13‏/02‏/2008

المأزق الأمريكي – الإسرائيلي ومستقبل الشرق الاوسط


المأزق الأمريكي – الإسرائيلي ومستقبل الشرق الاوسط
د.خليل حسين
استاذ القانون الدولي في الجامعة اللبنانية
مدير الدراسات ي مجلس النواب اللبناني
هل ان الولايات المتحدة الامريكية واسرائيل جادتين هذه المرة بتهديداتهما لدول المنطقة وتحديدا للبنان وسوريا؟ ام ان الامر لا يعدو كونه نوعا من التذكير بالخطوط الحمر للعبة السياسية في المنطقة؟ ام ان هناك متغيرات تستوجب تنفيذ التهديدات واستثمار النتائج السياسية التي تتطلع اليها كل من اسرائيل وواشنطن؟ وهل ان واشنطن جادة في استثمار مشروع الشرق الاوسط الكبير الى حد اطلاق العنان لمخيلة ارئيل شارون في تنفيذ ما يصبو اليه منذ زمن بعيد؟ وفي المقابل ما هي امكانات القوى الاخرى في مواجهة التهديدات اذا ما تعدت الى التنفيذ؟ وهل بمقدور واشنطن وتل ابيب المضي في الغي المتمادي بلا حدود ولا رادع لتنفيذ ما يتطلعا اليه؟
ربما تكون التهديدات الامريكية والاسرائيلية لسوريا وللبنان ولغيرهما في المنطقة بدءا من ايران مرورا في المقاومة الشعبية في العراق وصولا الى قوى الانتفاضة في فلسطين كانت دائما من باب الابتزاز السياسي ومحاولة اعادة ترتيب الاوراق الاقليمية في المنطقة ، على قاعدة انتطار المستجدات لقطف النتائج السياسية لأي امر مستجد. الا ان هذه المرة تبدو الصورة مختلفة بعض الشىء ان لم نقل كليا، وليس ذلك من باب التهويل كما يتصور البعض ، الا ان القراءة الموضوعية للمعطيات الاقليمية تشير الى جدية واشنطن وتل ابيب في استثمار بعض القضايا من جهة والمحاولة للهروب الى الامام من بعض المآزق التي تورطت بها كل من واشنطن وتل ابيب ولم تتمكنا حتى الآن من تحديد افق واضح للخروج بحلول يحفظ ماء الوجه. فمعطيات المأزق الامريكي - الاسرائيلي متعدد الجوانب والانواع ويظهر في العديد من الصور ابرزها:
- رغم ما حققته واشنطن من نجاحات هامة في غير منطقة من العالم يبقى الشرق الاوسط يعتبر قلب وعقل الاهداف الاستراتيجية للادارات الامريكية المتعاقبة ، ولم تتمكن حتى الآن من القبض المطلق على مفاصل مكوناته الاساسية رغم احتلال قلبه العراق، وهي لا زالت تعاني الامرين من مقاومة الاحتلال وتداعياته الاقليمية والتي تحاول احتواءه والتخلص منه عبر التهديدات لكل من تتصور ان له امتدادت مؤثرة في العراق ومنها سوريا وايران وجميع القوى الممانعة لسياساتها في المنطقة. ولهنا استحضرت مشروع الشرق الاوسط الكبير ، القديم- الجديد في شكله ومضمونه لاستثمار اوهام النصر في بلاد الرافدين.
- ان السياسة الهجومية التي مارستها ضد ايران لا سيما في الملف النووي لم يحقق أي مكسب عملي او نهايات محددة يطوي المشروع وفقا للرؤية الامريكية – الاسرائيلية ، بل على العكس من ذلك فقد اشتد عود المحافظين مجددا على حساب المعتدلين ، مما زاد في حرج السياسة الامريكية تجاه المنطقة ككل وتخبطها بين سياسات الاحتواء والتهديدات وصولا الى التفلت من بعض القيود التي حرصت على عدم المس بها في السابق.
- ان سياسة الاحتواء التي تعاملت بها واشنطن مع سوريا في العديد من الملفات الساخنة في المنطقة بدءا من القضية العراقية وتداعياتها الاخيرة مرورا بقضايا الصراع العربي- الاسرائيلي وصولا الى الملف اللبناني،اتسمت بشكل عام بازدواجية المعايير وتقطيع الوقت ؛ بل وانتقلت في المرحلة الاخيرة الى سياسة المواجهات بين فترة وأخرى مع حصول صدامات عسكرية حدودية مع العراق تحت حجج مختلفة،وانتهاءا بتنفيذ قانون محاسبة سوريا باعتبارها "مصدرا لتهديد الاستقرار في المنطقة" كما ورد في حيثيات التوقيع على القانون.
- اما التحول اللافت في السياسة الامريكية فقد ظهر عمليا بعد احداث 11 ايلول 2001 فيما خص دول الخليج لا سيما المملكة العربية السعودية ، اذ باتت موقعا للتصويب الامريكي على الكثير من القضايا،وموقعا بارزا لاجراء اوسع عمليات الابتزاز السياسي، متناسية ما كان للملكة من مواقع مميزة لدى جميع الادارات الامريكية المتعاقبة.
- وفي مجال القضايا العربية المشتركة وابرزها الصراع العربي- الاسرائيلي، فلم تتمكن واشنطن من الخروج ولو لمرة واحدة من دائرة الرؤية الاسرائيلية لهذا الملف، الذي يعتبر الى حد كبير مفتاح نجاح السياسة الامريكية للكثير من القضايا المتصلة به. فبالعودة الى عقد مضى لم يكن مشروع الشرق الاوسط الجديد وفقا لرؤية شمعون بيريز مدعوما من الادارة الامريكية سوى انعكاس لهزيمة النظام العراقي آنذاك بعد اخراجه من الكويت وتصوير هذه الهزيمة هزيمة لكل العرب بهدف اجبار الدول العربية على دفع الثمن السياسي المطلوب وأبرزه هضم اسرائيل في المنطقة واعتبارها المركز الاقتصادي الاول لاستثمار موارد المنطقة.وعلى نفس القاعدة وبنفس المنهج استحضرت واشنطن مشروع الشرق الاوسط الكبير كنتيجة وانعكاسا لسقوط النظام العراقي وتدفيع الثمن السياسي والاقتصادي للدول العربية ولغيرها في المنطقة ، باعتبار الشرق الاوسط الكبير الذي تسعى الى تحقيقه جزءا مركزيا من النظام العالمي الذي سعت الى تثبيت اسسه بعد انهيار الاتحاد السوفياتي.
- اما الوجه الآخر للمأزق الامريكي فيبدو جليا في الوضع الداخلي ،بدءا من الصراع المستتر والمعلن بعض الاحيان بين المتشددين في وزارة الدفاع والمعتدلين في الخارجية،مرورا بتخبط الوكالات الامنية الامريكية بملف 11 ايلول وتداعياته الداخلية والخارجية، وصولا الى ملف انتخابات الرئاسة الذي بات موقعا مركزيا للتسابق بين المتنافسين على تقديم العروض واسترضاء اللوبي المؤثر فيه.
- اما في المقلب الآخر المتعلق باسرائيل، فالصورة ليست بأحسن حال، فسياسة الليكود في عهدي بنيامين نتنياهو وخلفه ارئيل شارون لم تتمكن كذلك من هضم الكثير من المشاريع التي طرحت في المنطقة وآخرها مشروع اللجنة الرباعية، بل انتجت انتفاضات فلسطينية متتالية ومتواصلة ، في وقت غابت افق الحلول السياسية وحلت مكانها سياسات الابادة الجماعية والاغتيالات المنظمة والمبرمجة للقيادات الفلسطينية. اضافة الى ذلك فقد طوّر ارئيل شارون ردات فعله على القضايا الامنية الى تهديدات منفذة ضد سوريا ولبنان ،اتخذ بعضها ابعادا اكثر حساسية؛ كما مارس مع طهران ودمشق وبيروت سياسة حفة الهاوية التي لم تكن يوما وسيلة ناجعة لحل قضايا عمرها من عمر الكيانات السياسية في المنطقة.
اما في الجهة المقابلة بدءا من ايران وصولا الى فلسطين مرورا في العراق وسوريا ولبنان،فتبدو الصورة اقرب الى المواقع التي تمارس عليها اوسع عمليات التجاذب والاستثمار والابتزاز السياسي لمختلف ملفات المنطقة، على قاعدة ان لا حول ولا قوة لهذه الدول والقوى في ظل غياب أي قوة اقليمية او دولية مؤثرة في مواجهة السياسة الامريكية ، وان وجدت بعض الافعال المواجهة فلا تعدو كونها استثناءات معزولة بين الحين والآخر للعديد من الاعتبارات والاسباب في ظل سياسات التكيف التي تمارسها العديد من الدول في المنطقة والتي كان من نتائجها خروج ليبيا من نطاق المواجهة مع الغرب.
ان خيارات هذه الدول والقوى في بعضها محدودة عمليا، نظرا للامكانات المتواضعة في مواجهة الآلة العسكرية الامريكية – الاسرائيلية ذات التوجهات الامبراطورية ؛ اضافة الى ذلك لم تعد هذه القوى تمتلك الهامش المريح للتحرك في ظل استنفاذ معظم وسائل الحمايات السياسية والدبلوماسية التي استهلكتها على مدى عقد ونصف تقريبا؛ معطوفة على اسباب اخرى تتعلق بجوهر وجود هذه الدول والقوى بما تحمل من توجهات ورؤى عقائدية موروثة. وفي هذا المجال ان سياسة التكيف التي اعتمدت من بعض الدول للتخفيف من الضغوط الامريكية لن تكون فعالة ومجدية لوقت طويل ،اذ تستلزم تقديم تنازلات هامة تمس جوهر وجود هذه الدول كأنظمة عقائدية.
لتلك الاسباب ولغيرها ايضا، تبدو الصورة في الشرق الاوسط مفتوحة على كافة الاحتمالات والخيارات الساخنة.فتسليم السلطة للعراقيين في حزيران المقبل سيترك الباب واسعا للادارة الامريكية لاعادة خلط الاوراق من جديد واستثمار الساحة العراقية المفتوحة على كافة الاحتمالات الداخلية والافليمية، كما سيكون ملف اسلحة الدمار الشامل في المنطقة مجالا للابتزاز الشامل باتجاه طهران ودمشق التي تساوت في قانون المحاسبة مع ايران في قانون داماتو؛ كما ان الوضع في جنوب لبنان ومزارع شبعا المرتبط اساسا في اوراق نزاع اقليمية لن يكون بمنأى عن أي استغلال اسرئيلي لتبرير أي عمل عسكري واسع ضد لبنان وسيحاول ارئيل شارون مده باتجاهات اقليمية للهروب من مآزقه الداخلية التي لا تعد ولا تحصى ؛ اما اوضاع السلطة الفلسطينية واراضيها فهي ساحات قتال يومية تنتظر اندفاع شارون الاخير للاجهاز على ما تبقى من السلطة ورموزها.
ربما تكون الصورة قاتمة بعض الشيء ، الا ان تاريخ الصراعات الاقليمية والدولية حافل بالامثلة والدلالات التي تكررت في غير موقع وأزمة، وأبرزها ان أي مواجهة لا تحمل في ثناياها مشروعا سياسيا قابلا للحياة ، لا تعتبر مواجهة ناجحة النتائج لفترات طويلة، اذ ان الشعوب سرعان ما تستيقظ من سباتها لتقلب المعادلات من جديد. كما ان هناك ثابتا آخر في التاريخ مفاده ان كل الانظمة والدول والجيوش تخوض الحروب والمواجهات وكلها تخسر وتربح تلك المواجهات، الا ان ليس هناك مقاومة خاضت معركة محقة وخسرتها. لذا ليس للعرب الا الاتعاظ من عبر المقاومة في التاريخ.فهل ستكون الاشهر القادمة ساخنة بسخونة ملفات المنطقة ؟ وهل استعدت واشنطن وتل ابيب لاستغلال ما يمكن استغلاله في الوقت الضائع بين انتخابات الرئاسة الامريكية والدعوات لاجراء انتخابات مبكرة في اسرائيل وضياع العرب بين مشاريع الاصلاح المفروضة ومقررات قممهم الهزيلة ؟ ان جميع المؤشرات تتجه نحو صيف دافىء في المنطقة.