامج النووي الإيراني باعتبار أنها دول الجوار التي يقلقها هذا البرنامج ويؤثر عليها. وقد عبرت رايس هذا الأسبوع عن هذا الهدف ضمنا حين قالت: "يجب أن يكون هدفنا إقامة حوار مشترك ومحادثات مع دول أخرى في المنطقة حول سبل مواجهة تصرفات إيران"، كما قال المتحدث باسم الخارجية "ماكورماك": إن وزيرة الخارجية "ستقول لدول المنطقة إن لديها (هذه البلدان) مصلحة في التعبير عن رأيها والتصدي لموقف إيران؛ لأنهم معنيون بشكل مباشر".
وربما تنجح خطط رايس في اثارة دول الخليج والدول العربية ضد البرنامج النووي الإيراني، خاصة أن دول مجلس التعاون الخليجي عبرت في كانون الاول 2005 عن قلقها إزاء وجود محطة بوشهر النووية الإيرانية على بُعْد كيلومترات من سواحلها، كما أن واشنطن قبلت اقتراحا مصريا بضم فقرة في قرار مجلس محافظي وكالة الطاقة الذرية تتحدث عن إخلاء المنطقة العربية من أسلحة الدمار الشامل بهدف مساواة الخطر الإيراني النووي بالخطر الإسرائيلي ولو نظريا لضمان وقوف العرب ضد إيران.
ان ضم لبنان الى جولة رايس في المنطقة في اللحظة الأخيرة لا يمكن تفسيره الا في اطار الاحتضان الامريكي للملفات اللبنانية الساخنة في هذه الفترة ومن بينها موضوع الحوار المزمع اوائل آذار المقبل وما له من تداعات اذا كتب له النجاح،وكذلك ملف تنحية الرئيس اميل لحود عن سدة الرئاسة وآليات التحرك الممكنة لتحقيق هذا الهدف في الوقت الملآئم لبعض الاطراف الدولية .
وبصرف النظر عن نتائج هذه الزيارة الخاطفة الى لبنان وما يمكن ان يتأتى عنها فان لبنان بات في قلب العاصفة لا بعينها،الامر الذي يتتطلب جهدا استثنائا من كافة الأطراف لتخليصه من هذه الورطة التي يصعب التنبأ بنتائجها وتداعياتها على المصير والكيان.ومن هنا ان الاحتكام لطاولة الحوار بدون نوايا وشروط مسبقة يعد مدخلا لتجاوز الكثير من المشاكل القابلة للانفجار في اي لحظة.
طبعا ثمة جولات وجولات حوارية دخل فيها الاطراف اللبنانيون وكثيرا منها كانت غيرمشجعة نتيجة الكثير من الظروف والمعطيات التي رافقتها في السابق، الا ان التنبه والاحتكام الى منطق العقل والتبصر بمخاطر المرحلة ينبغي ان يكون نصب اعين اللبنانيين جميعا لئلا تفلت الامور من عقالها.
صحيح ان ثمة شروط وبيئة ينبغي توفرها لانجاح اي حوار واعد،وصحيح ان هذه الشروط وهذه البيئة ليستا متوفرتين على قدر كبير في هذه المرحلة بفعل التجاذبات والتادخلات الكثيرة بين الواقعين اللبناني والدولي ،الا ان مجرد الاحتكام للحوار بعيدا عن التشنجات يعطي الانطباع المبدأي ان ثمة اطراف تبحث عن حل يعيد الامور الى عقلها وعقالها، فهل يعي المسؤولون عن ذلك، ام ان حوار الطرشان سيكون الفاعل في هذه المحاولة؟اان غدا لناظره قريب.