13‏/02‏/2008

هل دقت ساعة الصفر في الملف النووي الإيراني؟

هل دقت ساعة الصفر في الملف النووي الإيراني؟

د.خليل حسين
أستاذ القانون الدولي في الجامعة اللبنانية
رئيس مصلحة الدراسات في مجلس النواب اللبناني

تشير تطورات الأيام الأخيرة إلى أن ساعة الصفر في الملف النووي الإيراني قد اقتربت، وأن ثمة نهاية قريبة لحالة التعليق .فقد اتخذت إيران عدة خطوات متلاحقة باتجاه تفعيل برنامجها النووي آذ أنهت تعليقها الطوعي لأنشطتها النووية، وشرعت في عمليات تخصيب جزئية ومحدودة النطاق.
ومن المعروف أن الأزمة النووية ظلت معلقة لحوالي ثلاثة أشهر لعدة أسباب أهمها الحالة المتردية التي وصلت إليها الأوضاع في العراق والارتباك الشديد الذي أصاب القوات الأمريكية ، ما دفع هذه الأخيرة إلى الشروع فعلياً في الخروج التدريجي من العراق. إضافة إلى النفوذ الإيراني المتزايد في العراق لم يتح لواشنطن الدخول في أزمة جديدة بسبب الملف النووي حيث تدرك واشنطن جيداً أن باستطاعة طهران التسبب في مزيد من المشكلات وتعقيد المواقف بأكثر حدة.
بيد أن عوامل عدة اجتمعت وأدت إلى تصعيد الموقف وفتح الملف النووي الإيراني على احتمالات عديدة، وأصبح أكثر هذه الاحتمالات ترجيحاً بعد تحويل الملف الإيراني إلى مجلس الأمن فرض عقوبات اقتصادية وربما دبلوماسية على طهران، إضافة إلى ما قد تلجأ إليه واشنطن أو تل أبيب من توجيه ضربة عسكرية استباقية لمنشآت إيرانية. كما أن التصعيد الأمريكي أثار حفيظة الدول الغربية على إيران ودفعت الدول الأوروبية للمشاركة في المحادثات النووية وتغيير موقفها المتعاطف مع إيران لتصطف إلى جانب واشنطن في انتقاداتها وتحاملها على طهران.
أن رد الفعل السياسي والإعلامي الأمريكي والأوروبي على الخطوة الإيرانية تجاوز الحجم الحقيقي لتلك الخطوة وما تعنيه لجهة التوجهات النووية الإيرانية،خصوصاً أن الوضع القانوني في الملف الإيراني لم يشهد تغيّراً فعلياً حتى بعد الخطوة الأخيرة، إذ كانت إيران قد قامت طوعياً بتعليق أنشطتها النووية كبادرة حسن نية من جانبها،غير أن الأساس القانوني ليس دائماً هو المعيار أو المحك للتصعيد أو التهدئة، فالضجة التي تجاوزت حجم الخطوة الإيرانية سرعان ما هدأت وأخذت تميل إلى تغليب المسارات السياسية والدبلوماسية على غيرها رغم أن تحولاً فعلياً لم يطرأ على موقف طهران، إذ لم تبد أي رغبة في التراجع ، بل عمدت طهران إلى إطلاق إشارات واضحة بخسائر فادحة إذا ما تم تحويل الملف النووي إلى مجلس الأمن، وبرد شديد إذا ما تعرضت المنشآت النووية لأي عمل عسكري.
لكن الواضح أن لدى إيران إصرار على امتلاك مقدراتها النووية خصوصاً عملية التخصيب، وتعاملت مع الموضوع بسياسة ذكية عبر فرض الأمر الواقع واستباق التطورات لوضع الطرف الآخر في وضع المتلقي. ورغم أن واشنطن والترويكا الأوروبية لم تذهبا بعيداً في ردود الفعل على التصعيد الإيراني، إلا أن أوروبا بصفة خاصة لم تجد بداً من قبول الرغبة الأمريكية في اتخاذ موقف عملي ضد إيران يكسر الحلقة المفرغة من التصعيد ثم التهدئة والعكس،ومن هنا جاء قرار الوكالة الدولية للطاقة الذرية بإحالة الملف النووي الإيراني إلى مجلس الأمن بعد مشاورات واسعة واتصالات مكثفة خاصة مع روسيا والصين تأميناً لتأييدهما. وعلى الرغم من أن ليس من المتوقع أن تأخذ مسألة الإحالة أبعاداً أكثر خطورة في الوقت الراهن، إلا أن مجرد الإقدام على هذه الخطوة له أبعادا مهمة منها:
- أن الدور المطلوب من وكالة الطاقة الذرية أصبح مجرد دور استرشادي للتدليل على ما تعتبره واشنطن انتهاكات وخروقات من جانب إيران في الشأن النووي؛ما ينذر بأن الوكالة الدولية للطاقة الذرية ربما تضطلع بدور مشابه للجنة التفتيش على الأسلحة العراقية، فرغم الفوارق الكبيرة بين حالتي العراق وإيران، وكذلك بين صلاحيات وطبيعة كل من لجنة التفتيش والوكالة، إلا أن الأمر الواقع الذي حدث بالنسبة للجنة التفتيش أنها كانت مخولة صلاحيات واسعة فيما يتصل بالجانب الفني والتقني من البرنامج ألتسليحي العراقي، ثم تحيل ما تسجله من وقائع وما تقيمه من أوضاع بمنظورها الفني إلى مجلس الأمن لاتخاذ القرار. ومع إحالة ملف إيران النووي إلى المجلس قبل توصّل الوكالة إلى قرار نهائي بأن طهران تسعى إلى امتلاك أسلحة نووية، فإن دور الوكالة في المرحلة المقبلة سينحصر ويتقلص إلى ما يقترب كثيراً من دور لجنة التفتيش على أسلحة العراق، باعتبار أن الشروط والضوابط التي تخضع لها قرارات الوكالة وإجراءاتها في التعامل مع الدول التي لها برامج نووية قائمة أو محتملة لن يُعمل بها لأن الملف برمته خرج من نطاق الوكالة، وكل ما ستقوم به الوكالة هو تقديم توصية أو رفع تقرير عن مدى التزام طهران أو استجابتها لمطالب الوكالة، وليس اتخاذ قرار في شأن هذا الالتزام أو تقييم مدى الاستجابة.
- الدلالة الثانية لخطوة نقل ملف إيران النووي إلى مجلس الأمن، تدل على قرب موعد الحسم في هذا الملف، وربما يكون هذا الموعد بعد أشهر وليس بعد أيام أو أسابيع، لكن المؤكد أن حالة المدى الزمني المفتوح قد تلاشت. بمعنى أن طهران قد أصبحت تحت ضغط إضافي تجاوز دلالة ضغط المهلة التي تتناقص يومياً، ومصدر الضغط الإضافي أن مجرد اتفاق الدول الكبرى على تحويل الملف النووي الإيراني إلى مجلس الأمن معناه أن نطاق المناورة من الناحية الموضوعية قد تضاءل، فمن جهة لم يعد من المتاح طرح أفكار أو حلول غير عملية أو مرفوضة من جانب واشنطن أو الترويكا الأوروبية، ومن ناحية ثانية أصبحت طهران مطالبة بالتعامل الجدي مع ألأفكار والحلول المطروحة عليها سواء من جانب الترويكا أو من جانب أطراف أخرى ربما تكون متعاطفة معها، لكنها تتعامل مع أفكارها كجزء من أوراق اللعبة مع الأمريكيين والأوروبيين. وبخاصة أن بعض تلك الأطراف قد بدأ في إظهار مواقف مغايرة ليست في صالح طهران. وفي هذا الإطار يعتبر الموقف الروسي الأكثر وضوحاً وتأثيراً، فمن المعروف أن موسكو هي الحليف الأول لطهران فيما يتصل بالبرنامج النووي الإيراني، ولطالما اتخذت موسكو مواقف مؤيدة لإيران رغم الاستياء الأمريكي والضغوط التي مارستها واشنطن لترفع موسكو يدها عن إيران نووياً، وفي المقابل يعتبر الموقف الروسي المؤيد للسياسة الإيرانية، لا ينطلق من اعتبارات أخلاقية أو موضوعية قدر انطلاقه من اعتبارات مصلحية وحسابات اقتصادية واستراتيجية، الأمر الذي يجب تذكره عند النظر إلى التحول الذي طرأ على موقف موسكو مؤخراً، فرغم تأكيدات المسؤولين الروس أكثر من مرة أن التعاون مع إيران مستمر سواء في البرنامج النووي أو غيره، إلا أن الموقف الروسي تجاه الملف برمته لم يعد في جانب إيران كما كانت في وقت سابق.والمعنى أن حسابات ومصالح روسيا التي تجعلها حريصة على استمرار التعاون مع إيران، لم تعد كافية لتستمر موسكو في الدفاع عن إيران والتصدي لواشنطن وأوروبا بالوقوف في خندق واحد مع الإيرانيين.
لقد أبدت موسكو انزعاجها من السلوك الإيراني في إدارة أزمة الملف النووي، ومن اللافت أن يكشف عن هذا الانزعاج فلاديمير كونشينوف رئيس دائرة العلاقات الدولية في وكالة الطاقة الذرية الروسية، أي من الجهة التي تباشر التعاون النووي مع إيران، ما يحمل رسالة ذات مغزى عميق إلى إيران.إضافة إلى الضغوط أو ربما العروض الأمريكية على موسكو التي لعبت دوراً في تغيير موقف روسيا، وهنا نشير إلى الاقتراح الروسي بتخصيب اليورانيوم فوق الأراضي الروسية، والذي تعاملت طهران بحذر شديد معه بعد الإعلان عنه، ثم في دراسته، ثم في الرد عليه، ثم رفضه قبل أن تعيد النظر مؤخراً في هذا الرفض لكن بعد قرار الوكالة الدولية بإحالة الملف إلى مجلس الأمن.
وفي ضوء هذه المعطيات يبدو تغيّر موقف موسكو واضحا مقارنة بالموقف الصيني، فالملاحظ أن الصين هي الدولة الوحيدة حتى الآن التي تتمسك بالخيار الدبلوماسي كحل للأزمة النووية الإيرانية. مع ملاحظة أن موسكو تركت الباب مفتوحاً أمام إيران من خلال جولة المحادثات التي بدأت في العشرين من الشهر الماضي في روسيا حول فكرة التخصيب فوق الأراضي الروسية، لكن مشاركة روسيا في التصعيد وقبولها إحالة الملف الإيراني إلى مجلس الأمن يعني أن تلك الجولة من المباحثات ربما تكون الأخيرة، سيما وان المفاوضات الإيرانية الأوروبية الأخيرة لم تصل إلى نتائج محددة الأمر الذي يشجع واشنطن على محاولة الالتفاف على ما يمكن إن تتوصل إليه المفاوضات مع روسيا.
إن الإقدام على خطوة من شأنها تحويل التهديد من محتمل إلى محتمل بقوة أو قيد الحدوث، ليس بالأمر السهل. ولعل الإشارات التي أطلقها الرئيس الإيراني احمدي نجاد توحي بأن الطرق الدبلوماسية لم تغلق وأن ثمة مراجعة للخيارات والبدائل المتاحة من منطلق التعامل بواقعية دون تنازل وبديناميكية دون تصلب.
وبصرف النظر عما ستؤول إليه نتائج نقل الملف النووي إلى مجلس الأمن الدولي، فثمة وسائل لا يستهان بها يمكن لطهران ولوجها إن لجهة الخيارات العسكرية أو العقوبات الاقتصادية أو الدبلوماسية،وفي الواقع إن لإيران خبرة واسعة في التعامل مع الملفات المعقدة بدءا من قانون داماتو الذي فرضته واشنطن منذ عشر سنوات وصولا إلى ربط هذا الملف بقضايا إقليمية من السهل استثمارها.ومهما يكن من أمر فإن ساعة الصفر قد دقّت وباتت الخيارات تضيق بأصحابها فهل أن طهران ستتمكن من تمرير هذا القطوع الكبير؟أم أن واشنطن ومن يعنيها هذا الملف قد أعدّت العدّة وحسمت خياراتها؟ أسئلة كثيرة تنتظر الإجابات في القليل من الأيام القادمة.