16‏/02‏/2008


حول الانتهاكات الإسرائيلية للقانون الدولي الإنساني
د.خليل حسين
أستاذ القانون الدولي في الجامعة اللبنانية
مدير الدراسات في مجلس النواب اللبناني

منذ يوم الأربعاء في 12/7/2006 تشن إسرائيل، بواسطة قواتها المسلحة النظامية، عدواناً شاملا ضد لبنان، الدولة العضو المؤسس في منظمة الأمم المتحدة. وذلك بحجة الدفاع عن النفس، بعد عملية عسكرية محدودة استهدفت الإفراج عن أسرى لبنانيين أسروا وهم يعملون في صفوف المقاومة اللبنانية والفلسطينية على الأراضي اللبنانية. ومازال بعضهم يقبع في السجون الإسرائيلية منذ ثلاثين عاماً. وبعد أن رفضت إسرائيل الإفراج عن هؤلاء الأسرى رغم وعدها للمقاومة اللبنانية عن طريق طرف ثالث بالإفراج عنهم، قامت المقاومة بأسر جنديين إسرائيليين بقصد المبادلة. فشنت إسرائيل عدوانها الشامل خارقة كل مبادئ وأعراف ونصوص القانون الدولي الإنساني، فهي ترتكب:
أولاً- جريمة الإرهاب:
هذه الجريمة، وإن لم يتم الاتفاق على تحديدها بشكل دقيق ومقبول من الكافة، فإن المعاهدات والقرارات المختلفة المتعلقة بها تنص على حالات بث الذعر بين الناس بواسطة الأسلحة والمتفجرات المستخدمة فعلاً ضدهم أو التي تهددهم في البر أو البحر أو الجو لتحقيق أهداف خاصة لمستعمل هذه الأسلحة. فقد وصف ريمون آرون هذه الجريمة بقوله: "إن عدم تمييز الإرهاب بين إنسان وآخر يساعد على خلق هذا الشعور بالخوف"، أما بول فاغنر فهو يحصره بالترويع في سبيل تحقيق هدف سياسي، فهو يقول: "إن الإرهاب يتميز عن أشكال العنف الأخرى بأن له محتوى سياسياً".
والموقف نفسه يتخذه بالجيت سنغ عندما يصف الإرهاب قائلاً: "إن الإرهاب السياسي يهدف أساساً إلى ترويع النفوس لا الآلة العسكرية بحد ذاتها".
إن ما يقوم به الجيش الإسرائيلي، لا سيما سلاح الجو والبحرية، يدخل تحت هذا المفهوم من بابه الواسع.
وإذا كان بعض السياسيين حاول حصر الإرهاب بالأفراد، فإن هناك رأياً واسعاً يرى أنه يمكن أن يحصل على أيدي الأفراد أو على أيدي الجيوش النظامية، وهذا ما يؤكده غريغور بالود بقوله:
"الإرهاب أن يقوم فرد أو مجموعة أو دولة، بأعمال عنيفة هادفة إلى خلق شعور بالرعب عند السكان المدنيين، وأن يتسبب بآلام تتجاوز الأهداف المرجوة من العمل". وعندما تقوم به الدولة فهو بشكل ما يسمى: "إرهاب الدولة" وهو أشد خطراً و فتكاً من إرهاب الأفراد أو الجماعات.
إن ترويع المدنيين اللبنانيين وتهديم المساكن فوق رؤوسهم وقصف المركبات التي تتحرك على الطرقات ونثر أعضائهم ولحمهم بين الركام هو من أبشع أشكال الإرهاب.
ثانياً: خرق مبدأ التناسب بين الفعل ورد الفعل. فردّاً على أسر جنديين راح الجيش الإسرائيلي يدمر لبنان ويقتل أبناءه وهذا ما لاحظته لويز أربور المفوضة السامية لحقوق الإنسان لدى الأمم المتحدة في حديث إلى جريدة "الموند" في 22 تموز ‏2006‏‏‏
ثالثاً: ممارسة جميع أنواع الجرائم بواسطة أكبر ترسانة عسكرية في الشرق الأوسط وهي:
1- جريمة العدوان:
والتي، إن لم تعرف بدقة في القانون الدولي، إلا أن أبسط مفهوم لها هو: أن تشن دولة حرباً شاملة على دولة أخرى، دون أي مسوغ قانوني مقبول، وتمعن في التدمير الشامل والقتل بالجملة دون تمييز، والتي تأتي خرقاً فاضحاً لمبادئ القانون الدولي ولا سيما ميثاق الأمم المتحدة، سواء في ديباجته التي آلت فيها شعوب الأمم المتحدة "أن تنقذ الأجيال المقبلة من ويلات الحرب..."
أم في مادته 2/4 التي تقضي بأن "يمتنع أعضاء الهيئة جميعاً في علاقاتهم الدولية عن التهديد باستعمال القوة أو استخدامها ضد سلامة الأراضي أو الاستقلال السياسي لأية دولة، أو على أي وجه آخر لا يتفق ومقاصد الأمم المتحدة".
2 - جرائم ضد الإنسانية:
يقوم الجيش الإسرائيلي، في إطار هجوم واسع ومنهجي ضد السكان المدنيين، بأعمال القتل العمد، إذ تدك البيوت فوق العائلات، كما حصل في قانا حيث سقط 55 شهيدا بينهم 72 طفلا بعضهم من المعاقين، وقبلها في الدوير وعين عرب والنميرية وصريفا ومروحين وعيترون وصور والنبي شيت وبعلبك وبريتال والشياح وغيرها... حيث تجاوز عدد الضحايا حتى هذه اللحظة 1000 شهيد 3000 جريح غالبيتهم الساحقة من الأطفال والنساء والشيوخ، وقد عاينّا تناثر الأشلاء وسط الدمار.
3- جرائم الحرب:
يرتكب الجيش الإسرائيلي كل أنواع جرائم الحرب ، فهو يرتكب خرقا فظيعا لاتفاقيات جنيف 12 آب 1949 وبروتوكولوها الأول (م 85 من البروتوكول الأول الملحق باتفاقيات جنيف الذي يحيل إلى المواد 50 من الاتفاقية الأولى، 51 من الثانية، 130 من الثالثة و147 من الرابعة).
وهو يقوم :
- بالقتل العمد
- بأخذ الرهائن، كما حصل في بعلبك إبان إنزال ليل 1-2 أب ‏2006‏‏
- بتوجيه غارات أرضية وبحرية وجوية، مما يحدث تدميراً واسع النطاق في الممتلكات والمؤسسات التجارية والصناعية المدنية، دون أية ضرورات عسكرية كما حصل في الضاحية الجنوبية لبيروت وشتورة والنبطية وسائر الجنوب وبعلبك وبدنايل والغازية والبقاع الغربي...
كما يتعمد الجيش الإسرائيلي:
- توجيه هجمات ضد السكان المدنيين في كافة مدن الجنوب اللبناني وبعض جبل لبنان، وكذلك في أقسام واسعة من البقاع والشمال، فتقصف مدن صور وبنت جبيل وصيدا وكافة قراها وكذلك الضاحية الجنوبية: حارة حريك والغبيري والشويفات والشياح التي يقطنها أكثر من مليون شخص من أصل ثلاثة ملايين ونصف هم سكان لبنان الحاليين، حيث سويت أحياء منها بالأرض، كما تقصف منطقة شتورة وزحلة وبعلبك وقراها والهرمل ومنطقتها.
-تهجير السكان بالقصف والتهديد بتصعيده، حيث تم طرد حوالي مليون إنسان من الجنوب اللبناني والضاحية الجنوبية.
- توجيه هجمات ضد مواقع مدنية في كافة المناطق المذكورة، من مصانع ومحطات وقود ومخازن مواد غذائية وإغاثة.
- شن هجمات ضد منشآت ومركبات مدنية، وكذلك مركبات تقوم بمهمات للمساعدة الإنسانية، كقصف محطات توليد الكهرباء (كما حصل في الجية وغيرها) وتدمير الجسور الرئيسية: جسر القاسمية وجسر الأولي وجسر ضهر البيدر وجسر العاصي وجسر المعاملتين وجسر المدفون وجسر عرقة إلى حوالي مائة وخمسين جسراً آخر، وذلك بقصد معلن، وهو تقطيع أوصال البلاد ومنع التواصل بين أجزائها وتأمين المواد الضرورية من منطقة إلى أخرى.
وتقصف كذلك الشاحنات التي تحمل المواد الغذائية والمنتجات الزراعية والمواد الضرورية على كافة الطرق في لبنان، وتقصف سيارات الإسعاف (لا سيما التي أرسلتها دولة الإمارات العربية المتحدة في منطقة زحلة) كما تقصف كل وسائط النقل ذات الحجم المتوسط أو الكبير.
- توجيه هجمات ضد أماكن تجميع المرضى والجرحى كما حصل في صور حيث قصف مقر للدفاع المدني و غير ذلك من المؤسسات الإنسانية.
- تعمد إلحاق أضرار زائـدة باستخدام القذائف الفسفورية الحارقـة كما حصل فـي منطقة شبعا.
- تعمد تجويع السكان عن طريق قصف كل شاحنة تتحرك على الطريق في كافة الأراضي اللبنانية.
- الهجوم على الممتلكات الثقافية والتراث الإنساني كما حصل في صور وبعلبك وغيرها وكذلك دور العبادة كما حصل في صور وغيرها من مدن وقرى الجنوب اللبناني وبعلبك وبوداي وغيرها...
- الاعتداء على مراكز الأمم المتحدة, وقتل ضباط وموظفي قوات الطوارئ الدولية في الجنوب كما حصل في مناطق الخيام وصور ومارون الراس.
- الاعتداء على عناصـر وآليات الصليب الأحمر وإعاقتهم بالقصف الذي عدتـه المادة 85/4/ د من البروتوكول الأول من الانتهاكات الجسيمة وبالتالي من جرائم الحرب.
4- جرائم الإبادة الجماعية:
يتعمد الإسرائيليون القتل والأذى وسائر الأضرار بشعب لبنان.
وهكذا فإن إسرائيل تخرق كل القواعد والأعراف المتعلقة بالحرب لا سيّما:
1- قواعد الحرب البرية (لاهاي 1907) في موادها:
- 22- التي تحظر تدمير الممتلكات دون أية ضرورة ملحة.
- 25- التي تحظر مهاجمة وقصف المدن والمساكن غير المحمية.
- 27- التي تقضي باتخاذ كافة الاحتياطات لتفادي الهجوم على مواقع تجميع الجرحى.
2- اتفاقية منع الإبادة الجماعية لسنة 1948 باستهداف العمليات العسكرية الإسرائيلية لكل المواطنين اللبنانيين بصفتهم تلك.
3– اتفاقيات جنيف: م 3/1/ ب المشتركة التي تمنع أخذ الرهائن، والاتفاقية الرابعة التي تقضي بحماية السكان المدنيين لا سيما في موادها 12-26 حول حماية الجرحى والمرضى.
4- البروتوكول الأول الملحق باتفاقيات جنيف لسنة 1949 وذلك في مواده:
- 35/2- التي تحظر استخدام الأسلحة والقذائف والمواد ووسائل القتال التي من شأنها إحداث إصابات أو آلام لا مبرر لها.
- 48- التي تقضي بالتمييز بين السكان المدنيين والمقاتلين وبين الأعيان والمدنية والأهداف العسكرية وفي حالة الشك يعد السكان مدنيين ( م . 5/2) والأعيان مدنية (م 50/3).
- 51- تحريم أعمال العنف الرامية إلى بث الذعر بين السكان المدنيين كما تحظر الهجمات ضدهم.
- 54/1- التي تحظر تجويع المدنيين كأسلوب قتال.
- 54/2- التي تحظر مهاجمة أو تدمير الأعيان التي لا غنى عنها لبقاء السكان، من مواد غذائية وشبكات مياه الشفة والري.
- 56 - التي تحظر مهاجمة الجسور والأعيان الهندسية.
- 57/2/ب- التي تقضي بأن يلغى أو يعلق أي هجوم إذا تبيّن أنه قد يتوقع منه أن يحدث خسائر في أرواح المدنيين أو يلحق الإصابة بهم أو يضر بالأعيان المدنية.
- 61-67- المتعلقة بحماية قوات الدفاع المدني والأشخاص ووسائل النقل العاملة فـي إطـاره، وهـذا ما يتعرضـون له يومياً في جنوب لبنان وغيره من المناطق، كما تبرزه وسائل الإعلام.
- 70 و71- التي تمنع إعاقة أعمال الغوث للمدنيين، كما يجري على أيدي القوات الإسرائيلية منذ بدء الحرب.
- 79- التي تمنع التعرض للصحافيين والتي خرقتها القوات الإسرائيلية بقصف مواكب الإعلاميين في منطقة حاصبيا ثم في منطقة عيتا الشعب.
5- اتفاقية لاهاي لسنة 1954 لحماية الممتلكات الثقافية وأماكن العبادة والتي استعادتها المادة 85 من البروتوكول الأول وعدتها من الانتهاكات الجسيمة وبالتالي من جرائم الحرب :
كما حصل من ضرب المساجد والكنائس والآثار في صور وراشيا وبوداي وبعلبك وغيرها.
6- اتفاقية حظر استخدام تقنيات التغيير في البيئة لأغراض عدائية 10 كانون الأول 1976 والتي استعيدت أحكامها بالمادة 55 من البروتوكول الأول الملحق باتفاقيات جنيف. كما جرى بعد قصف خزانات النفط في الجية والدورة مما دفع كميات كبيرة من البترول إلى البحر تهدد معظم الساحل اللبناني.
7- اتفاقية 1980 وبروتوكولاتها التي تحظر وتقيد استعمال الأسلحة التقليدية التي يمكن اعتبارها مفرطة الضرر أو عشوائية الأثر، وذلك بالقصف المتمادي، دون تحديد أهداف عسكرية في التجمعات السكنية.
8- بروتوكول 3 أيار 1996 المتعلق بالألغام، والذي ينص، في مادته العاشرة، على أن تكسح أو تزال أو تدمر أو تصان كل حقول الألغام والمناطق الملغومة والألغام والشراك الخداعية والنبائط الأخرى.
وأنه على الطرف الذي زرع هذه الأشياء أن يقدم المساعدة التقنية والمادية للقيام بمسؤولية نزعها. وهذا يستلزم قبل كل شيء تسليم الخرائط الخاصة بها، الأمر الذي ما زالت إسرائيل تمتنع عن القيام به منذ انسحاب جيشها في أيار سنة 2000.
إن ما تقترفه إسرائيل من اعتداءات على المدنيين من أطفال ونساء وشيوخ وعلى المنشآت المدنية من منازل ومستشفيات ومدارس ومزروعات وبنى تحتية من جسور ومحطات توليد الكهرباء وشبكات الهاتف والمياه والطرق ومراكز الصليب الأحمر ووسائل نقل الجرحى... كل هذا وغيره يشكل كما بينا ليس فقط خرقاً، بل اعتداءً على القانـون الدولـي الإنسانـي والمواثيق والأعراف الدوليـة، واعتداءً همجياً على الإنسانيـة وعلى كرامـة الشعوب، وهو يستلزم إنشاء محاكم جنائية دولية لمحاكمة المسؤولين عنه من سياسيين وعسكريين إسرائيليين.
إننا، إذ نضع بين أيديكم هذه الحقائق الموثقة بالصور، نهيب بكم أن تتحركوا لتنوير الرأي العام وقادة الفكر، للضغط بكل وسيلة من أجل وضع حد لكل هذه الأعمال التدميرية الممنهجة، التي تستهدف المدنيين والأعيان المدنية فقط.
إننا نعول على حسّكم القومي والإنساني.
ولكم جزيل الشكر