13‏/02‏/2008

المؤتمر الدولي لمساعدة لبنان:خلفياته وشروط نجاحه
د.خليل حسين
أستاذ القانون الدولي في الجامعة اللبنانية

لا يعتبر مؤتمر روما الدولي المزمع عقده للبحث في القضية اللبنانية سابقة دولية تجاه لبنان،بل ثمة العديد من المبادرات والمؤتمرات قد حصلت في السابق ،لكن جلها اتخذ مسارات مختلفة لم تأت نتائجها بالمستوى المراد منها،ذلك بعود للعديد من الاعتبارات والأسباب،فما هي أبعاده وخلفياته ؟ وهل يأتي هذا المؤتمر في اللحظة المناسبة وهل أن ظروف نجاحه متوافرة؟.
من الواضح أن العدوان الإسرائيلي اتخذ أبعادا لم تعد متعلقة بأسبابه المعلنه من جميع الأطراف،وباتت المواقف والخلفيات غير المعلنة تحدد مسار الأزمة القائمة وسبل حلها،وهي تعبر بالضرورة عن الرغبة في استثمار بعض نتائج المعركة قبل جلاء غبارها،وفي هذا الإطار يمكن تسجيل العديد من المواقف التي ستتحكم بمسار المؤتمر الدولي وأبرزها:
- إن الدعوة لانعقاد المؤتمر تأتي في ظل ضغوط عسكرية كبيرة على لبنان ومن الواضح انه سيكون مناسبة هامة لممارسة ضغوط باتجاهات مختلفة ومتعددة أقلها عربيا باتجاه سوريا وفصائل المقاومة الفلسطينية وإقليميا باتجاه إيران.
- إن مضمون المؤتمر والأجندة المعلنة مختلف عن النيَّات والأهداف الحقيقية.فالمعلن منه اقتصادي – مالي واجتماعي – إنساني، فيما خلفياته سياسية متعلقة بالمنطقة وليس لبنان سوى جزء منه وعلى الأغلب لن يكون فاعلا في تحديد مساراته.
- إن اللغط في تحديد المدعوين إليه أوجد إرباكا جديا في المواقف المبدئية منه،ومن الممكن أن تشكل احد ابرز أسباب عدم إمكانية نجاحه.ففي بدء انطلاق الفكرة استبعدت إسرائيل بينما دعيَّ إليه لبنان، فيما لمَّح لبنان لاحقا إلى عدم حضوره في حال دُعيت إسرائيل،إضافة إلى ذلك استبعاد كل من سوريا وإيران على حد سواء.
- وعلى الرغم من ضرورة إيجاد بيئة إقليمية أو دولية للولوج في الحل السياسي لجذور ألازمة وأسبابها الحقيقية، يبدو أن النقاشات الأولية أظهرت استعجال انعقاد المؤتمر من دون تأمين الحد الأدنى من مستلزمات نجاحه على الأقل من حيث الشكل إذ لم يكن من المضمون.
وبصرف النظر عن إمكانية النجاح أو عدمه ثمة معطيات ووقائع كثيرة سبقت الدعوة لانعقاد المؤتمر وسوف تترافق معه،وإن استعراض بعض هذه النتائج تبرز خلفياته الحقيقية ومنها:
- من وجهة النظر الإسرائيلية نفذت عداونها على لبنان وسط ظروف إقليمية ودولية ملائمة من الصعب تكرارها أو جمع مستلزماته مرة أخرى بسهوله، وعلية إن هدف إسرائيل من المؤتمر إيجاد حل جذري لجميع متطلباتها الأمنية والعسكرية لجهة حزب الله.فموضوع الأسيرين بات من التفاصيل وجزء من الماضي،وبات المطلوب بحسب السقف السياسي المتحرك إسرائيليا تنفيذ القرار 1559 بحذافيره؛أي بمعنى آخر الاستثمار السياسي للعدوان بأقصى ما يمكن وسط غطاء دولي – إقليمي واضح المعالم.والا سيكون المؤتمر مناسبة دولية لتمرير اجتياح لجنوب لبنان ليس بالضرورة أن يكون واسعا بل ستتحكم به مقتضيات الاتصالات والمفاوضات الجارية واللاحقة على غير صعيد.
- وكما تمَّ استثمار هزيمة النظام العراقي في بداية التسعينيات على أنها هزيمة لكل الأنظمة العربية وبالتالي جرها لمفاوضات مؤتمر مدريد الثنائية والمتعددة، تحاول إسرائيل حاليا تعميم المبدأ وإجبار ما تبقى من دول عربية إلى مفاوضات غير متكافئة الأحجام أو الأوزان؛.وعليه إن احد أهداف المؤتمر الدولي لاحقا ستكون مناسبة في هذا المجال سيما وأن إشارات كثيرة ومتعددة بدأت تظهر في هذا السياق.ويأتي الإصرار الإسرائيلي على حضور المؤتمر كمؤشر واضح في كسر القاعدة مع الجانب اللبناني مع مضي ثلاثة وعشرين عاما على إسقاط اتفاق 17 أيار 1983.
في المقلب اللبناني الرسمي وهو الطرف الأضعف في المعادلة السياسية للمؤتمر الدولي،ثمة العديد من المسائل التي يمكن ملاحظتها وأبرزها:
- إن حراجة الموقف اللبناني ستكون واضحة لجهة حضور المؤتمر من عدمه،ففي حال الحضور الإسرائيلي لن يستطيع لبنان أخذ القرار من دون خلق أجواء داخلية لبنانية حادة تعيد خلط الأوراق الداخلية لجهة الموقف السياسي من العدوان.وفي حال رفض لبنان الحضور سيكون خارج إطار التداول والتقرير ولو كان وضعه ضعيفا في الأساس؛وفي كلا الحالين ثمة مأزق كبير كمن يُجبر على طبخ السمِّ لأكله.
- وعلى الرغم من آثار العدوان المدمرة على البنية التحتية اللبنانية وما يتداول به من عناوين للمؤتمر لجهة المساعدات الاقتصادية والمالية والإنسانية،لن يكون وضع لبنان مريحا،إذ أن لا مساعدات دون ثمن سياسي سيطلب دفعه سلفا، بدء بتنفيذ ما تبقى من القرار 1559 مرورا بالتوطين وصولا إلى موقع ودور لبنان في الشرق الأوسط الجديد – القديم المتداول به حاليا.وفي كلا الحالين أيضا كالمستجير بالرمضاء من النار.
- أما في جانب المقاومة وحزب الله وهو حجر الرحى في طاحونة المؤتمر وسبب وعلة انعقاده،فإن مواقفه لن تكون سهلة الهضم داخليا وخارجيا.فالحزب يعتبر معركته حياة أو موت،وليس في خياراته في أدنى حدودها رفض المؤتمر من أساسه باعتباره يشكل حالة ضغط إضافية،وعليه في هذا الخيار مواجهة الضغط العسكري الخارجي المتمثل بالعدوان الإسرائيلي والضغط الداخلي المتمثل بالوضع الاقتصادي والإنساني بعد تقطيع الأوصال اللبنانية وتهجير أكثر من نصف سكانه.
وفي المقلب الإقليمي والعربي والدولي ثمة العديد من الملاحظات والمفارقات ذات الصلة بانعقاد المؤتمر وخلفيات المواقف منه وأبرزها:
- سوريا وان لم تدع إلى المؤتمر سيكون مناسبة لإجراء أوسع عمليات التجاذب الأمريكية – السورية،فسوريا التي تبحث عن أي ورقة إضافية تعيد وزنها وتوازنها في المنطقة بعد سلسلة التراجعات في بعض الملفات الإقليمية ومنها اللبنانية،لن تبقى مكتوفة الأيدي في مؤتمر سيقرر الخطوات اللاحقة غير المعلنة في المنطقة،ومنها الملف السوري المرجئ أمريكيا منذ العام 2001؛ومهما يكن من أمر الطموحات السورية يبقى موقفها مرتبط بمحور إيران حزب الله وحماس.
- أما إيرانيا والمستبعدة هي الأخرى حضورا سيكون المؤتمر وما فيه موقعاً آخراً لممارسة الضغوط عبر ملف الحزب وما يتعلق به لبنانيا.وبهذا الإطار من الصعب استبعاد أي ملف إيراني في أعمال المؤتمر وان يكن بشكل غير علني،فالكثير من ملفاتها ومنها البرنامج النووي مرتبط من وجهة النظر الأمريكية - الإسرائيلية بملف حزب الله في لبنان.وعلى الرغم من الإشارات الإيرانية المتعددة حتى الآن بنيتها عدم الدخول عسكريا في إطار العدوان على لبنان،إلا انه يعتبر أمرا قائما في حال مسَّ المؤتمر بالقضايا الاستراتيجية ومنها البرنامج النووي.
- دوليا وعلى الرغم من بعض التباين الأمريكي - الفرنسي من مسار العدوان ونتائجه الحالية والمحتملة،يبقى الموقف الأمريكي الأكثر قوة وفاعلية في المؤتمر،باعتبار أن ما أطق من مواقف أمريكية حتى الآن يُسجل في إطار الأهداف الاستراتيجية المعلنة منذ العام 2001 ،أقله الشرق الأوسط الجديد المطروح حاليا ذات الملامح الإسرائيلية والمعلن من قبل رئيس الوزراء الأسبق شمعون بيريز في بداية تسعينيات القرن الماضي؛بدلا من الشرق الأوسط الكبير المعلن أمريكيا بعد العام 2001 بسبب تعثٌر المشروع سابقا في المنطقة.
وإذا كانت مواقف وأهداف الأطراف المشاركة أو المستبعدة في أعمال المؤتمر تبدو بهذه الحدة من التناقض فمن الممكن أن تنعكس على ما يمكن أن يتوصل إليه من نتائج؛وبالتالي إن وضع المؤتمر على طريق إنجاح أهدافه يتطلب عدة شروط أبرزها:
- السعي الجاد إلى معالجة الملفات الرئيسة المتعلقة بالصراع العربي الإسرائيلي وفي طليعتها الملفات الساخنة الحالية ، بدء من وقف إطلاق النار في لبنان مرورا بإيجاد آلية مناسبة للتفاوض في موضوع الأسرى،وصولا إلى تأمين انسحاب إسرائيل من مزارع شبعا وضمانات دولية بعدم الاعتداء على لبنان.
- وإذا كانت الشروط السالفة الذكر هي ضرورة فإن إعادة اعمار لبنان هو ضرورة ملحة أخرى بعدما دُمرت بناه التحتية، وفي هذا المجال ينبغي قدر الامكان فصل المساعدات من الدول المانحة عن الشروط السياسية التي لا يمكن للبنان تحملها والتي يمكن أن تشكل في المستقبل قنبلة موقوتة في الداخل كتوطين الفلسطينيين مثلا.
- عدم اتخاذ المؤتمر كواجهة لمشاريع اكبر من أن تُحل في هذه العجالة الدولية المتعلقة بلبنان،ومن بينها المشاريع السياسية على مستوى الشرق الأوسط إن كانت متعلقة بالجديد أو الكبير أو غيره من التصنيفات والتسميات وما يتعلق به من تفاصيل كقوى دولية متعددة الجنسيات تنشر في لبنان لأهداف جيو سياسية إقليمية.
لا شك إن تداعيات العدوان الإسرائيلي وآثاره إضافة إلى أسبابه المعلنة وغير المعلنة هي قضايا من الصعب حلها في ظروف الضغوط العسكرية والسياسية الهائلة على لبنان والمنطقة،فمجمل ملفات الصراع في المنطقة هي اكبر وأطول من عمر الكثير من الكيانات المتصارعة فيه،وإذا كان بالامكان القول أن الضرورة تقتضي النظر بعين واحدة إلى جميع متطلبات واحتياجات بعض الدول الفاعلة بالأزمات الحالية التي تمر بها المنطقة،فمن الضروري القول أيضا أن الحكمة والتعقل في إدارة الحلول ينبغي أن تأخذ جانبا هاما من منهج وتفكير الفاعلين في هذه الأزمات وغيرهم.