13‏/02‏/2008

التحقيق الدولي في اغتيال الرئيس الحريري:قانوني ام سياسي؟

التحقيق الدولي في اغتيال الرئيس الحريري:
قانوني ام سياسي؟
د.خليل حسين
أستاذ القانون الدولي في الجامعة اللبنانية
مدير الدراسات ي مجلس النواب اللبناني
لا شك بأن جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري لها من الابعاد والخلفيات ما يجعلها جريمة سياسية من الطراز الاول وعملا لا يمكن السكوت عليه باعتباره فعلا تفوق تداعياته طاقة لبنان على تحمله،ومن هذا المنطلق ينبغي المضي في التحقيق بأكبر قدر من الجدية من كافة جوانبه،الا ان حجم ودور الرئيس الحريري في الحياة السياسية اللبنانية والاقليمية والدولية جعل من هذه القضية تأخذ ابعادا خارجية ضخمة ستزيد من تعقيدات الموضوع وتداعياته على الوضع اللبناني برمته؛ونظرا لطبيعة وحجم الاختلاف القائم حاليا بين اللبنانيين حول التحقيق والجهة الواجب القيام به، تطرح العديد من التساؤلات التي ينبغي الاجابة عليها وهي بطبيعة الامر سوف تنعكس ايضا على مجريات التحقيق والنهايات المحتملة له.
فمن هي الجهة الشرعية التي يجب عليها القيام بمهام التحقيق؟وما هي حدود الفصل بين الجرائم السياسية الداخلية في الدول وتلك التي لها طابع دولي؟وما هو حجم ودور المنظمات الدولية وبخاصة الامم المتحدة في التدخل في مثل تلك القضايا؟وما حدود التداخل السياسي بالقانوني في عمل المنظمات الدولية وما هي انعكاسات تدخلاتها على الدول التي تنتمي اليها؟
اولا بصرف النظر عن واقع النظام العالمي السائد حاليا ومدى انعكاساته على القانون الدولي وبالتالي على سيادات الدول، تبقى الدول من الناحية النظرية هي صاحبة السيادة المطلقة على اقليمها الوطني،ومن بين هذه الدول لبنان الذي يتخذ من النطاق الاقليمي أي الجغرافي اساسا لنظامه القضائي،وبالتالي ممارسة حقه السيادي في تطبيق وتنفيذ قوانينه عبر محاكمه الوطنية على ترابه.ويمكن الذهاب الى ابعد من ذلك اذ ان النظام القضائي اللبناني يتخذ صفة ممارسة حقه حتى في الجرائم الواقعة خارج اقليمه والتي تمس الامن القومي.من هنا ومن حيث المبدأ ان للسلطات المختصة اللبنانية صلاحية النظر في الجرائم التي ترتكب على اراضيها وهذا حق معترف به في الاساس في الفقه والقانون الدوليين ولا لبس فيه او تأويل.فمن الناحية العملية تمت جريمة الاغتيال في العاصمة بيروت،والشخص المعتدى عليه رئيس سابق للوزراء،ويشكل وزنه السياسي ركنا اساسيا في الحياة السياسية اللبنانية.إذا إن انطباق شرطي الاقليم والتابعية اللبنانية هما متوفران في عناصر الجريمة.كما ان الدولة اللبنانية لم تتخل عن مسؤولياتها في هذا الشأن بل هي متمسكة في صلاحياتها لجهة التحقيق،بصرف النظر عن امكاناتها العملية في كشف جريمة بهذا الحجم.
الا ان حجم وموقع الرئيس الراحل داخليا وخارجيا،قد اعطى ابعادا تعدت لبنان بحيث ان مصالح اطراف داخلية تقاطعت مع مصالح اطراف خارجية اقليمية ودولية ما اعطى للجريمة بُعدا يمكن ان يُستغل بغير مصلحة التحقيق اساسا وما يمكن ان ينتهي اليه،ومن هنا يطرح التساؤل حول حدود الفصل في الجرائم ذات الطابع الداخلي او الخارجي.ان علاقات الرئيس الراحل هي من الاتساع بمكان يصعب حصرها،فهو ليس رجل سياسة او دولة فحسب بل يعتبر حقبة سياسية لبنانية واقليمية ودولية تقاطعت فيها الكثير من المصالح المتشابكة،وعليه من الصعب اعتباره حالة لبنانية خالصة،وعليه من الصعب في هذه الحالة ايجاد فصل حاد بين الجريمة السياسية الداخلية "اللبنانية" والجريمة السياسية الدولية، الا ان عنصر التابعية هنا يتغلب على أي اعتبار آخر،وبالتالي احقية الدولة اللبنانية القيام بمهام التحقيق،وما يعزز هذا الادعاء ما ذهبت اليه المملكة العربية السعودية التي يحمل الرئيس الشهيد جنسيتها ايضا،من رفض للتحقيق الدولي الذي دعت اليه فرنسا واعتبارها ان السلطات اللبنانية المختصة صاحبة الولاية في هذا الشأن.
اضافة الى ذلك اعتراف مجلس الامن نفسه في بيانه الصادر بتاريخ 15-2-2005 بمسؤولية السلطة اللبنانية بالتحقيق عبر دعوته" حكومة لبنان الى ان تقدم الى العدالة مرتكبي هذا العمل الإرهابي الشنيع، ومَن قاموا بتنظيمه ورعايته، ويلاحظ ما أبدته الحكومة اللبنانية من التزامات في هذا الصدد"
اما لجهة حق الامم المتحدة وبخاصة مجلس الامن الدولي اوالامين العام التدخل في هذه القضية وتعيين لجنة تحقيق في هذه القضية فأمر يستوجب ابراز بعض النقاط منها:
- ان الامم المتحدة واجهزتها ليست فوق سيادات الدول ،وبالتالي لا يحق لها التصرف والتدخل في الشؤون الداخلية للدول باعتبار ان جميع الدول متساوية وفقا لمبدأ السيادة الذي اتى في الفقرة الاولى من المادة الثانية للميثاق التي تنص على:" تقوم الهيئة على مبدأ المساواة في السيادة بين جميع أعضائها" وكذلك الفقرة السابعة من المادة الثانية ايضا" ليس في هذا الميثاق ما يسوغ ”للأمم المتحدة“ أن تتدخل في الشؤون التي تكون من صميم السلطان الداخلي ‏لدولة ما".
- ان بيان مجلس الامن السالف الذكر لا يرقى من حيث القوة القانونية الى القرار الذي يمكن ان يتخذه مجلس الامن ،فهو بمثابة لفت نظر الى الطرف المعني لما يمكن ان تؤول اليه الامور،وهو بهذا المعنى ليس ملزما من الناحية القانونية لمن يوجه اليه.
- ان تعيين الامين العام للأمم المتحدة لأحد الضباط الايرلنديين على رأس لجنة لمتابعة الموضوع جاء ملتبسا من الناحية العملية،فالسلطة اللبنانية لم تُبلغ عن طبيعة عمله والفريق التابع له،رغم ما ذكر عن الاستعانة بخبراء قانونيين وامنيين وغيرهم لمساعدته.وفي هذا المجال طلب مجلس الأمن من" الأمين العام أن يتابع عن كثب الحالة في لبنان وأن يقدّم على وجه السرعة تقريراً عن الملابسات والاسباب التي أحاطت بهذا العمل الإرهابي وما سيترتب عليه من عواقب".وعليه فان عمل الضابط المكلف واللجنة ينبغي ان لا يتعدى طبيعة العمل المناط بالامين العام وهي اعداد تقرير وليس أي شيء آخر،أي بمعنى ان حدود صلاحية اللجنة المعينة يجب ان لا تتجاوز العمل التقني الذي يؤدي الى إعداد التقرير وليس التدخل في مهام التحقيق الذي يبقى امرا سياديا لبنانيا.
الا ان خطورة البيان تظهر فيما ورد في ديباجته عند التذكير بالقرارين 1566 الصادر في العام 2004 والقرار 1373 لعام 2001 المتعلقين بمحاربة الارهاب والصادرين وفقا للفصل السابع من ميثاق الامم المتحدة ،وهذا ما يشير بشكل او بآخر نية مجلس الامن امكانية نقل الموضوع اللبناني الى مستوى التنفيذ بالقوة.
ان المخرج القانوني للبنان في هذه القضية ينبغي المضي به بتأن وبعقلانية وبدراية كبيرتين للظروف الدولية المحيطة به ،ومن هنا نطرح الملاحظات التالية:
- الانفتاح على أي مصدر للمساعدة في كشف ملابسات الجريمة تخطيطا وتنفيذا،وبسرعة قصوى قبل انفلات الامور من عقالها،وعدم الانكفاء وراء لبننة التحقيق،والتعاون مع اللجنة المذكورة اذا تبين ان عملها تقني بحت ولا يتعدى اطار تكوين البيئة المناسبة لتقرير الامين العامم للامم المتحدة.
- عدم ايصال الامور الى نقطة أللا رجوع وبالتالي إعطاء الذرائع للبدء بتنفيذ خلفيات البيان المذكور بالقوة.
- ولا يعني ذلك الانجرار كليا وراء محاولات تدويل التحقيق باعتبار ان الامم المتحدة نفسها لم تتمكن في غالبية لجان التحقيق التي انشأتها ان تصل الى نهايات سعيدة،وللتذكير فقط فمقتل المبعوث الدولي الكونت برنادوت قتل بأيد اسرئيلية فما كان مصير التحقيق بإغتياله؟والتحقيق بمجازر صبرا وشاتيلا ؟ وبلجنة تحقيق مجزرة جنين وقرار مجلس الامن 1405 ؟ وكذلك التحقيق بمجازر راوندا ،واخيرا لجنة التحقيق عن اسلحة الدمار الشامل في العراق؟
ان اغتيال الرئيس الشهيد لن يعوض لا بلجان تحقيق محلية ولا دولية،ومهما اختلفت الآراء سيبقى التحقيق تحقيقا سياسيا اكثر مما هو قانوني، لكن العبرة الاهم الذي يجب ان نتذكرها نحن اللبنانيون ان الفتنة اشد من القتل،فهل سنعي ذلك؟