10‏/02‏/2008

ازدواجية المعايير الدولية في نزع الأسلحة غير التقليدية

ازدواجية المعايير الدولية
في نزع الأسلحة غير التقليدية
د.خليل حسين
أستاذ القانون الدولي في الجامعة اللبنانية
رئيس مصلحة الدراسات في مجلس النواب اللبناني
ثمة بوادر واضحة بأن اضطرابات دولية تلوح في الأفق على قاعدة منع انتشار الأسلحة النووية.فمع غزو العراق في العام 2003 بحجة أسلحة الدمار الشامل ومع تعثر المفاوضات في الملف النووي الإيراني، ثمة ثوابت ظاهرة للعيان مفادها أن لا مجال لبعض الدول من امتلاك التكنولوجيات التي تمكنها من الانتقال النوعي من ضفة إلى أخرى،وهذا ما تحاول تكريسه الولايات المتحدة الأمريكية عبر صياغتها للنظام الدولي الجديد، مع بعض الاستثناءات المتعلقة بإسرائيل والدول التي تعد ملحقة بالغرب كالهند على سبيل المثال.
وفي الواقع فرضت الدول الكبرى معاهدة الأمم المتحدة للاستخدامات السلمية للطاقة النووية على دول العالم الثالث والتي كان بعضها يطمح إلى امتلاك قدرات نووية سلمية؛بيد إن سلوك الدول الكبرى والمتغيرات الدولية المتلاحقة شجعت بعض الدول على الخروج والتفلت من إطار المعاهدات الدولية كالباكستان وكوريا الشمالية بعد أن قضت إسرائيل على المشروع النووي العراقي في العام 1981.
فعبر اقتراح من الولايات المتحدة الأمريكية وافقت الجمعية العامة للأمم المتحدة في العام 1954 على تأسيس الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وما إن صدر القرار حتى أعلنت إسرائيل رسميًا عن إنشاء أول لجنة من نوعها للطاقة الذرية؛ ليكون أول إعلان رسمي بأنها ماضية في حيازة وامتلاك السلاح النووي، لتجر المنطقة بأكملها إلى سباق نووي محموم.وتشير دراسات ذات قيمة علمية أن مصر والجزائر والعراق كانت من بين الدول العربية المؤهلة تقليديا لدخول النادي النووي،وكان العراق قد اقترب في بعض الأوقات من تحقيق الحلم النووي العربي الذي كان بإمكانه إحداث التوازن الإستراتيجي مع إسرائيل، غير أن ضرب إسرائيل للمفاعل النووي سنة 1981، وهزيمته في حرب الخليج الثانية سنة 1991، وما تبعها من فرض عقوبات صارمة عليه ومن ثم غزوه في العام 2003، وكذلك اندلاع الحرب الأهلية في الجزائر، وما صاحبها من خلل اقتصادي وسياسي، كل ذلك أبعد البلدين عن امتلاك الخيار النووي؛ مع الإشارة إلى أن مصر تعتبر أول دولة عربية دخلت هذا المجال وشكلت أول لجنة للطاقة الذرية عام 1955. ويوضح الجدول التالي حجم انتشار الأسلحة النووية وفقا لمصادر الأمم المتحدة في العام 2002
اسم الدولة
عدد الرؤوس النووية
سنة اختبار القنبلة الأولى
الولايات المتحدة الأمريكية
10,500
1945
الاتحاد الروسي
18,000
1949
المملكة المتحدة لبريطانيا العظمى وأيرلندا
200
1952
فرنسا
350
1960
الصين
400
1964
الهند
60-90
1974
باكستان
28-48
1998
جمهورية كوريا الشعبية الديمقراطية
0-18
لا تتوفر معلومات
أما بخصوص إسرائيل فلم تذكرها الدراسة ضمن الدول التي تمتلك،بل صنَّفتها من الدول التي يعتقد بأنها تمتلك أسلحة نووية،علما بأن الدراسة نفسها أوردت أن احد العلماء الإسرائيليين مردخاي فعنونو كشف عام في 1986 معلومات مثيرة حول مفاعل ديمونا وان إسرائيل قد قامت في عام 1979 بإجراء تفجير اختباري،علما بأن تقارير استخبارية كثيرة متعددة المصادر تؤكد امتلاك إسرائيل لأكثر من 200 رأس نووي وبأنها كانت على وشك استعمالها في حرب العام 1973 ضد العرب.
أما بخصوص إيران فقد وقعت على معاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية وتصر أن مفاعلاتها تستعمل لأغراض سلمية فقط.
وفيما يختص بجمهورية كوريا الشعبية الديمقراطية فقد انسحبت من معاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية في 10 كانون الثاني 2003 وفي شباط 2005 أعلنت عن امتلاكها لأسلحة نووية فعالة ولكن انعدام الاختبار التجريبي أثار الشكوك حول جدية هذه المزاعم.
أما الدول التي كانت تمتلك أسلحة نووية وتخلت عنها فهي:
- أوكرانيا التي ورثت 5000 سلاح نووي من الاتحاد السوفيتي لكنها تخلت عنها عام 1996 وتم نقلها إلى روسيا.
- بيلاروسيا ورثت 81 رأسا نوويا من الاتحاد السوفيتي وتخلت عنها عام 1996 وتم نقلها إلى روسيا.
- كازاخستان ورثت 1400 رأسا نوويا من الاتحاد السوفيتي وتخلت عنها عام 1995 وتم نقلها إلى روسيا.
- جنوب أفريقيا أنتجت 6 قنابل نووية في الثمانينيات وتخلت عنها وقامت بتدميرها في تسعينيات القرن الماضي.
أما الدول القادرة على بناء قنبلة نووية خلال سنوات في حال اتخاذ حكوماتها قرارات بهذا الشأن فهي:كندا،اليابان،إيطاليا، ليتوانيا وهولندا. وجميع هذه الدول تمتلك مفاعلات نووية تستعمل لأغراض مدنية.
وبصرف النظر عن محاكمة النوايا فان البرامج النووية للكثير من البلدان لم تكن فعلا بهدف الاستخدام السلمي، فقد شكل الردع عبر مراحل مختلفة سببا لحيازة هذه التقنية، وقد سلكت بعض القوى النووية غير المعترف بها، مثل إسرائيل وأفريقيا الجنوبية والبرازيل والأرجنتين (سابقا) أسلوب الردع النووي الذي يعتمد على الغموض الذي يحيط بعملية امتلاك السلاح النووي. ويسمى هذا الأسلوب "الغموض الكاذب"،وله مقومات شبيهة بمقومات نظام الردع المبني على حقيقة وجود سلاح نووي. ويتطلب وجود عملية إعلامية مرافقة حيث تعتمد على بث رسالتين تواصليتين متناقضتين "دولة نووية ودولة غير نووية". وقد ظلت تطوير الاستخدامات السلمية للطاقة النووية عنوانا عريضا لكثير من الدول بهدف الهروب من الملاحقة الأمريكية لها وقد أخذت في هذا القرن شكلا أكثر حدة من ذي قبل. ويهدف الاستخدام السلمي للطاقة النووية بشكل عام في مجال توليد الكهرباء أو تحلية المياه أو الاستخدامات الطبية، كما يستفاد من بناء دورة الوقود النووي والمفاعلات اللازمة لتوفير الحاجة من الطاقة.
تاريخ المعاهدات ومضامينها:
في الواقع بذلت جهود دولية كثيرة لحظر ومنع انتشار أسلحة الدمار الشامل في خطين متوازيين: الأول هدف إلى تحريم استخدامها في الأغراض العسكرية، والثاني هدف إلى منع تحويلها من الأغراض السلمية إلى الأغراض العسكرية، وقد أفضت هذه الجهود إلى مجموعة من المعاهدات الدولية التي دخلت جميعها حيز التنفيذ وهي:
- معاهدة القطب الجنوبي سنة 1959، (The Antarctic Treaty) : التي وقعتها أثنتا عشرة دولة في كانون الأول 1959 في واشنطن، واتفقت أطراف المعاهدة على استخدام القطب الجنوبي تحديدا من أجل الأغراض السلمية وعلى تحريم أي إجراءات ذات طابع عسكري بما فيها التجارب على أي نوع من الأسلحة، كما نصت المعاهدة على تحريم أي تفجيرات نووية والتخلص من فضلات المواد المشعة في القطب الجنوبي، ولذلك اعتبرت أول معاهدة حرمت التجارب النووية وأول من أنشأت منطقة خالية من الأسلحة النووية في العالم.
- معاهدة حظر تجارب الأسلحة النووية في الجو وفي الفضاء الخارجي وتحت الماء في آب عام 1963، وقّعهتا كل من الولايات المتحدة الأمريكية، والاتحاد السوفياتي السابق، والمملكة المتحدة، وتهدف إلى وضع حد لتلوث المحيط البشري بالمواد المشعة كخطوة أولى نحو تحقيق وقف تجارب تفجير الأسلحة النووية نهائياً وتحقيق هدف أساسي وهو نزع السلاح. كما تحظر المعاهدة على أطرافها، القيام بأي تفجير لتجربة سلاح نووي. سواء أكان على سطح الأرض، أو في الجو، أو في الفضاء الخارجي، أو تحت الماء، بما يشمل المياه الإقليمية، أو أعالي البحار، أو في أي مجال آخر، إذا كان هذا التفجير يؤدي إلى وجود مخلفات مشعة خارج حدودها الإقليمية، وقد أصبحت المعاهدة سارية المفعول اعتباراً من 10 تشرين الأول 1963، بعد إيداع الأطراف الثلاثة الأصلية تصديقاتها على المعاهدة وقد انضم إليها أكثر من 100 دولة، ويطلق على المعاهدة اختصار Treaty Test Ban.
- معاهدة المبادئ المنظمة لنشاط الدول في ميدان اكتشاف استخدام الفضاء الخارجي بما في ذلك القمر والأجرام السماوية الأخرى سنة 1967: وقد نصت المعاهدة على تحريم وضع أية أسلحة نووية أو أي نوع آخر من أسلحة الدمار الشامل، في مدار حول الأرض، أو على الأجرام السماوية، أو في الفضاء الخارجي، وتحصر استخدام القمر والأجرام السماوية الأخرى في الأغراض السلمية.
ـ معاهدة حظر الأسلحة النووية في أميركا اللاتينية (معاهدة تلاتيلولكو سنة 1967): أبرمت في 14 شباط عام1967، وهدفت إلى جعل أميركا اللاتينية منطقة خالية من السلاح النووي، وهي تحرم على أطرافها القيام بأي نشاط في أقاليمها في مجال الأسلحة النووية، وتحصر استخدام الطاقة النووية على الأغراض السلمية فقط. وتشير الدراسات إلى أن أميركا اللاتينية تعتبر، وفقاً لهذه المعاهدة،أول منطقة في العالم آهلة بالسكان خالية من الأسلحة النووية، وأن هذه المعاهدة تتيح تطبيق ضمانات الوكالة الدولية للطاقة الذرية لمنع تحويل الاستخدامات السلمية للطاقة النووية إلى الأغراض العسكرية.
ـ معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية عام 1968: في نهاية عام 1967، وضعت معاهدة منع الانتشار في صورتها النهائية كنتاج جهد لعشرين عاماً في الجمعية العامة للأمم المتحدة ولجانها المتخصصة، وعشرة أعوام في لجنة الثمانية عشر، وبعد مفاوضات قدمت إلى الجمعية العامة بعد تعديلها في 11آذار 1968، فأصدرت الأخيرة قراراً بدعوة الدول إلى توقيعها في 12 حزيران 1968، ووقعتها أكثر من 70 دولة في حينها.
ووفقا للوثائق فإن معاهدة منع انتشار الأسلحة النووية أصبحت سارية المفعول اعتباراً من عام 1970، وتضمنت بنداً نص على عقد مؤتمرات مراجعة كل خمس سنوات، وعقدت تلك المؤتمرات أعوام 1975، 1980، 1985، 1990، ونصت على أن مدة سريان المعاهدة هو خمسة وعشرون عاماً، وفي مؤتمر المراجعة المنعقد من 17 نيسان إلى 6 أيار 1995، تقرر أن يكون سريان المعاهدة لأجل غير مسمى.. وقد تضمنت هذه المعاهدة، مبادئ وأحكاماً، ترمي إلى تحقيق أهداف آجلة، وفورية عاجلة تتضمن:
أ - منع انتشار الأسلحة النووية.
ب - تطوير استخدام الطاقة النووية في الأغراض السلمية، مع الالتزام بنظام للضمانات يحقق هذين الهدفين.
أما الأهداف الآجلة فتتضمن:
أ - منع الحرب النووية.
ب - تأمين سلامة الشعوب.
ج - منع سباق التسلح.
د - العمل على وقف جميع التجارب النووية.
هـ - تخفيف حدة التوتر الدولي وتقوية الروابط بين الدول.
و - وقف صناعة الأسلحة النووية وتدمير ما هو موجود منها طبقاً لمعاهدة تعقد من أجل الحظر الشامل للتسلح.
ويطبق هذا النظام حاليا على 35 دولة من مجموع 189 دولة طرفا في معاهدة منع انتشار الأسلحة ورغم ذلك تشير مسيرة هذا البروتوكول إلى أنه كان ضروريا، لبناء نظام فعال لمنع انتشار الأسلحة النووية، بعد أن قامت بعض الدول الأعضاء في المعاهدة باختراق النظام الأساسي لضمانات الوكالة الدولية للطاقة الذرية، بحيث بدا في وقت ما أن الانتشار النووي سوف يخرج عن السيطرة، فاعتمدت عملية التحقق من التزام الدول بموجبات المعاهدة منذ دخولها حيز النفاذ القانوني عام 1970 علي نظام الضمانات للوكالة الدولية للطاقة الذرية، الذي هدف إلى التأكد من أن أية دولة طرفا لا تقوم بتحويل أنشطتها النووية السلمية في اتجاهات عسكرية وهو نظام لا يتم تطبيقه بمجرد تصديق الدول علي المعاهدة، وإنما توقيع اتفاقات ثنائية بشأنه يتم التفاوض حولها بين الدولة والوكالة.
وقد تمثلت المشكلة المزمنة لهذا النظام في نقطتين:
الأولي‏:‏ أنه يطبق فقط على القدرات النووية مواد‏،‏ معدات‏،‏ مرافق التي تقرر الدولة أنها تمتلكها‏،التي نصت عليها اتفاقية الضمانات وبالتالي تتركز عمليات الوكالة في الأساس على المنشآت المعلن عنها بصرف النظر عما إذا كانت الدولة تمارس نشاطات نووية غير معلنة في منشآت أخرى.‏
الثانية‏:‏ أن عمليات التفتيش أو المحاسبة تتم وفقا لأشكال تقليدية هي عمليات التفتيش ذات الغرض المحدد، وعمليات التفتيش الروتينية الدورية التي يتم تنفيذها أيضا وفقا لشروط اتفاق الضمانات فيما يتفق بالإبلاغ المسبق عن العملية وحرية الوصول والحركة المحكومة داخل الدولة وعدم استخدام وسائل تكنولوجية متطورة في المواقع‏.‏
لقد كانت الوكالة تمتلك حقا قانونيا في طلب القيام بما يسمي عمليات التفتيش الخاصة في حالة وجود شكوك حول انتهاكات للمعاهدة من جانب دولة معينة‏‏ بالتشاور مع تلك الدولة،ويتضمن ذلك إمكان الوصول إلى مواقع غير منصوص عليها في الاتفاقيات‏، واستخدام أساليب لا تتضمنها الشروط المتفق عليه‏ ، لكن ذلك الحق كان نظريا فلم تتمكن الوكالة من تطبيقه استنادا إلى نظامها الداخلي. كما تفجرت مشكلات نظام الضمانات في بداية تسعينيات القرن الماضي لتؤدي إلي حالة تصدع عامة لنظام منع الانتشار النووي كنموذج البرنامج النووي العراقي عام‏1991.‏ ثم حاولت الوكالة تطبيق نظام التفتيش الخاص على منشأتين نوويتين في كوريا الشمالية‏ ما أدى إلى اتخاذها قرارا بالانسحاب من المعاهدة عام ‏1993، وأوضحت الحالتان أن نظام الضمانات غير قادر بوضعه القائم في حينها على تحقيق أهدافه‏.‏ الأمر الذي أدى إلي تبلور اتجاه عام داخل المنظمات الدولية والولايات المتحدة بشأن ضرورة تدعيم نظام الضمانات الدولي‏,‏ وتم تشكيل برنامج عرف باسم ‏93+2‏ وضعت في إطاره مشروعات مختلفة وصلت في النهاية إلي البروتوكول الإضافي الملحق بنظام ضمانات الوكالة الذي تم إقراره في أيار‏1997‏ ليشكل الخطوة التالية في تطور هذا النظام‏.‏إذ هدف البروتوكول الإضافي إلى سد ثغرات نظام الضمانات القائم‏ كوثيقة مكملة له‏، وتحويل ما كان تفاوضيا ليصبح تعاقديا‏،على نحو أثار ضجة في حينها حول مدى مساس بنود البروتوكول بسيادة الدول أما ابرز ملامحه فهي‏:‏
ـ يطالب الدول التي تنضم إليه بتقديم إعلان شامل حول كل عناصر قدراتها النووية أو قدراتها ذات العلاقة بالأنشطة النووية‏، ويتضمن ذلك ما امتلكته من قبل وما تمتلكه وخططها المستقبلية، ويختلف ذلك عن النظام الأساسي في أن الدول كانت تعلن فقط عما ترغب في الإعلان عنه‏.‏ وتتمثل مشكلة بعض الدول هنا في أن هذا الوضع يمثل بالنسبة إليها ضغوطا في الخطوة الأولى في حال كانت تفكر في اتجاهات نووية غير سلمية‏، بمعنى انه إذا اكتشف أن لديها خلال عمليات التفتيش مواد أو معدات لم تعلن عنها فستكون بذلك قد انتهكت المعاهدة‏.‏
ـ يتيح لمفتشي الوكالة الدولية حق الوصول إلى الدولة أو التحرك داخلها في الوقت الذي يقررون فيه ذلك تقريبا،مع فترة إخطار مسبقة مدتها ‏24‏ ساعة على الأقل بالنسبة لزيارة المواقع وساعتين على الأقل بالنسبة للمرافق الداخلية في المواقع‏.‏ فيما كانت تلك الفترة تصل إلي أسبوع للمواقع و‏24‏ ساعة للمرافق في النظام السابق‏؛‏ وفي ظل هذا النظام ليس من حق الدولة أن تعترض على هوية المفتشين المعينين من جانب الوكالة بخلاف السابق، كما أن عليها أن تمنح الفريق تأشيرات دخول متعددة وليس لمرة واحدة‏.‏
ـ يتيح لمفتشي الوكالة الدولية حرية الوصول إلى كل عناصر دورة الوقود النووي ابتداء من تعدين اليورانيوم حتى معالجة الوقود النووي، وذلك في أي مكان داخل الدولة دونما تشاور تقريبا مع الدولة المعنية‏، و‏يتضمن ذلك ما يسمي أحيانا التفتيش العشوائي‏؛ كما يتيح حق دخول أية منشأة أو قسم في أي موقع نووي، وهذا البند هو جوهر عمل البرتوكول الإضافي وأكثرها حساسية‏،‏ وقد طبقت في حالة العراق عند دخول قصور الرئاسة والوحدات العسكرية‏، ووصل الأمر إلى مناقشة دخول أماكن السكن الخاصة لبعض المسؤولين عن البرامج النووية‏.‏
- يتمتع مفتشو الوكالة في ظل البروتوكول الإضافي بتسهيلات غير محدودة كانت دائما محل خلاف أو عدم حسم‏، أو موضع تفاوض في ظل النظام الأساسي،‏ كحق استخدام كل الأجهزة المتقدمة تكنولوجيا‏، وفحص السجلات وإجراء مقابلات مع المسؤولين‏,‏ وكذلك الحصول على عينات بيئية من أية مواقع في الدولة‏، وإمكانية استخدام نظام الاتصالات الدولية وقدرات الأقمار الصناعية‏، والحصول على المعلومات المتصلة بالنشاطات النووية‏، لكن الأمور لم تصل هنا إلي حد استخدام طائرات الهليكوبتر كما حدث في العراق‏.‏
ملاحظات على البروتوكول الإضافي وطريقة التعامل به :
ثمة العديد من الملاحظات التي تثار ويمكن الوقوف عندها أبرزها/
- كما هو واضح يتسم هذا النظام بصرامة شديدة تقترب من نظام التفتيش المتحدي التابع لمعاهدة حظر الأسلحة الكيميائية ‏1993، أو نظم التفتيش الخاصة بدول هزمت في حروب كحالة العراق عام‏1991؛إلا أن المثير هو أن عددا كبيرا نسبيا من الدول قَبِل الانضمام إلي البروتوكول الإضافي فهناك ‏35‏ دولة باتت في حيز نفاذ البروتوكول من مجموع ‏74 ‏ دولة وقعت عليه‏، مع وجود ‏12‏ دولة أخرى أبلغت مدير الوكالة بأنها قد أنهت الإجراءات القانونية الداخلية للانضمام إليها‏.‏ورغم ذلك فتلك الدول لا تمثل سوى ‏25%‏ من إجمالي عدد الدول الأعضاء في معاهدة منع انتشار الأسلحة النووية الـ ‏189‏؛ فثمة حساسية عالية من جانب الدول لمثل هذه النظم‏، إضافة إلي تحفظاتها التقليدية بشأن المعاهدة ذاتها‏.‏
- أن أيا من الدول النووية الخمس ليست مدعوة إلى توقيع هذا البروتوكول الإضافي، فإذا توصل المفتشون مثلاً إلى التأكد من وجود منشآت نووية عسكرية في مواقع معروفة تماماً في الأساس في الولايات المتحدة أو في فرنسا، فإن هذا لا يعتبر اكتشافاً مهماً. ومع ذلك فان فرنسا وقعت رمزياً نسخة مخففة منه بغية معالجة حساسية سائر الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي الحساسة جداً بالنسبة إلى التمييز في المعاملة بين هاتين الفئتين من الدول.
- ليس هناك أي معاهدة تحظر على أي من الدول النووية الخمس تصنيع أنواع جديدة من الأسلحة، وهذا ما يتعارض مع نص المادة السادسة من معاهدة حظر نشر الأسلحة الخاص بنزع الأسلحة النووية.
- تتحدث الولايات المتحدة بانتظام عن تصنيع قنابل نووية جديدة وهو تعبير واضح عن هواجس مصنعي الأسلحة الذين يفتشون عن مختلف الذرائع الممكنة بهدف زيادة نشاطاتهم الإنتاجية. وليس لهذه المشاريع أي بعد عملي وواقعي، لكنها استأثرت باهتمام الرأي العام وعتمت كلياً على التحولات الأكثر أهمية التي وردت في "إعادة النظر في الوضع النووي" الصادرة في كانون الثاني 2002، وبخاصة أن الأسلحة النووية لم تعد تشكل صنفاً مستقلاً في الترسانة الأمريكية، بل أصبحت عنصراً أساسياً في مجمل الأسلحة الهجومية التي يمكن للرئيس في النتيجة استخدامها كما يشاء، كما يستخدم أي سلاح آخر بحسب طبيعة المهمة المطلوب إنجازها وهذا ما يروج له من تغييرات دراماتيكية في استراتيجيات استعمال الأسلحة النووية حتى في الحروب التقليدية.فكيف يمكن تفسير الحماسة الأمريكية لنزع السلاح وهي المستفيد الأول من تصديره واستعماله في بسط سطوتها على النظام الدولي.؟
- إن لجوء وكالة الطاقة الذرية إلى مجلس الأمن لمعالجة أي مخالفة لم تكن مشجعة على الأقل في تجربتين سابقتين. كحالة العراق في العام 1991، والتي تبين فيما بعد أن جميع التقارير التي شنَّت الولايات المتحدة على أساسها الحرب كانت غير صحيحة وباعتراف المفتشين الدوليين أنفسهم. أما التجربة الثانية فتتعلق بجمهورية كوريا الشعبية الديموقراطية (كوريا الشمالية) فيعد تهديدات ومفاوضات متعددة أفضت في العام 1994 إلى توقيع اتفاق بين بيونغ يانغ وواشنطن، تعهدت بموجبه كوريا الجنوبية لكوريا الشمالية ببناء مفاعلين ضخمين لإنتاج الطاقة الكهربائية مقابل وقف النشاطات النووية في كوريا الشمالية. وقد صمد هذا الاتفاق إلى أن قررت الولايات المتحدة أن توقف العمل به في نهاية العام 2002، وعندها انسحب كوريا الشمالية من معاهدة حظر نشر الأسلحة النووية وطردت مفتشي الوكالة وعزلت كميات من البلوتونيوم اللازمة لتصنيع حوالي ست قنابل، لتعلن بعد أشهر أنها باتت تمتلك أسلحة نووية؛ ولم يثر أي من هذه القرارات أي رد فعل من جانب مجلس الأمن أو معظم الدول باستثناء التهديدات التي أطلقها رئيس الولايات المتحدة؛ وإثر ذلك، وتجاوباً مع رغبات الصين، جرت مفاوضات شاركت فيها الكوريتين والولايات المتحدة والصين واليابان وروسيا. وبعد إعلان مشترك وقع في 19 أيلول عام 2005، تعهدت كوريا الشمالية التخلي عن برامجها النووية مقابل تعهد الدول المذكورة بأن تقدم لها مساعدة في مجال الطاقة وضمانات في مجال الأمن. إلا أن كوريا الشمالية، الموافقة على مضض، أعادت النظر في هذا الاتفاق مطالبة بأن تمنح حق استخدام الطاقة الذرية لأغراض سلمية.
- وفيما يتعلق بإيران فقد جرت المفاوضات الخاصة بالأزمة النووية في مسارين منفصلين بيد أنهما متكاملين، الأول داخل الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وأشتمل على التعاون بين إيران والوكالة، كما أشتمل على عرض الملف النووي الإيراني على مجلس أمناء الوكالة بصورة دورية لبحث مدى التطور في إنهاء الأزمة·والثاني إيراني ـ أوروبي من خلال مفاوضات بين إيران وكل من ألمانيا وفرنسا وبريطانيا، سعياً للوصول إلى مخرج للأزمة·وكان المسار الإيراني ـ الأوروبي هو الأكثر فاعلية في البحث عن تسوية للأزمة، حيث أمكن الوصول إلى اتفاق على توقيع إيران على البروتوكول الإضافي لمعاهدة منع الانتشار النووي في تسرين الأول 2003، كما أمكن الوصول إلى اتفاقية متكاملة لتسوية الأزمة النووية من خلال المفاوضات الإيرانية ـ الأوروبية في كانون الأول 2004، والتي عرفت باسم اتفاقية باريس، وتضمنت صفقة متكاملة، تقوم من ناحية على التزام إيران بالوقف الكامل والشامل والنهائي لأنشطة تخصيب اليورانيوم، بينما تتضمن من ناحية أخرى التزام الدول الأوروبية الثلاث بتقديم مكاسب محددة لإيران، مثل بيع مفاعل نووي متطور، وتسهيل انضمامها إلى منظمة التجارة العالمية، وتعزيز علاقات التبادل التجاري بين إيران ودول الاتحاد الأوروبي·وبموجب اتفاق باريس، جرت مفاوضات إيرانية ـ أوروبية منذ كانون الثاني 2005 للوصول إلى اتفاقات تفصيلية تنفيذاً لاتفاق باريس، إلا أن هذه المفاوضات عانت من إشكاليتين رئيسيتين، سواء من جانب إيران أو من جانب الاتحاد الأوروبي·فعلى الرغم من أن إيران وافقت على وقف أنشطة تخصيب اليورانيوم بموجب اتفاق باريس، إلا أنها أعلنت لاحقاً أن وقف التخصيب هو مجرد وقف مؤقت، وأصرَّت على الاحتفاظ لنفسها بالحق الكامل في مواصلة أنشطة تخصيب اليورانيوم، وأعلنت استعدادها فقط لوقف بعض الأنواع من عمليات التخصيب، مثل تخصيب غاز اليورانيوم، علاوة على استعدادها لتقديم أي ضمانات للتأكد من أن الوقود النووي الناجم عن عمليات التخصيب لن يستخدم في أي أنشطة عسكرية، وهو ما رفضته الدول الأوروبية الثلاث، كما تباطأ الأوروبيون من ناحيتهم في تقديم مقترحات تفصيلية بشأن تنفيذ اتفاق باريس·كل ذلك أدى إلى وصول المفاوضات إلى الحائط المسدود الأمر الذي حدا بدول الترويكا الأوروبية إلى عرض الملف أمام وكالة الطاقة بهدف رفعه إلى مجلس الأمن الدولي؛ رغم أن طهران تعتبر أن من حقها امتلاك التكنولوجيا النووية للأغراض السلمية شأنها شأن إي دولة أخرى، كما تعتبر أن موقفها القانوني مغطى تماما وفقا للاتفاقيات الدولية،وتعتبر أيضا أن الموقف الأمريكي مرده وأساسه محاكمة النوايا وينطلق من مواقف افتراضية،وبالتالي إن النزاع يغلب عليه الطابع السياسي لا القانوني في المحافل الدولية ذات الصلة وهذا ما يفسر عمليا محاولة الالتفاف على مشروع الاتفاق الإيراني الروسي الذي تمَّ التوصل إليه·
- إن أكثر المفارقات غرابة ما يتعلق بالسلاح النووي الإسرائيلي ففي الوقت الذي تمتلك إسرائيل ترسانة نووية هي السادسة من حيث الحجم على المستوى الدولي،فلا زالت الوكالة الدولية للطاقة الذرية وما يؤثر بقراراتها تعمل بتجاهل تام لهذه القضية،بل تتغاضى عن التهديدات العلنية التي توجهها لغيرها من الدول،ولا تحرك ساكنا تجاه الرفض الإسرائيلي الدائم لعدم التوقيع على الاتفاقيات الدولية ذات الصلة،ما يعتبر خرقا للأسس والأهداف التي قامت عليها هذه الوكالة.
أخيرا لقد تضاءلت إلى حدٍ كبير سياسة حظر نشر الأسلحة النووية منذ مؤتمر العام 1995 في وقت بدا فيه أن الهدف المطلوب قد تحقق إلى حدٍ ما. إذ كانت ضرورة وقف نشر الأسلحة موضع هجوم في الولايات المتحدة من جانب المحافظين الجدد الذين رفضوا أن يخضع بلدهم لبعض الالتزامات الدولية أياً كان نوعها، كما رأوا أن حظر نشر الأسلحة يعود إلى منطق الحرب الباردة ولم يعد هناك من داعٍ لوجوده بعد أن انتهت تلك الحرب. ويرى هؤلاء أن الرد على مخاطر نشر الأسلحة النووية يكمن في إنشاء أنظمة الدفاع المضادة للصواريخ التي يفترض بجميع الدول أن تشتريها من الولايات المتحدة. كما أن هناك آخرين أكبر عدداً وأكثر نفوذاً ربما يعتبرون أن نشر الأسلحة النووية ليس موضوع إدانة إذا قامت به دول حليفة للولايات المتحدة كإسرائيل مثلا.
كما تجلى بشكل واضح الإهمال لفكرة حظر نشر الأسلحة النووية خلال مؤتمر البحث في المعاهدة في شهر حزيران 2005، فالدول المشاركة، قد انفرط عقدها دون أن تتفق على أمرٍ واحد وهو ما يعكس عالماً منقسماً ومضطرباً. لكن هذا النظام المنتقد، والذي لم يتم اقتراح أي حلٍ بديل منه ما زال ساري المفعول.ومهما يكن من أمر الاتفاقات والمعاهدات ذات الصلة فإنها تنشئ حقوقا وواجبات ،إلا أن العبرة لا تكمن في الحق وإنما في منطق القوة الذي تفرضه الولايات المتحدة الأمريكية على النظام الدولي،أليس ثمة صيف وشتاء تحت سقف واحد؟ّ!.