13‏/02‏/2008

هل ستتحول شنغهاي إلى قطب دولي منافس؟

هل ستتحول شنغهاي إلى قطب دولي منافس؟
د.خليل حسين
أستاذ القانون الدولي في الجامعة اللبنانية
قدمت شنغهاي نفسها للعالم كتكتل إقليمي يهدف إلى رفاهية شعوب آسيا الشمالية والوسطي، لكن حقيقة الأمر أنها ولدت لأهداف أمنية وعسكرية، ففي النصف الثاني من التسعينيات توجهت المنظمة إلى تخفيض القوات المسلحة على الحدود المشتركة للدول الأعضاء، وفي نهاية التسعينيات تبلورت الأهداف الأمنية كرد فعل على صعود الحركات الإسلامية المسلحة في آسيا الوسطى خلال عامي 1999 و2000.وبكل حال ينبغي الإقرار بأن التوجه الأمني لم يأت اختياريا في كافة المراحل، لأن الولايات المتحدة وحلف الناتو دفعا دول المنظمة إلى مزيد من التوجه الأمني بعد احتلال كل من أفغانستان والعراق.
لقد وقعت منظمة شنغهاي بين قوتي جذب متنافرتين في الأهداف ومتوازيتين في النتائج، إذ إن الصين استهدفت استغلال المنظمة لمزيد من الغزو التجاري والوصول إلى التنقيب عن النفط وتأمين حاجتها الشرهة من الطاقة، أما روسيا فاستهدفت استغلال المنظمة لتحقيق تجمع عسكري آسيوي يحقق قدرا من التماسك أمام الاختراق الأميركي الذي ظهر في جورجيا وأذربيجان، وتحوّل إلى قواعد عسكرية في أوزبكستان وقرغيزستان.
لكن الناتو والولايات المتحدة قربا الصين من الهدف الروسي، فمع زيادة التهديدات الإقليمية بتوسيع الناتو شرقا في دول البلطيق والإعلان عن إقامة الدرع الصاروخي في شرق أوروبا باتت موسكو وبكين تتحدثان لغة مشتركة.أما الطرف السلبي في معادلة التوازن بمنظمة شنغهاي فتمثل في دول آسيا الوسطى التي تأرجحت بين التحالف مع الناتو والولايات المتحدة أو مع موسكو وبكين.
لقد كان لتمويل الولايات المتحدة عددا من الثورات التي أطاحت بالنظم الديكتاتورية في آسيا الوسطى والقوقاز وشرق أوروبا أثره في تسليم هذه الدول نفسها للعملاقين الروسي والصيني، خاصة حين وجدت هذه الدول نفسها عاجزة عن معالجة النزاعات الانفصالية، وصعود الحركات الإسلامية المسلحة.كما لم تمتلك حكومات آسيا الوسطى إرادة شق طريق مستقل نحو المستقبل، فوقعت في أخطاء مركبة، من بينها ما نقل دولة مثل قرغيزستان إلى نموذج ألمانيا الشرقية وقت الحرب الباردة.\
بناء على ما تقدم يبدو ظاهريا أن منظمة شنغهاي تتجه بالتدريج إلى تشكيل نواة قطب عسكري يحاول أن يجد مكانا يستبدل فيه حلف وارسو.والجديد كما يبدو نقل مسرح الحرب الباردة من أوروبا الشرقية إلى آسيا الوسطى، لكن القراءة الدقيقة تفيد بأنه كي تحقق منظمة شنغهاي تلك المكانة عليها أن تتجاوز مسائل رئيسة من بينها.
- حسم الدول الأعضاء في منظمة شنغهاي موقفها، فهذه الدول (كزاخستان وقرغيزستان وطاجيكستان وأوزبكستان) تلعب مع الجميع بكافة الأوراق وليست لديها كلمة نهائية بشأن الموقف من الولايات المتحدة والناتو.كما أن حكومات الدول التي تتمتع بصفة مراقب في منظمة شنغهاي كالهند وإيران ومنغوليا وباكستان أقرب إلى التحالف مع الولايات المتحدة والناتو منها إلى موسكو وبكين، إذا استثنينا الخلاف بين طهران وواشنطن.
- تحوّل التحالف الروسي الصيني من تحالف تكتيكي إلى تحالف إستراتيجي، لأن بين الطرفين تنافسا عسكريا واقتصاديا وصراعا على السيادة، وبينهما بالمثل اختلال ديموغرافي.وبينما تتقن موسكو سياسة الترهيب أكثر من الترغيب، ولا تصدر للعالم شيئا سوى السلاح تحتاج الصين إلى الحفاظ على علاقاتها القوية بأغلب دول العالم لإكمال مشروعها ببناء إمبراطوريتها التجارية، وبالتالي ليس من مصلحة الصين على المدى البعيد البقاء في تحالف عسكري له التزامات وعليه واجبات.
- أن تتمكن دول شنغهاي من إيجاد عقيدة" تجمع الصف على المدى البعيد، إذ ليست هناك راية تجتمع تحتها دول المنظمة، حتى أن المحللين الغربيين لا يجدون حرجا في تسمية تجمعهم "نادي الطغاة على أن تضمن هذه الراية إسكات شكوى الدول الصغيرة في المنظمة من سوء الاستغلال وهيمنة الكبير.
- أن تشعر شعوب هذه المنظمة بأن التحالف له عائد على الأرض، إذ لا يبدو لمنظمة شنغهاي سوى أهداف "فوقية" بين قادة الدول وجنرالات العسكر ووزراء الداخلية.
وإذا لم تتمكن منظمة شنغهاي من تجاوز هذه المشكلات فستقع فريسة نفس التهديدات التي أودت بنحو عشرة تحالفات إقليمية تشكلت منذ سقوط الشيوعية وحاولت الوقوف أمام التوغل الأمير كي ومنيت جميعها بالفشل.وأبرزها:\
- فض بعض التحالفات السياسية الاقتصادية مثل منظمة تحالف آسيا الوسطى CACO نتيجة عدم فاعليتها ودمج أجهزتها في منظمات أخرى مثل منظمة يوراسيك Eurasic.
- انهيار مشروع اتحاد الشعوب السلافية الذي أفسده الناتو عن طريق حصار السلاف الجنوبيين (اليوغسلاف) وتفتيت دولتهم، وعن طريق تمويل واشنطن المالي والسياسي لسحب أوكرانيا من مشروع الجامعة السلافية وتوجيهها وجهة غربية صرفة، وفي نفس الوقت حصار روسيا البيضاء (مركز السلاف في شرق أوروبا) وتشويه سمعتها السياسية.
- تبدد الآمال بشأن تمويل المشروعات الإقليمية ذات الصبغة الاقتصادية مثل مشروع الجسر البري الأوراسي، ومشروع الترانسيسا، وهما المشروعان اللذان كانا قد قدما صورة باهرة لعودة الازدهار الاقتصادي لشعوب ما بعد الشيوعية.
- تواضع الدور الذي يلعبه اتحاد كومنولث الدول المستقلة CIS الذي يعتبر تنظيما مماثلا في بنيته للجامعة العربية، والذي بدأ قبل 15 سنة بنفس طموحات شنغهاي وخاصة في مجالات الدفاع العسكري المشترك وتشكيل جيش موحد وتعاون اقتصادي.
- عدم قيام المنظمات الأمنية الكبرى مثل منظمة الأمن الجماعي CSTO التي تضم عشر دول أوراسية بدور حقيقي وتحولت إلى مناسبات كلامية واحتفالية.
إن الاتكاء على منظمة شنغهاي في إعادة توازن الحرب الباردة يغفل أن مثل هذه الفرصة قد ضاعت حين ارتضت دول شنغهاي بتدمير أفغانستان بفاتورة أميركية ظنا منها أن ذلك أفضل من بقاء نظام طالبان الذي يهدد بانتشار النموذج الإسلامي.كما ضاعت الفرصة التالية حين اكتفت دول شنغهاي بمتابعة غزو واحتلال العراق الحليف الثري الكبير.
لذلك ينبغي قراءة هذه الحقائق بدقة، ففيها مغزى لن نجده في الترجمة الحرفية لما يروجه الإعلام الغربي من أن شنغهاي تستبدل وارسو، أو أن عالما متعدد الأقطاب قيد التشكيل بمواجهة الولايات المتحدة الأمريكية.