13‏/02‏/2008

الهواجس الاوروبية من دخول بلغاريا ورومانيا الاتحاد

الهواجس الاوروبية من دخول بلغاريا ورومانيا الاتحاد
د.خليل حسين
استاذ القانون الدولي في الجامعة اللبنانية


دخلت بلغاريا ورومانيا رسميًّا كتلة الاتحاد الأوروبي، وسط قلق من بعض الدول حول التأثيرات السلبية لهذا التوسع على فعالية أداء المؤسسات الأوروبية.فقد خرجت الدولتان من عباءة الكتلة الاشتراكية عام 1989 تحدوها آمال عريضة في الانضمام إلى أوروبا الموحدة التي ترى في بلدان أوروبا الوسطى والشرقية مجالاً لتوسيع الفضاء الأوروبي جغرافيًّا وسكانيًّا، وتدشين أضخم تكتل اقتصادي عالمي. فبعد اندماج الدولتين في الاتحاد الأوروبي أصبح عدد دولِه 27 دولة، وتصل حدوده الشرقية حتى البحر الأسود، وأضيف حوالي 30 مليون نسمة لسكانه ليقارب نصف مليار نسمة.
وإذا كان انضمام بلغاريا ورومانيا للاتحاد الأوروبي يمثل حدثًا تاريخيًّا، فإن عضوية الدولتين جاءت في وقت خفَّ فيه الحماس لتوسيع الاتحاد، حيث أشارت استطلاعات الرأي الأوروبية في خريف 2006 إلى أن نسبة من يساند فكرة المزيد من التوسع لا تتعدى 41%؛باعتبار أن برنامج التوسيع الذي ينتهجه الاتحاد يفرض إعادة هيكلة العلاقات الخارجية للاتحاد، خاصة أن عملية التوسيع الأخيرة التي شهدت انضمام عشر دول من أوروبا الشرقية والوسطى في الأول من كانزن الثاني 2005 أدت لوصول الاتحاد إلى منطقة البحر الأسود، بما يقتضيه ذلك من تكثيف العلاقات مع دول منطقة القوقاز ووسط آسيا.
وعلى الرغم من أن عضوية الاتحاد تعتبر نصرًا سياسيًّا للدولتين، فقد وصف الرئيس البلغاري جورجي بارفانوف دخول بلاده للاتحاد بأنها "لحظة غاية في الروعة، وإن الأول من يناير 2007 سيجد موقعًا متميزًا في تاريخنا الوطني"، بينما وصف الرئيس الروماني تريان باسيسكو الحدث قائلاً: "بعد لحظات تنطلق سنة كرامتنا".وفي والواقع أن بلغاريا ورومانيا ستحصلان على العديد من المزايا بانضمامهما لعضوية الاتحاد الأوروبي مثل رفع مستوى المعيشة، وتمويل من الاتحاد حجمه مليارات الدولارات.كما سيتنفس المهاجرون من بلغاريا ورومانيا الصعداء، بعد انتهاء مؤسسات الاتحاد الأوروبي من ترتيبات استيعاب البلدين في الاتحاد، وما يترتب على ذلك من زوال قيود الدخول والإقامة المؤقتة والملاحقات الأمنية، كما فتحت بولندا وأستونيا والتشيك - وهي دول الجوار للدولتين- أبوابها أمام العاملين من الوافدين الجدد؛ وهو ما عزز الآمال في صوفيا وبوخارست، حيث يسعى الناس للحصول على فرص للعمل مقابل أجور أكبر.وعلى عكس الهجرات من البلدان الشرقية الأخرى التي دخلت الاتحاد في 2004، فإن الوافدين من العضوين الشرقيين الجديدين كانوا يصنفون في الذهنية العامة لوقت قريب ضمن "المهاجرين السريين الذين يدخلون تراب الاتحاد عن طريق شبكات التهريب". وكانت دوريات الأمن الأوروبية تستهدف رعايا البلدين للصلة التي تظل تربط الكثير منهم بالدعارة والتهريب، وكثيرًا ما كانت ترحّل الكثيرين منهم لافتقادهم الهوية وشروط الإقامة اللازمة.ومع دخول بلغاريا ورومانيا أبواب الاتحاد، تخلص المهاجرون آليًّا من شروط الحصول على التأشيرة في البلدان الأعضاء الـ 25 في الاتحاد الأوروبي، من دون قيود ويحق لهم ممارسة نحو 60 وظيفة موزعة على 7 قطاعات اقتصادية.
بيد أن مكاسب الدولتين تبقى محدودة، فإنجاز عملية الانضمام ليس بالأمر السهل على البلدين؛ بسبب شروطه التي تقضي بمتابعة عملية الإصلاح السياسي والاقتصادي فيهما تحت رقابة بروكسل. وفي هذا السياق شددت المفوضية الأوروبية على ضرورة تلبيتهما لمعايير الانضمام بشكل كامل، وتنفيذ خطة الإصلاح المتفق عليها وإلا فإنهما قد يتعرضان لعقوبات. وتدرك الدولتان أنهما سيبقيان تحت تهديد تأجيل الحصول على المساعدات الأوروبية أو تقليصها في حالة عدم سيرهما على الخطى المرسومة لهما.
اضافة الى ذلك ثمة ملفات شائكة يتوجب على الدولتين إجراء مفاوضات شاقة بشأنها مع الاتحاد الأوروبي؛ فالقيود على تصدير المواد الغذائية إلى دول الاتحاد ستظل باقية؛ بسبب غياب الكثير من المعايير الصحية. أيضًا هدّد الاتحاد الأوروبي بسحب تصريح هبوط ما يقرب من 55 طائرة بلغارية في المطارات الأوروبية اعتبارًا من شباط 2007؛ بسبب افتقادها لمعايير السلامة الأوروبية وافتقارها للكثير من وسائل الأمان. أضف إلى ذلك أن العديد من دول الاتحاد الأوروبي ومن بينها ألمانيا وفرنسا وهولندا وأسبانيا وبريطانيا لن تفتح أبوابها أمام العمالة البلغارية والرومانية، فقد قررت وضع قيود على تراخيص العمل، خوفًا من تدفق العمالة الرخيصة كما حصل مع البولنديين، وخوفًا أيضًا من انتقال تجارة المخدرات وتجارة البشر ومشاكل أخرى.
ومراعاة للوائح الأوروبية سيكون على رومانيا وبلغاريا اتخاذ جملة من الخطوات والإجراءات، من بينها على سبيل المثال قيام بوخارست بحظر زراعة الصويا المعدلة وراثيًّا اعتبارًا من يناير 2007، ومن جانبها أغلقت صوفيا مفاعلين في محطتها النووية في كوزلودوي عملاً بمعايير الاتحاد الأوروبي الذي طالب بذلك لأسباب تتعلق بأمن المفاعلات، رغم الكلفة الباهظة على الاقتصاد البلغاري
كما يطالب الاتحاد الأوروبي الدولتين بإصلاح النظام القضائي والسياسي الذي يعاني تحديات كبيرة، وسيكون عليهما أيضًا رفع تقارير دورية بمدى تقدم المسار الإصلاحي، أو فقدان جانب من المساعدات الاقتصادية التي يقدمها الاتحاد. أيضًا طالب الاتحاد بضرورة الاستقرار في المؤسسات الديمقراطية وسيادة القانون وحقوق الإنسان واحترام حقوق الأقليات.وتواجه بلغاريا ورومانيا أيضًا مشاكل اجتماعية جدية، طالب الاتحاد الأوروبي بضرورة التوصل إلى حلول سريعة وقوية بشأنها، مثل مشكلة اندماج الغجر أو أقلية الروم (ما بين 8 و10% من السكان) في المجتمعين البلغاري والروماني؛ الأمر الذي يشكل عبئًا على النظام السياسي في الدولتين.
إذا كانت بلغاريا ورومانيا قد استفادتا من عضويتهما في الاتحاد الأوروبي، فإنهما لن يسهما في اقتصاد الاتحاد إلا بنحو 1% تقريبًا من ناتجه المحلي الإجمالي، الأمر الذي يمثل عبئًا على اقتصاد الاتحاد الأوروبي. وهنا يفتح الباب على مصراعيه أمام تساؤل مهم، وهو: إذا كانت مساهمات العضوين الجديدين ومن قبلهما الدول العشر تبقى محدودة، فلماذا الإصرار على ضمهم لكتلة الاتحاد الأوروبي؟.
وفي الوقت الذي شكّل انهيار نظم الحكم الشيوعية في شرق أوروبا نصرًا بلا حرب لأوروبا الموحدة، فإنه كذلك شكّل تحديًا كبيرًا لأمن القارة الأوروبية واستقرارها، فالدول الأوروبية الشرقية التي خرجت من هيمنة الاتحاد السوفيتي كانت تنوء بمشاكل هائلة، اقتصادية واجتماعية وثقافية، كما أصبحت مسرحًا متوقعًا للفوضى والاضطراب على نحو بات يهدد استقرار أوروبا.
كمااقتضى عمق هذه التغيرات تغيير فلسفة التعامل مع قضية الأمن الأوروبي، بحيث تم توسيع مفهوم الأمن ليشمل ما هو أكثر من مجرد الدفاع، ولتتنوع مجالاته ما بين التوسع شرقًا لاستيعاب دول شرق ووسط أوروبا، ومن ناحية أخرى تطوير نطاق اهتمامات وآليات عمل المؤسسات الأوروبية لتتماشى مع الاحتياجات الأمنية الجديدة.
وفي إطار تفسير حرص الاتحاد الأوروبي على ضم بلغاريا ورومانيا كما فعل مع الدول العشر السابقة، ثمة من يقول ان عقدة ثقافية سيكولوجية تكونت خلال العقدين الماضيين. هذه العقدة يمكن تسميتها عقدة حصار روما، ففي عام 441 م، اجتاحت قبائل الهانز روما ودمرت الإمبراطورية الرومانية الغربية. غير أن هذا الحدث كان نهاية مأساوية لعملية استمرت نحو قرنين حاول فيها غزاة من القبائل الشمالية أو الشرقية الأوروبية اجتياح روما، وقد نجحوا في أحيان كثيرة. هذه العقدة غزت العقل الغربي الراهن، فالغرب يصبح لدى الغربيين جزيرة معزولة من الرخاء والتقدم والقانون والنظام وسط أرخبيل من التخلف والهمجية والعنف والفقر. وربما كان ما زال الأقرب إلى تهديد أوروبا الموحدة وتجربتها هم بعض هؤلاء الذين كانوا يشكلون تهديدًا للإمبراطورية الرومانية في الماضي البعيد، أي سكان شرق ووسط أوروبا.ويبدو التفسير السابق واضحًا في التخوف الأوروبي من احتمال إنفاق العضوين الجديدين المساعدات الأوروبية بطريقة غير مناسبة أو حتى عدم الحصول عليها؛ نظرًا لضعف التنظيم في مؤسساتهما الحكومية.
وتعتبر بلغاريا ورومانيا من أفقر دول الاتحاد الأوروبي، ولا يتعدى نصيب الفرد من الناتج المحلي في الدولتين 4 آلاف يورو سنويًّا أي ثلث نظيره الأوروبي، بينما يصل في بولندا الجارة إلى 50%، ويبلغ متوسط الدخل الشهري في بلغاريا ورومانيا 160 يورو (حوالي 211 دولارًا)، وقد اعترف رئيس الوزراء البلغاري بأن اقتصاد البلد غير قادر على المنافسة. كما يعاني البَلَدان من التأخر التكنولوجي مع ضعف مستويات التعليم والحالة المتردية لمرافق البنية الأساسية مقارنة ببقية دول الاتحاد، بل إن الدولتين تعانيان من مشكلة خطيرة وهي فقر المتقاعدين الذين يعيشون بأقل من 100 يورو شهريًّا، الأمر الذي سيدعو الاتحاد الأوروبي لزيادة المعونات الموجهة للدولتين، وهو ما سيشكل عبئًا لاحقًا على الميزانية الأوروبية.
ولا ينتهي القلق الأوروبي عند هذا فحسب؛ إذ تخشى بعض دول الاتحاد من تدفق الراغبين في العمل إليها من رومانيا وبلغاريا بشكل يخرج عن السيطرة، فالتوقعات تشير إلى أن عددًا يتراوح بين 56 و180 ألفًا سيأتون إلى بريطانيا خلال العام الأول من انضمام بلغاريا ورومانيا إلى الاتحاد؛ الأمر الذي دعا دولاً مثل بريطانيا وفرنسا وأسبانيا إلى تطبيق نظام الحصص على العمالة غير الماهرة لملء الأماكن الشاغرة في قطاعي الزراعة والصناعات الغذائية، أما العمالة الماهرة فيمكنها العمل لكن أيضًا بتصريح.

يبقى القول إن على الدولتين النهوض باقتصادياتهما وزيادة معدلات النمو التي لم تتجاوز 5% منذ سنوات، وحسن استغلال الاستثمارات الأجنبية المتدفقة إليهما في مجالات المعلوماتية والسياحة وصناعة السيارات والصناعات الزراعية.أما الاتحاد الأوروبي فسيكون عليه المتابعة المستمرة للأداء الاقتصادي والسياسي في البلدين، مع وضعهما تحت رقابة مشددة فيما يخص محاربة الفساد والجريمة المنظمة وغيرها من المشكلات الاجتماعية التي تعانيها الدولتان حتى لا تظهر قبائل هانز جديدة.