10‏/02‏/2008

البرلمان :النشأة والخصائص،الشكل والوظائف

البرلمان :النشأة والخصائص،الشكل والوظائف

د.خليل حسين
استاذ في كلية الحقوق بالجامعة اللبنانية
مدير الدراسات في مجلس النواب

اولا نشأة البرلمان وتطوره
يعتبر بعض فقهاء القانون إن البرلمان هو تعبير عن أسلوب لمشاركة المواطنين في الحياة السياسية، ويعتبره البعض الآخر مؤسسة هامة من مؤسسات المجتمع الديمقراطي الذي يقوم على حرية المشاركة السياسية والتعددية الحزبية.وفى الحقيقة، فإن كلا المعنيين يكمل الآخر، ولكنهما غير متلازمين. فمشاركة المواطنين في الحياة السياسية قد تأخذ صورا متعددة، حسب الظروف الثقافية والتقاليد الاجتماعية وطبيعة الدولة. وبرغم أن أهم وأحدث صور تلك المشاركة هي اختيار المواطنين مجموعة من النواب الذين يمثلونهم ويعبرون عن آرائهم، أي تكوين البرلمانات المنتخبة، إلا أن بعض المجتمعات قد تستعيض عن ذلك بأساليب أخرى لذلك فتعمد الى تشكيل مجالس استشارية تضم مجموعة من القيادات الاجتماعية والرموز والشخصيات العامة بغرض التشاور في شؤون الحكم.
وقد انتشرت البرلمانات المنتخبة فى عالمنا المعاصر، وتطورت الى درجة كبيرة، وأصبح البرلمان مؤسسة سياسية كبيرة فى الكثير من الدول، وازداد حجمه ليضم مجلسين، وأصبح يقوم بوظائف متعددة، أبرزها وضع القوانين والتشريعات، والرقابة على أعمال الحكومة، والتأثير فى الشؤون السياسية الإقليمية والدولية.
وقد تطور إسم البرلمان مع تطور وظائفه وتزايد دوره فى الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية. فبعد أن كان مجلسا شكليا، عبارة عن مجلس للأعيان أو كبار الملاك، أصبح هيئة شعبية وتشريعية، تمثل مجموع المواطنين.فعند نشأة البرلمان كانت وظيفته إتاحة الفرصة لمناقشة الأمور العامة. ثم تطور البرلمان وأصبح هيئة نيابية، تنوب عن المواطنين وتشارك فى الحكم، وسميَّ المجلس أو الجمعية التى تضم ممثلي الشعب. ومع انتشار أفكار الحرية والمساواة وحكم الشعب، أصبح للبرلمان سلطة وضع القوانين، وصار يسمى الهيئة التشريعية أو السلطة التشريعية.اضافة الى ذلك فإن دور البرلمان قد أصبح محور نظام الحكم ككل فى بعض الدول، حتى أنها أصبحت تسمى الدول ذات النظام البرلماني، وأشهرها بريطانيا، حيث تتركز معظم السلطة السياسية فى البرلمان،باعتبار ان زعيم الأغلبية البرلمانية هو الذى يتولى تشكيل الوزارة أيضا.
1 - نشأة البرلمان
لم يكن البرلمان فكرة أو ابتكارا لأحد الفلاسفة وإنما جاء وليد تجارب وتاريخ طويل، فالأحداث التاريخية هي التى صنعته وحددت ملامحه الحالية.ولم يظهر البرلمان مرة واحدة، وإنما خاض مراحل متعددة، كان أكثرها مليئا بالتحديات، واستطاعت البرلمانات خلالها انتزاع سلطاتها من الملكيات المطلقة ونظم الحكم الاستبدادية.ولم تتبلور سلطات البرلمان دفعة واحدة وإنما اكتسبتها بالتدريج وأخذت وقتا لابأس به، حتى امتدت الى المسائل التشريعية والمالية والسياسية. ومع ظهور واستقرار البرلمان عرف العالم نوعا جديدا من نظم الحكم هو الحكومات البرلمانية، وتواصلت مسيرته على طريق الديمقراطية والمشاركة والتعددية السياسية،وحكم الأغلبية.ويشير المؤرخون الى أن الحياة البرلمانية لأي دولة هي صورة صادقة لواقع وحقيقة مجتمع هذه الدولة، حيث أن معظم التيارات السياسية والأفكار والآراء والمبادئ والقيم التي تسود فى هذا المجتمع تنعكس سلبا وإيجابا على البرلمان وأعماله ودرجة فعاليته.فالبرلمان هو الممثل المباشر للشعب،الذى يشرع القوانين التى تحكم المجتمع، كما يراقب الحكومة فى تصرفاتها نحو تنفيذ ما يتطلع إليه الشعب.[1].
لقد تزامن تطور المؤسسة البرلمانية المعاصرة مع تاريخ البرلمانات الأوروبية، وخصوصا البريطانية والفرنسية. فقد بدأ البرلمان الإنكليزي في مطلع القرن الثالث عشر يطالب بحقه فى التشريع. وفى عهد الملك شارل الأول، حدث الصدام بينه وبين مجلس العموم حول الضرائب، وكان الملك في حاجة لدعوة البرلمان للانعقاد لمواجهة نفقات تسليح الجيش لمواصلة توسعاته الإقليمية، واضطر الى قبول دور أكبر للبرلمان في مجال تحديد الضرائب، فيما عرف منذ ذلك الوقت بشعار لا ضرائب بلا تمثيل. وقد تنامى دور البرلمان خلال الحرب الأهلية في منتصف القرن السابع عشر، واندلعت الثورة الإنكليزية الكبرى، وكانت بدايتها الحقيقية في البرلمان.كذلك، فقد ظهر الكونغرس الأمريكي في غضون الثورة التي انتشرت في أواخر القرن الثامن عشر في المستعمرات البريطانية، وانتهت بإعلان الاستقلال وتأسيس اتحاد بين عدد من المستعمرات المستقلة.[2] وفي فرنسا، بدأ هذا التطور بما يسمى برلمان باريس، الذي ضم عددا من النبلاء، ثم اصطدم مع الملك منذ أواخر القرن الثامن عشر، وتحدى سلطته المطلقة، فتعرض أعضاؤه للنفي والاضطهاد، ولكن الشعب تعاطف معهم. ومع تأزم الحالة المالية للملك لويس السادس عشر، اضطر الى اجتذاب تأييد النبلاء و الشعب ، بحثا عن وسائل للتمويل ، وبالتالي كان لابد من الاحتكام للأمة واستشارة الجماهير، أي قبول تأسيس البرلمان وسلطاته. وأصبح محور الأحداث في ذلك الوقت هو إعلان دستور لفرنسا، وضمان وجود البرلمان وتحديد سلطاته، وأن يكون هذا البرلمان تعبيرا عن إرادة الشعب، واندلعت الثورة الفرنسية الشهيرة، وبدأ العهد الجمهوري لفرنسا من داخل أروقة البرلمان.
2- تجدد الاهتمام بالحياة البرلمانية :
يشهد العالم مزيدا من التحولات نحو الديمقراطية السياسية والتعددية الحزبية، وبالتالي يزداد النقاش حول دور البرلمان في هذا التطور الديمقراطي، كما يزداد الاهتمام بمعرفة قواعد العمل البرلماني أيضا.ويعتبر دور البرلمان في هذا التحول الديمقراطى جوهريا إذا أدركنا أنه أداة هذا التحول، وهو هدفها أيضا، أى أنه فاعل ومفعول به فى نفس الوقت.[3]
وقد تغيرت نظرة العالم الى البرلمان خلال المراحل التاريخية المختلفة، فكانت نظرة إيجابية أحيانا، وسلبية فى أحيان أخرى، بسبب دور البرلمان فى الحياة السياسية ومدى تأثيره على التطور الاقتصادي والاجتماعي والنهضة الشاملة للمجتمع.ففى بداية ظهور البرلمانات منذ قرنين ، كانت النظرة السائدة هي أن نظام الحكم الديمقراطى هو الذي يرتكز على فكرة النيابة والتمثيل والحكم الصالح، الذي يمكّن جميع الأفراد من الدفاع عن مصالحهم، ويتيح للجميع المشاركة في صنع السياسة من خلال نوابهم، ويساعد على تنوير الرأي العام ويعرض أمامه أفضل الآراء والحلول لمشكلاته من خلال المناقشات البرلمانية، ويمكّنهم من المراقبة والسيطرة على هؤلاء النواب المنتخبين دوريا.وبعد ازدهار تلك الأفكار حتى أوائل القرن العشرين، بدأت موجة إحباط واسعة تسود بين المثقفين والجماهير من أداء البرلمانات، بل والشك في فكرة التمثيل الحقيقي للأفراد في عملية صنع القرار من خلال المؤسسات السياسية القائمة (البرلمانات والأحزاب..)، وأن هذه الديمقراطية النيابية ما هي في الواقع إلا ديمقراطية نخبوية، ينتشر فيها الفساد وتحقيق المصالح الشخصية، وأن تأثير الناخبين في عمل البرلمان ما هو إلا محض خداع، وأن البرلمانات ذاتها أصبحت ذراعا طويلة للحكومة، أي السلطة التنفيذية[4]..باختصار، لم يعد الناخبون راضين عن تعبير نوابهم عن مصالحهم، وأصبح أغلب الجمهور غير قادر على فهم السياسات العامة والمشاركة فيها، أو متابعة ما يجري في البرلمانات في الدول الديمقراطية، كما لم تعد البرلمانات قادرة على ممارسة تأثير حقيقي في الحياة السياسية في النظم الشمولية إلا تأييد الحاكم المطلق، وأصبح الناس غير مهتمين بالسياسة عموما. وأصبح الأمر أكثر تدهورا في العديد من البلدان النامية، حيث انعدمت في بعضها أية مؤسسات نيابية أو برلمانات منتخبة أصلا عند استقلالها، أو تحول الكثير منها الى أدوات لدعم الحاكم الذي يقبض على زمام الحكم، أيا كانت طريقة وصوله إليه، الى الحد الذى دفع البعض الى القول بأن البرلمانات أصبحت عقبة فى طريق الديمقراطية، وليست أداة لتحقيقها، كما يفترض أن تكون.وفي الحقيقة، كانت أوضاع البرلمانات في الكثير من الدول النامية في تلك الفترة متدهورة ، وتباينت حدتها من دولة الى أخرى، لكنها اتسمت عموما بما يلى:
- قد لا توجد برلمانات أصلا وقد تنشأ بقرار من الحاكم ويلغيها في أي وقت يشاء.
- منع إنشاء الأحزاب السياسية المستقلة، ومنع أي دور للمعارضة.
- هيمنة الحكومة على البرلمان، وعملية التشريع.
- محدودية الوعي السياسي وضعف القدرة البرلمانية للأعضاء.
- مشكلات العملية الانتخابية، ما بين سيطرة حزب واحد يهيمن عليه الحاكم، أو تزييف الانتخابات، أو انتشار العنف بين المرشحين.
- سوء استخدام نواب البرلمان للحصانة البرلمانية.
وبمعنى آخر، فقد أصبحت البرلمانات مؤسسات ضعيفة، إن وجدت أصلا، وتوارى عنها العصر الذهبى، و لم تستطع استعادة قوتها التى فقدتها أمام سيطرة الحاكم الفرد، وبالتالى أصبح دورها في عملية صنع القوانين والتشريعات شكلي. وحتى إذا كانت هناك انتخابات لهذه البرلمانات فإنها غالبا لا تعبر عن المواطنين، الذين انصرفوا بدورهم عن المشاركة فيها، وأصبحت تلك الانتخابات تتسم بالعصبية والفساد، وفقدت البرلمانات ثقة الشعوب فيها.[5] ثم بدأت هذه الصورة السلبية تتغير تدريجيا منذ أوائل السبعينيات، حيث سقطت العديد من الحكومات الاستبدادية وانهارت الكتلة الشيوعية وتفكك الاتحاد السوفيتى، كما بدأت معظم الدول النامية تدخل مرحلة جديدة من التغير السياسى، فيما أصبح يسمى موجة التحول الديمقراطى فى العالم.[6] وأصبحت البرلمانات فى عقد التسعينات أقوى مما كانت عليه من قبل.وتحت تأثير ثورة الاتصالات وبروز نظام اقتصادي عالمي مغايري، تأثرت قوة الحياة البرلمانية منذ تلك الفترة بأمرين، الأول هو تأسيس مجالس برلمانية جديدة أو إعادة تنشيط المجالس القديمة والسماح بالتعددية الحزبية، والثاني أصبحت البرلمانات تمارس الوظيفة التشريعية بقوة أكبر. وأيا يكن الامر، فقد اتضح للعالم أن التحول الديمقراطي في حاجة الى برلمان قوي، وأن دور البرلمانات في الحياة السياسية قد تزايد بشكل لافت، الى درجة أن البعض يؤكد أننا نعيش اليوم عصر البرلمانات. فقد أصبح واضحا أن البرلمانات هى المؤسسات السياسية الرئيسة فى النظام الديمقراطى،باعتبارها تلعب دورا حيويا في عملية التحول الديمقراطى، سواء من حيث تعزيز الثقة بين الحكومة والمواطنين، أو دورها فى التعبير عن مطالب المجتمع، أو مراقبة أعمال الحكومة.
كما ان الدول بدأت تعيد النظر فى شكل البرلمان، وسلطاته، وتهتم بإجراء انتخابات دورية ونزيهة، وتتيح للرأي العام متابعة أعمال البرلمان بطرق متعددة، مثل نقل جلساته عبر وسائل الإعلام، والاهتمام بمتابعة أنشطته وتقييم أداء الأعضاء في الصحافة، وفي الوقت نفسه تزويد الأعضاء بالمعلومات والمعارف القانونية والبرلمانية اللازمة لممارسة مهامهم.
وبعد فترة طويلة من تدهور مكانة البرلمان في نظر المجتمع، يزداد اليوم الاعتقاد بأن التقدم نحو الحكم الديمقراطي يعتمد على وجود برلمان قوي. ولم يعد السؤال هو: هل نحتاج الى برلمان لكى نحقق الديمقراطية؟، وإنما أصبح كيف يكون البرلمان قويا ليدعم تحقيق الديمقراطية؟.
3 - أهمية وجود البرلمان :
تشير المراجعة التاريخية الى تنوع الدوافع التى كانت وراء نشأة البرلمان وتطوره في مناطق العالم المختلفة. وقد أصبحت تلك الدوافع في مجملها أساسا للوظائف التي تمارسها البرلمانات، وهي التمثيل، أو النيابة عن الشعب، وبناء الدولة القومية، وتسوية الخلافات بين الفئات والقوى الاجتماعية بالطرق السلمية وعن طريق مبدأ حكم الأغلبية.ففي الكثير من الدول الغربية، ظهر البرلمان في إطار تحولات اجتماعية واقتصادية واسعة، ثم تدعَّم دوره مع ظهور طبقة وسطى مؤثرة إبان الانتقال الى فترة الثورة الصناعية. وفي تلك المرحلة كان الدافع الرئيسى وراء تأسيس البرلمان هو تمثيل تلك الفئات والقوى الناشئة، بما يسمح لها بالتأثير في الحياة السياسية. ومع انتشار أفكار السيادة الشعبية والمواطنة والمساواة بين المواطنين فى الحقوق والواجبات، واستحالة مشاركة كافة المواطنين فعليا في الحكم، أصبح دور البرلمان هو تمثيل مختلف فئات الشعب، وممارسة تلك السيادة، التي تمثلت في وضع القوانين أساسا. ومع تطور أفكار الحرية السياسية وظهور الأحزاب وتعددها، أصبح البرلمان هو الساحة التى تتنافس فيها تلك الأحزاب والتيارات السياسية، وتسعى للوصول الى الأغلبية، وبالتالي تشكيل الحكومة.
أما في الدول النامية، فقد كان هناك دافع إضافى لتأسيس البرلمانات، وهو بناء الدولة القومية، وتأكيد الهوية الوطنية المشتركة لأبناء الدولة الواحدة. فبعد التحرر من الاستعمار، واجهت معظم تلك الدول تحديات عديدة، أبرزها طبيعة الحدود السياسية التي اصطنعتها الدول الاستعمارية قبل رحيلها، فقسمت هذه المجتمعات الى وحدات متقاطعة ومتداخلة في آن واحد، وجعلت أبناء القومية الواحدة موزعين في عدة دول، وأصبح على هذه الدول حديثة الاستقلال تأكيد هويتها المشتركة، للحفاظ على تماسكها ومواصلة مسيرة نموها الشاقة.وكان لابد من إنشاء مؤسسات سياسية تجسد تلك الوحدة الوطنية، وتعبر عن الهوية المشتركة، وكان البرلمان من أهمها، لأنه الهيئة التي يمكن أن تكون معبرة عن مختلف الجماعات والأقاليم والفئات التي تنتمي الى نفس الدولة، وبالتالى فهي المؤهلة لإيجاد أرضية مشتركة بينهم، وبلورة مشاعر ومصالح وطنية تجمعهم. فكان تأسيس البرلمان خطوة أساسية لبناء الدولة القومية، والحفاظ على تماسكها، سواء من الانقسامات الداخلية والحركات الإنفصالية، أو في مواجهة القوى الاستعمارية ذاتها.ومن ناحية ثالثة، نجد أن الدافع وراء تأسيس البرلمان في بعض الدول قد يكون، بالإضافة الى ما سبق، هو تحقيق الاستقرار الاجتماعى بمعناه الشامل. فهناك دول شديدة التعدد من النواحى العرقية والطائفية اللغوية والدينية والثقافية، وتكون في حاجة ماسة الى وسائل تقلل من فرص الصراع بين المواطنين ذوي الانتماءات المختلفة، من أجل تحويل تلك التعددية الى مصدر ثراء وقوة.واليوم، فإن تأسيس البرلمانات أصبح ركنا جوهريا في الحياة الديمقراطية، ومرحلة لازمة في عملية التحول الديمقراطي، وأصبح تطوير العمل البرلماني مدخلا للإصلاح السياسى ككل. أكثر من هذا، فإن التحول الاقتصادي والاتجاه الى نظام السوق الحرة قد جعل من الضروري تحقيق تطور مواكب في الحياة السياسية، الذي يبدأ من احترام الحقوق والحريات الأساسية للمواطن، وخصوصا حرية المشاركة السياسية والتعددية الحزبية، وينتهى بتشكيل حكومات نيابية، عن طريق انتخابات حرة ونزيهة. وهذه كلها أمور تصب فى صميم العمل البرلمانى.[7]
ثانيا: خصـائـص الـبـرلمــــان
يمكن اختصار خصائص البرلمان بأربعة أمور وهي: أنه قاعدة النظام الديمقراطى، وهيئة لتمثيل المواطنين فى الحكم، واستناده الى قاعدة شعبية واسعة، وأنه محور نظام الحكم. ويمكن التأمل في تلك الخصائص على النحو التالى:
1- البرلمان قاعدة النظام الديمقراطى:
أصبحت الديمقراطية اليوم من سمات الدولة الحديثة، كما يعتبر البرلمان من أهم معالم المجتمع الديمقراطى، لأنه تجسيد لقيم السيادة الشعبية، والحرية والمساواة والمشاركة السياسية. وقد ظهرت الديمقراطية في بادئ الامر كدعوة الى محاربة الحكم الاستبدادي ، بيد أنها استقرت وتطورت الى نظام للحكم، وطريقة لتمكين الشعب من ممارسة السيادة على مقدراته.كما تشير فكرة الديمقراطية الى إشراك الشعب في صياغة نمط حياته من خلال توجيه السياسة والتأثير في عملية الحكم بأوسع معانيها، وهكذا، أصبحت تشير الى المساواة في الحقوق السياسية لأفراد الشعب من ناحية، وضرورة رضا الشعب عن نظام الحكم من ناحية أخرى، وحقه فى اختيار ممثليه من ناحية ثالثة.كما تطورت فكرة الديمقراطية ذاتها وأصبحت أكثر نضوجا، بحيث لا تتعارض مع قيم الحرية والمساواة مع حقائق الاختلاف والتمايز بين المواطنين. فالمقصود بالمساواة هو المساواة القانونية، التى لا تنكر الاختلاف بين الأفراد فى المواهب والقدرات، وتقبل التمايز بينهم من حيث الفضيلة والموهبة، وتساوي بينهم في التمتّع بالحقوق والحريات التي يكفلها الدستور والقانون.أما الحرية في إطار الديمقراطية، فليست هي الحرية المطلقة، وإلا أدت الى الفوضى، وإنما هي الحرية المنظمة، التي تتولى السلطة تنظيمها بشكل يسمح لكل مواطن بممارسة حريته دون تصادم مع ممارسة الآخرين لحرياتهم.كذلك، فإن الديمقراطية تعتبر المشاركة في الحياة السياسية حقا لكل مواطن، يسهم من خلاله في التأثير في نظام الحكم، حتى يكون القرار في النهاية نتاج مشاركة شعبية حقيقية وليس تعبيرا عن إرادة القلة المسيطرة سياسيا.وقد أصبحت هذه المشاركة ترتبط بشكل وثيق بتعدد الأحزاب السياسية، التي تتنافس للوصول الى السلطة، من خلال إقناع الناخبين والحصول على ثقتهم وتأييدهم، فيفوز بعضها بالأغلبية ويمارس الحكم، ويظل الآخر أقلية، يمثل المعارضة وفقا لاختيار الشعب، من خلال انتخابات دورية تتم في مناخ من الحرية السياسية ،ولهذا فإن البرلمانات هي قاعدة النظام الديمقراطي المعاصر، وذلك لعدة أسباب ابرزها :
- أن البرلمان هو المؤسسة الوحيدة في نظام الحكم التي تجمع بين وظيفتين رئيسيتين، فهو هيكل نيابى يعبر عن مشاعر وآراء المواطنين، كما أنه من ناحية أخرى آلية تشريعية، تصنع القوانين التي تحكم الدولة بأسرها. ولعل اجتماع هاتين الوظيفتين في البرلمان هو مصدر أهميته الفريدة بين مؤسسات النظام الديمقراطي.
- أن البرلمان هو المؤسسة الأكثر ارتباطا بالجمهور وانفتاحا عليه، حيث تدور مناقشاته على تنوعها في مناخ من الشفافية والعلنية، على الأقل إذا قورن بالسلطة التنفيذية، بل وكذلك السلطة القضائية التى تتخذ قراراتها وتمارس مداولاتها سرا. بعبارة أخرى، فإن السمة المميزة للبرلمان كأحد مؤسسات الحكم الديمقراطي هي أن مناقشاته تكون معروضة أمام الجمهور.
- أن البرلمانات هي المؤسسات التمثيلية الأساسية في الدولة. فلقد تطورت البرلمانات عبر فترة طويلة، حتى أصبحت الإطار الرئيسى لتمثيل المجتمع في هيكل السلطة الحاكمة. وقد ارتبط بذلك قيام البرلمان بدور هام في مجال الوعي السياسي وخلق رأي عام في مواجهة السلطة الفردية المطلقة. ولا شك في أن الوظيفة التمثيلية كانت وما تزال الوظيفة الأساسية للبرلمان، حتى بعد إضافة وظائف أخرى له فيما يتعلق بالمشاركة في صنع السياسات العامة أو غيرها.
- أن البرلمان هو المؤسسة الحكومية الوحيدة التى تضم عددا كبيرا من الأعضاء، بما يفوق المؤسسة التنفيذية، أي عدد الوزراء. كما أن أعضاء البرلمان أكثر تنوعا من بقية أعضاء السلطتين التنفيذية والقضائية معا، وذلك من الناحية السياسية والحزبية، وأيضا الانتماء الى المناطق الجغرافية والثقافات المحلية المختلفة فى المجتمع.
- يعتمد البرلمان على آلية الانتخاب، ولاسيما بعد إلغاء الشروط التى قيدت حق الانتخاب والترشيح فى معظم دول العالم. فعندما بدأ تطبيق حق الانتخاب كان محصورا في فئة متميزة من المواطنين الذين يدفعون حداً أدنى من الضرائب. وهذا النصاب المالي جعل حق الانتخاب محدودا في البداية ثم أخذ يتسع تدريجياً نتيجة التوسع في الاستثناء منه لفئات مهنية مختلفة، وكذلك بسبب التخفيض المستمر في هذا النصاب الى أن تم الغاؤه ابتداءً من مطلع القرن العشرين. كما كان حق الانتخاب مقصوراً في البداية على الرجال دون النساء. وتأخر حصول المرأة على حقها الانتخابى في البلاد الديمقراطية الى النصف الأول من القرن العشرين أيضا.
- أن البرلمانات عموما تتميز عن غيرها من سلطات الحكم بأنها تعمل فى إطار قاعدة المساواة بين أعضائها، أغلبية ومعارضة، معينين أو منتخبين، فإذا كانت السلطة التنفيذية تتسم بوجود رئيس واحد لأعضائها (رئيس الدولة أو رئيس الوزراء) فإن البرلمانات تتميز بأنها مؤسسات جماعية، تضم نوابا متساوين، سواء في طريقة الانتخاب أو في صفتهم النيابية، أو حقوقهم وواجباتهم البرلمانية. ولهذا، يتسم نظام صنع القرار البرلماني بآلية الاتفاق الجماعى بين أعضائه. [8]
2- البرلمان هيئة لتمثيل المواطنين فى الحكم:
إذا كانت المشاركة ركيزة أساسية للديمقراطية، فإن السؤال الذي يطرح نفسه هو: كيف يشارك الشعب؟ هل يشارك بنفسه فى الحكم، وبطريقة مباشرة، أى دون وسيط؟ أم يكتفى باختيار نواب عنه ليمارسوا تلك المشاركة؟ وفى الحقيقة، شهد التطور السياسي في العالم مختلف هذه الصور للمشاركة السياسية، في مراحل متعددة من التطور الديمقراطي، فيما يعرف بالديمقراطية المباشرة، وشبه المباشرة، وغير المباشرة، التي أصبحت الصورة الأكثر شيوعا لتحقيق المشاركة الشعبية في الحكم.فقد عرفت الحضارة اليونانية القديمة نوعا من الديمقراطية المباشرة، قام فيها المواطنون بالتعبير عن الإرادة الشعبية بطريقة مباشرة، واختيار الحكام، والتأثير علي صناعة القرارات العامة. كما عرفت الحضارة الرومانية نموذجا مشابها لذلك، فيما عرف بإسم الإكليسيا أو المنتدى الرومانى. ولكن هذا النوع من الديمقراطية لم يكن شعبيا في الحقيقة، حيث اقتصرت حقوق المشاركة فيه، بل وصفة المواطنة أصلا، على مجموعة قليلة من النبلاء ونخبة الحكم. كما أن استمرار هذه الديمقراطية المباشرة أو تكرارها اليوم أصبح مستحيلا، بسبب ضخامة عدد المواطنين الذين يتمتعون بالحقوق السياسية واستحالة جمعهم في مكان واحد للبت في الشؤون العامة من جانب، وتعقد الحياة الاجتماعية وظهور ما يعرف بالمجتمع الجماهيري من جانب آخر، بالإضافة الى أن وظائف الدولة في الوقت الحاضر قد تعددت وتشعبت وأصبح الحكم من الأمور المعقدة.ولنفس الأسباب، فإن الديمقراطية شبه المباشرة لم تعد ذات طابع عملي اليوم، وربما يقتصر تطبيقها في أحد مظاهرها وهو الاستفتاء الشعبي العام، سواء على شخص الحاكم أو للتصديق على الدساتير والقوانين والمعاهدات الدولية.لكل هذا، كان لابد من اللجوء الى الديمقراطية غير المباشرة أو النيابية وهي الشكل السائد اليوم للنظام الديمقراطي.وفي هذه الصورة من صور الديمقراطية، لا يباشر الشعب سيادته بنفسه وإنما بواسطة نواب عنه، يمارسون مهام النيابة بإسمه، ولمدة معينة، ثم يتجددون فى انتخابات دورية.[9]
3- اتساع القاعدة الشعبية للبرلمان :
مرت البرلمانات المعاصرة بالعديد من مراحل التطور، سواء من حيث الشكل والهيكل المؤسسي، أو من حيث قاعدتها الاجتماعية ومدى تمثيلها لمجموع الأفراد، وطابعها الجماهيري.
فمن حيث الشكل أو الهيكل، انتقل البرلمان من كونه مجرد منتدى مؤقت، يعينه الملوك والأمراء وأصبح مؤسسة دائمة وركنا من أركان الدولة الحديثة، وبصرف النظر عن حجم اختصاصاته القانونية أو تأثيره الفعلي في الحياة السياسية، حتى أصبح من النادر وجود دولة بدون برلمان.اضافة الى ذلك، فإن المجتمعات التي خضعت للوصاية أو الاستعمار الأجنبى أسست مجالس نيابية منتخبة لإدارة شؤونها الداخلية وممارسة الحكم الذاتي.[10] ومن حيث تشكيل البرلمان، فقد انتقل من مرحلة التعيين الكامل لأعضائه بواسطة الحاكم، الى انتخاب البعض بواسطة المواطنين وتعيين البعض الآخر بواسطة الحاكم، ثم أصبح يتشكل كله بالانتخاب في معظم الدول. وفى الدول التى لا يزال الحاكم فيها يقوم بتعيين عدد من أعضاء البرلمان، فإن عدد المعينين يعتبر محدودا بالمقارنة مع عدد المنتخبين. [11]
وهناك علاقة واضحة بين طبيعة تشكيل البرلمان من ناحية واختصاصاته وسلطاته من ناحية أخرى، حيث يكون البرلمان المنتخب مؤسسة مستقلة، وصاحب سلطات حقيقية بينما تكون المجالس المعينة أقرب للهيئات الاستشارية، التي يقتصر دورها على مناقشة ما يراه الحاكم، وتقديم الآراء إليه، ليأخذ بها إن شاء، أو يتجاهلها تماما.كذلك، ففي الدول التي يتكون فيها البرلمان من مجلسين، أحدهما يتشكل بالانتخاب والآخر يجمع بين الانتخاب والتعيين، فعادةً ما يكون المجلس المنتخب هو السلطة التشريعية والرقابية الأولى، بينما يكون المجلس المعين مساعدا له، وفي بعض الاحوال شريكا له في بعض الاختصاصات، مثل مناقشة مشروعات القوانين، مع تمتع المجلس المنتخب بسلطات أكبر من المجلس المعين.ومع هذا التطور فى تشكيل البرلمان واختصاصاته، انتقل من الناحية الاجتماعية من مجلس النخبة الى مجلس الشعب.[12]
كما يشير التطور التاريخي الى أن انتقال البرلمان من تمثيل النخبة الى التمثيل الشعبي قد واجه بعض المصاعب أو القيود على حق المواطنين في الانتخاب والترشح،وقد استطاعت البرلمانات المعاصرة اجتياز معظمها، وإن كان ذلك بدرجات متفاوتة، تباينت المجتمعات في طرق حلها وتوقيت ذلك الحل.اما ابرز هذه القيود فهي:
- المكانة الاجتماعية والثروة، حيث كان الترشيح لعضوية البرلمان قاصرا في البداية على النبلاء وكبار الملاك والأعيان، كما كانت ممارسة حق الانتخاب مشروطة بنصاب مالي لم تستطع تقديمه إلا الطبقات الغنية .وقد تجاوزت برلمانات دول العالم المعاصر هذه العقبة، وأصبحت تقوم على حق الانتخاب والترشح لكافة المواطنين، بصرف النظر عن المكانة الاجتماعية أو الثروة.
- النوع، حيث كانت معظم برلمانات العالم قاصرة على الرجال فقط، ولم يسمح للمرأة بممارسة حقوق الانتخاب أو الترشيح في المجالس البرلمانية، أو في غيرها من المؤسسات السياسية.ولقد كان تجاوز ذلك القيد من أصعب مراحل تطور الحياة البرلمانية في العالم، حتى أن المرأة لم تحصل على هذه الحقوق السياسية في العديد من الدول الديمقراطية الغربية ذاتها إلا فى منتصف القرن العشرين.[13]
- السن، حيث كان حق الانتخاب والترشيح مرتبطا بسن معينة، بلغ أكثر من خمسة وثلاثين عاما، كما كان هذا القيد يزيد في حالة الترشح عنه في حالة الانتخاب.أما اليوم فإن حق الانتخاب أصبح مكفولا لكل من بلغ سن الرشد القانونية، وهي في معظم الدول ثمانية عشر عاما، كما أصبح حق الترشيح لعضوية البرلمان لكل من بلغ ثلاثين عاما، فى المتوسط، الأمر الذي أدى الى اتساع قاعدة الانتخاب والترشح، وأضفى على البرلمان صفته الشعبية.
- الانتماء السياسي أو المذهبي، فمن الملاحظ أن بعض الدول ربما تقيد حق الانتخاب والترشيح لعضوية البرلمان بشروط سياسية أو مذهبية، ارتبطت في معظمها بمرحلة معينة فى تاريخها السياسى.ولم يكن ذلك مقصورا على البلدان النامية أو التى تحررت من الاستعمار الأجنبى وحدها، وإنما عرفته الدول الغربية والمتقدمة أيضا.[14]
- الجنسية، حيث تتباين برلمانات العالم في اشتراط التمتّع بالجنسية، ونوعها، لممارسة حق الانتخاب والترشح.وقد مرت البرلمانات بمرحلة كانت فيها المواطنة ميزة لبعض السكان دون غيرهم، الذين حرموا منها، مثل العامة وطبقة العبيد في الحضارة اليونانية، وطبقة المنبوذين في التاريخ الهندي، والسود في جنوب أفريقيا خلال الحكم العنصرى.ومع اندثار تلك المراحل التاريخية، لا تزال معظم الدول تقيد حقوق الانتخاب والترشيح الى البرلمان بشرط المواطنة، أي التمتع بالجنسية. وتتنوع درجة تلك القيود من دولة الى أخرى، فبعضها يشترط التمتع بالجنسية الأصلية، أي بالميلاد ويستبعد الجنسية المكتسبة، أي عن طريق التجنس. كذلك، فهناك تباين في نطاق هذا القيد، حيث تشترط بعض الدول في حاملي الجنسية الأصلية أن يكون آباؤهم وأحيانا أجدادهم متمتعين بالجنسية الأصلية أيضا، وقد يشترط البعض الآخر مرور مدة زمنية أو الإقامة المتواصلة في الدولة بالنسبة للحاصلين على الجنسية بالاكتساب، حتى يتمتعوا ببعض تلك الحقوق أو كلها.وتتجه الدول المعاصرة الى التخفيف من تلك القيود، لاسيما مع تبنى قيم ومواثيق حقوق الإنسان الدولية، وانتشار ظاهرة الهجرة، الأمر الذى يعزز من الطبيعة الشعبية للبرلمان، كمجلس نيابى يمثل جميع المواطنين.[15]
4 - البرلمان ونظام الحكم:
بالإضافة الى تطور البرلمان كمؤسسة نيابية ذات طابع شعبي عام، فقد اتسعت وظائفه وزادت سلطاته التى يتمتع بها، وازدهر دوره فى نظام الحكم وعملية صنع القرار.فقد انتقل البرلمان من مرحلة كان فيها مجرد هيئة استشارية الى أن أصبح سلطة تشريعية، ورقابية، وسياسية، تفرز الحكومة ذاتها، أو تلعب دور الشريك في صنع السياسات العامة للدولة، فضلا عن زيادة تأثيره فى المجال الدبلوماسى والدولى.كما أن وضع البرلمان في نظام الحكم، ولاسيما في علاقته بالسلطة التنفيذية، هو الذي يحدد شكل الدولة ونوع نظامها السياسي ككل. وفي العالم المعاصر يوجد نوعان رئيسيان للنظم السياسية، هما النظام الرئاسي، والنظام البرلماني، بالإضافة الى النظام المجلسي وهو محدود الانتشار كالنظام المتبع في سويسرا،وليست المسألة مجرد اختلاف في المسميات فقط، وإنما هناك اختلافات جوهرية فى هذه النظم السياسية، تبعا لتركيب البرلمان ووظيفته فى النظام السياسى أيضا.ففى النظم الرئاسية ينتخب الشعب رئيس الدولة مباشرة، ويكون الرئيس هو المسئول عن السلطة التنفيذية، فيعين الوزراء ويعفيهم من مناصبهم، وبهذا يكون الفصل بين السلطتين التشريعية والتنفيذية كبيرا.وفى النظم البرلمانية تتداخل السلطتان التشريعية والتنفيذية، فتكون الأولى منتخبة مباشرة من الشعب، أما السلطة التنفيذية فتتكون من قسمين، الأول هو رئيس الدولة الذى قد يتولى منصبه بالوراثة كالملوك والأمراء، أو بالانتخاب كما هو الحال بالنسبة لرؤساء الجمهورية ، والثانى هو رئيس الوزارة. كما يغلب، في النظم البرلمانية عندما يقوم الحزب أو الائتلاف صاحب الأغلبية البرلمانية بتشكيل الوزارة، وتكون الوزارة مسؤوللة أمام البرلمان، الذي يستطيع حجب الثقة عنها أو عن أحد أعضائها. بعبارة أخرى، فإن وجود البرلمان هو الخطوة الأولى لتحقيق مبدأ الفصل بين السلطات الثلاث الرئيسية في العملية السياسية (التشريعية والتنفيذية والقضائية) حتى لا تستأثر إحداها بكل السلطات، وبحيث تقوم كل منها بموازنة ورقابة الأخرى، ومن أجل تحقيق درجة من التنسيق فيما بينها، لتوفير أكبر ضمانات ممكنة لنزاهة وسلامة صنع السياسة العامة للدولة واحترام الإرادة الشعبية.
ان أهم ما يميز النظام البرلماني أنه يوزع السلطة بين الهيئات الثلاث، التشريعية والتنفيذية والقضائية، دون أن يفصل بينهما بصفة مطلقة، وإنما يقيم تعاونا في ممارسة بعض الاختصاصات، بما يجعل لكل هيئة تأثيرا على الأخرى، مع بقاء مبدأ المساواة والتعاون ولا سيما بين السلطتين التشريعية والتنفيذية.فالنظام البرلماني، إذاً، يقيم الفصل بين السلطات على التوازن والتعاون أي الفصل المتسم بروح التعاون والرقابة المتوازنة بين السلطتين التشريعية والتنفيذية، سواء كان مطبقا فى الدول الجمهورية أو الملكية، فهو لا يفصل بينهما فصلا شبه مطلق فلا يرجح كفة السلطة التنفيذية، كما فى النظام الرئاسى، ولا يجعل للهيئة التشريعية الهيمنة على الهيئة التنفيذية مثل النظام المجلسي . وعلى ذلك يقوم النظام البرلماني على توازن السلطتين التشريعية والتنفيذية والمساواة بينهما وتعاونهما معا بقدر أثر كل منهما في الأخرى.ولهذا، توجد ثلاث قواعد جوهرية للنظام البرلماني هي: برلمان منتخب من الشعب، ورئيس دولة مستقل عن البرلمان، ووزارة مسؤوللة أمام البرلمان.
وهكذا، أصبح البرلمان محور النظام النيابى، يميزه عن غيره من النظم السياسية. فبالنسبة للنظام الرئاسى، كالولايات المتحدة الأمريكية، فإن دور الكونغرس يتمثل أساسا في عملية التشريع، بينما نجد أن وظيفته في النظام البرلماني تتعدى ذلك الى محاسبة السلطة التنفيذية، وسحب الثقة منها، في مقابل حق السلطة التنفيذية في حل البرلمان أيضا.كما ان النظام النيابى يتسم بما يعرف بازدواج السلطة التنفيذية، أي أنها تتكون من قسمين، الأول هو رئيس الدولة، الذى يكون رئيس السلطة التنفيذية في ذات الوقت، والثاني هو رئيس الحكومة، أي رئيس مجلس الوزراء.ولهذا السبب، فإن رئيس الدولة في النظام البرلماني يكون مستقلا عن البرلمان، ولا يخضع لمساءلته، على خلاف الحال بالنسبة لرئيس الوزراء والوزراء، الذين تنتقل إليهم السلطة التنفيذية الفعلية.[16] ويتسم النظام البرلماني، أيضا، بقدرة رئيس الدولة على حل البرلمان، في حالات محددة، وبهذا فإنه يكفل التوازن بين السلطتين التشريعية والتنفيذية، وبدونه تصبح الحكومة خاضعة لسيطرة البرلمان ولا يوجد حق الحل فى النظام الرئاسى.[17]
ثالثا هـــيـــكل الـبـرلــمـــان
يعمل البرلمان وفق مجموعة من القواعد، بعضها قانوني، والآخر يتمثل في الثقافة السياسية السائدة.فمن ناحية أولى، يحدد الدستور صلاحيات البرلمان واختصاصاته بوجه عام، مثل التأكيد على سلطته التشريعية وأنه الجهة التى تضع القوانين في الدولة وتراقب أعمال الحكومة. ثم يوجد قانون يفسر تلك الاختصاصات بالتفصيل ويحدد مراحل عملية التشريع ذاتها أو مجالات رقابة البرلمان على أعمال الحكومة.فتكون هناك لائحة داخلية لتنظيم عمل البرلمان، حيث تتضمن مجموعة من القواعد التى تنظم قيام الأعضاء بممارسة مهامهم البرلمانية، الرقابية والتشريعية، وكذلك التي تتعلق بهيكل عمل المجلس، وأجهزته الرئيسية،وتحديد حقوق وواجبات الأعضاء.أما الثقافة السائدة فهي التي تؤثر في مدى التزام الأعضاء بتلك المهام التشريعية والرقابية، ونوعية العلاقة بينهم وبين الحكومة، ودرجة احترامهم لواجباتهم البرلمانية.وكلٌ من القواعد القانونية والثقافة السائدة يكمل بعضه البعض، ويحددان معا قوة البرلمان ونظرة المجتمع إليه.
ومن الناحية المؤسسية، فقد يتكون البرلمان من مجلس واحد أو من مجلسين، وذلك وفقا لعدد من العوامل التي يعرفها تاريخ الحياة البرلمانية، بعضها سياسي، مثل طبيعة نظام الحكم في الدولة، والعملية التشريعية، والعلاقة بين البرلمان والسلطة التنفيذية، والآخر اجتماعي، مثل حجم السكان، ودرجة التلاصق الإقليمي، ومدى التفاوت الاقتصادي والاجتماعي والثقافي بين أقاليم الدولة.ولا توجد قاعدة محددة اليوم في الأخذ بهذا الأسلوب أو ذاك، سوى إرادة المجتمع، وما يقرره إطاره الدستوري والقانوني من قواعد لعملية التشريع.فمن الملاحظ أن كلا من الأسلوبين يوجد في دول العالم المعاصر على اختلافها، سواء كانت ملكية أو جمهورية ، وسواء كانت مركبة أو بسيطة، متقدمة أم نامية، كبيرة أو صغيرة المساحة والسكان، وسواء كان نظام الحكومة رئاسيا أو برلمانيا.[18] وفى أغلب البرلمانات التي تضم مجلسين، عادةً ما يتشكل المجلس الأول بالانتخاب المباشر، ولهذا يكون أكثر تعبيرا عن الطابع الشعبي، ولهذا يسمى المجلس الأدنى، نسبة الى قربه من الجماهير، أما المجلس الآخر فربما يتشكل بالتعيين، كله أو بعضه، ولهذا يسمى المجلس الأعلى، نسبة الى علاقته بالسلطة العليا في الدولة.وهناك عدة عوامل تفسر انتشار نظام المجلسين في العالم المعاصر أهمها:
- الحاجة الى ضمان قدر أكبر من التروي والمراجعة في قرارات المجلس النيابي المنتخب مباشرة من بين كافة الفئات الجماهيرية، والذي قد تنتشر به عناصر محدودة الثقافة والخبرة الفنية، أو ربما يغلب عليها الانفعال العاطفي في أمور التشريع، ومن هنا تأتي أهمية وجود مجلس ثان مواز للمجلس النيابي، يضم عناصر فنية ومتخصصة ويوازن المجلس النيابي الأدنى، بما يوفر قدرا أكبر من الجماهيرية والعقلانية معا في تكوين البرلمان.
- احتمال التفاوت وعدم التجانس بين الفئات الاجتماعية، العرقية أو الثقافية أو المهنية..، الأمر الذي يستدعي تمثيل تلك الفئات بدرجة مناسبة في مجلس ثان، بالإضافة الى المجلس الذي يتم انتخابه على أساس عددي محض. ففي بعض الحالات، تتكون الدولة من أقاليم أو ولايات، ويكون عدد السكان في بعضها قليلا بالمقارنة مع البعض الآخر، وبالتالي يكون هناك اختلال في تمثيل هذه الأقاليم في السلطة التشريعية الاتحادية، ولهذا يتأسس مجلس ثان يعبر عن قاعدة المساواة في تمثيل الولايات، بصرف النظر عن عدد سكانها.[19] – كما أن نظام المجلسين يضمن فرصة أكبر لاستمرار التعبير عن الإرادة الشعبية ورقابتها لأعمال الحكومة، لاسيما في حال عدم تزامن مدة انعقاد المجلسين، فإذا انتهت مدة انعقاد أحدهما يكون الآخر قائما.
- ولا يعنى نظام المجلسين أنهما متساويان بالضرورة فى السلطة التشريعية، فقد لا يكونان كذلك، وربما لا يكون لأحدهما سوى وظيفة اعتراضية أو حتى استشارية، إلا أن وجود مجلس آخر في البرلمان من شأنه تعزيز فرصة التروي والمناقشة المتعمقة للقوانين، وممارسة قدر أكبر من الرقابة على السلطة التنفيذية. كذلك، فإن الاتجاه العام في الدول المعاصرة التي تأخذ بنظام المجلسين هو إشراك كل منهما في عملية التشريع، حتى إن كان أحدهما يتشكل بالتعيين والآخر بالانتخاب.وهناك نماذج متنوعة من الدول المعاصرة التي تأخذ بنظام المجلسين وترتبط فعالية نظامها السياسي به، نشير إلى أهمها على النحو التالى:ففي بريطانيا يضم البرلمان مجلسين، يقع كلاهما بداخل مبنى البرلمان، ولكن كلاً منهما مستقل عن الآخر: الأول، هو مجلس اللوردات، ويتكون من أكثر من ألف عضو، وتكوينه يكون بالوراثة أو التعيين الملكي المباشر، ومجلس اللوردات يمارس وظيفة قضائية هامة، فهو بمثابة المحكمة العليا في الدولة، فضلا عن دوره فى مراجعة القوانين التي تعرض عليه من مجلس العموم، وحق الاعتراض عليها وتأخير صدورها، حيث يجب حينئذ أن يعاد عرضها على مجلس العموم. أما مجلس العموم، فيتشكل من 650 عضوا منتخبين مباشرة من ققل الشعب لمدة خمس سنوات، وهو السلطة التشريعية الفعلية، والذي يمارس الرقابة على السلطة التنفيذية.وفى فرنسا يتكون البرلمان من مجلسين، حسب دستور الجمهورية الخامسة الحالي منذ عام 1958، وهما: الجمعية الوطنية، وتتشكل من 577 عضوا منتخبين مباشرة من جانب المواطنين (منهم 7 عن المستعمرات الفرنسية)، لمدة خمس سنوات، وهو السلطة التشريعية في فرنسا، ومجلس الشيوخ، ويضم 322 عضوا منتخبين بطريقة غير مباشرة، أي عن طريق هيئة منتخبة بدورها من جانب المقاطعات الفرنسية (فى صورة مجمع انتخابى)، لمدة ست سنوات يجدد نصفه كل ثلاث سنوات، وهو مكمل للسلطة التشريعية في فرنسا، حيث يجوز للحكومة في القوانين المالية أن تعرض مشروع القانون على مجلس الشيوخ للموافقة عليه، إذا لم تتخذ الجمعية الوطنية قرارها خلال 40 يوما من عرضه عليها، فاذا لم يصدر مجلس الشيوخ قراره يحال المشروع الى لجنة مشتركة من المجلسين لاتخاذ قرارها خلال 70 يوما.وفى إيطاليا يضم البرلمان مجلسين، هما: مجلس النواب، ويتكون من 630 عضوا، بالانتخاب المباشر، وبأسلوب القائمة النسبية، والثاني هو مجلس الشيوخ، ويضم 315 عضوا لمدة 5 سنوات بلا تجديد نصفى، وينتخب منهم 309 ويعين رئيس الجمهورية الباقين. والمجلسان متقاربان في الصلاحيات، بل وفي التكوين والنظام الانتخابى، وهما يشكلان معا السلطة التشريعية التي تضع القوانين وتنتخب رئيس الجمهورية وكذلك ثلث أعضاء المحكمة الدستورية العليا، وتعدل الدستور وتراقب أعمال الحكومة.وفي اليابان، يتألف البرلمان من مجلسين، هما: مجلس النواب، ويتشكل بالانتخاب المباشر لمدة أربع سنوات، ومجلس الشيوخ، ويتكون بالانتخاب أيضا، لمدة 6 سنوات، مع تجديد نصف أعضائه كل ثلاث سنوات. والمجلسان معا هما السلطة التشريعية، فإذا اختلفا أعاد مجلس النواب دراسة مشروع القانون، فإذا أصر عليه بأغلبية الثلثين صار نافذا، ويمكن تشكيل لجنة مشتركة منهما في الموضوعات الخلافية والعاجلة.
رابعا:وظــــائــف الـبـرلــمــان
تمارس البرلمانات عددا من الوظائف، تتراوح في مجالها ونطاقها من دولة الى أخرى، وذلك حسب الإطار الدستوري السائد وأسلوب توزيعه لاختصاصات الحكومة، وكذلك تبعا لمدى التطور الديمقراطي وقوة البرلمان وقدرات أعضائه.وبوجه عام، هناك نوعان من تلك الوظائف، الأول عام، تمارسه البرلمانات كهيئة ممثلة للشعب، كدورها في صنع السياسات العامة وخطط التنمية، والثاني فني، وهو ما يعرف بالدور التشريعي والرقابي، الذي تقوم به في مواجهة السلطة التنفيذية .اما ابرز الوظائف فهي:
- الوظيفة التشريعية:
تعد هذه الوظيفة من أهم وظائف البرلمانات، تاريخيا وسياسيا. فمن الناحية التاريخية، تجسدت قيم الديمقراطية في إنشاء نظام للحكم يعتمد على تمثيل الشعب، وتحقيق حرية المشاركة والمساواة بين المواطنين، وارتكز هذا النظام على وجود هيئة تقوم بدور النيابة عن هذا الشعب في تقرير أمور حياته. وبلا شك، فإن أهم أمور تنظيم حياة المجتمع هي وضع القواعد التى يجب أن تسير عليها الكافة من أجل حماية قيم الحرية والمساواة. ولهذا، فإن دور البرلمان الأول أصبح هو وضع تلك القواعد، أي القوانين.واليوم، تعتبر وظيفة التشريع أبرز ما يقوم به البرلمان، حتى أن التسمية المرادفة للبرلمان في مختلف الثقافات المعاصرة هي المؤسسة أو السلطة التشريعية.وبرغم أن المبادرة باقتراح القوانين وصياغتها في هيئة مشروعات تأتي غالبا من جانب السلطة التنفيذية، فإن ذلك لا ينفي دور البرلمان في مناقشتها وتعديلها قبل الموافقة عليها، وكذلك اقتراح قوانين جديدة.ومن المهم معرفة أن القوانين ليست مجرد رخص وعقوبات يصدرها المشرع، وإنما القانون تعبير عن إرادة المجتمع وأولوياته، التي يجسدها المشرع في صورة قواعد عامة تحكم التفاعلات بين الأفراد والجماعات وتنظم العمل والعيش المشترك بينهم. فالتشريع يأتي تاليا لوضع الأولويات السياسية وتحديد ملامح السياسات العامة المرغوبة، ولا يتم في فراغ، ومن هنا، نستطيع التحدث عن سياسة تشريعية. والذي يعبر عن تلك السياسة التشريعية هو منظومة القواعد والقوانين الموضوعة وكيفية وضعها وطريقة إنفاذها.ومن المهم، أيضا، معرفة نطاق الوظيفة التشريعية التي يمارسها البرلمان في إصدار القوانين. فالقاعدة العامة أن الإطار القانوني له مكونات عديدة، على رأسها الدستور، ثم القوانين، واللوائح التنفيذية، والقرارات الوزارية والتعليمات الإدارية، بالإضافة الى الاتفاقيات والمعاهدات الدولية التى توقع عليها الدولة.فبالنسبة للدستور، فمرجعه الأصلي هو الشعب، لأن الدستور أعلى مرتبة من القوانين، وهو الذى يعبر عن القيم الأساسية للمجتمع وطبيعة نظام الحكم ككل، وبالتالى لابد أن يكون للشعب الرأى المباشر فيه. أما دور البرلمان فيتمثل فى مناقشة تعديل الدستور. وبالنسبة للاتفاقيات والمعاهدات الدولية، فإن السلطة التنفيذية هي التي توقع عليها، لأنها المتحدث بإسم الدولة أمام العالم الخارجى، ويكون دور البرلمان هو الموافقة على تلك الاتفاقيات والمعاهدات قبل التوقيع عليها نهائيا، أو التصديق عليها بعد التوقيع فعلا.وسلطة تصديق البرلمان على المعاهدات تجعله فاعلا ومؤثرا فى ترسيم حدود النشاط الدبلوماسي للحكومة ، وخصوصا المعاهدات التي تؤثر على سيادة الدولة أو موارد المجتمع، مثل معاهدات التحالف أو التجارة أو القروض الكبيرة أو تعديل الحدود أو أراضي الدولة.
ومن هنا، تنصرف الوظيفة التشريعية للبرلمان الى وضع القوانين أساسا. وهذه الوظيفة هي التي تجعل البرلمان من أهم سلطات الدولة، باعتباره ممثل الأمة ولأنه الذي يسن القوانين ويعدلها ويلغيها، ومن الضروري موافقته على كل المشروعات والقوانين التي تقدمها السلطة التنفيذية.أضف الى ذلك أن تنفيذ سياسة الوزارة يتوقف عادة على ثقة البرلمان، وأن القوانين هي التي تحدد مجالات النشاط الحكومي. كما أن مبدأ الشرعية يقيد قدرة السلطة التنفيذية على تعديل هذه القوانين من تلقاء نفســها، وإن كانت تستطــيع - فقط - أن تحدد تطبيقها. كذلك، فإن السلطة القضائية لا تطبق إلا القوانين التى تقرها السلطة التشريعية.
- سلطة الرقابة :
هناك ثلاث صور أساسية للرقابة، يكمل بعضها البعض حتى تستقر الديمقراطية ويتحقق التوازن بين السلطات وكذلك الإرادة الشعبية للمواطنين. الأولى هي الرقابة من البرلمان على الحكومة، والثانية من الحكومة على البرلمان، والثالثة من الرأي العام على البرلمان.أما النوع الأول من الرقابة، فهي التي يمارسها البرلمان على الحكومة. وتعتبر تلك الرقابة البرلمانية من أقدم وظائف البرلمان تاريخيا، وأشهرها سياسيا، حيث هو المسؤول عن متابعة وتقييم أعمال الحكومة.ولكن عملية رقابة البرلمان على السلطة التنفيذية لا تتم بدون توازن في القوة السياسية بينهما، حتى لا تنقلب الى سيطرة، وتصبح السلطة التنفيذية خاضعة تماما للبرلمان، وبالتالى ينهار مبدأ الفصل بين السلطات، الذي هو أساس الحكومات الديمقراطية وشرط الاستقرار السياسى. ولهذا، فإن عملية الرقابة تكون متبادلة ومتوازنة بين السلطتين التشريعية والتنفيذية.فالرقابة البرلمانية وسيلة لحماية مصلحة الشعب، ومنع الانحراف، والالتزام بالسياسية التنموية التي وافق عليها البرلمان، والالتزام بالميزانية التي أقرها، حفاظا على الأموال العامة من الهدر. ويعتبر البرلمان سلطة رقابة سياسية على السلطة التنفيذية تحاسبها وتراقب تصرفاتها وأعمالها وقراراتها، ويستطيع البرلمان من خلالها التحقق من مشروعية تصرفات السلطة التنفيذية وأعمالها ومدى استهدافها الصالح العام، ويكون له مراجعتها وإعادتها الى الطريق الصحيح إذا انحرفت.ومن ناحية ثانية، فكما أن البرلمان يمارس وظيفة رقابية على الحكومة، فإنه يخضع فى الوقت نفسه لنوع من رقابة الحكومة عليه أيضا. فإذا كان أعضاء البرلمان يستطيعون اتهام الوزراء، وسحب الثقة من الحكومة إذا ثبت الاتهام عليها، فإن الحكومة قد تلجأ الى حل البرلمان وفقا لحالات محددة . وفى هذه الحالة تطلب الحكومة من رئيس الدولة حل البرلمان، وإجراء انتخابات جديدة ، تسمى انتخابات مبكرة، فإذا اختار الناخبون نفس أعضاء البرلمان تقريبا كان معنى هذا أنهم يؤيدون البرلمان ضد الحكومة، فيجب على الحكومة أن تستقيل، أما إذا انتخب الناخبون برلمانا مختلفا، فمعنى هذا أنهم يؤيدون موقف الحكومة، فتستمر في العمل.وهناك صورة ثالثة للرقابة، وهي التي يمارسها الرأي العام على البرلمان ذاته. وقد تكون تلك الرقابة الاجتماعية على البرلمان موسمية أو تكون دائمة.فالأولى تتم عند تشكيل البرلمان، وتتمثل في موقف الناخبين تجاه أعضاء البرلمان وقت الانتخابات، حيث يعتبر تجديد اختيار الأعضاء نوعا من الرقابة الدورية التي يمارسها الرأي العام على البرلمان.أما الرقابة الدائمة فتتم طوال فترة عمل البرلمان، ويمارسها المجتمع من خلال وسائل الإعلام، سواء على أداء الأعضاء أو قوة البرلمان ككل، وهي نوع هام جدا من الرقابة الشعبية على البرلمان.وفى الحقيقة، فإن الصورة الأولى للرقابة، أي من البرلمان على الحكومة، تعتبر مقياسا هاما لكفاءة البرمان ومؤشرا عـلى درجة الديمقراطية في المجتمع.
فالمقصود بالرقابة البرلمانية، إذن، هو دراسة وتقييم أعمال الحكومة، وتأييدها إن أصابت وحسابها إن أخطأت.وتتنوع صور العلاقة الرقابية بين البرلمان والسلطة التنفيذية في النظم الديمقراطية، ففي بعضها يقوم البرلمان بانتخاب رئيس الوزراء او قيام الاكثرية النيابية بتسميته وبالتالي يستطيع عزله (أى سحب الثقة منه)، وفي البعض الآخر لا يستطيع البرلمان ذلك، كما هو الحال في النظام الأمريكي. ولكن، على الرغم من غياب تلك الصفة بالنسبة للكونغرس الأمريكي، والنظم الرئاسية والتي تأخذ بمبدأ الفصل الواضح بين السلطات عموما، يظل للبرلمان القدرة على الرقابة والعمل باستقلالية بعيدا عن تدخل السلطة التنفيذية.ولأن الرقابة البرلمانية عملية متعددة الأبعاد، فهناك وسائل متعددة أمام النواب لممارسة مهام الرقابة على الحكومة،منها المناقشات المستمرة والعميقة للميزانية، والرقابة والإشراف على العمل الحكومي،وتوجيه الأسئلة للوزراء عن أمور تتعلق بعملهم. [20] ويعود الثقل في الوظيفة الرقابية في نظر المجتمع وأعضاء البرلمان الى عدد من الأمور التى أملتها التطورات السياسية، وأهمها:
- هيمنة الحكومة على صنع السياسات العامة، فهي مصدر معظم التشريعات، وهي التي تمتلك القدرة على التنفيذ، وهي المخولة بوضع اللوائح التنفيذية للقوانين، وتمتلك القدرات الفنية والإدارية وقواعد المعلومات اللازمة لصنع وتنفيذ السياسة، بحيث لا يتبقى للبرلمان الكثير من هذه القدرات لكي يقوم بصنع السياسة ورسم الأولويات.وبالتالي، يتجه اهتمام البرلمانات في ظل هذه الأوضاع الى محاولة استثمار وتفعيل ما هو ممكن من وسائل وآليات للمساهمة في صنع القرار، وأهمها الرقابة.
- أن التوازنات السياسية والحزبية في البرلمان قد تحد من قدرته على توجيه الحياة السياسية وصنع السياسات العامة، لاسيما في ظل وجود تكتل أو أغلبية حزبية كبيرة مؤيدة للحكومة، وبالتالي تصبح الرقابة أهم الوسائل المتبقية أمام المعارضة للتأثير في السلطة التنفيذية.
- أن الثقافة السياسية السائدة في المجتمع قد تنظر الى الدور الرقابي للبرلمان بشكل أكثر تقديرا وإعجابا من نظرتها لدوره التشريعي، وينطبق ذلك بوضوح على نظرة الرأي العام الى أعضاء المعارضة البرلمانية أو المستقلين، حيث يميل الرأي العام وتتجه وسائل الإعلام الى الانبهار وربما تبجيل العضو الذي يستطيع إحراج الوزراء ويقتنص الفرص لإظهار التقصير في أداء الحكومة، بل وربما يفاخر الأعضاء أنفسهم بذلك ويعتبرونه علامة في تاريخهم البرلمانى.
- الوظيفة المالية:
حصلت البرلمانات على سلطتها المالية عبر مرحلة صراع طويل مع الحكومة منذ القرن التاسع عشر، حتى أصبحت تلك السلطة من أهم مصادر قوتها فى مواجهة الحكومة.وتتمثل السلطة المالية للبرلمان في دراسة حجم نفقات الدولة التي تقدمها الحكومة في مشروع الموازنة، واتخاذ الوسائل الضرورية لتغطية العجز المالي في الميزانية ان وجد سواء عن طريق الضرائب أو طرق أخرى.
- صنع وإقرار السياسة العامة:
مع تضخم دور السلطة التنفيذية في ظل التقدم الصناعي وتزاحم العمل الحكومي، بحيث أصبحت الإدارات التنفيذية أكثر انشغالا وتعقيدا في مهام الحياة اليومية وتفصيلات الأداء الإداري، برز دور البرلمان في التأثير على السياسة العامة، نظرا لما يتمتع به من قدرة على التعبير عن المطالب الشعبية وأولويات الرأي العام.
- التاثير في الرأي العام
ارتبطت مسيرة التطور السياسي ونمو الاتجاهات الديمقراطية في مختلف أنحاء العالم بدور البرلمان، حيث كان نقطة الإنطلاق لأفكار الحرية والمساواة والمشاركة السياسية الشعبية في الحكم. كما أن البرلمان كان منبع الحركة الوطنية والمطالبة بالاستقلال في الدول النامية خلال الفترة الاستعمارية ، منذ أوائل القرن العشرين.كذلك، فإن البرلمانات تساهم في تشكيل الرأي العام، وبلورة الاتجاهات السياسية العامة حول النظام السياسي، وأداء أجهزة الدولة.وباعتبارها هياكل نيابية، فإن البرلمانات لديها الفرصة في التأثير على مختلف الاتجاهات والتيارات السياسية المتباينة داخل الدولة، والتأثير بالتالي في الرأي العام ككل.كما يعد البرلمان مكانا لعقد المناقشات الدائمة بين المواطنين الذي يعبر عنهم والحكومة،أي يعد منبرا يعبر عن الاتفاق والاختلاف، وكثيرا ما تبث وسائل الإعلام المكتوبة والمسموعة والمرئية هذه المناقشات .ولا يقتصر تأثير البرلمان في الرأي العام على النطاق الداخلي وإنما قد يمتد الى النطاق الخارجي، فيما يسمى الدبلوماسية الشعبية، التي أصبحت إحدى العلامات البارزة في العلاقات الدولية المعاصرة، واستطاعت أن تشكل قنوات تأثير على الرأي العام الدولي.وتتميز الدبلوماسية البرلمانية بالمرونة والحركية، فهي لا تتم بين أشخاص رسميين يعبرون عن وجهة نظر جامدة للدولة، أو يحملون أوراق تفويض في مسائل معينة، وإنما بين أحزاب وقوى سياسية متباينة في برامجها وأهدافها في داخل دولها، بغض النظر عن كون هذه الأحزاب فى الحكم أم لا.[21]
5 - الوساطة بين المواطنين وأجهزة السلطة التنفيذية:
يقوم عضو البرلمان بنوعين من الأدوار النيابية، الأول هو تمثيل الشعب في مجموعه، وذلك من خلال عمله البرلماني في أمور التشريع والرقابة على الحكومة، وتمثيل مصالح الناخبين في دائرته المحلية والعمل على تلبية مطالبهم.بعبارة أخرى، فإن أعضاء البرلمان يقومون بدور الوساطة بين دوائرهم الانتخابية من ناحية والحكومة والأجهزة الإدارية والرسمية من ناحية أخرى.بهذا المعنى الأخير، فإن النائب وسيط بين الناخبين وبين الحكومة، فهو يتدخل لدى الإدارة والحكومة والوزراء ليلفت نظرهم إلى بعض القرارات غير الملائمة التي يعود أثرها بالضرر على المواطنين، كذلك يطالب بتحقيق بعض المطالب الخاصة لأبناء دائرته.وهناك جدل كبير ومستمر حول هذا النوع من تمثيل المصالح المحلية، التي تأخذ معنى الوساطة بين المواطنين وأجهزة الدولة. فالبعض يرى أن النائب قد ينشغل بهذا الدور للحصول على تأييد ورضا ناخبيه المحليين، ولو كان ذلك على حساب المصالح الوطنية العامة، أو على حساب مناطق أخرى في المجتمع ربما لا يكون لها نواب على نفس القدر من المهارة في الحصول على الخدمات لدوائرهم.ولكن البعض الآخر يرى أن عمل الحكومة في الوقت الراهن قد أصبح معقدا للغاية، وأن قدرة المواطن العادي على التأثير في أجهزة الدولة، وخصوصا الأجهزة الخدمية كالمرافق والخدمات الأساسية، الأمر الذي يفرض على عضو البرلمان القيام بإيصال مطالب المواطنين الى أجهزة صنع القرار، لما له من قدرة على ذلك، وفرصة في الاتصال بهم.ومن ناحية أخرى، فكثيرا ما ينتخب المواطنون نوابهم للوفاء بوعود انتخابية وتلبية مطالبهم المحلية التنموية، وإذا عجز النائب عن تحقيقها أو انشغل عنها تماما بأداء المهام البرلمانية الأخرى فإنه يفقد تأييدهم.وفي الحقيقة، لم يعد هذا الدور الخدماتي المحلي للنائب محلا للتساؤل في الحياة البرلمانية المعاصرة، وإنما الأمر يتعلق بنطاق هذا الدور، وما إذا كان النائب قادرا على الجمع بينه وبين الأدوار البرلمانية العامة الأخرى، كالتشريع والرقابة.[22]

[1] - وقد بلغ تطور دور البرلمان في بعض الدول مرحلة غير مسبوقة، حتى قيل في البرلمان البريطانى مثلا أنه يستطيع أن يفعل كل شىء عدا تحويل الرجل إلى امرأة والمرأة إلى رجل.
[2] - لقد ارتبط الكونغرس بمرحلة هامة في التاريخ الأمريكى وهي الحرب الأهلية بين الشمال والجنوب، حيث كان مركزا للقوى التي تؤيد الاندماج في دولة واحدة، حتى تم تأسيس الولايات المتحدة الأمريكية، الحالية.
[3] - لا يمكن تحقيق ديمقراطية بلا برلمان، يمثل المواطنين ويعبر عن مصالحهم وتطلعاتهم، كما لا يمكن أن يكون هذا البرلمان عنصر قوة للديمقراطية إلا إذا كان نتيجة انتخابات نزيهة. وبالتالى، فإن الديمقراطية تهدف الى إنشاء برلمان سليم، كما أنها تعتمد على وجود برلمان قوى فى نفس الوقت.
[4] - وربما كان السبب الرئيس في تلك النظرة السلبية هو ظهور مجموعة من النظم الشمولية تقوم على سيطرة الدولة على كل شئ، وذلك خلال فترة ما بين الحربين العالميتين الأولى والثانية، مثل الفاشية فى إيطاليا والنازية فى ألمانيا. وفي الوقت نفسه، فقد انتشر نوع جديد من النظم الشمولية، مثل الشيوعية في الاتحاد السوفيتى، وبالتالي تراجع الحديث عن الحكومة التمثيلية والديمقراطية النيابية
[5] - وربما كانت هذه النظرة السلبية لدور البرلمانات فى الحياة السياسية هي التي تفسر البحث عن وسائل أخرى للتعبير عن المواطنين والتأثير في الحكومة، وفي مقدمتها ما يسمى منظمات المجتمع المدنى، مثل النقابات والجمعيات الأهلية.

[6] - فخلال الفترة ما بين عام 1974 وعام 1990 ظهرت حوالى ثلاثين حكومة ديمقراطية جديدة في الدول النامية، ترتكز على وجود برلمان فعال، كما زادت نسبة النظم الديمقراطية في العالم المعاصر بشكل واضح منذ عام 1992.
[7] - فقد أصبح البرلمان اليوم رمزا لمجموعة أكبر من التحولات السياسية، التي تضم العديد من المؤسسات السياسية والدستورية، مثل الأحزاب السياسية، والنقابات المهنية والعمالية، ومؤسسات المجتمع المدني كالجمعيات الأهلية والنوادى الثقافية والروابط الاجتماعية، ووجود صحافة حرة وقوية تعبر عن كافة الآراء والاتجاهات..، كل ذلك يشكل المناخ السياسي والاجتماعي الذي يزدهر فيه العمل البرلماني، ويقدم الضمانات الأساسية لاستمرار النظام الديمقراطي.

[8] - فعلى سبيل المثال يعتبر اختصاص رئيس البرلمان رئيس البرلمان تنظيمي في المقام الأول، فيتحدث بإسم البرلمان وينظم عمله ولا يتميز في الحقوق والواجبات البرلمانية عن سائر الأعضاء، أي أنه رئيس للبرلمان وليس رئيساً للأعضاء. بعبارة أخرى، فبينما يوجد فى السلطة التنفيذية، مثلا، رئيس للوزراء فلا يوجد فى البرلمان رئيس للنواب.

[9] - لهذا، فإن البرلمان أصبح الهيئة الأساسية التي تمثل المواطنين في شئون الحكم، مع الاحتفاظ بالسيادة للشعب ذاته، لأن أعضاء البرلمان يباشرون سلطتهم تحت رقابة الرأي العام، وطالما حصلوا على ثقة الناخبين. بعبارة أخرى، فإن الكلمة في نهاية الأمر هي كلمة الشعب، وتصبح الديمقراطية النيابية هي أكثر صور الديمقراطية استجابة للضرورات العملية في تطور المجتمع.

[10] - ومثال ذلك: هونغ كونغ قبل عودتها الى الصين، أو حتى الأراضي الفلسطينية الى حين إعلان الدولة الفلسطينية المستقلة.
[11] - حتى في هذه الحالة، فإن اختيار الحاكم لهؤلاء المعينين أصبح وسيلة لتحقيق توازنات سياسية عامة، وليس مجرد ميزة شخصية للحاكم، حيث يسعى الى استخدام سلطته في تعيين بعض أعضاء البرلمان من أجل إتاحة فرصة معقولة لتمثيل بعض الفئات الاجتماعية، أو للاستفادة من خبرات بعض الرموز الاجتماعية والثقافية والشخصيات العلمية المتميزة لإثراء العمل البرلمانى ذاته.

[12] - فقد كان العديد من البرلمانات فى بدايتها عبارة عن مجالس قليلة العدد، تضم مجموعة محدودة من النخبة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، وخصوصا من كبار الملاك والأعيان والنبلاء، ثم تطورت لتصبح مجالس شعبية، مفتوحة أمام كافة المواطنين، للانتخاب والترشيح، وبالتالى صارت مؤسسات شعبية.

[13] - وبرغم أن أغلب دول العالم المعاصر قد أقرت بمبدأ المساواة بين الرجل والمرأة فى الحقوق والواجبات، والمواطنة المتساوية لكل منهما، فإن بعض المجتمعات لا تزال تقيد تطبيق ذلك المبدأ، وبالتالى تقتصر عملية الانتخاب أو الترشيح للبرلمان أو كليهما على الرجال فقط.وما من شك فى أن هذا القيد على مبدأ المواطنة، والطابع الشعبي للبرلمان يزول حثيثا فى بقية بقاع العالم مع انتشار أفكار المساواة والديمقراطية، وتغير منظومة التقاليد الاجتماعية وانتشار موجة التحديث.

[14] - فعلى سبيل المثال، قد تلجأ الدولة بعد مرحلة ثورية الى تقييد الحقوق السياسية لبعض الفئات التي قامت الثورة للإطاحة بهم أصلا، أو للتخلص من سيطرتهم الاجتماعية والاقتصادية والسياسية.ومن ناحية أخرى، فقد تفرض الدولة تلك القيود على بعض المواطنين بسبب ارتباطهم بأنظمة سابقة (مثل النازية والفاشية في أوروبا)، أو نتيجة انخراطهم في أنشطة معادية للدولة.ومن ناحية أخرى، قد يكون تقييد تلك الحقوق بسبب الانتماء لمذهب فكري أو سياسي محظور في دستور الدولة وقوانينها، مثل الترويج لأفكار إلحادية في مجتمعات تحترم الأديان، أو تبني أفكار عنصرية معادية لمبادئ الحرية والمساواة وحقوق الإنسان.كذلك، فلم يقتصر هذا التقييد على دول بعينها، وإنما عرفته مختلف المجتمعات.
[15] - وبالإضافة الى تلك القيود التى شهدها التطور البرلمانى تاريخيا، هناك مجموعة من الشروط التي تفرضها الدول على بعض المواطنين في ممارستهم لحقوق الانتخاب والترشيح للبرلمان، سواء بحكم وظائفهم أو لأسباب أخلاقية وقانونية. فعلى سبيل المثال، قد يتم استثناء ضباط وأفراد القوات المسلحة والشرطة من حق الانتخاب طالما كانوا في الخدمة، مع إمكانية مباشرتهم لحق الترشيح، ثم الاستقالة في حالة الفوز.كذلك، فقد تضع الدول شروطا أخرى لكل من يرغب في ممارسة حقوق الانتخاب والترشيح للبرلمان، مثل شرط النزاهة وعدم صدور أحكام جنائية نهائية مخلة بالشرف والأمانة ضده، وشرط التعليم أو إجادة القراءة والكتابة، وشرط أداء الخدمة الوطنية والعسكرية أو الإعفاء منها للترشيح لعضوية البرلمان.

[16] -ولهذا، يقال أن الملك في النظام البرلماني يملك ولا يحكم.أما في النظام الرئاسي فإن الرئيس هو الذي يختار الوزراء ويعزلهم بإرادته المنفردة، لدرجة أنهم يعتبرون في الولايات المتحدة مساعد أو سكرتير الرئيس.
[17] - فلا يستطيع رئيس الدولة في الولايات الأمريكية أن يحل الكونغرس، ولا يملك دعوته للانعقاد، كما لا يملك الكونيرس سلطة عزل الرئيس أو اختيار الوزراء أو مساءلتهم أو حجب الثقة عنهم، فيما يعرف بأسلوب الفصل شبه التام بين السلطا
[18] - فعلى سبيل المثال، يوجد البرلمان ذو المجلسين في دول ملكية (بريطانيا) وجمهورية (إيطاليا)، كما يوجد فى دول اتحادية مركبة (كالولايات المتحدة وألمانيا) وأخرى بسيطة موحدة (فرنسا)، وكذلك الحال بالنسبة لنظام البرلمان ذي المجلس الواحد. إلا أن نظام المجلس الواحد قد انتشر في أعقاب الحرب العالمية الأولى، وذلك في دول مثل فنلندا، ودول البلطيق (لتوانيا، واستونيا، ولاتفيا)، ويوغسلافيا، واليونان، وكوستاريكا، والسلفادور، وبنما، وغيرها.. كما طبقته عدة دول حديثة النشأة بعد الحرب العالمية الثانية مثل غانا، وتنزانيا، والنيجر، ونيوزيلندة .ولقد تعرّض هذا النظام الى انتقادات شديدة أهمها احتمال التسرع في إصدار القوانين وكذلك التصادم المتكرر مع السلطة التنفيذية، فضلا عن غياب تمثيل متوازن لبعض الفئات والقطاعات الاجتماعية في البرلمان، لاسيما تلك التي ترفض الدخول في معترك الانتخابات وما يرتبط بها من مساوئ لأساليب الدعاية الانتخابية التي تؤثر على اتجاهات الناخبين بشكل قد لا يكون في صالح وصول العناصر الأكفأ الى البرلمان، الأمر الذى دفع معظم دول العالم المعاصر الى الأخذ بنظام المجلسين. وقد نبتت فكرة المجلسين في انكلترا وسط ملابسات تاريخية طريفة، حيث شهد البرلمان في مراحله الأولى انقساما بين ممثلى العامة وخصوصا المناطق الريفية وممثلى الطبقة الغنية والصناعية الجديدة من المدن، وتكررت المناوشات بين الفريقين مما أدى الى ارتباك العمل البرلمانى كثيرا، فاتجه ممثلو عامة الشعب الى الاجتماع فى قاعة مستقلة، أصبحت بداية لانفصال المجلسين فيما بعد.

[19] - مثال الولايات المتحدة الأمريكية ، حيث يضم الكونغرس مجلسين، هما: مجلس النواب الذي يعكس الوزن العددي لسكان الولايات الخمسين (ويتكون من 437 عضوا)، ومجلس الشيوخ الذي يعبر عن المساواة المطلقة بين تلك الولايات (100 عضو، بواقع عضوين عن كل ولاية).

[20] - فبعض البرلمانات ابتكرت وسيلة أخرى من وسائل الرقابة على العمل الحكومى، وهى المفوض البرلمانى، وهو شخصية مستقلة يقوم بتعيينها البرلمان من أجل الإشراف والرقابة على الإدارة.
[21] - في هذا الإطار تبرز الدبلوماسية البرلمانية كأرقى أنواع الدبلوماسية الشعبية. وأطراف الدبلوماسية البرلمانية يتمتعون بتفويض قانوني من قبل شعوبهم مصدره ما حازوا عليه من ثقة الناخبين، كما أن احتكاكهم المستمر بأبناء دوائرهم يجعلهم معبرين عن اتجاهات الرأي العام.وعلى الرغم من أن ما يصدر عن الدبلوماسية البرلمانية من توصيات وقرارات ليس له صفة الإلزام للحكومات، إلا أنها تعد منابر هامة لمخاطبة الرأي العام وإثارة اهتمامه بالقضايا المختلفة في العالم وزيادة وعيه بها.

[22] - لقد استقر الأمر على قبول هذا الدور وتنظيمه على نحو متوازن، حيث تعرف مختلف برلمانات العالم ما يسمى مكاتب المطالبة أو الطلبات، التي تقوم بتلقي طلبات المواطنين وطلبات جماعات المصالح وطلبات الفئات المعترضة على قرار حكومى ما.وقد يكون تنظيم عمل هذه المكاتب مركزيا، أي في مقر البرلمان ذاته، أومحليا، أي تنتشر في الدوائر الانتخابية والمناطق المحلية ذاتها في هيئة مكاتب لنواب تلك الدوائر.